Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 29 يناير 2016

اجتماعيات ،، هل بقيت الآفاق أمام التشغيل ميسدودة ؟

اجتماعيات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي

الآفاق المسدودة ، من يفتحها ..
أم تبقى  الحلقــــة مفرغة ، ؟

تونس /  الصواب /26/1/2016
خف ضغط الأحداث ، وتقلصت فترة منع الجولان ، ولكن للمرء أن يقف عند حقيقتين :
** الحقيقة الأولى ، هي أن الحكومة ولا المعارضات ، لم تتنبه إلى ما حصل بصورة مسبقة ، وإذا كانت العلوم السياسية تقول إن الحكم يعني التنبؤ المسبق gouverner c’est prévoir   فإن السلطات التونسية ، لم تكن من القدرة على الرؤية ، لتتوقع الآتي ، ولتستطبن أمرا هو آت لا محالة ، بعد أن مرت 5 سنوات على اندلاع الثورة ـ دعنا نسميها كذلك ـ ومرت سنة على تشكيل الحكومة ،دون أن يجد المواطن حلا لوضعه المتردي ، ودون أن يفوز بشغل يتمناه ويحتاجه ، توفيرا لكرامته التي لا تستقيم بغير شغل.
كان الأمر في حاجة إلى شرارة متوقعة ، ولكن غير مبرمجة ، لينفجر وضع كل الدلائل كانت تشير إلى قابليته لانفجار يمكن أن يحصل في أي وقت.
وجاءت الشرارة من القصرين هذه المرة ، فيما اعتبره البعض عن حسن أو سوء نية ثورة ثانية ( إذا اعتبر الاجماع أن ما حصل في 2010/2011 كان ثورة بكل مقومات الثورة)، وكأن الثورات أحداث بسيطة ، تندلع بصورة دورية.
أحداث لها ما يبررها ، فاليأس دفع لها و 700 ألف من الشباب وحتى ممن تجاوزوا مرحلة الشباب ، ينتظرون فرصتهم للعمل ، دون جدوى ولا آفاق مفتوحة ، وحتى للعقلاء منهم من يعرف استحالة ترضية لا يمكن تصورها تحت واقع الظروف الحالية.
** إن ما جرى خلال تلك الأيام الكالحة من النصف الثاني من شهر جانفي 2016  ، وقد سبق لنا أن استعرضنا على الصفحات الورقية لهذه المجلة الأحداث التاريخية لهذا الشهر الساخن ، لم يجد ولن يجد لا بسهولة ولا بصعوبة الحل لقضية بطالة تجرها البلاد منذ الثمانينيات ، وتتعاظم ككرة الثلج المتدحرجة.
ولعله من الغريب في بلد يمارس تحديد النسل ، وينجح في مجاله إلى الحد الذي يهدد بكبير الأخطار توازناته ، أن تصل حدود المتعطلين فيه إلى هذا القدر العالي ، ما يستوجب دراسة مستوفية للأسباب والمسببات ، بقصد استشراف حل لن يكون سهلا ولا سريعا.
ووفقا لمتابعة للتطورات على مدى عقود فإن للمرء أن يتوقف عند عدد من الأسباب :
أولها عدم التلاؤم بين التكوين والتشغيل ، ويكرر الوزراء أن مهنا معينة غير متوفرة ، ما يصل حتى لإعاقة عملية التنمية ، فمجال فنون التبريد والتدفئة، والخراطة والبناء عموما ، وكذلك الإطارات الصناعية الوسطى  في هندسة الميكانيكا والكهرباء ، مفقودة بعشرات الألوف، والطلب عليها كبير دون جدوى.
ثانيهما : عدم الإقدام على الانتقال عبر القطاعات ولا عبر الجغرافيا ، في زمن لم يعد فيه المرء قادرا على قضاء كل فترة حياته المهنية ( بين 25 و 40  سنة ) في ولاية واحدة ولا اختصاص واحد.
ثالثها : الرفض للقبول بأعمال معينة ولا أنشطة محددة ، مثل الفلاحة وركوب البحر ، والاقتصار على طلب  العمل المكتبي أو الطموح للنشاط بالياقات البيضاء.
على أن المعضلة الأكبر هي المتمثلة في تقلص الاستثمارات ، سواء الحكومية أو الخاصة وطنية وأجنبية ، وما يعترضها من عراقيل إدارية وغير إدارية  إضافة إلى الظروف السياسية واستشراء ظاهرة الإرهاب ، وإحجام أبناء المناطق المهمشة ممن أنعم عليهم الله بالثروة ، عن إقامة المشروعات في مناطقهم الأصلية ، و  إضافة إلى قلة روح المبادة والمغامرة لدى الشباب ،  خاصة من حملة الشهائد العليا ، القادرين بمقتضى الحوافز الكثيرة والسخية ، على إقامة مشروعات صغيرة أو متوسطة ، تكون في حد ذاتها خالقة لفرص عمل جديدة.
هل تكون تونس بأحداث الأيام الأخيرة ، قد دخلت في حلقة جديدة من الاضطرابات الدورية ، التي ما إن تطفئ جذوة واحدة ، حتى تشتعل أخرى ، ما دامت قضية التشغيل قائمة و بالحدة التي نراها.


الجمعة، 22 يناير 2016

إقتصادييات : الأجر .. مقابل الجهد المبذول ولكن أيضا كلفة للمؤسسة

إقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
بمناسبة اتفاق زيادة أجور القطاع الخاص
الأجر ، ملاحقة لغلاء المعيشة
ولكن أيضا.... كلفة للمؤسسة
تونس / الصواب / 19/1/2016
.. وأخيرا تم الاتفاق بين المركزيتين النقابيتين للعمال والأعراف على زيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص ، وكان الاتفاق عبارة عن حل وسط غير مرض للواقع لا للعمال ولا للأعراف ، وذلك كتتويج لمفاوضات دامت عدة أسابيع ، تخللها إضراب عام للقطاع الخاص في صفاقس ، وكان متوقعا أن يتبعه إضراب مماثل في تونس الكبرى التي تشمل ولايات تونس ، و أريانة ومنوبة  وبن عروس.
وكان اتفاق سابق قد أقر زيادات في أجور الوظيفة العمومية والقطاع العام،  بعد مفاوضات لم تكن عسيرة ، واتسمت بالسلاسة ، وكانت أكثر سخاء على عكس المتوقع ،  من مفاوضات القطاع الخاص.
وللواقع فإن أجور قطاع الوظيفة العمومية ، المتمـــــــــــــثل في مرتبات متصاعدة ، بحكم طبيعة التأجير المتبعة في تونس كما أغلب البلدان الأوربية ، والقائمة على تواصل متصاعد لمجرى الحياة المهنية carrière
بضوابط صلبة ويمكن القول متحجرة ، إذن فإن أجور قطاع الوظيفة العمومية المتمثلة في قسط من الميزانية العامة للدولة بلغ في هذه السنوات حدودا عالية وغير معهودة ، سواء بسبب زيادات في الأجور كبيرة ، أو بسبب تزايد غير طبيعي ولا منطقي في عدد الموظفين ، يعتبر  أي الأجر في الحسابات الوطنية المعتمدة في ضبط الناتج الداخلي الخام ،  كله قيمة مضافة ، ما يرفع اصطناعيا في نسبة النمو كما حصل في سنة 2013 التي شهدت أفضل حالاتها  من حيث نسبة النمو  منذ 2010.
وكان لها الفضل أي تلك الأجور الفائضة ،  في دفع الاستهلاك الذي يعتبر أحد محركات النمو الثلاثة.
أما في القطاع الخاص فإن الأجور تعتبر ، مقابلا للجهد المبذول ، ولها كما في الوظيفة العمومية ارتباط وثيق بالتضخم المسجل في البلاد وغلاء المعيشة ، ولكن الأجور هنا كما في القطاع العمومي المنتج ( بين قوسين) تعتبر أيضا كلفة ، يقرأ لها أصحاب المؤسسات أو القائمين عليها ألف حساب ، على اعتبار الحرص منهم على تنافسية مؤسساتهم سواء داخليا أو خارجيا عند التصدير ، وبالتالي فإنهم ينظرون إليها لا فقط من حيث ترضية مطالب النقابات العمالية ، بل وأيضا من جهة القدرة اللاحقة على تسويق السلع أو الخدمات المنتجة ، باعتبار سعرها عند عرضها في السوق لدى المقبلين عليها ، والذين يمثل العمال باعتبار عددهم بين سكان كيان معين ،  العنصر الأوفر المقبل على شرائها.
و من هنا يأتي التعقيد ، فإذا كانت الحكومة ستطالب مع كل زيادة لموظفيها ، الذين انخرم سلم تأجيرهم منذ الثورة وفقد كل منطق داخلي  سليم ، بتوفير قدر من ميزانية الدولة لمجابهة الزيادات ، يتعاظم عاما بعد عام ، وتواجهه بمزيد الاقتراض الداخلي والخارجي ،  ما سيثقل  بالسداد كاهل الجيل الحالي وخاصة الأجيال المقبلة ، فإن الأجور في المؤسسات عامة وخاصة تواجه تحديات أكبر ، لأنها في حالة عدم التوازن معرضة للإفلاس  ( اي المؤسسات) ، وبالتالي زيادة احتداد مشكلة البطالة ، وقد درجت النقابات العمالية ،  ليس عندنا في تونس فقط بل في كل العالم على الدفاع على منظوريها من العاملين ، بقطع النظر عما يصيب المهددين في لقمة الرغيف ، أو أولئك المعطلين أصلا.
غير أن هناك مخارج من هذه الحالة بكل تناقضاتها ، عبر زيادة الإنتاجية التي يمكن أن تمتص ولو جزئيا تأثيرات زيادات الأجور، أو عبر انسياب تصاعدي للأسعار بحيث ترتفع بلا ضوابط ، مما تتضرر منه أساسا الطبقات العمالية.
وفي بلادنا حيث الانتاجية متراجعة ، نتيجة الارتخاء في الجهد ، والغياب الكامل لقيمة العمل ، وحيث إن الحد من ارتفاع الأسعار ليس قدرا تحدده الرقابة الإدارية وحدها كما يظن الكثيرون ، بل  تحدده حـــــــقيقة الــسوق،  بالعودة إلى كلفة الإنتاج بما فيها الأجور  فإن الأمر يبدو وكأنه معادلة يصعب حلها.
سؤال : كيف استطاع المغاربة في القطر الشقيق ،  أن يرفعوا الأجر الأدنى إلى ضعف ما هو عندنا ، بعد أن كان أقل مما نعرف في بلادنا ، الجواب ببساطة هو الإقدام على العمل ، ورفع إنتاجية العمل ، والأمر على عكس ما يعتقد البعض ، ليس  مرتبطا بإرادة العاملين أو العاملين وحدهم  ، بل أيضا بتنظيم العمل ، وضبط المهام داخل المؤسسة ، وتلك من صلاحيات أصحاب العمل  والفئة المؤطرة ، إلا إذا كان التسيب والإضرابات القانونية والعشوائية ، والمسيرات وغيرها من الإعتصامات ، قد فاق حجمها كل منطق ومعقول.


الثلاثاء، 19 يناير 2016

قرأت لكم : شهر جانفي .. شهر ساخن في تونس ، 18 جانفي ذكرى هامة في تاريخ البلاد .. وثورة فاصلة

قرأت لكم
تم نشر هذا المقال في مجلة ليدرز الوليدة في عددها الأول ، وبالنظر لأهميته من حيث كرونولوجيا الأحداث الهامة التي تعرضت لها تونس خلال الستين سنة الأخيرة ، فإننا ننشره على أعمدة مدونة " الصواب ".  خاصة ونحن نعيش في خضم فترة ثورة 18 جانفي 1952 ، التي اعتبرت فاتحة للمعركة الحاسمة من أجل تحرير البلاد بقيادة الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة ، والتي انتهت إلى منح تونس استقلالا داخليا  لم يكن محل إجماع ، تلاه استقلال تام في 20 مارس 1956.
شتاء تونس  .. الساخن ..
  موعد  الأحداث  الكبرى
عبد اللطيف الفراتي

تونس/ ليدرز العربية / 26/12/2015
لن نتوقف طويلا عند أحداث هامة طبعت تاريخ تونس المعاصر ، مثل ثورة 1952 ، التي " اندلعت " في 18 جانفي 1952 بعد اعــــــــــــتقال " المجاهد الأكبر " ، والتي حاول ربطها بشخصه ، واستمر الاحتفال بها منذ الاستقلال حتى  تحول "انقلاب "  7 نوفمبر 1987 ، كما لن نتوقف طويلا عند أحداث الخميس الأسود التي تمت فيها مواجهة عمالية ، حكومية  في 26 جانفي 1978 ، وأسفرت عن قتلى لم يقع الإفصاح عن عددهم بصورة رسمية حتى الآن ، كما لن نتوقف طويلا عند أحداث قفصة في أواخر جانفي 1980 ، عندما تمت محاولة زعزعة استقرار البلاد ، بواسطة كومندوس مجند من قبل السلطة الليبية والجـــزائرية وقتها  ، بواسطة غاضبين تونسيين وتسليح وتخطيط من الجارتين الشقيقتين.

**
 الحصاد بعد خمس سنوات  من الثورة
ولكن اهتمامنا سينصب هنا عند أحداث أجد وأقرب ، تهم السنوات الخمس الماضية ، بقدر عال من الكثافة لتطور الأحداث ، وتعاظم نسقها.
وإذ كان انتحار طارق (شهر) محمد البوعزيزي حرقا ، قد اعتبر شرارة ثورة ما زال المحللون السياسيون والمؤرخون غير متفقين بشأن وصفها كذلك ، فإن السياسيين عموما يصفونها بالثورة ، خاصة وأنهم يركبون ظهرها على أنقاض حكم سابق ، تغير شكلا ولم يصبه تغيير في العمق.
ويعتقد الكثير من المحللين والمؤرخين أن ما حدث في تونس عشية العام الجديد 2011 ، لا تتوفر له مقومات الثورة من حيث ، أنه لم يعتمد فكرا مثلما حدث قبل الثورة الفرنسية أو الثورة الروسية أو حتى الثورة الإيرانية وغيرها ، كما لم تكن له قيادة ، بحيث تستولي على الحكم والسلطة ،  وبالخصوص لم يكن هناك برنامج لما بعد نجاح الثورة في القضاء على نظام قائم .
فيما إن المنظرين المؤيدين لوصف الأحداث التي عرفتها البلاد قبل 5 سنوات بأنها ثورة ، يعتمدون على مقولة ، بأن الثورات ليست لها قوالب جاهزة ، وأنه لا توجد ثورة تشبه ثورة أخرى.
كيف يتم التأريخ للثورة ؟
ومن هذا المنطلق فإن خلافا حادا ولو كان غير شامل ، في تأريخ الثورة ، واعتبار موعد الاحتفال بها.
فقد احتفلت سيدي بوزيد وهي المدينة( الولاية ) التي شهدت أول حركة انطلقت بعدها تحركات في مختلف أنحاء المنطقة وسقط فيها شهداء ، قبل أن ينتقل المد الثوري لولاية القصرين ثم بقية ولايات البلاد ،  احتفلت إذن  بعيد الثورة في 17 ديسمبر ، كما درجت على ذلك منذ سنوات ، فيما اعتبرت الجهات الرسمية أن موعد الاحتفال بعيد الثورة مؤجل إلى 14 جانفي  ( وهو يوم عطلة رسمية) ، موعد نجاحها بمغادرة رئيس الدولة الأسبق ، زين العابدين بن علي البلاد ، لاجئا إلى المملكة العربية السعودية ، وسقوط الحكم إن لم يكن النظام الذي استمر هو وجهاز الدولة الذي كان يعتمد عليه.
ومن هنا فإن من خصائص الثورة التونسية أنها تحتفل بموعدين اثنين ، وهو أمر لم يلاحظ في أي ثورة أخرى.
المبررات

وإذ تعتبر سيدي بوزيد أن منطلق الأحداث هو المدينة التي شهدت حرق البوعزيزي لنفسه ( 6 من التونسيين أحرقوا أنفسهم قبله في سنة 2010 لم يشعل أي واحد منهم شعلة الثورة) ، وبالتالي فهو الذي يؤرخ للثورة ومكانها ، يعتبر آخرون أن كل ثورات العالم تتخذ من موعد نجاحها فرصة للاحتفال ، فالثورة الفرنسية تحتفل بيوم 14 جويلية  منذ قرنين وربعا  ، باعتباره يوم الانتصار ، وفتح أبواب سجن الباستيل ، وإسقاط النظام الملكي ، أما  روسيا ثم من بعدها الإتحاد السوفييتي ، فإنها كانت وما زالت  تحتفل بيوم 7 أكتوبر بالتقويم اليولياني  ( 7 نوفمبر بالتقويم القريغوري) ، وهو يوم احتلال البلاشفة للساحة الحمراء وإسقاط النظام الإمبراطوري ، وحتى في إيران فإن عودة الإمام الخميني للبلاد وسقوط النظام الشاهنشاهي يعتبر عيدا للثورة.
والقياس على ذلك كثير ، ومتعدد في كل البلدان التي عرفت ثورات ، اعتمدت موعد نجاحها ، كمنطلق للاحتفال بها.
غير أن أصحاب الإصرار على اعتماد يوم 17 ديسمبر ، كموعــــد للاحتفال ،    لا يعدمون  مبررات لاختيارهم ، وهم يسوقون المثل التونسي ، فقد اعتمد يوم 18 جانفي 1952 كموعد للاحتفال بعيد الثورة ، أي اليوم الذي اختير من طرف بورقيبة بمناسبة اعتقاله كمنطلق للثورة ، وإن كانت تلك الثورة  قد حققت نجاحها بعد ذلك بأربع سنوات ونيف ،  عندما استقلت البلاد في 20 مارس 1956.
**
حساب الأرباح والخسائر

وإذ اختارت الطبقة الحاكمة ، والجهات التي اعتبرت الأكثر ثورية اعتمادا على ما قدمته من تضحيات  ، المسار التأسيسي بكتابة دستور جديد عبر انتخاب مجلس تأسيسي ، بعكس  ما كانت اتجهت إليه جهات أخرى ، كان من رأيها تعديل الدستور القائم  (1959) عبر مجلس النواب القائم ومجلس المستشارين ، فإن القصبة 1 والقصبة 2 قد تجندا بفعل فاعل  وفرضتا  الحل الأول ، قطعا مع الماضي ، واتجاها إلى دفن النظام السابق بصورة نهائية  ، وإذ تم نجاح نسبي بالتوجه لانتخاب مجلس تأسيسي وكتابة دستور ، اعتبر عموما مقبولا وجيدا  ، وتمت المصادقة عليه في جانفي 2013 ( شتاء دائما ككل الأحداث المؤثرة التي عرفتها تونس) ، فلا القطع مع الماضي قد نجح تماما ، ولا سقط النظام ، وبالكاد يمكن القول إن الحكم قد أسقط وبقي النظام والدولة التي  كانت في خدمته بكل أجهزتها.
ولكن وفي حساب الأرباح والخسائر لفترة ما بعد 14 جانفي 2014 سواء اعتبرناها ثورة بكل معانيها أو لا ، والتاريخ وحده وبعد مسافة زمنية كافية  ،  ـ ولكن في حساب الأرباح والخسائر ـ ماذا يمكن أن نستنج؟
سلبيات ما بعد الثورة

أولا : الجانب السلبي يتمثل في أن الذين كانوا في طليعة الثائرين حتى لا نقول الثوار ، والفارق واضح بين الأمرين ، لم يستفيدوا من الثورة ، فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لم تتحسن ، إن لم نقل ازدادت سوء ، وليس فقط لم تحصل تنمية مطلوبة للبلاد ، بل حتى نسب النمو انحدرت منذ 2011 ، ولم تعد البلاد  قادرة على توفير فرص العـــمل المطلوبة بحدة ، باعتبارها أول العناصر التي تقوم عليها الكرامة البشرية ، وهي المطلب  الرئيسي للذين خرجوا من أجل تغيير الأوضاع وتحقيق العدالة والإنصاف  بين الأفراد والجهات.
الإيجابيات ،، وما بعد

ثانيا : الجانب الإيجابي تمثل في أن ريحا من الحرية هبت على البلاد ، وغيرت صورتها ، وأفرزت مناخا لم يسبق له مثيل ، كان من نتيجته أن جرت أول انتخابات حرة نزيهة وشفافة  وتداولية ( ربما باستثناء انتخابات المجلس القومي التأسيسي سنة 1956).
فقد شهد شتاء 2014/2015 ( بعد انتخابات أكتوبر 2011) انتخابات تشريعية ورئاسية وتشكيل حكومة ، نابعة من برلمان منتخب ، بالتصويت الحر العام  المباشر .
وفي هذه الأيام تحتفل تونس لا فقط بعيد الثورة ، بل وأيضا بمرور سنة على انتخاب رئيس للبلاد وفقا لمتطلبات تلك الثورة ، ولعل الوقت جاء لتقييم فعلي وموضوعي ، لا فقط لنتائج الثورة ، ولكن أيضا لحصاد السلطة الجديدة المنبثقة عن تلك الانتخابات، وما استطاعت أن تحققه أو فشلت في تحقيقه  ، بعد أربع سنوات من التخبط ، أغلبها في ظل حكومات  الترويكا التي فشلت في تحقيق وإنجاز متطلبات الثورة وأهدافها ، واضطرت لمغادرة السلطة تحت ضغط الشارع.



الخميس، 14 يناير 2016

سانحة : الأب القاتل ، والإبن المقتول ، والبلاد الضحية

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
التوريث ..
والنداء كان صرحا فهوى
تونس / الصواب / 14/01/2016
 لم يترك اليونان شيئا إلا وضمنوه أساطيرهم  ، والميثولوجيا اليونانية لم تترك أمرا معينا إلا ووجدت له الأمثلة الملائمة ، ومنها الابن قاتل أبيه ، و ربما الأب قاتل ابنه ، من هنا يمكن القول  أن الباجي قائد السبسي قد قتل صنيعته ، المتمثلة في الحزب الذي أنشأه قبل ثلاث سنوات ، وبلغ به مستوى النجوم ، فقاده إلى موقع رئاسة الجمهورية ، والحصول بواسطته على أغلبية نسبية ، في أول برلمان تونسي منتخب بصورة ديمقراطية نزيهة وشفافة.
ولكنه وهو الشيخ الداهية لم يفده كثيرا دهاؤه ، و انساق إلى غريزته الطبيعية ، التي يتجرد منها عادة كبار القوم  وخاصة من السياسيين الموهوبين ، ففضل ابنه البيولوجي على ابنه الافتراضي ، أي حافظ قائد السبسي على نداء تونس.
فسعى إلى توريث ابنه قيادة الحزب ، الذي ركبه تركيبا كما  لو كان لعبة لوغو، وجمع فيه ما لا يجمع ، إلا ما كان يربط من حرص على المحافظة على نمط مجتمع موروث عن عهود الإصلاح الذي عرفته البلاد على مدى القرنين الماضيين ، وخاصة منذ تولي الرئيس بورقيبة الحكم.
غير أن البلاد التي اختارت نظاما جمهوريا منذ 1957 ، لم يعد من ذوقها ، ولا من طبعها ، استساغة التوريث ، بعد أن ودعت النظام الملكي إلى غير رجعة.
ولعل الخطيئة الكبرى اليوم ، أن الباجي قائد السبسي ، لم يشعر بأن زمن النظام الوراثة  قد ولى وانقضى ، فاندفع بغير شعور منه وبعاطفة أبوية جياشة طبيعية  ، لمن لا يحسب لا حساب التاريخ ولا حساب متغيراته  اندفع في منزلق خطير.
ولعله وحده وبالأساس هو الذي يتحمل المسؤولية الكبرى ، لتمزيق "الإله " الذي صنعه من لا شيء  ، كما كان يفعل اليونان القدامى .
واليوم فالبلاد بعد ما جرى ، وبعد أن أصبح الابن البيولوجي  حافظ قائد السبسي هو الرئيس الفعلي  والمعلن ،  للابن الافتراضي الذي هو النداء ، فقد تم تمزيق "البوزيل" الذي تم تجميع قطعه بصبر وأناة ، فانتثرت تلك القطع ، بصورة لم يعد ممكنا جمعها ولا تحقيق تفاعلها .
وإذ أعلنت مرات ومرات أنني أنا شخصيا ، ليس في وسعي الانضباط في حزب  أولا بطبعي وثانيا باعتبار صفتي الصحفية التي تلزمني الحياد تجاه الأحزاب والتنظيمات السياسية ، فإني على الأقل مثل الكثيرين غيري  من غير المتحزبين ، كنت مقتنعا بأن طريق عدم تغيير نمط المجتمع بات مسدودا  أمام الذين ما زالوا يحدوهم حنينا لمقولة التدافع المجتمعي ، وأن النهضة التي أحترمها  ولكن لا أعرف توجهاتها الحقيقية  المعلنة والخفية ، أصبحت الطريق مفتوحة أمامها ، ومن يدريك إن عادت للحكم سواء بأغلبية فعلية أو نسبية  منفردة أو بأحزاب مستسلمة كما الحال 2012/2013  وعبر ترويكا جديدة ، أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة كما حصل سابقا  ، فتتهدد مكتسبات كان الظن سائدا أنها لا يمكن أن يمسها خطر ، وأن دستور 27 جانفي جانفي ،  المقبول عموما رغم نقائصه الكثيرة ، من وجهة نظر الحداثيين ، لن يناله التغيير ، فيتراجع عن  نواحي مستنيرة حفل بها.
الأداة الوحيدة التي كان يمكن أن تحمي توجهات البلاد انتحرت ، " بفضل " المنقذ كما اعتبره البعض.
ولكن المجتمع المدني الحي بكل حيويته وعزمه ، هو الكفيل وحده وحتى وحده  اليوم  بنداء أو بغير نداء ، بحماية البلاد من كل المنزلقات  وكل التراجعات ، التي كف النداء أن يكون القوة الضامنة لعدم  حصولها.



الثلاثاء، 12 يناير 2016

الموقف السياسي : المواجهة بين محسن مرزوق وحافظ قائد السبسي ، إلى أين ستقود الحزب الذي كان أولا ، والبلاد ؟

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الطلاق بالثلاث
تونس / الصواب /  في 12/01/2016
22 هم من استقر عليهم حتى الآن عدد النواب من نداء تونس الذين استقالوا من الكتلة، وبالتالي باتت الكتلة الأولى في البرلمان في موقع الكتلة الثانية ، فيما قفزت كتلة النهضة إلى الموقع الأول بين الكتل.
وإذ ينص الدستور في فقرته الأولى من الفصل 89 "  يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب بتكوين الحكومة .. "، فإنه لا ينص على الحالة التي يمكن أن تبرز بتغيير في العدد أو ترتيب الكتل ، سواء بانقسام كتلة كانت هي الأولى مباشرة بعد الانتخابات كما هو الحال الآن ، أو بتغيير في التركيبة نتيجة انتخابات جزئية يمكن أن تطرأ في أي وقت ، رغم صعوبة ذلك وتكاد استحالته لطبيعة النظام الانتخابي بالنسبية مع أعلى البقايا.
وفي الحالة الراهنة فإن كتلة نداء تونس ، ستصبح إن لم  تكن أصبحت  بعد في مرتبة ثانية قوامها 64 فردا ، إن لم يكن أقل ، بحسب التطورات التي تدفع كل ساعة بمستقيلين جدد من تلك الكتلة ، فيما إن كل الدلائل تشير إلى أن كتلة النهضة قوامها 68 أو 69 نائبا حسب القراءات.
ولا شيء في الدستور يجبر رئيس الجمهورية ، على دعوة كتلة النهضة لترشيح رئيس حكومة بدل حكومة نداء قائد السبسي التي يرأسها رئيس حكومة "مستقل".
كما لا يبدو أن حركة النهضة حريصة على أن تسارع لأخذ الحكم ، الذي اكتوت بناره لمدة سنتين أو ثلاثة ، وخرجت منه مضطرة  مجللة بمظاهر الفشل ، وبعد أن تركت كثيرا من ريشها ، وهي في موقعها الحالي شريكة في الحكم ، بل مؤثرة تأثيرا كبيرا فيه دون أن تتحمل مسؤوليته ، ولا تبعاته.
وهي تنتظر في صبر انتخابات بلدية متوقعة لسنة 2017 ، تسعى من خلالها للسيطرة على أكبر عدد من البلديات ، أي الركيزة الأساسية للتأثير عبر الجهات والأقاليم ، وحظوظها تبدو وفيرة جدا ، بعضها من منطلقات تمركز قوي وشامل في النطاق المحلي ، وبعضها الآخر نتيجة تحلل وتفكك الحزب الأول في البلاد نداء تونس ، الذي يعتقد أكثر فأكثر من المراقبين أنه بصدد أن يتحول شبحا لنفسه ، في خلال أشهر قليلة ، وأن قوى أخرى ستكون منافسة له ، ومنها أحزاب في الحكم وفي مقدمتها النهضة ، ولكن كذلك الوطني الحر ، وأيضا آفاق ، التي تشارك في الحكم دون أن تكتوي كثيرا بلظاه ، وربما الحزب الجديد المنبثق من رحم نداء تونس.
**
السؤال المطروح بإلحاح الآن هو ماذا سيكون عليه حزب نداء تونس ، بعد مؤتمره يومي 9 و10 جانفي 2016؟
ماذا ستكون عليه حظوظه في أي انتخابات مقبلة؟
ما هي القوى الفعلية التي سيطرت عليه، وما هو مدى التعبئة التي تستطيع أن تقوم بها، في غياب كثير من الوجوه المنتسبة إلى جهات ثلاث:
-        الشباب من الطلاب القدامى  الذين كانت الجامعات مجالا لتدريبهم على الخطابة والفصاحة ، والمناورة؟
-        النقابيون ممن لهم خبرات في مجال التعبئة ،  والذين وراءهم مريدون كثيرون
-        الدساترة الذي يجرون وراءهم كثيرا من أصحاب الحنين إن لم يكن للنظام السابق ، فلهم مرجعية قوية للفكر البورقيبي وخاصة بين النساء ، ولن نزعم هنا ان عدد النساء الذين صوتوا للنداء وللباجي ( أكثر من عدد الرجال) ، كلهن منساقات وراء الفكر البورقيبي الذي أنست المسافة الزمنية كل سلبيات قائده ، ولكن التحالف الوثيق بين النداء والنهضة ، أعاد إليهن وإلى ما يسمى بالحداثيين، الخوف من تهديدات التصورات الإخوانية ، لسنتي 2012/2013 ، والرغبة الكامنة في تضمين الدستور توجهات أقرب للفكر الإخواني ، ولولا ما حدث في مصر لكانت تونس سارت على ذلك الهدي.
-        **
من هنا يمكن النظر إلى نتائج  المؤتمر الوفاقي الذي انعقد يومي 9 و10 جانفي وانتهى إلى تكريس عدد مما يمكن أن يعتبر مسلمات :
-        زعامة حافظ قائد السبسي المشهودة  لنداء تونس ، والمؤتمر وإن اختار أن لا يعين رئيسا في انتظار المؤتمر الانتخابي (؟) ، فإن الصلاحيات التي أوكلت لنجل الرئيس الباجي قائد السبسي لا تختلف في شيء عن صلاحيات الرئيس ( للحزب طبعا) ، ووفقا لمصادر مختلفة فإن حافظ قائد السبسي تم تعيينه  أمينا  وطنيا مكلفا بالإدارة التنفيذية وممثلا قانونيا للحزب ، ووفقا لصحيفة الشارع المغاربي فإن صلاحياته تتمثل في ما يلي :
*تسيير الشؤون الإدارية واللوجيستية للحزب
*التفرغ كليا للعمل الحزبي
التمثيل القانوني للحزب بين مؤتمرين
يختص بالتصرف في الشؤون الادارية تحت رقابة الأمانة
*البحث عن موارد لتمويل الحزب
    *الحفاظ على أرشيف الحزب
    * السهر على إرساء منظومة الاتصال والتواصل
وهذه بالضبط هي الصلاحيات التي يتمتع بها أي رئيس حزب أو جمعية
-        غياب كامل لرئيس الحزب محمد الناصر من كل التعيينات وهو رئيس  مجلس النواب حتى الآن.
-        اعتماد اختيار عدم تكليف أي من الوزراء بمهمة أمانة وطنية باستثناء رضا بلحاج رئيس ديوان رئيس الجمهورية برتبة وزير.
-        والمؤتمر الوفاقي كرس أمرا أساسيا ، يتمثل في وراثة نجل رئيس الدولة في رئاسة حزب نداء تونس فعليا  ، في انتظار تثبيت  تلك الرئاسة بالتعيين في ذلك المنصب ، بعد المؤتمر الانتخابي ، وفي هذه الحالة إن حصلت  يتم تكريس التوريث..
**
لكن كان الثمن الحقيقي لذلك هو انشقاق في الحزب الذي كان أولا في البرلمان ، وبات ثانيا ، وقد ظهرت نتائج ذلك ليس فقط في التصويت على أعضاء الحكومة الجدد في مجلس نواب الشعب بل في انشقاق جد مؤلم لم تظهر حاليا وفي خضم الأحداث  كل تداعياته على نداء تونس  ،  فإلى جانب ذلك لوحظ أن عدد المحتفظين بأصواتهم  في منح الثقة للوزراء الجدد في حكومة الصيد يحوم حول 22 أو 23  نائبا ،  وباستثناء وزير العدل عمر منصور الذي سبقته سمعة جيدة جدا ،  والذي لم يحتفظ من النواب بصوته إزاءه إلا 17 فقط ، وبصورة عامة فإن وزير الخارجية خميس جهيناوي حصد 29 نائبا ضده في التصويت ونال عمر منصور 147 موافقة هو ويوسف الشاهد وزير الحكم المحلي ، أما سونيا مبارك وزيرة الثقافة والوزير الناطق الرسمي خالد شوكات فقد حصدا العدد الأوفر من المحتفظين بأصواتهم وعددهم 26 نائبا ، وتميز هادي مجدوب وزير الداخلية وكمال عيادي وزير الوظيفة والحوكمة بأقل عدد من المحتفظين 20.
غير أن التصويت لم يكن متماثلا بالنسبة للوزراء فقد تراوح عدد المصوتين بين 190 بالنسبة لعمر منصور وزير العدل فيما نزل عدد المصوتين من النواب في ادناه إلى إلى 184 نائبا.
ومن هنا يبدو تأثير الانشقاق في نداء تونس وتبعاته.
**
الإنشقاق يبدو ان قائده كما اتضح فعليا هو محسن مرزوق ، وهو رجل شديد الطموح من جهة ، ويعتبر خطيبا مفوها ، وهو مغرم بتاريخ المناسبات ، لذلك اختار موعدا لاجتماع يقدر المراقبون أنه سيكون مؤتمر جناحه في 2 مارس ، الذي يذكر بمؤتمر قصر هلال  1934 ، الذي قام فيه بورقيبة ورفاقه الأربعة بالاستيلاء على حزب الدستور القديم ، الذي اعتبره قوقعة فارغة ، وقد نجح بورقيبة في رهانه ، فهل يمكن أن ينجح محسن مرزوق بعد 82 عاما على مغامرة بورقيبة.؟
الظروف ليست الظروف ، والباجي ليس الثعالبي المهاجر ولا محي الدين القليبي ولا الصافي ولا صالح فرحات ،  وبورقيبة جاء في وقت لم يكن الحزب القديم في الحكم ، ولم يكن له مغريات توزيع المناصب ، كما إن السلطات الاستعمارية في تلك الفترة من سنة 1934 ، كانت تشجع من طرف خفي على ذلك الانشقاق البورقيبي ، وهو تشجيع ندم عليه المقيم العام الفرنسي آنذاك ، لأنه أدخل البلاد التي كانت " هادئة " في خضم حركة تحريرية فعلية وحتى عنيفة.
محسن مرزوق والذين معه دخلوا في مغامرة ، يختلف المراقبون في أن تكون محسوبة العواقب أو غير محسوبة العواقب ، فهل يستطيع  الشق المنفصل أن يثبت أقدامه ، محسن مرزوق يعتبر نفسه هو باني النداء ، وأن الباجي قائد السبسي كان اليافطة التي اعتمدها ، ولعل الانتخابات البلدية المقبلة بعد عام ونصفا هي التي يمكن أن يقاس بها ما أقدم عليه مرزوق ، وإن كانت عمليات سبر آراء عديدة ستسبق ذلك.





الأربعاء، 6 يناير 2016

الموقف السياسي : حكومة جديدة بطعم قديم ( نسخة جديدة ومصححة)

الموقف السياسي (نسخة جديدة مصححة )
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
التحوير الوزاري ..
تمخض الجبل فولد فأرا
تونس /  الصواب / 06/01/2016
.. وأخيرا وبعد انتظار طويل وممل ، منذ أعلن رئيس الحكومة عن نيته في إعادة "هيكلة" حكومته سواء في مجلس نواب الشعب أو في حديثه الصحفي للقناة الفرنسية "فرنسا 24" ، صدر الليلة 6 جانفي التشكيل الحكومي ، على الأقل في جانبه الجديد ، مع  الاحتفاظ  بمن بقي  من الحكومة السابقة التي تشكلت قبل أحد عشر شهرا يوما بيوم ، دون ذكر أسمائهم ، وبمعرفتهم استنتاجا فقط.
ووفقا لما أعلنه رئيس الحكومة فإن أسماء الوزراء من منهم جديدا ومن منهم من عرف تغييرا في الموقع   هم كما يلي :
عمر منصور وزيرا للعدل
الهادي المجدوب وزيرا للداخلية 
خميس الجيناوي وزيرا للشؤون الخارجية
محمد خليل وزيرا للشؤون الدينية
يوسف الشاهد وزيرا للشؤون المحلية
محمود بن رمضان وزيرا للشؤون الاجتماعية 
سنية مبارك وزيرة للثقافة
منجي مرزوق وزيرا للطاقة والمناجم 
محسن حسن وزيرا للتجارة
أنيس غديرة وزيرا للنقل
كمال الجندوبي وزيرا للعلاقة مع الهيئات الدستورية 
والمجتمع المدني وحقوق الإنسان
كمال العيادي وزيرا للوظيفة العمومية والحوكمة 
ومكافحة الفساد
خالد شوكات وزيرا للعلاقة مع مجلس نواب الشعب 
وناطقا رسميا باسم الحكومة
 مع حذف خطة كاتب دولة
**
ويستنتج  من هذا أن الوزراء المغادرين بالنسبة لتشكيلة 6 فيفري 2015 وهم   أي 9 السادة:
ناجم الغرسللي وزير الداخلية  
محمد الصالح بن عيسى وزير العدل ( تمت إقالته قبل شهرين وتولى الوزارة مؤقتا وزير الدفاع فرحات الحرشاني)
الطيب البكوش وزير الخارجية
 رضا الأحول وزير التجارة
أحمد عمار الينباعي وزير الشؤون الاجتماعية
عثمان بطيخ وزير الشؤون الدينية
لطيفة الأخضر وزيرة الثقافة
الأزهر العكرمي وزير معتمد لدى الوزير الأول  مــــــــــكلف بالعلاقات مع مجلس النواب  ( استقال من منصبه قبل أسابيع )
 أما زكرياء أحمد فيبدو وفقا لما جاء في ليدرز فقد تم تثبيته كوزير للصناعة فقط بعد أن كان وزيرا للصناعة والطاقة وذلك وفقا لما جاء في مجلة ليدرز حسنة الاطلاع عادة
**
وكذلك فإن المغادرين هم  كل كتاب الدولة الذين تم تعيينهم في حكومة 6 فيفري 2015 وعدده م 14  من بقي منهم ومن ارتقى إلى خطة وزير:
ففي الأثناء أقيل قبل أسابيع قليلة كاتب الدولة للأمن رفيق الشلي .
بينما ارتقى إلى رتبة وزير كل من :

هادي محجوب وزيرا للداخلية  بعد أن كان في الحكومة السابقة كاتب دولة للشؤون المحلية
يوسف الشاهد وزيرا للشؤون المحلية أو كما يقال في بعض البلدان وزيرا للحكم المحلي  بعد أن كان كاتب دولة في الفلاحة
أنيس غديرة  وزيرا للنقل  بعد أن كان كاتب دولة في وزارة التجهيز
أما بقية كتاب الدولة الذين لم يقع التجديد لهم فهم : عدا رفيق الشلي ( المقال)  والهادي مجدوب ويوسف الشاهد كل من :
كاتبا الدولة للشؤون الخارجية محمد الزين شلايفة والتهامي العبدولي ، والأخير رئيس حزب وكان طرفا في الأغلبية الحاكمة وهو مرشح لخطة سفير
كاتبةا الدولة  لوزارة المالية بثينة يغلان وحبيبة اللواتي
كاتبة الدولة للاستثمار والتعاون الدولي : آمال عزوز
كاتبة الدولة للإنتاج الفلاحي : آمال النفطي
كاتب الدولة للبيئة : بن عيسى العبيدي
كاتب الدولة للإدماج الاجتماعي : بلقاسم الصابري
كاتبة الدولة المكلفة بملف شهداء وجرحى الثورة : ماجدولين الشارني
كاتب الدولة لتأهيل المؤسسات الاستشفائية : نجم الدين الحمروني
كاتب دولة للشياب : لطفي التارزي
**
محاولة للقراءة السريعة  
** ولنبدأ بالمغادرين
فلعل ما يلفت النظر هو استجابة الباجي قائد السبسي ، والحبيب الصيد لضغط قوي من حركة النهضة بشأن وزير الشؤون الدينية ، فلقد بلغ لي الذراع أشده ، وفي الأخير فإن الذين جاؤوا  به بقصد تأدية مهمة معينة ، هم الذين خذلوه في آخر المطاف ، وبدا أنه وهو المكلف بمهمة معينة  الذي سيدفع الثمن منفردا ، ومن هذه الناحية فإن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لم يكونا موفقين عندما بدا كلاهما خاضعين بالكامل لأوامر ونواهي حركة النهضة ، فذهب بهما الأمر لترك من نفذ سياستهما  في مجال تحييد المساجد ، يذهب ضحية  الرفس بين الأرجل ، ولعل السياسة  الحكيمة ، كانت تقتضي أن لا يستعجلا الأمر في أول فرصة ، ولكن للسياسة السياسوية طبيعتها ومقتضياتها. وإذ يقال إن هناك احتمال لعودة الرجل للخطة مفتي الجمهورية برتبة وزير ،  وهي خطة سبق له أن باشرها  برتبة كاتب دولة ، فإن ذلك قد يعتبر ترضية شخصية ، غير أنها ترضية غير مقنعة لكل الذين كانوا وراءه وساندوه وقت الشدة.
وإذ لا نعرف شيئا عن الميول السياسية  للوزير الجديد محمد خليل  غير أنه عالم دين منفتح ، فإن السؤال هو هل سيكون تعيينــــه مناسبة لعودة  الذين استبعدوا من الأئمة في عهد الشيخ بطيخ ، وتلك ستكون ضربة قاضية  لسمعة الحكومة وهيبة الدولة  ولا شك ،  باعتبار ما قاله بتكرار الشيخ بطيخ بأنه كان يفعل ذلك على الأقل ،  بعلم  رئيس الحكومة ، وهو ما سيبرز أن حكومتي الصيد ليست على خط ومنهج واحد.
غير أن المستبعد الثاني ناجم الغرسللي يعتبر استبعادا من الحجم الثقيل ، فالرجل أبلى البلاء الحسن من ناحية استتباب الأمن في الجبال  صحبة قوات الجيش ، وإن لم يستطع أن يفعل شيئا أمام ثلاث عمليات إرهابية كبرى في المدن '(باردو وسوسة وشارع محمد الخامس)، ولعله ذهب ضحية ذلك . و وهو  مرشح حسب البعض لمنصب  سفير في السعودية 1990.
الثالث من المستبعدين هو الطيب البكوش ، ولعله كان أنجح في دوره في التعليم العالي 2011 مما كان في الخارجية خلال الفترة الماضية ، ولعله هنا يدفع ثمنا غاليا لتردده في الالتحاق من عدم الالتحاق ،  بجناح الباجي قائد السبسي وابنه حافظ قائد السبسي ، كما كان تردد في سنة 1985 في اتحاد الشغل عام 1985 بين الحبيب عاشور وعبد العزيز بوراوي قبل أن يفضل عاشور ولكنه بقي معلقا بين الاثنين. ويبدو أن الحكومة التونسية ترشحه  لموقع أمين عام الاتحاد المغاربي خلفا للحبيب بن يحي، وهو منصب تعتقد الجزائر إنه يعود إليها بعد أن كان من نصيب تونس منذ 1990.
ولكن من يدري ربما ينتظره موقع من الدرجة الأولى أو الثانية ،   في نداء تونس بعد المؤتمر، تحت الزعامة المنتظرة  لابن رئيس الجمهورية .
رضا الأحول في التجارة كان لا بد له أن يخلي الموقع لمحمود بن رمضان، الملتحق متأخرا بالجانب الغالب في النداء ، والذي لا يمكن الاستغناء عنه باعتباره يمثل الرافد اليساري في الحزب ، وغالبه انضم لمحسن مرزوق.
أما أحمد عمار الينباعي فإن مغادرته تأتي على ما يقال ، إنه كان ميالا للمنظمة النقابية اتحاد الشغل  على حساب منظمة الأعراف ، كما إنه ضحية النهضة ، حيث إنه لم يعط أهمية تذكر للنقابة التي شكلتها  الحركة الاسلامية ، اعتبارا منه أنها ليست لها تمثيلية عمالية فعلية ، وإن كانت الحكومة قد قدمت تنازلا كبيرا بالاقتطاع لمنخرطيها  ومنخرطي تنظيمات نقابية أخرى من المنبع .
لطيفة الأخضر غادرت برغبتها ، وهي مرشحة للمقعد الخالي في سفارة تونس في اليونسكو بباريس ، الذي كان يغمز بعينه إليه الفيلسوف المازري الحداد ، وتعارض في تسميته بشدة حركة النهضة ، على اعتبار ما تقوله من أنه كان شديد التورط مع النظام السابق.
يبقى لماذا استبعد زكرياء أحمد من الطاقة والمناجم  وإن تم على ما يبدو تثبيته وزيرا للصناعة ، وهل للحاجة إلى موقعه لمنحه لأحد مرشحي النهضة ، أم للجدل الحاد حوله ، والحملة الشرسة على مآلات البترول التونسي ، والاتفاقيات مع الشركات الأجنبية ، وماذا يمكن للوزير الجديد أن يفعله في هذا المضمار.
**الوافدون الجدد
أما الوافدون الجدد على الحكومة في موقع الوزارة وبعضهم يرتقي من كتابة الدولة فعددهم فعددهم 13.
فوزير العدل  الجديد عمر منصور كان واليا على أريانة وأظهر حزما ،  جعل منه كما يعتقد رجل قرار واحترام للقوانين وفرضها ، ونال بذلك ثقة الأريانيين والتفافهم ، وهو قاض ، وهو أول قاض يتولى العدل بعد الثورة ، وإذ لا يعرف له توجه سياسي ، فلعل البعض يقول بقربه للنداء ، هذا إن صح فهو يخفي على ما يبدو حقيقة أمره ، ولكن إذا صح ذلك فإنه ينال فوزا لصفته تلك.
أما الهادي مجدوب فهو ابن الداخلية ، ويبدو إنه سيكون المشرف على الأمن، ويتخلى عن الإدارة المحلية ، والسؤال إن كان الولاة سيكونون  ضمن صلاحياته أم من صلاحيات وزارة الحكم المحلي ، التي تولاها كاتب الدولة السابق يوسف الشاهد ، جزاء له على رئاسته للجنة الـ13 السائرة  على  هوى الرئيس الباجي قائد السبسي ، والتي سارت بحزب النداء إلى عقد مؤتمر بعد أيام كان هو عرابه،  وفقا لرغبة نجل الرئيس وجناحه ،  الذي اتسع تقريبا لكل الوزراء من النداء كشرط لبقائهم.
محمود بن رمضان بقي في الحكومة وإن تغير موقعه من النقل إلى الشؤون الاجتماعية وهي أقرب إلى نفسه ، وهو من القلائل من الرافد اليساري الذي بقي على ولائه لرئيس الحزب الشرفي والفعلي الباجي قائد السبسي ،  وقد تعزز وجود النداء في الحكومة ،  بالوزير الجديد الوافد من كتابة الدولة أنيس غديرة  ، كما وخالد شوكات أحد أفصح زعماء النداء وأقدرهم على المجادلة ، وهو بأصوله من الاتجاه الإسلامي  قبل سياحة طويلة بين الأحزاب قبل أن يستقر قراره في النداء الأقدر على ربط الصلة ، وهو صاحب نظرية  اكتشاف جد للحركة التحريرية،  عبد العزيز الثعالبي ، وهي النظرية التي وجدت فيها النهضة قشة لركوبها ونجاتها. وبهذا فالنداء يتعز موقعه على الأقل بعشرة وزراء.
الجهة الأخرى التي خرجت أقوى من هذا التحوير هي الوطني الحر الذي تعززت صفوفه في الحكومة باعتباره يمتلك ثالث اكبر كتلة نيابية ، بعضوية وزير آخر في التجارة هو محسن حسن ، رئيس كتلة الوطني الحر حتى الآن ، وهو خبير اقتصادي معروف .
كمال الجندوبي بقي في موقعه دون تغيير إلا في التسمية ، وبعد أن كان وزيرا معتمدا ، أصبح وزيرا كامل الصفات للعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان.
فيما إن وزيرة الثقافة الجديدة سونيا مبارك ، ووزير  الوظيفة العمومية والحوكمة،  محسوبان عن حق أو باطل من المستقلين،
 غير أنه لا ينبغي إهمال الدفعة الجديدة للشريك النهضاوي للنداء ، عبر  تعيين من أسمي في الإنترنت  بالناشط النهضاوي،  منجي مرزوق  في موقع وزير للطاقة والمناجم في الحكومة الجديدة ،   بعد أن كان لمدة ثلاث سنوات وزيرا للمواصلات في حكومة الترويكا ، وذلك بعد أن أفرغ المنصب له من زكرياء أحمد  جزئيا بسحب الطاقة والمناجم من صلاحياته وتكليفه بالصناعة المعملية  وحدها ، ومن هنا فهو إلى حد ما يذهب ضحية النهضة نسبيا  الذي يذهب ضحية إرضاء النهضة بمقعد وزاري جديد لها ،  لعل ذلك أيضا تعويضا عن عدة نهضاويين  ونهضاويات (2 على الأقل) ، كانوا يشغلون مواقع في قائمة كتاب الدولة وتم الاستغناء عن خدماتهم.
** الحكومة الجديدة بكل أعضائها
بحيث تشكلت الحكومة الجديدة كما يلي  بكل أعضائها  (27 وزيرا بعد 25 في الحكومة السابقة ولكن ب16 موقع كاتب دولة تم حذفها كلها ) وهم :
1/ عمر منصور وزير العدل ( جديد)
2/ فرحات الحرشاني  وزير الدفاع ( قديم)
3/ الهادي المجدوب وزير الداخلية ( كاتب دولة منقول )
4/ يوسف الشاهد وزير الشؤون المحلية ( منصب مستحدث) ( كاتب دولة منقول)
5/  خميس جهيناوي   وزير الخارجية ( جديد)
6/ سليم شاكر وزير المالية ( قديم )
7/  محسن حسن وزير التجارة ( جديد) ( كانت تسمى وزارة التجارة والصناعات التقليدية)
8/ أنيس غديرة وزير النقل ( منقول من كتابة دولة)
9/ محمود بن رمضان وزير الشؤون الاجتماعية ( قديم منقول)
10 /  سميرة مرعي وزيرة المرأة والأسرة والطفولة  ( قديمة)
11/ ياسين إبراهيم وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي ( قديم)
12/  محمد خليل وزير الشؤون الدينية ( جديد)
13/ سعيد العائدي وزير الصحة (قديم )
14/ سلمى الرقيق وزيرة السياحة (قديمة )
15/ شهاب بودن وزير التعليم العالي والبحث العلمي ( قديم)
16/ ناجي جلول وزير التربية (قديم)
17/ نجيب درويش وزير التجهيز والبيئة والتهيئة الترابية (قديم)
18/ سونيا مبارك وزيرة الثقافة  والمحافظة على التراث ( جديدة)
19/ سعد الصديق  وزير الفلاحة والموارد  المائية والصيد البحري ( قديم)
20/ زياد العذاري وزير التكوين المهني والتشغيل ( قديم)
21/ زكرياء أحمد وزير الصناعة ( قديم  المثبت  بعد أن خسر الطاقة والمناجم )
22/ منجي مرزوق وزير الطاقة والمناجم ( كان غائبا من الحكومة السابقة ولكنه كان لثلاث سنوات في حكومة الترويكا كوزير للمواصلات)
23/ نعمان الفهري وزير تكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرقمي ( قديم)
24/ ماهر بن ضياء وزير الشباب والرياضة (قديم)
25/ أحمد زروق كاتب عام للحكومة بصفة وزير ( قديم)
26/ كمال الجندوبي وزير للعلاقات معا لهيئات  الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان (قديم)
27/  كمال العيادي وزير للوظيفة العمومية والحوكمة ( جديد)
28/ خالد شوكات  وزيرا للعلاقات مع مجلس نواب الشعب وناطقا رسميا باسم الحكومة (جديد).
على أنه  يحيط غموض لمن ستسند صلاحيات متابعة شهداء الثورة وجرحاها أو كما يقترح البعض تكون من أنظار رئاسة الجمهورية ، وهل ستبقى صلاحيات الوزراء كما كانت أم إن بعضها سينقل من وزارة إلى أخرى ، وهل أن التسميات الواردة للوزارات ستبقى كما هي في التشكيلة القديمة أم لا ، ومن بين 28 وزيرا نجد 19 وزيرا وافدين من الحكومة السابقة و6 جدد و3 منقولين أو وافدين من حكومات قديمة كمنجي مرزوق.