Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 15 ديسمبر 2019

الموقف السياسي : كل الأخطار محدقة

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
على أعتاب سنة جديدة
تونس تطل على كل الأخطار
ما عاد يفصلنا عن العام الجديد إلا أقل من نصف شهر أو يكاد، فكيف ستواجه تونس عام 2020 وماذا ينتظرها .
أخطار داخلية محفوفة بتحديات كبرى سواء على الجانب السياسي أو الجانب الاقتصادي الاجتماعي ، ففي المجال السياسي ليس من محلل اليوم يمكن له أن يجزم بما سيحصل بشأن تشكيل الحكومة ، خلال الأسابيع المقبلة وما هي أغلبية الـ 109 نواب الذين سيصوتون لها للمرور دون أن تكون لها الأدوات التي تمكنها من حقيقة الحكم ، الذي يتطلب ثلثي نواب المجلس البرلماني ، إزاء رجل اتضح أنه من النهضة وإن لم يكن قياديا فيها ، وكل الدلائل تشير إلى ذلك ، بما فيها وأهمها القائمة الرسمية لحكومة حمادي الجبالي سنة 2012 التي نشرتها تلك الحكومة ، والتي تضمنت انتماءات كل أعضائها بمن فيهم المستقل حسين الديماسي  المستقيل لاحقا وسريعا ، ومن انتمي للمؤتمر ، ومن انتمى للتكتل ومن انتمى للنهضة والتي تشير ورسميا ، إلى أن كلا من الحبيب الجملي والمنجي مرزوق ، هما كلاهما من النهضة ، وقد سوقت النهضة في مواقفها قبل اختيار مرشحها  في شهر نوفمبر لرئاسة الحكومة إلى أن كليهما مستقل ، وهو ما لم يصدقه أحد وإن تعاملت الطبقة السياسية بأكملها ، بعين مغمضة.
وإذ هناك مؤشرات توحي باحتمال ولو صغير بأن الأحزاب كلها إلا واحدا أو اثنين تفضل أن تتشكل حكومة ، ومستعدة للقبول بها والتصويت لها ، ولو لم تقبل الدخول فيها ، كما احتمال بأن يكون هناك عدد من النواب يهمهم نيل مناصب وزارية بما يعطيهم لمعان على الساحة السياسية يفتقدونها حاليا، إضافة  إلى أن أغلبية من النواب المنتخبين أخيرا يخشون من احتمالات فقدان مقاعد نالها أغلبهم بأعلى البقايا لا أصالة ، ويمكن في انتخابات سابقة لأوانها أن لا يحصلوا عليها ، فيجدون أنفسهم في التماس ، وتدل آخر استطلاعات الرأي أو ما تسرب عنها قبل استكمالها تشير إلى أن حزب عبير موسي هو الوحيد الذي قد يستفيد من انتخابات قادمة ، وهو أمر الاعتقاد السائد عامة لا يؤشر لأمر إيجابي ، فإن بقية الأحزاب بما فيها النهضة تخشى أن تفقد ما حصلت عليه أو بعض ما حصلت عليه ، وخاصة ما أعطتها الانتخابات الأخيرة  من مرتبة الأولى رغم أنها خسرت أكثر من مليون صوت بين 2011 و2019.
على أن في الطبقة السياسية  من يخشى من أمر آخر داخلي في انتظار المرور للأخطار الخارجية ، وهو تمركز السلطات كلها في يد النهضة ، وهي السلطة التشريعية الرقابية  بيد راشد الغنوشي  رئيس البرلمان ، والسلطة التنفيذية التي وإن ستكون على افتراض ذلك بين يدي الحبيب الجملي ، فإنها عائدة بطبيعة الرجل وانتماءاته غير المعلنة رسميا ، إلى نفس راشد الغنوشي ، كما إن السلطة القضائية العدلية بقيت وفق الكثير مما يقال بيد نورادين البحيري ،  إلا في الفترة القصيرة التي تولها  فيها محمد الصالح بن عيسى ، والذي سريعا ما أقيل وأشيع في حينه ، بأن للنهضة ضلع في إقالته زمن تقرب رئيس الحكومة  السابق الحبيب الصيد ، من الحركة الاسلامية على أمل البقاء في كرسيه  وإن لم يفده ذلك شيئا.
وإذ لم تعرف بعد شهرين ونصفا التوجهات التي ستكون لرئيس الجمهورية ، فإن  القرار الحكومي للسلط الثلاث الكبرى باقية بيد النهضة ، أكثر من أي وقت ، ولاحتى في سنتي 2012/2013 حيث كانت رئاسة الجمهورية بيد منصف المرزوقي ، ورئاسة البرلمان بيد مصطفى بن جعفر على الأقل اسميا، ورغم تقهر النهضة انتخابيا بصورة كبيرة حيث فقدت هي وأنصارها المقربين ،  أكثر من ثلثي مخزونها الانتخابي في 9 سنوات ، فإنها لم تحصل قط على هذا القدر من السلطات منذ الثورة التي لم تشارك فيها  وفي حراكها ـ  وإن كانت شاركت في إرهاصاتها بما نالها  من اضطهاد تماما مثل قوى اليسار ـ ولكنها ركبت  صهوتها ،  وجعلت راشد الغنوشي يجمع كل خيوط القرار بين يديه وحده.
ومن هنا فإن جانبا من النخبة المدنية الهوى ، لها خشية كبيرة اليوم ، من محاولات أخونة الدولة  والمجتمع  خاصة ،واستكمال التمكين ، الذي استمر طيلة السنوات التسع الأخيرة ، التي كانت فيها النهضة فاعلا أساسيا ، بالمشاركة في الحكم سواء مباشرة أو بالوكالة.
**
غير أن الأخطار المحدقة بتونس اليوم ليست داخلية فقط  ولكنها خارجية أيضا ، فليبيا والجزائر في مخاض شديد لا يعرف  أحد كيف سينتهي .
 وفي ليبيا فإن الحرب الكاسحة في الضواحي القريبة من طرابلس وسيطرة "الجيش الوطني " الليبي بقيادة الماريشال خليفة حفتر على 90 من التراب الليبي وفقا لتقارير محايدة ، والقوة الكاسحة التي يستعملها في محاولة غزو طرابلس ، بما يمكن أن يوقع خسائر فادحة في الأرواح ويؤدي إلى زحف قوي للهاربين من أتون الحرب نحو حدودنا بما ليس لنا قبل له ، لا من حيث الإيواء فقط ، ولكن خاصة التأكد من طبيعة اللاجئين الوافدين  وإن كانوا من إرهابيي الميليشيات المسيطرة على طرابلس ومصراتة حاليا ، أو من السكان العاديين الهاربين من وقع معارك ،  إنتقلت إلى استعمال أسلحة ثقيلة سواء من الجانب التركي -القطري – الايطالي  أو الجانب الاماراتي -المصري – الروسي – الفرنسي وغير هؤلاء ،
وفي كل الأحوال فإن تونس تواجه أخطارا كبيرة محدقة فإذا انتصر السراج وميلشياته المتأسلمة ، ومعه تركيا وقطر ، فإن خطر هذه الميليشيات سيمتد إلى تونس ، بمساعدة تركية  الراعية لحركة النهضة، ولا ننسى أن الحكم التركي الحالي يحلم باستعادة الخلافة ، التي كانت اسطنبول عاصمتها ، وربما كانت ليبيا وفي أعقابها تونس هي المجال الحيوي لتحرك في هذا الاتجاه.
وإذا انتصر حفتر وانتصب على حدودنا فإن ذلك يعني ، أن نجد مصر بكل قوة دفعها ، على حدودنا ، فيما الحكم النهضاوي يرى فيها العدو الأكبر اليوم بعد قضائه على حكم الإخوان في مصر ، فيما حفتر له بعض الموجدة حتى لا نقول العداء للحكم التونسي زمن النهضة ، وزمن السبسي – الغنوشي خلال السنوات الخمس الأخيرة التي تمت فيها مهادنة حكم السراج ، وغض النظر على الميليشيات الاسلاموية التي تسنده ، والتعامل باستعلاء  من جانب تونس ، مع حكم طبرق بما فيه من برلمان "شرعي " خرج من صناديق الاقتراع ، وتم طرده من العاصمة طرابلس .
غير أن الخطر الوافد من الشرق لا يضاهيه إلا خطر ربما يكون وافدا من الغرب، أي من الجزائر ، وإذ تم انتخاب "بتون " رئيسا للجمهورية بعد انتخابات يقول جانب من الجزائريين أنها لا تتمتع لا باشرعية ولا بالمشروعية، وبمشاركة 41 ونيف  في المائة من المسجلين في داخل الوطن الجزائري ، باستثناء جزائريي الخارج وأعدادهم بالملايين ، فإنه ينبغي انتظار يوم الجمعة المقبل لاستشفاف حقيقة الأمر ، وهل سيتواصل الحراك الشعبي أم لا ، وإذا تواصل فماذا تكون عليه مشروعية الرئيس الجديد ، الذي انتخب من الدورة الأولى بأكثر من 58 في المائة من الناخبين  ، فيما أن ولايات جزائرية كاملة من القبائل ( ليس بمفهوم القبيلة عندنا )  يسكنها  البربر  الأمازيغ ، قاطعت هذه الانتخابات ففي بجاية مثلا قارب عدد المصوتين الصفر بالنسبة للمسجلين ، وفي تيزي وزو  لم يكن الأمر أحسن من ذلك بكثير  ، ألا يؤدي هذا إلى شرخ في الجزائر الشقيقة ،  يهدد بكل الأخطار ، فيما ما زال الحرك حتى الجمعة الماضي ينادي باستبعاد الجيش من السلطة ، أي استبعاد قائد صالح رئيس الأركان وعراب الانتخابات ، وهو يحمل في نظر عدد كبير من الجزائريين ، وصمة اعتباره من حاشية الرئيس الأسبق المتخلي المعزول عبد العزيز بوتفليقة، وأن عليه أن يرحل هو وانتخاباته.
عدم استقرار الجزائر هو شوكة أخرى في جانب تونس ، تضاف إليها شوكة ليبيا ، واعطف عليها وضع تونس الداخلي الغامض.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق