Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 9 فبراير 2019

بكل هدوء : المال المشبوه زعزع وهز الحياة الاجتماعية والسياسية ، فهل من وقفة حازمة قبل انتخابات مبرمجة

بكل هدوء

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
صيحة في واد
أين البنك المركزي .. أين الحكومة ؟
تونس / الصواب/ 08/02/2019
منذ سنوات بحت الأصوات وهي تنادي بمراقبة دفق الأموال المشبوهة الواردة من قطر ; وربما غير قطر  إلى " جمعيات خيرية " وما هي في الغالب بالخيرية ولا هم يحزنون ،  ، وكان هدفها في الغالب الأعم هز التوازن المجتمعي  والانتصار لجمع دون آخر ، والدفع نحو نمط مجتمعي غريب عن تونس ، وعن الوسطية التونسية ، المنبثقة عن الإلتزام بالمذهب المالكي ، واعتدال غالب في جامع الزيتونة قبل أن يتحول إلى جامعة زيتونية تلتزم بالأساليب الأكاديمية المتعارفة ، نال من علميتها الكثير من الإهتزاز بعد الثورة .
وكان جمع من الزواتنة لا الغالبية منهم  قد انحازوا في سنوات 1954 /1956 إلى صالح بن يوسف ، مدركين أو غير مدركين أنه كان لا يعتمد في دعوته على الدين، بقدر ما كان يعتمد على مبادئ القومية العربية التي بشر بها جمال عبد الناصر،  الذي لا يشك أحد اليوم في أنه كان لائكيا في توجهاته ، وقد وضع على رأس مشيخة الأزهر رجالا بينهم وبين التطرف الديني أشواط وأشواط ، ومنهم التونسي الخضر حسين والمصري الشيخ شلتوت.
وعندما انهزم التيار اليوسفي ، مع ما رافق ذلك من عسف غير مبرر ، انحسر معه التوجه اليميني ، لفائدة عصرنة توجه عقلاني وإن اتسم ببعض الشطط لم يصل حتى حدود ما بلغه في مصر قبل هزيمة 1967.
غير أن الكارثة جاءت تونس كما عمت البلدان العربية والإسلامية ، في ظل أمرين اثنين :
1)  انفجار وسائل التواصل العصرية بما فيها البارابول الذي نقل إلينا وغيرنا تصورات دينية غريبة عنا تمظهرت شكلا في اعتماد الصلاة باليدين المضمومتين بينما كان السائد هو الصلاة باليدين المرسلتين ، وعمقا في تبني مظاهر لم نعرفها من قبل ، من فتاوي الجهل وتقليد التراجع الذي عرفه بصورة عامة المذهب الحنبلي، وبصورة خاصة التوجه الوهابي الذي فرض نفسه في نجد والحجاز خاصة منذ 1932 ، وسيطرة آل سعود  على الجزيرة العربية. ثم في انتشار وسائط الفايس بوك والانترنت .
2)  نجاح " لثورة التونسية "بقطع النظر عن مرتكزاتها ، فقد كانت ثورة فريدة من نوعها بلا قيادة ولا فكر ، والبعض يقول إنها كانت موجهة من الخارج ، قام بها الذين طرحوا على هامش الطريق ، وخاصة من العمال والعاطلين عن العمل والطبقات المسحوقة ، واستولى عليها من لم يشاركوا فيها أو تحملوا أعباءها من قتلى وجرحى بالمئات.
ولعل هذا ما يفسر حصول الإسلاميين بتضحياتهم العالية ، على تعويضات سخية ، فيما لم تنشر حكومة النداء/ النهضة ، لحد اليوم قائمة الشهداء والجرحى ،التي أعدتها لجنة محايدة ، تشكلت بقانون عملت على تخليص الحرير من الشوك على مدى 4 أو 5 سنين.
**
 في ظل الثورة وحتى قبل أن تنجح النهضة ، التي نالت جائزة ، ماضي تضحيات أبنائها في انتخابات 2001 ، ولم يكونوا  وحدهم المضحين ، بدأ دفق أكبر المتعصبين ، وأموالهم بدون حساب ، لتأطير التونسيين وتحويلهم عن اختياراتهم التاريخية منذ ما قبل 1837 ، وبعد أن اتبع أحمد باي سياسة عصرنة البلاد اقتداء بما فعله الخديوي محمد علي في مصر سنة 1802 .
ولا بد من تحميل مسؤولية ذلك لكل الحكومات بما فيها حكومة الباجي قائد السبسي والحكومات التي أعقبته بعد انتخابات 2011 و2014 ، وقيادة البنك المركزي ، التي تم سحبها ظلما وعدوانا عن طريق منصف المرزوقي والنهضة،  وبمشاركة رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر.
فانفحت أبواب الأموال المتدفقة كالسيل العرم ، إلى من كان ولاؤهم للتطرف أكثر من ولائهم لتونس ، إن كان لهم ذرة من ولاء لتونس .
وإذ جاءت نجاحات نداء تونس في انتخابات 2014 ، مؤذنة بقدوم عهد جديد ، فإن كل الآمال تلاشت بعدم إقدام الرئيس الباجي قائد السبسي على محدودية صلاحياته ، ولا حكوماته المتعاقبة على وقف السيل ، ولا محاسبة من أخطأوا في حق تونس ، ولا بذلت جهود لا كبرى ولا صغرى في كشف ملامح من دفعوا إلى اغتيالات سياسية في وضح النهار لم يسبق لها مثيل  في تاريخ تونس المعاصر ولا الحديث ، في ظل ما أسمي بتوافق  كان مغشوشا ، سكت عما يرتكب في حق تونس ومستقبل شعبها ، وهي سياسة متواصلة في ظل انفجار حزب النداء الذي تآكل تحت ضغط توريث ممجوج ،  أفقده وزنه وجعل منه شبحا لنفسه، ولما كان عليه سنة 2014 رغم هناته الكبيرة.
**
من هنا فلعل للمرء أن لا يستغرب ما كشف عنه عمل صحفي استقصائي ناجح تولاه الاعلامي حمزة بلومي ، بقطع النظر عما إذا كان موحى به كما يقول البعض ، أو بإرادة نابعة من الذات ، فالمهم أن السهم أصاب الهدف ، وأن الغطاء قد انكشف ، وأن المارد خرج من القمقم ، وأما السلطة ورئاستها والبنك المركزي وسائر البنوك ورئاسة الحكومة و وزارة المالية ووزارات متعددة أخرى أن تقوم بالكشف عن مدى تغلغل ظاهرة الجمعيات الخيرية وتمويلاتها المشبوهة  ، هذه الفقاعات التي لا يمكن للمرء أن يتهم مجموعها ، فبعضها يؤدي دورا مرموقا والبعض الآخر يقوم بدور تدميري للمجموعة الوطنية ، كما تم الكشف عن أنشطة مدرسة الرقاب ، والتي يبدو أن عشرات مثيلة لها وربما مئات ، وكذلك عشرات أو مئات التي تعتبر الحدائق الخلفية لتمول أحزاب معينة ، لا تأتيها الأموال الخارجية  مباشرة وإنما تستقيها من جمعيات  تعتبر غطاء شفافا ، تأتيها تلك الأموال بصور أحيانا ملتوية لا يحاسبها أحد على مجالات صرفها وإنفاقها.
 من هنا  أيضا فإن الظاهرة على ما تبدو عليه للبعض هي في غاية الخطورة ، ينبغي لا للسلطة وحدها إن صح منها العزم ، ولكن المجتمع ككل أن يجتثها من عروقها وإلا فإنه لا ديمقراطية ولا شفافية ولا انتخابات نزيهة ولا نتائج موثوق بها ، أما التوافق فقد ذهب أدراج الرياح سواء مع السبسي أو  مع الشاهد ، ما لم يبرز للسطح ما وراء الأكمة ، ولا ما أمامها ، والأعين مغمضة على أخطر ما تبدى من حال منذ الثورة وما قبل الثورة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق