سانحة
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
التوريث ..
والنداء كان صرحا فهوى
تونس / الصواب / 14/01/2016
لم يترك اليونان شيئا إلا وضمنوه أساطيرهم ، والميثولوجيا اليونانية لم تترك أمرا معينا
إلا ووجدت له الأمثلة الملائمة ، ومنها الابن قاتل أبيه ، و ربما الأب قاتل ابنه ، من هنا
يمكن القول أن الباجي قائد السبسي قد قتل صنيعته ، المتمثلة
في الحزب الذي أنشأه قبل ثلاث سنوات ، وبلغ به مستوى النجوم ، فقاده إلى موقع
رئاسة الجمهورية ، والحصول بواسطته على أغلبية نسبية ، في أول برلمان تونسي منتخب
بصورة ديمقراطية نزيهة وشفافة.
ولكنه وهو الشيخ الداهية لم يفده
كثيرا دهاؤه ، و انساق إلى غريزته الطبيعية ، التي يتجرد منها عادة كبار القوم وخاصة من السياسيين الموهوبين ، ففضل ابنه
البيولوجي على ابنه الافتراضي ، أي حافظ قائد السبسي على نداء تونس.
فسعى إلى توريث ابنه قيادة الحزب ، الذي
ركبه تركيبا كما لو كان لعبة لوغو، وجمع
فيه ما لا يجمع ، إلا ما كان يربط من حرص على المحافظة على نمط مجتمع موروث عن
عهود الإصلاح الذي عرفته البلاد على مدى القرنين الماضيين ، وخاصة منذ تولي الرئيس
بورقيبة الحكم.
غير أن البلاد التي اختارت نظاما
جمهوريا منذ 1957 ، لم يعد من ذوقها ، ولا من طبعها ، استساغة التوريث ، بعد أن
ودعت النظام الملكي إلى غير رجعة.
ولعل الخطيئة الكبرى اليوم ، أن
الباجي قائد السبسي ، لم يشعر بأن زمن النظام الوراثة قد ولى وانقضى ، فاندفع بغير شعور منه وبعاطفة
أبوية جياشة طبيعية ، لمن لا يحسب لا حساب
التاريخ ولا حساب متغيراته اندفع في منزلق
خطير.
ولعله وحده وبالأساس هو الذي يتحمل
المسؤولية الكبرى ، لتمزيق "الإله " الذي صنعه من لا شيء ، كما كان يفعل اليونان القدامى .
واليوم فالبلاد بعد ما جرى ، وبعد أن
أصبح الابن البيولوجي حافظ قائد السبسي هو
الرئيس الفعلي والمعلن ، للابن الافتراضي الذي هو النداء ، فقد تم تمزيق
"البوزيل" الذي تم تجميع قطعه بصبر وأناة ، فانتثرت تلك القطع ، بصورة
لم يعد ممكنا جمعها ولا تحقيق تفاعلها .
وإذ أعلنت مرات ومرات أنني أنا شخصيا
، ليس في وسعي الانضباط في حزب أولا بطبعي
وثانيا باعتبار صفتي الصحفية التي تلزمني الحياد تجاه الأحزاب والتنظيمات السياسية
، فإني على الأقل مثل الكثيرين غيري من
غير المتحزبين ، كنت مقتنعا بأن طريق عدم تغيير نمط المجتمع بات مسدودا أمام الذين ما زالوا يحدوهم حنينا لمقولة
التدافع المجتمعي ، وأن النهضة التي أحترمها
ولكن لا أعرف توجهاتها الحقيقية المعلنة والخفية ، أصبحت الطريق مفتوحة أمامها ،
ومن يدريك إن عادت للحكم سواء بأغلبية فعلية أو نسبية منفردة أو بأحزاب مستسلمة كما الحال
2012/2013 وعبر ترويكا جديدة ، أن تعود حليمة
إلى عادتها القديمة كما حصل سابقا ،
فتتهدد مكتسبات كان الظن سائدا أنها لا يمكن أن يمسها خطر ، وأن دستور 27 جانفي جانفي
، المقبول عموما رغم نقائصه الكثيرة ، من
وجهة نظر الحداثيين ، لن يناله التغيير ، فيتراجع عن نواحي مستنيرة حفل بها.
الأداة الوحيدة التي كان يمكن أن تحمي
توجهات البلاد انتحرت ، " بفضل " المنقذ كما اعتبره البعض.
ولكن المجتمع المدني الحي بكل حيويته
وعزمه ، هو الكفيل وحده وحتى وحده اليوم بنداء أو بغير نداء ، بحماية البلاد من كل المنزلقات
وكل التراجعات ، التي كف النداء أن يكون القوة
الضامنة لعدم حصولها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق