إقتصاديات
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
بمناسبة
اتفاق زيادة أجور القطاع الخاص
الأجر ،
ملاحقة لغلاء المعيشة
ولكن أيضا....
كلفة للمؤسسة
تونس /
الصواب / 19/1/2016
.. وأخيرا تم
الاتفاق بين المركزيتين النقابيتين للعمال والأعراف على زيادة في أجور العاملين في
القطاع الخاص ، وكان الاتفاق عبارة عن حل وسط غير مرض للواقع لا للعمال ولا
للأعراف ، وذلك كتتويج لمفاوضات دامت عدة أسابيع ، تخللها إضراب عام للقطاع الخاص
في صفاقس ، وكان متوقعا أن يتبعه إضراب مماثل في تونس الكبرى التي تشمل ولايات
تونس ، و أريانة ومنوبة وبن عروس.
وكان اتفاق
سابق قد أقر زيادات في أجور الوظيفة العمومية والقطاع العام، بعد مفاوضات لم تكن عسيرة ، واتسمت بالسلاسة ،
وكانت أكثر سخاء على عكس المتوقع ، من
مفاوضات القطاع الخاص.
وللواقع فإن
أجور قطاع الوظيفة العمومية ، المتمـــــــــــــثل في مرتبات متصاعدة ، بحكم
طبيعة التأجير المتبعة في تونس كما أغلب البلدان الأوربية ، والقائمة على تواصل
متصاعد لمجرى الحياة المهنية carrière
بضوابط صلبة
ويمكن القول متحجرة ، إذن فإن أجور قطاع الوظيفة العمومية المتمثلة في قسط من
الميزانية العامة للدولة بلغ في هذه السنوات حدودا عالية وغير معهودة ، سواء بسبب
زيادات في الأجور كبيرة ، أو بسبب تزايد غير طبيعي ولا منطقي في عدد الموظفين ،
يعتبر أي الأجر في الحسابات الوطنية
المعتمدة في ضبط الناتج الداخلي الخام ، كله قيمة مضافة ، ما يرفع اصطناعيا في نسبة
النمو كما حصل في سنة 2013 التي شهدت أفضل حالاتها من حيث نسبة النمو منذ 2010.
وكان لها
الفضل أي تلك الأجور الفائضة ، في دفع
الاستهلاك الذي يعتبر أحد محركات النمو الثلاثة.
أما في
القطاع الخاص فإن الأجور تعتبر ، مقابلا للجهد المبذول ، ولها كما في الوظيفة
العمومية ارتباط وثيق بالتضخم المسجل في البلاد وغلاء المعيشة ، ولكن الأجور هنا
كما في القطاع العمومي المنتج ( بين قوسين) تعتبر أيضا كلفة ، يقرأ لها أصحاب
المؤسسات أو القائمين عليها ألف حساب ، على اعتبار الحرص منهم على تنافسية
مؤسساتهم سواء داخليا أو خارجيا عند التصدير ، وبالتالي فإنهم ينظرون إليها لا فقط
من حيث ترضية مطالب النقابات العمالية ، بل وأيضا من جهة القدرة اللاحقة على تسويق
السلع أو الخدمات المنتجة ، باعتبار سعرها عند عرضها في السوق لدى المقبلين عليها
، والذين يمثل العمال باعتبار عددهم بين سكان كيان معين ، العنصر الأوفر المقبل على شرائها.
و من هنا
يأتي التعقيد ، فإذا كانت الحكومة ستطالب مع كل زيادة لموظفيها ، الذين انخرم سلم
تأجيرهم منذ الثورة وفقد كل منطق داخلي سليم ، بتوفير قدر من ميزانية الدولة لمجابهة
الزيادات ، يتعاظم عاما بعد عام ، وتواجهه بمزيد الاقتراض الداخلي والخارجي ، ما سيثقل بالسداد كاهل الجيل الحالي وخاصة الأجيال
المقبلة ، فإن الأجور في المؤسسات عامة وخاصة تواجه تحديات أكبر ، لأنها في حالة
عدم التوازن معرضة للإفلاس ( اي المؤسسات)
، وبالتالي زيادة احتداد مشكلة البطالة ، وقد درجت النقابات العمالية ، ليس عندنا في تونس فقط بل في كل العالم على
الدفاع على منظوريها من العاملين ، بقطع النظر عما يصيب المهددين في لقمة الرغيف ،
أو أولئك المعطلين أصلا.
غير أن هناك
مخارج من هذه الحالة بكل تناقضاتها ، عبر زيادة الإنتاجية التي يمكن أن تمتص ولو
جزئيا تأثيرات زيادات الأجور، أو عبر انسياب تصاعدي للأسعار بحيث ترتفع بلا ضوابط
، مما تتضرر منه أساسا الطبقات العمالية.
وفي بلادنا
حيث الانتاجية متراجعة ، نتيجة الارتخاء في الجهد ، والغياب الكامل لقيمة العمل ،
وحيث إن الحد من ارتفاع الأسعار ليس قدرا تحدده الرقابة الإدارية وحدها كما يظن
الكثيرون ، بل تحدده حـــــــقيقة الــسوق،
بالعودة إلى كلفة الإنتاج بما فيها الأجور
فإن الأمر يبدو وكأنه معادلة يصعب حلها.
سؤال : كيف
استطاع المغاربة في القطر الشقيق ، أن
يرفعوا الأجر الأدنى إلى ضعف ما هو عندنا ، بعد أن كان أقل مما نعرف في بلادنا ،
الجواب ببساطة هو الإقدام على العمل ، ورفع إنتاجية العمل ، والأمر على عكس ما
يعتقد البعض ، ليس مرتبطا بإرادة العاملين
أو العاملين وحدهم ، بل أيضا بتنظيم العمل
، وضبط المهام داخل المؤسسة ، وتلك من صلاحيات أصحاب العمل والفئة المؤطرة ، إلا إذا كان التسيب والإضرابات
القانونية والعشوائية ، والمسيرات وغيرها من الإعتصامات ، قد فاق حجمها كل منطق
ومعقول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق