Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 23 فبراير 2019

سانحة : نحو المجهول بكل سرعة

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
بعد ترفيع نسبة الفائدة ..
الخطوات الموالية ..
وعلى عاتق من ؟
تونس / الصواب / 23/02/2019
اتخذ البنك المركزي "حارس المعبد "، ما استطاع أن يتخذه من خطوة موجهة ولكن ضرورية حتى لا تشتعل الأسعار ، وتنطلق دوامة التضخم في الدوران المجنون،
ويصل الغلاء إلى رقمين أي أكثر من 10 في المائة ، وتلك الخطوة هي خطوة فنية ، ولكن تأثيراتها كبرى على معيشة الناس .
والسؤال المطروح اليوم ما هي الخطوات الموالية ، وعلى من يقع اتخاذها والمبادرة بها؟
لنقل أولا إن الخطوة  التي اتخذها البنك المركزي غير قابلة للتراجع ، كما يتمنى البعض ، وإلا لانطلقت دوامة الغلاء بحيث لا يقع التحكم فيها ، هل تعرفون أن في فينيزويلا اليوم ، يضطر المرء لمصاحبة قفة أوراق نقدية لشراء غداء يومه ، وليس هناك بلد في مأمن من ذلك ، إذا لم يستيقظ شعب كامل  ومسؤوليه وفي الوقت المناسب.
ولنقل ثانيا ، إن المحاولات السابقة لمعهد الإصدار ، بلمسات خفيفة متوالية ، لم تعط نتائج تذكر ، فالغلاء وإن تهاود شيئا ما فقد بقي على نسبة عالية  وفوق 7 في المائة ، كما الحمى في الجسم ، ولم تفد تلك اللمسات إذ لم تصاحبها ، لا من الحكومة ولا المجتمع القرارات الحاسمة والضرورية والموجعة المريرة ، لعلاج 8 سنوات من التسيب وغياب الدولة .
ولنقل ثالثا إنه جاء الوقت لأخذ الثور من قرونه واتخاذ القرارات الواجبة والموجعة ولو في سنة انتخابية حاسمة حتى لا نترك الحبل على الغارب.
**
 البنك المركزي اضطر إلى ضربة كبرى عله يوقظ ما مات فينا من روح مسؤولية ، حكومة ومنظمات وشعبا بأكمله ، فكلنا نعيش فوق إمكانياتنا المتاحة، وكل المؤشرات حمراء قانية ، وبالخصوص التوازنات المالية كلها الجارية وغيرها ، ومقياس الحرارة بلغ الدرجة التي ما بعدها درجة ، الحكومات المتوالية تغط في نوم عميق ، والشعب ما زال يطالب ويطالب ، والانتاج في الحضيض ، والانتاجية متراجعة باستمر ، في الفسفاط ما كان ينتجه 8 آلاف عامل هبط إلى أقل من الثلث بأكثر من ثلاثة أضعاف عدد العمال وهل من مزيد ، والتوريدات في بلادنا من كماليات ، وكأننا نعيش في بلد في بحبوحة من الدخل بينما الناتج بالأسعار الحقيقة تراجع بل وتدهور .
الحكومات نداء ونهضة ممن حكموا البلاد خلال السنوات الأخيرة ومن يتحملون المسؤولية ، عينها على الانتخابات  ، فيما البلاد في حاجة أكثر من أكيدة إلى إصلاحات عميقة ، تأكدت منذ 2012 ولكن تأخرت بروح غير مسؤولة عامة ، أضيفت إليها مطلبية عالية من كل الفئات ، اتحاد الشغل واتحاد الأعراف واتحاد الفلاحين ، وكأن حنفية كبيرة تتدفق منها الأموال بل سوائل الذهب .
قام البنك المركزي بدوره ، فمتى تقوم الحكومة بدورها ، ومتى تكف مطلبية اتحاد الشغل ويدعو إلى إنتاجية العمل بدل الدعوة لزيادات ليس لها ما يبررها اقتصاديا ، وإن كانت مبررة بالنظر لغلاء المعيشة ، ولكن لا بد أن نعي أن الأجر ليس لتغطية حاجيات فقط ، ولكن وبالخصوص كلفة لا بد أن تتهاود ، ومطالبات الأعراف بزيادة الإمتيازات ، ومطالبة الفلاحين برفع الأسعار عند الإنتاج ، وكلها وإن كانت مشروعة فليس وقتها بالنظر لحقيقة وضع كارثي.
كلام لا يعجب الكثيرين ، ولكن البلد على حافة كارثة ، فإما أن تستيقظ أو إنها ستخطو خطوة أخرى نحو الهاوية العميقة.
فقط نضيف إن الحكومة هي أول المتضررين من قرار البنك المركزي برفع نسبة الفائدة بهذه الهزة الكبرى ، فهي أكبر مقترض أكبر مستدين في البلد ، وعليها ، أن تشعر بذلك وتتصرف وفقه.


الخميس، 21 فبراير 2019

اقتصاديات : سنوات القحط

إقتصاديات

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
إفلاس الدولة ودواليبها
تونس / الصواب/ 21/02/2019
ليس بمعنى العجز المالي وإن كنا إذا استمر الوضع على ما هو عليه ، في مأمن من أن تتوقف الدولة عن مواجهة التزاماتها المالية وغير المالية  ، ولكن بمعنى العجز الكامل عن تأدية واجباتها والقيام بدورها.
منذ ثمانية سنوات ونحن غارقون في وحل لزج ، ويمر اليوم موصيا الموالي بأن يكون أتعس ، ولذلك فليس من غرابة أن ينحدر أداء السلطة إلى الحضيض ، ويضطر البنك المركزي للقيام بتعديل نحو رفع النسبة المديرية لكراء المال للمرة الخامسة ، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، ولعل الأخطاء التي ارتكبت أكاد أقول عن قصد وسابق إضمار منذ 2011 ، هي سبب مباشر ومتراكم لما هي عليه تونس اليوم ، فقد كان تعيين وزير الداخلية الراجحي كارثة وأي كارثة ، ثم جاءت استقالة حسين الديماسي من وزارة المالية 6 أشهر بعد تعيينه في جوان 2012 لرفض برنامجه الاصلاحي الذي كان ممكنا اعتماده مباشرة بعد الثورة وفي خضمها ، ما اضطره لاستقالة لم يكن منها بد لاختلاف كبير مع حكومة النهضة التي اتسمت في تصرفها وقتها بقلة المسؤولية ، وجاءت ثالث الأثافي عندما اتقت النهضة الحاكمة ورافديها الضعيفين مصطفى بن جعفر ومنصف المرزوقي على إزاحة مصطفى كما النابلي من منصب محافظ البنك المركزي ، مما قاد البلاد على مدى سنوات على طريق التخبط النقدي ، وغياب أي سياسات مالية اقتصادية منطقية للدولة ، حتى جيئ بالمحافظ الحالي مروان العباسي ، الذي أقدم منذ قدومه على دفع البلاد لتناول دواء مر على جرعات صغيرة ، لم تكن كافية لتقويم مسيرتها ، أولا بسبب ضعفها وضعف مردودها ، وثانيا باعتبار أنه لم ترافقها سياسة مالية ولا اقتصادية لددولة ممثلة في الحكومة الحالية ، واستقالة من السلطة القائمة ، ومطالبات شعبوية فوق الطاقة تجني البلاد اليوم ثمارها الحنظل وما زالت ولن تزال تجني ، لعدم الرغبة - القدرة على اتخاذ القرارات المرة الموجعة التي باتت أكثر من لازمة ، وكل تأخير فيها – ولا يبدو أن هناك حرص على اتباع خطواتها – لا يعني سوى مزيد الغرق في وحل لزج أسود من سواد الوضع الحالي الذي وصلت إليه البلاد ، في انتظار مرحلة قد يصل فيها الأمر إلى الاضطرار لا فقط لتجميد المرتبات بل لعل الأسوء من ذلك ، وتكف فيه السلطة عن سداد مستحقات مزوديها ، والمذاق الأول هو ما شهدته البلاد خلال الأشهر الأخيرة من سياسة القحط والفقدان والندرة ، وهو مانقطع منذ عشرات السنين.
الانتاج تدنى إلى الأدنى ، وقيمة العمل انعدمت ونسب النمو تدهورت ، وما تبع ذلك من انحطاط في الأخلاق ، وانصراف عن بذل الجهد مع مطلبية متصاعدة ، فانخرمت كل التوازنات ولا يبدو مع استقالة الحكام أن هناك أي أمل في إصلاح الأوضاع .
كل المؤشرات من سوء إلى الأسواء ، والتوانات في المالية العمومية ، وفي لبميزان التجاري ، وفي إنتاجية العمل ، كلها في انحدار  ومعها الاستثمار ومحيط الاستثمار القادر وحده على خلق الثروة ، وعلى توفير مناصب الشغل ، ورغم جهود البنك المركزي للترقيع عبر ما يتوفر لديه من وسائل محدودة ، في غياب جهد حكومي معدوم منذ ثماني سنوات قاد البلاد إلى الحضيض وما زال يقودها ، وليست سنة الاستحقاقات الانتخابية هي التي ستشهد تحسنا ، بل إن الوعود الديماغوجية هي المسيطرة ،والطوفان قادم ، وكل يرمي المسؤولية ، الشعب على الحكومة والحكومة على الشعب ، وكلاهما ليس في مسؤولية روح المسؤولية التي عرفتها بلادنا في وقت من الأوقات.

السبت، 9 فبراير 2019

بكل هدوء : المال المشبوه زعزع وهز الحياة الاجتماعية والسياسية ، فهل من وقفة حازمة قبل انتخابات مبرمجة

بكل هدوء

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
صيحة في واد
أين البنك المركزي .. أين الحكومة ؟
تونس / الصواب/ 08/02/2019
منذ سنوات بحت الأصوات وهي تنادي بمراقبة دفق الأموال المشبوهة الواردة من قطر ; وربما غير قطر  إلى " جمعيات خيرية " وما هي في الغالب بالخيرية ولا هم يحزنون ،  ، وكان هدفها في الغالب الأعم هز التوازن المجتمعي  والانتصار لجمع دون آخر ، والدفع نحو نمط مجتمعي غريب عن تونس ، وعن الوسطية التونسية ، المنبثقة عن الإلتزام بالمذهب المالكي ، واعتدال غالب في جامع الزيتونة قبل أن يتحول إلى جامعة زيتونية تلتزم بالأساليب الأكاديمية المتعارفة ، نال من علميتها الكثير من الإهتزاز بعد الثورة .
وكان جمع من الزواتنة لا الغالبية منهم  قد انحازوا في سنوات 1954 /1956 إلى صالح بن يوسف ، مدركين أو غير مدركين أنه كان لا يعتمد في دعوته على الدين، بقدر ما كان يعتمد على مبادئ القومية العربية التي بشر بها جمال عبد الناصر،  الذي لا يشك أحد اليوم في أنه كان لائكيا في توجهاته ، وقد وضع على رأس مشيخة الأزهر رجالا بينهم وبين التطرف الديني أشواط وأشواط ، ومنهم التونسي الخضر حسين والمصري الشيخ شلتوت.
وعندما انهزم التيار اليوسفي ، مع ما رافق ذلك من عسف غير مبرر ، انحسر معه التوجه اليميني ، لفائدة عصرنة توجه عقلاني وإن اتسم ببعض الشطط لم يصل حتى حدود ما بلغه في مصر قبل هزيمة 1967.
غير أن الكارثة جاءت تونس كما عمت البلدان العربية والإسلامية ، في ظل أمرين اثنين :
1)  انفجار وسائل التواصل العصرية بما فيها البارابول الذي نقل إلينا وغيرنا تصورات دينية غريبة عنا تمظهرت شكلا في اعتماد الصلاة باليدين المضمومتين بينما كان السائد هو الصلاة باليدين المرسلتين ، وعمقا في تبني مظاهر لم نعرفها من قبل ، من فتاوي الجهل وتقليد التراجع الذي عرفه بصورة عامة المذهب الحنبلي، وبصورة خاصة التوجه الوهابي الذي فرض نفسه في نجد والحجاز خاصة منذ 1932 ، وسيطرة آل سعود  على الجزيرة العربية. ثم في انتشار وسائط الفايس بوك والانترنت .
2)  نجاح " لثورة التونسية "بقطع النظر عن مرتكزاتها ، فقد كانت ثورة فريدة من نوعها بلا قيادة ولا فكر ، والبعض يقول إنها كانت موجهة من الخارج ، قام بها الذين طرحوا على هامش الطريق ، وخاصة من العمال والعاطلين عن العمل والطبقات المسحوقة ، واستولى عليها من لم يشاركوا فيها أو تحملوا أعباءها من قتلى وجرحى بالمئات.
ولعل هذا ما يفسر حصول الإسلاميين بتضحياتهم العالية ، على تعويضات سخية ، فيما لم تنشر حكومة النداء/ النهضة ، لحد اليوم قائمة الشهداء والجرحى ،التي أعدتها لجنة محايدة ، تشكلت بقانون عملت على تخليص الحرير من الشوك على مدى 4 أو 5 سنين.
**
 في ظل الثورة وحتى قبل أن تنجح النهضة ، التي نالت جائزة ، ماضي تضحيات أبنائها في انتخابات 2001 ، ولم يكونوا  وحدهم المضحين ، بدأ دفق أكبر المتعصبين ، وأموالهم بدون حساب ، لتأطير التونسيين وتحويلهم عن اختياراتهم التاريخية منذ ما قبل 1837 ، وبعد أن اتبع أحمد باي سياسة عصرنة البلاد اقتداء بما فعله الخديوي محمد علي في مصر سنة 1802 .
ولا بد من تحميل مسؤولية ذلك لكل الحكومات بما فيها حكومة الباجي قائد السبسي والحكومات التي أعقبته بعد انتخابات 2011 و2014 ، وقيادة البنك المركزي ، التي تم سحبها ظلما وعدوانا عن طريق منصف المرزوقي والنهضة،  وبمشاركة رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر.
فانفحت أبواب الأموال المتدفقة كالسيل العرم ، إلى من كان ولاؤهم للتطرف أكثر من ولائهم لتونس ، إن كان لهم ذرة من ولاء لتونس .
وإذ جاءت نجاحات نداء تونس في انتخابات 2014 ، مؤذنة بقدوم عهد جديد ، فإن كل الآمال تلاشت بعدم إقدام الرئيس الباجي قائد السبسي على محدودية صلاحياته ، ولا حكوماته المتعاقبة على وقف السيل ، ولا محاسبة من أخطأوا في حق تونس ، ولا بذلت جهود لا كبرى ولا صغرى في كشف ملامح من دفعوا إلى اغتيالات سياسية في وضح النهار لم يسبق لها مثيل  في تاريخ تونس المعاصر ولا الحديث ، في ظل ما أسمي بتوافق  كان مغشوشا ، سكت عما يرتكب في حق تونس ومستقبل شعبها ، وهي سياسة متواصلة في ظل انفجار حزب النداء الذي تآكل تحت ضغط توريث ممجوج ،  أفقده وزنه وجعل منه شبحا لنفسه، ولما كان عليه سنة 2014 رغم هناته الكبيرة.
**
من هنا فلعل للمرء أن لا يستغرب ما كشف عنه عمل صحفي استقصائي ناجح تولاه الاعلامي حمزة بلومي ، بقطع النظر عما إذا كان موحى به كما يقول البعض ، أو بإرادة نابعة من الذات ، فالمهم أن السهم أصاب الهدف ، وأن الغطاء قد انكشف ، وأن المارد خرج من القمقم ، وأما السلطة ورئاستها والبنك المركزي وسائر البنوك ورئاسة الحكومة و وزارة المالية ووزارات متعددة أخرى أن تقوم بالكشف عن مدى تغلغل ظاهرة الجمعيات الخيرية وتمويلاتها المشبوهة  ، هذه الفقاعات التي لا يمكن للمرء أن يتهم مجموعها ، فبعضها يؤدي دورا مرموقا والبعض الآخر يقوم بدور تدميري للمجموعة الوطنية ، كما تم الكشف عن أنشطة مدرسة الرقاب ، والتي يبدو أن عشرات مثيلة لها وربما مئات ، وكذلك عشرات أو مئات التي تعتبر الحدائق الخلفية لتمول أحزاب معينة ، لا تأتيها الأموال الخارجية  مباشرة وإنما تستقيها من جمعيات  تعتبر غطاء شفافا ، تأتيها تلك الأموال بصور أحيانا ملتوية لا يحاسبها أحد على مجالات صرفها وإنفاقها.
 من هنا  أيضا فإن الظاهرة على ما تبدو عليه للبعض هي في غاية الخطورة ، ينبغي لا للسلطة وحدها إن صح منها العزم ، ولكن المجتمع ككل أن يجتثها من عروقها وإلا فإنه لا ديمقراطية ولا شفافية ولا انتخابات نزيهة ولا نتائج موثوق بها ، أما التوافق فقد ذهب أدراج الرياح سواء مع السبسي أو  مع الشاهد ، ما لم يبرز للسطح ما وراء الأكمة ، ولا ما أمامها ، والأعين مغمضة على أخطر ما تبدى من حال منذ الثورة وما قبل الثورة .