Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 22 يناير 2016

إقتصادييات : الأجر .. مقابل الجهد المبذول ولكن أيضا كلفة للمؤسسة

إقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
بمناسبة اتفاق زيادة أجور القطاع الخاص
الأجر ، ملاحقة لغلاء المعيشة
ولكن أيضا.... كلفة للمؤسسة
تونس / الصواب / 19/1/2016
.. وأخيرا تم الاتفاق بين المركزيتين النقابيتين للعمال والأعراف على زيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص ، وكان الاتفاق عبارة عن حل وسط غير مرض للواقع لا للعمال ولا للأعراف ، وذلك كتتويج لمفاوضات دامت عدة أسابيع ، تخللها إضراب عام للقطاع الخاص في صفاقس ، وكان متوقعا أن يتبعه إضراب مماثل في تونس الكبرى التي تشمل ولايات تونس ، و أريانة ومنوبة  وبن عروس.
وكان اتفاق سابق قد أقر زيادات في أجور الوظيفة العمومية والقطاع العام،  بعد مفاوضات لم تكن عسيرة ، واتسمت بالسلاسة ، وكانت أكثر سخاء على عكس المتوقع ،  من مفاوضات القطاع الخاص.
وللواقع فإن أجور قطاع الوظيفة العمومية ، المتمـــــــــــــثل في مرتبات متصاعدة ، بحكم طبيعة التأجير المتبعة في تونس كما أغلب البلدان الأوربية ، والقائمة على تواصل متصاعد لمجرى الحياة المهنية carrière
بضوابط صلبة ويمكن القول متحجرة ، إذن فإن أجور قطاع الوظيفة العمومية المتمثلة في قسط من الميزانية العامة للدولة بلغ في هذه السنوات حدودا عالية وغير معهودة ، سواء بسبب زيادات في الأجور كبيرة ، أو بسبب تزايد غير طبيعي ولا منطقي في عدد الموظفين ، يعتبر  أي الأجر في الحسابات الوطنية المعتمدة في ضبط الناتج الداخلي الخام ،  كله قيمة مضافة ، ما يرفع اصطناعيا في نسبة النمو كما حصل في سنة 2013 التي شهدت أفضل حالاتها  من حيث نسبة النمو  منذ 2010.
وكان لها الفضل أي تلك الأجور الفائضة ،  في دفع الاستهلاك الذي يعتبر أحد محركات النمو الثلاثة.
أما في القطاع الخاص فإن الأجور تعتبر ، مقابلا للجهد المبذول ، ولها كما في الوظيفة العمومية ارتباط وثيق بالتضخم المسجل في البلاد وغلاء المعيشة ، ولكن الأجور هنا كما في القطاع العمومي المنتج ( بين قوسين) تعتبر أيضا كلفة ، يقرأ لها أصحاب المؤسسات أو القائمين عليها ألف حساب ، على اعتبار الحرص منهم على تنافسية مؤسساتهم سواء داخليا أو خارجيا عند التصدير ، وبالتالي فإنهم ينظرون إليها لا فقط من حيث ترضية مطالب النقابات العمالية ، بل وأيضا من جهة القدرة اللاحقة على تسويق السلع أو الخدمات المنتجة ، باعتبار سعرها عند عرضها في السوق لدى المقبلين عليها ، والذين يمثل العمال باعتبار عددهم بين سكان كيان معين ،  العنصر الأوفر المقبل على شرائها.
و من هنا يأتي التعقيد ، فإذا كانت الحكومة ستطالب مع كل زيادة لموظفيها ، الذين انخرم سلم تأجيرهم منذ الثورة وفقد كل منطق داخلي  سليم ، بتوفير قدر من ميزانية الدولة لمجابهة الزيادات ، يتعاظم عاما بعد عام ، وتواجهه بمزيد الاقتراض الداخلي والخارجي ،  ما سيثقل  بالسداد كاهل الجيل الحالي وخاصة الأجيال المقبلة ، فإن الأجور في المؤسسات عامة وخاصة تواجه تحديات أكبر ، لأنها في حالة عدم التوازن معرضة للإفلاس  ( اي المؤسسات) ، وبالتالي زيادة احتداد مشكلة البطالة ، وقد درجت النقابات العمالية ،  ليس عندنا في تونس فقط بل في كل العالم على الدفاع على منظوريها من العاملين ، بقطع النظر عما يصيب المهددين في لقمة الرغيف ، أو أولئك المعطلين أصلا.
غير أن هناك مخارج من هذه الحالة بكل تناقضاتها ، عبر زيادة الإنتاجية التي يمكن أن تمتص ولو جزئيا تأثيرات زيادات الأجور، أو عبر انسياب تصاعدي للأسعار بحيث ترتفع بلا ضوابط ، مما تتضرر منه أساسا الطبقات العمالية.
وفي بلادنا حيث الانتاجية متراجعة ، نتيجة الارتخاء في الجهد ، والغياب الكامل لقيمة العمل ، وحيث إن الحد من ارتفاع الأسعار ليس قدرا تحدده الرقابة الإدارية وحدها كما يظن الكثيرون ، بل  تحدده حـــــــقيقة الــسوق،  بالعودة إلى كلفة الإنتاج بما فيها الأجور  فإن الأمر يبدو وكأنه معادلة يصعب حلها.
سؤال : كيف استطاع المغاربة في القطر الشقيق ،  أن يرفعوا الأجر الأدنى إلى ضعف ما هو عندنا ، بعد أن كان أقل مما نعرف في بلادنا ، الجواب ببساطة هو الإقدام على العمل ، ورفع إنتاجية العمل ، والأمر على عكس ما يعتقد البعض ، ليس  مرتبطا بإرادة العاملين أو العاملين وحدهم  ، بل أيضا بتنظيم العمل ، وضبط المهام داخل المؤسسة ، وتلك من صلاحيات أصحاب العمل  والفئة المؤطرة ، إلا إذا كان التسيب والإضرابات القانونية والعشوائية ، والمسيرات وغيرها من الإعتصامات ، قد فاق حجمها كل منطق ومعقول.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق