عربيات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الخطيئة السعودية
و التعلة الشيعية
تونس /الصواب / 4/1/2016
إلى أين يمكن أن يصل الأمر بين الرياض وطهران في ظل التطورات الأخيرة بين
العاصمتين ؟
سيرتقي ولا شك إلى مرتبة عالية من
التوتر السياسي ، ولكن المتوقع والمفروض أن
لا يصل إلى الحدود القصوى أي إلى الحرب.
فمنذ الثورة الإيرانية في أواخر
السبعينيات ، وترسيم المذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري في دستور الجمهورية
الإيرانية كدين للدولة واعتباره هو المظهر
الصحيح للإسلام فيما غيره كفر ، والدول العربية التي لها تماس مع إيران تتوجس خيفة
، باعتبار ما لديها من أقليات شيعية ( أغلبية في مملكة البحرين) ، ذلك أن طهران لا
تخفي سعيها الحثيث لنشر المذهب الشيعي في كل البلدان الإسلامية ، باعتبار أنه
المذهب الموروث عن آل البيت ، رغم أنه لم
يظهر قائم الذات إلا بعد عشرات السنين على مقتل علي بن أبي طالب زوج ابنة الرسول ،
وابني فاطمة الحسين والحسن ، وأنه بذلك في الاعتبار الشيعي ( 12 في المائة من المسلمين)هو المذهب الصحيح (
يقول البعض الدين الصحيح) .
ومن هنا جاءت حرب الخليج الأولى التي
شنها صدام حسين ضد إيران وهي التي أسميت حرب الثماني سنوات ، بتأييد واسع ومكلف
باهظ الثمن من الدول الخليجية جميعها ، وتعاطف عربي واسع
إلا من سوريا حافظ الأسد ، المنتسبة
للمذهب العلوي (باعتباره المذهب الذي يدين به العلويون الحاكمون في سوريا ويمثلون
أقلية هناك اختلاف في أنهم يمثلون ما بين 6 و 12 في المائة من جملة السكان) وهو
فرع من فروع الشيعة.
**
هذه الحرب انتهت بهزيمة طهران ولكنها أنهكت كلا من إيران
والعراق ، الذي سنراه يندفع في مغامرة أخرى ما زالت الدول العربية تنوء بعبء
ذيولها وستبقى.
ثم إن الخلاف العربي الفارسي قائم منذ
عهد الشاه ، وذلك لاحتلال إيران الجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات.
ولعله يعود إلى سنة 970 ميلادية ( نعم0 97)
بقيام الدولة الصفوية وفرض المذهب الشيعي كمذهب وحيد ، وقتل كل من لم يلتزم به.
ولعل أحد تمظهرات التنافس الحالي العربي الإيراني هي تلك المتمثلة في حرب
اليمن الدائرة منذ أشهر ، فالحوثيون أو على الأصح الزيديون ويعتبرون فرعا من فروع الشيعة ، الأقرب في
نظرياتهم وطقوسهم إلى السنة ، وتحاول
إيران عبر تأجيج عواطفهم المذهبية للسيطرة
عليهم ، بقصد السيطرة على الجزء الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية ، وبالتالي
محاصرة السعودية ، و الاقتراب من الأماكن المقدسة في مكة والمدينة ، التي يعتقد
الشيعة أنهم الأولى بتسييرها لا أصحاب المذهب السني ، باعتبارهم من نسل النبي أو من أتباع أهل البيت.
وقد أخذ الشعور يتعاظم لدى الدول
الخليجية بالخطر ، فارتفعت فوق خلافاتها
لتشن حربا ، على الحوثيين الذين كانوا بصدد السيطرة على اليمن ، تحقيقا لمآرب
يعتقد أنها إستراتيجية ، تتخفى وراء أسباب
مذهبية ويرى البعض أنها دينية.
من هنا جاءت القطرة التي أفاضت الكأس
، عندما تولت السعودية إعدام 47 شخصا من بينهم 45 سعوديا وعربيين اثنين أحدهما
مصري ، بتهمة الإرهاب والانتماء إلى القاعدة وداعش ، وكان من بين الذين وقع
إعدامهم شيخ جليل شيعي هو نمر باقر النمر ، ولا يبدو أنه من القاعدة ولا من داعش وهما تنظيمان يضعان في
مقدمة أهدافهما محاربة الشيعة .
وفيما سكتت مصر عن مواطنها الواقع
إعدامه ، أقامت الجهات الشيعية سواء الاثني عشرية أو العلوية أو الزيدية في مختلف البلدان الفارسية أو العربية ، الدنيا ولم تقعدها على إعدام " ّالشهيد
" النمر.
وسارت المظاهرات الحاشدة في طهران ومشهد وغيرها
في إيران ، وأيضا في بيروت ، منددة بإعدام
الشيخ النمر ، وبلغ الأمر حده في طهران ومشهد حيث تم إحراق جزء من السفارة
السعودية في طهران ، والقنصلية السعودية في مشهد ، وهو أمر مخالف بالتمام والكمال
لاتفاقية فيانا حول العلاقات الدبلوماسية ، ومناف للأعراف المرعية بين الدول ،
وذلك على اعتبار أن الدولة التي تستضيف السفارات والقنصليات تبقى مسئولة عن
سلامتها وسلامة الدبلوماسيين المعتمدين لديها.
**
غير أن للمرء أن يقف على أحكام
الإعدام بهذا القدر من العدد.
فمن جهة لم يعد مقبولا في المواثيق
الدولية إصدار أحكام الإعدام ، مهما كان
الجرم ، فضلا عن تنفيذها.
ومن جهة أخرى فإنه لم يعد مقبولا
مطلقا إصدار أحكام إعدام بالجملة ، فالأمر يتحول من مجرد العقاب إلى مرحلة انتقام
غير مقبول.
ومن جهة ثالثة فإن الحكم بإعدام الشيخ
نمر باقر النمر ثم تنفيذ الحكم ، ليس سوى
استفزاز للشيعة السعوديين ، فضلا عن بقية
الشيعة ، ولعل القادم أسوأ باعتبار أن عددا آخر من الشيعة السعوديين مهددون بأحكام
الإعدام .
وبعكس من اتهموا بالقيام بأعمال إرهابية ممن تم إعدامهم ( وكلهم من السنة )، فإن الشيخ النمر ، لم توجه
له تهمة إرهاب بل عصيان السلطة ، باعتبار قيادته مظاهرات ، تنديدا بما يحيق بالشيعة السعوديين ، ويمثلون وفقا
للتقديرات ما بين 12 و 13 في المائة من
السكان أي حوالي ما بين 3 و 4 ملايين ، من ظلم واحتقار باعتبارهم طابورا خامسا
لطهران وفقا للسائد رسميا في المملكة.
على أنه وإضافة إلى قسوة أحكام
الإعدام في جرائم سياسية ، وحتى في غيرها ، فإن حسن التدبير غاب عن السلطات
السعودية ، التي كان ينبغي لها أن تتفطن إلى
أن إعدام الشيخ النمر لم يكن ليمر بدون رد فعل ،
فطهران ومعها حزب الله اللبناني أساسا وحركة حماس وإن لم تكن شيعية ،
والنظام السوري العلوي ، كلها ستنتهز الفرصة لتتخذ من المناسبة للانتقام من النظام السعودي ، الذي تقف منه
موقف العداء بالنظر إلى تحالفه مع الغرب ضد نظام الأسد ، فيما طهران ودمشق وروسيا
تقف في الصف المقابل.
**
على أن إيران ليست في وارد إعطاء الدروس ، فهي ما زالت هي
الأخرى تواصل التعسف تجاه سكان عربستان حيث كانت دولة قائمة حتى سنة 1920 ، عندما
احتلتها طهران بســـــــــكانها الملايين الخمسة ، ومنعتهم من استعمال لغتهم
العربية ، وتواصل إعدام من منهم يحاول أن يعيد استعمالها أو يتحدى السلطة بتسمية ابنه أبو بكر أو عثمان
أو عمر أو عائشة أو معاوية أو يزيد أو مروان وغيرها من الأسماء ، ومن آخرهم ، وليس أخيرهم ريسان السواري وهو معلم أصر على
تعليم اللغة العربية لتلاميذه ، فحكم عليه
بالإعدام بسبب مخالفة أوامر الحكومة ،
وفيما كان الجلاد يسعى لإحاطة حبل المشنقة حول عنقه قام بتقبيل الحبل ، ويعتقد أنه
يتم إعدام العشرات كل سنة من عرب عربستان
التي سميت بعد السيطرة عليها باسم خوزستان ذو الرنة الفارسية.
ولعله وجبت الملاحظة أن كلا البلدين السعودية
وإيران ومعهما الصين هي أكثر بلدان العالم لجوءا لأحكام الإعدام ، ضد كل مرجعيات
وثائق حقوق الإنسان ، وإن كانت الولايات المتحدة ما زالت تلجأ إلى أحكام الإعدام
ولو بوتيرة أقل بكثير ، رغم ادعائها أنها حامية لتلك الحقوق.
**
واليوم وقد أقدمت السعودية على أعلى
درجة في مجال العلاقات الدبلوماســية سوء،بقطع العلاقات الدبلوماسية ، رغم أن تلك
العلاقات ليست لا دليل حسن صلة ولا عكس ذلك ، بل خيط تواصل بين دولتين ، فإن
المتوقع أن تبقى رغم ذلك كل من الدولتين ممثلة لدى الأخرى ، سواء ببقاء الممثلية
الدبلوماسية لدى كل منهما مفتوحة وبدرجة متدنية من التمثيل ، أو باللجوء لرعاية
مصالح كل دولة منهما عبر سفارة صديقة ، تأوي من يمثل كل من الدولتين لدى الأخرى ،
لا كما جرى في تونس على يدي الرئيس السابق منصف المرزوقي ، تجاه سوريا في سنة 2011 ، بسحب السفارة تماما
وطرد سفير لسوريا ليس متواجدا بتونس أصلا ، وهو ما لا تقره اتفاقية فيانا.
**
ولكن يبقى السؤال قائما : هل أن
الأمور ستتطور إلى مــواجهة عسكرية بين البلدين ، بعد المواجهة السياسية ، وكلا
الدولتين مستنزفة سواء في حرب اليمن حيث
قام المصريون بطرد الوجود الإيراني من مضيق باب المندب وتواصل السعودية ودول الخليج قصفا يوميا لليمن ، أو في حرب سوريا حيث توجد
قوات إيرانية ، وميليشيات من حزب الله
تؤازر بشار الأسد وتمنع سقوطه ، خصوصا وأن إيران ما زالت لم تخرج تماما من حصار
اقتصادي مرير ، وأن كلا من إيران والسعودية تشكوان من انهيار أسعار البترول ، ووصل
الأمر بالسعودية إلى أن موازنة الدولة فيها تشكو ولأول مرة من عجز يبلغ 90 مليار
يورو أي 6 مرات حجم ميزانية تونس ، والوضع المالي لإيران ليس أفضل حالا إن لم يكن أسوا بعد سنوات مديدة من المقاطعة ،
وانهيار أسعار الثروة الأساسية التي
يعتمدها ، ةوعدم القدرة سريعا على عودة الإنتاج بالحجم الذي كان قبل المقاطعة
والحصار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق