Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 21 ديسمبر 2019

بكل هدوء

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
صف الخاسرين
تونس / الصواب /22/12/2012
حرص بورقيبة دوما بإعلان أو بدون إعلان ، ليكون في صف الرابحين les gagnants  سواء عن قناعة أو لحسابات سياسية وحتى ماكييفيلية، وأورث الديبلوماسية التونسية هذا التوجه ، وأعطى انطباعا بأنه على حق دوما ، حتى عندما لم يكن على حق ، ونحن اليوم في تونس في مفترق طرق ، على بلادنا أن تختار لتكون في صف المنتصرين أو المهزومين. هذا إذا ما زال متاحا ذلك.
أقول هذا الكلام ونحن في قلب المعمعة ولم نعد خارجها ، كما أوهمنا أنفسنا على مدى سنوات ، بشأن ما يحدث في ليبيا ، وعندما كان على تونس أن تكون على الحياد في أدنى الأحوال ، فإن حكامها وجانب من شعبها ، اختارا أن يقفا إلى جانب الميليشيات الإسلاموية ، على حساب القوة الحقيقية التي كانت مستعدة لتسيطر على ليبيا .
 منذ 4 أفريل الماضي شن جيش حفتر عملية أسميت بالجراحية للسيطرة على طرابلس ، وحفتر هو عسكري ليبي عرف الهزائم على يد الجيش الفرنسي في تشاد في منتصف الثمانينيات ، عندما أراد العقيد القذافي أن يلحق نجامينا العاصمة بإمبراطوريته الأفرو عربية ، فهبت باريس لنجدة مستعمرتها السابقة ، واذاقت جيش معمر الويلات ، وأطردته بعد أن استولت على عدد كبير من الأسرى ، كان من بينهم الكولونيل ( وهي أعلى رتبة في الجيش الليبي حتى لا يكون أحد في صفوفه أعلى من القذافي نفسه ) .
 يبدو أن الولايات المتحدة استنجبت أسير فرنسا ، فانتدبته لمهام محتملة ، ونقلته إلى واشنطن ، وبعد ثورة مارس في ليبيا وجد نفسه على رأس طغمة قليلة ، تم تكليفها من طرف الغرب للسيطرة على المنطقة الشرقية في انتطر أيام أفضل ، غير أن الأسير السابق وجد نفسه في نفس المنطقة التي انتقل إليها البرلمان المنتخب  في سنة 2013 في كامل البلاد ، والذي أطردته ميليشيات الإخوان على اختلاف مشاربها  من العاصمة طرابلس ، لتفرض نفسها بقوة السلاح ، وخارج إطار شرعية الصندوق الانتخابي كسيدة في طرابلس .
من هنا وجد حفتر نفسه متمتعا بشرعية ، أضفاها عليه برلمان منتخب كان مفترضا أن يتسلم السلطة في طرابلس ، ويشكل جكومة مناوئة للإخوان ولكن حيل بينه وبين الواقع.
نظريا فإن حفتر لا قوة شرعية ولا يتمتع حتى بالمشروعية ، إلا عبر برلمان وسلطة منتصبة في الشرق الليبي ليس لها عليه لا دالة ولا سلطة.
ووجد العالم نفسه في بلد واحد أمام شرعيتين ، شرعية من الخارج أي من الأمم المتحدة ،  أضفتها على مجلس رئاسي عين على رأسه السراج في طرابلس بمهمة أساسية هي تصفية الميليشيات وإعادة قيام الدولة الليبية الموحدة ، وشرعية ثانية ممثلة في برلمان منتخب ولكنه مطرود من عاصمة بلاده ، بفعل تلك الميليشيات الاسلاموية، وعوض أن يقوم السراج بتصفية الميليشيات ، أصبح خاضعا لها وأصبحت تعتبر نفسها هي الدولة الليبية، ولم تكن الأمم المتحدة لتعطي السراج الوسائل التي تمكنه من أداء المهمة التي كلف بها ، أمميا فسقط بين براثن الميليشيات ، وبات أسيرا لها واستمرأ ذلك الوضع.
حفتر الذي تولى تصعيد نفسه من كولونيل إلى ماريشال ( أفضل من موبوتو في كينشاسا من سرجان إلى ماريشال ، وبوكاسا من أقل من سرجان إلى ماريشال ) وجد العون من الدول المضادة للاسلام السياسي ، مثل الامارات والسعودية ومصر وإلى حد ما فرنسا ، ما وضع السراج وميليشياته في حماية قطر وتركيا وإلى حد ما إيطاليا ، علما وأن لكل مصالحه الخفية ، ومنها استثمارات ب18 مليار دولار لتركيا ما قبل نهاية القذافي  ،الذي كان صديقها تريد أن تسترجعها أو تعيد وهجها ، وإيطاليا التي تغمز لبترولها وغازها في المنطقة الغربية ، وفرنسا التي تغمز من جهتها لشركاتها البترولية في الشرق الليبي ، وكلا الطرفين ، وحتى غيرها مثل مصر والإمارات ، ولكن خاصة الولايات المتحدة وروسيا ، كلها تنظر بعين الطمع باستغلال جانب من عائدات إعادة الإعمار، التي ستتكلف في أقل التقديرات بـ270 مليار دولار ، ستدفع من الأموال الليبية متى انتهى أتون الحرب المشتعلة.
تونس وحدها هي التي لم تبحث عن مصلحتها ، فيما الجزائر التي عاشت خلال أشهر عديدة على حافة بركان،  لم تعرف لا هي الأخرى مصلحتها  وانشغلت عنها بوضع داخلي متفجر لا يعرف أحد متى يسترجع توازنه ، ولذلك كان انخراط تونس بلا مواربة إلى جانب السراج وميليشياته الاسلاموية إرضاء للنهضة، فيما عدا سنة 2014 عندما تولى مهدي جمعة رئاسة الحكومة ،  ومنجي حمدي وزارة الخارجية ، حيث حاولا بأكثر أو أقل توفيقا ، الوقوف على حياد لم يكن ليرضي لا هذا الطرف ولا ذاك.
أين هو الوضع اليوم ؟
 وهل وقع حساب الربح والخسارة ، فيما عليه الموقف التونسي وهو ما يهم في المحصلة البلاد ، وشعب الجنوب الذي كان أكبر المتضررين من الحاصل في ليبيا.
غالب المراقبين عبر العالم يقولون إن حفتر يسيطر على ما بين 80 و85 في المائة من الرقعة الليبية ، وإذا تركنا أقوال هؤلاء وأولئك من المتواجهين ، واطلعنا على تقارير الصحافة والتلفزيونات المتسمة عادة بنقل أخبار موضوعية ، فإن الخناق قد ضاق ضيقا شديدا حول السراج وميليشياته ، يبرهن على ذلك جري السراج السريع وراء تحالف مع تركيا بقصد إنجاده ، وهو اتفاق في نظر شراح القانون غير قانوني ، لأنه ليس صادرا عن حكومة تتمتع بالسيادة على أرضها ، ولا يمكن اعتبارها دولة بالمفهوم القانوني والواقعي للدولة ، ومهمة السراج التي كلفته بها الأمم المتحدة لا تسمح له باتخاذ مثل هذه الخطوات.
غير أن التبادلات القانونية والسيادية لم تعد هي الفيصل اليوم ، وبعد التطورات على ساحة المعارك ، بل وكما قال هتلر وللأسف ، فإن الحق بات في أفوه المدافع.
وإذ يمكن للمرء أن يستنتج أمرا ، فهو أنه من المستحيل على حفتر ، أن يحتل قلب طرابلس ، إلا إذا لجأ لقوة كاسحة تؤدي لقتل المئات وحتى الآلاف لتشابك ما هو أهداف عسكرية بالمدنيين ،  في عاصمة مثل طرابلس ، ولكن ومن جهة أخري إن حكومة يضيق عليها الطوق لهذه الدرجة ، لا يمكن أن تستمر طويلا ، هذا إذا كانت لها شرعية شعبية علما ، وأن حتى المفتي الغرياني وهو من هو تأثيرا معنويا في ليبيا ،  قد انقلب وهو من أشد أنصار السراج ، إلى تأييد حفتر الذي يسميه  الآن سيدي المشير.
ولعل مؤتمر برلين في الأيام الأولى من جانفي ، سيفرض على ليبيا حلا ترعاه أوروبا الغربية والولايات المتحدة وروسيا ومصر والامارات ، لفائدة الذين يسيطرون على الأرض أو غالب الأرض ، ويقع "اقتصاد" مجزرة في طرابلس.
**
كلمة أخيرة ... لك الله يا تونس في اختياراتك الاستراتيجية الخاطئة ، فإذا بات حفتر على أبوابنا ، هل ما زالت تكون  ليبيا مفتوحة لعمالنا ، ولشركات مقاولاتنا ، وللتجارة البينية التي كانت مزدهرة في زمن سابق ؟ هذا فضلا عن عداء كامن قد لا يظهر للعلن ولكنه باق تحت السطح يؤثر تأثيرا كبيرا.
هذا عدا التداعيات السياسية المحتملة نتيجة التطورات الآتية ؟؟؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق