Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

الموقف السياسي : بدأ القطر يتساقط ولكن هل هو نافع ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
هل بقيت في تونس دولة ؟
هو عنوان لمقال كتبه المرحوم مصطفى الفيلالي في جريدة الصباح في غضون سنة 2013 إبان حكم الترويكا ، أو لنسم الأشياء بأسمائها حكم النهضة ، الذي تواصل منفردا أو بالشراكة وفي الخفاء على مدى السنوات الثمانية الأخيرة ، بالصورة التي جعلت حركة النهضة تحاول بدون جدوى ،  أن تتخلص من مسؤوليتها خلال كل السنوات التي حكمت فيها بالاشتراك مع نداء تونس وآخرين، أو من وراء ستار مثل وزراء العدل والداخلية في حكومات متعددة وخاصة في جكومة مهدي جمعة.
وفي الإعتقاد أن تدهور قيمة الدولة ، كفكرة عامة وكمؤسسات ، لم يكن مقصد النهضة ، ولكنه التصرف غير الواعي بجهل كامل بمعنى مقومات الدولة ، ومساراتها الضررية .
وإذ استرجع الباجي قائد السبسي المعاني الظاهرة والخفية لقيمة الدولة ، رغم الهنات الكبيرة التي اقتيد إليها ، ومنها تحطيمه لحزب كبير أسسه ، على مذبح رغبته الطاغية في تصعيد ابنه حافظ ربما لوراثته ، فإنه مات وترك مفهوم الدولة كما توصف به في العلوم السياسية غير راسخ في تونس ، وهو ما نجني ثماره المرة اليوم ، وسواء كان الباجي قائد السبسي قد أوصى فعلا للدكتور الزبيدي بالترشح للرئاسة بعد إحساسه بقرب  أجله أم لا.
ومن هنا نشهد اليوم تصرفات طفولية ، ورغم أن السياسة والأخلاق لا يتعايشان في غالب الأحيان،  فإن  الحد الأدنى لا بد أن يكون له حضور ، وسنتوقف عند أمرين ظاهرين ، ربما لا يقيم للغالب من الناس أهمية أو اهتماما لهما ، فهناك من لا يزال يعطيهما الأهمية :
أولهما أن للدولة نواميسها وأعرافها ، لا مجال فيها للكره أو المحبة ، ولا مجال فيها لاتفاق أو اختلاف ، وخاصة لا مجال فيها للحقد ،  وأنه لا بد من انتظار الوقت المناسب لاتخاذ قرارات الابعاد والإقالة.
ففي النظام الرئاسي تمكن المسارعة باتخاذ قرارات معينة ، لأن رئيس الدولة له القرار الأول والأخير ، أما في الأنظمة البرلمانية وحتى المعدلة وخاصة بالنسبة لبعض الواقع ، فالأمر يفترض طريقة مرنة وسلسة ، وموافقة ومراعية سواء للواقع الموجود أو لكرامة المسؤولين الحكوميين.
وثانيهما أنه لا بد من احترام أشكال معينة ، في القرارارات التي تهم رجالا أو نساء خدموا الدولة ، ولا بد من التعامل معهم بالصورة التي تقتضيها الأحوال.
وبدء بوزير الدفاع الذي هو رجل فوق الشبهات ، فقد كان وزيرا للدفاع في الحكومة التي كان يترأسها الوزير الأول الباجي قائد السبسي  سنة 2011، وقد تعهد مثل غيره من الوزراء في تلك الحكومة بعدم الترشح في أول انتخابات ستجري لمجلس تأسيسي منتظر ، وهو ما أوفى به فلم يترشح ، ولكن حمادي الجبالي رئيس الحكومة المنبثق عن انتخابات المجلس التأسيسي  ، وهو ابن بلد الزبيدي ، طلب من وزير الدفاع المغادر آنذاك أن يبقى في منصبه ، ولدينا معلومات مؤكدة أنه هو وحزبه النهضة كانا يرغبان بقوة في إبقائه في منصب وزارة الدفاع ، وسنرى أن النهضة كانت دوما  غير راغبة في هذه الوزارة على مدى الثماني سنوات الماضية ، وقد أحرج ( بضم الألف ) عبد الكريم الزبيدي أيما إحراج ، خاصة تجاه التزامه أمام الباجي قائد السبسي ،وهو رجل وفاء وعند احترام تعهداته ، ولكن معلومات أكيدة عندي منذ 2011 تفيد بأن الباجي قائد السبسي عندما علم بالأمر حله من التزامه دون غيره ، ربما لأمر في نفس يعقوب، وبغرض أن لا تسقط وزارة الدفاع في يد النهضة ، التي كانت تغمز بقوة تجاه وزارتين سيادتين مهمتين وقتها ، هما وزارة العدل ووزارة الداخلية، وقد نالتهما وادخلتهما منذ ذلك الحين في البوتقة في تقدير الكثيرين.
الذين يعرفون عبد الكريم الزبيدي يقولون عنه إنه رجل شديد الاستقامة ، مصاب بشيء من الزهد ، خصوصا وأنه فقد ابنه الوحيد وأمله في الحياة في حادث مرور، وهو ليس ممن يطلب لا جاها ولا مالا ، معروف عنه أنه من أهل الثقة والكفاءة يجمعهما بصورة طبيعية .
غير أنه على ما يبدو معروف عنه ، أنه رجل عنيد ، وغير قابل للإنحناء لأي كان.
 ولقد كانت وفق التقديرات التي كانت تبلغنا ، أن علاقاته لم تكن سيئة مع يوسف الشاهد ، رغم ما يراه فيه من عدم وفاء ، تجاه الرجل الذي صنعه من لاشيء أي الباجي قائد السبسي .
ولكن كان هناك سببان لتدهور هذه العلاقة ، فقد كان كل منهما يعتقد أن الآخر حرمه من أن يكون رئيسا للجمهورية في الانتخابات الرئاسية السابقة لأونها، ويعتقد الشاهد ، أن الزبيدي لم يكن في الوارد أن ينافسه بالمطلق على المنصب ، واعتقد وربما ما زال يعتقد أنه لولا ترشح الزبيدي للرئاسة لحصد أصواته وأصوات منافسه ، ولكان نجح منذ الدور الأول في الحصول على مرتبة أولى تؤهله للنجاح بكفاءة كبيرة في الدور الثاني ، أمام هذا " الوافد الغريب" قيس سعيد الذي لم يكن في الحسبان،  ولو نجح في الدور الاول في اقتلاع مركز متقدم يؤهله للمرتبة الأولى ، لكان حزبه " تحيا تونس " وهو ما يفكر الكثيرون في صحته ، قد زحف بقوة كبيرة في الانتخابات التشريعية  ولاقتلع بجدارة الموقع الأول إزاء النهضة ، وإزاء قلب تونس ، الذي ما كان له أن يترشح لا رئاسيا ولا تشريعيا ، بفضل القانون الاقصائي الذي سنه البرلمان ووافقت عليه في غفلة من الزمن  الهيئة الوقتية لدستورية القوانين، و" رفض" السبسي إمضاءه.
غير أن "حقد"  الشاهد على الزبيدي لم يتوقف عند ذلك الحد ، بل ازداد حدة ، بعد الدعوة التي وجهها لكل الوسطيين الحداثيين لرص الصفوف في الانتخابات التشريعية ، بعد "كارثة " الانتخابات الرئاسية ، فالزبيديين الذين لم يكونوا منضوين تحت لواء حزب ، ولكنهم تشكلوا في مجموعة ضمت قرابة 11 من الناخبين ، اعتقدو جازمين أن الشاهد ، الذي لم يتعود على " الوفاء " حتى أمام صاحب نعمته ، لا يمكن الاطمئنان على جانبه ، فرفضوا كما رفض هو علانية ، أن يضموا صفوفهم إلى صفوف " تحيا تونس " بصورة تمكنه من نيل ، المرتبة الأولى التي كان يطمح لها لا في الانتخابات التشريعية  ، وإذ إن الأصوات التي حصل عليها الزبيدي في الدورة الأولى للإنتخابات الرئيسية ليست ملكا له ، فلو إنه أعطى حتى مجرد تمنيات بأن تذهب لحزب " تحيا تونس " فإن المؤكد أنه يكون في موقع أفضل في البرلمان.
غير أن للزبيدي بدوره مآخذ كبيرة على الشاهد ، وهو وسواء كان ذلك صحيحا أم لا يعتبر نفسه مكلفا بمهمة من قبل الباجي قائد السبسي ، فهو آخر رجل عمومي تقابل مع الرئيس الذي بات  هو الآخر أسبقًا  ، ويقال إنه طلب منه الترشح لرئاسة الجمهورية باعتباره يثق فيه ، ربما معتقدا إن صحت هذه الرواية أن شتات  نداء تونس ، سيصوت للرجل محل ثقة الرئيس السابق ، وربما لم يكن هذا التحليل خاطئا ، فإن عددا من قيادات  التنسيقيات التابعة لتحيا تونس  طلبت من منظوريها أن يصوتوا للزبيدي ، لا للمرشح الطبيعي للحزب الذي ينتمون إليه ، ومن هنا قاربت النسبة التي حصل عليها الزبيدي قرابة 11 في المائة فيما كانت النسبة التي حصل عليها يوسف الشاهد حوالي 8 في المائة ، ويرى أنصار الشاهد ،  أنه لو لم يشوش عليه ترشيح الزبيدي ، لجاء أولا في سباق الدور الأول ، بينما يراها الزبيدي وأنصاره عكسا بعكس ، معتقدين أنه لوجرت انتخابات تمهيدية لمن يسمون أنفسهم بالحداثيين ، لجاء الزبيدي أولا ، ولحق له دون غيره أن يكون اليوم رئيسا للجمهورية ، ولكنه الغباء السياسي هو الذي حرمهم من تلك الإمكانية التي كانت في متناول اليد ، وأن الشاهد هو الذي فوت الفرصة ، فلا فاز ولا ترك من يفوز.
بعد البدء يمكن  للمرء أن يمر لأمر خميس الجهيناوي ، الذي يعتبره الكثير   من المهنيين ديبلوماسيا ناجحا ، ولكنه وصل إلى حدوده بتعيينه وزيرا للخارجية son seuil d’incompétence  . غير أنه خدم البلاد بكل إخلاص وفي حدود الإمكانيات التي يتمتع بها، وفي كل الأحوال فهو لا يستحق المعاملة التي عومل بها مع ما تحمله من احتقار ليس حقيقا به ، فهو إذا كان في حقبة من حياته قد مثل بلاده في إسرائيل ، فهو كالجندي الذي لا يحق له أن يهرب من المعركة ، عندما يعين لخوضها ، ولم يكن أيامها في التسعينيات بالديبلوماسي المرموق اللامع ، ليقدم على ما أقدم عليه من عين سفيرا لمصر في إسرائيل ، وهو يجر وراءه ماض ديبلوماسي حافل ، فيرفض المنصب ، ويقفز إلى منظمة دولية مرموقة ينهي فيها حياته العملية .
فالموظف عموما ومنذ دخوله الوظيفة العمومية يصبح في وضع المنفذ للتعليمات ، أو عليه الاستقالة وأحيانا القبول بالتشرد ، والتعيين مثل هذا ليس تطوعا ، هذا ليس دفاعا عن الرجل ، وأنا أعرف سواء عن طريق المرحوم ياسر عرفات أو الرئيس الحالي أبومازن والمفاوض الفعلي في أوسلو، وإذ نسيت اسمه قإن لقبه كان عصفور ،  أن السلطة الفلسطينية الوليدة كانت تبحث عن سند ، وأن سلطات أجنبية متعددة ومعينة كانت تدفع في ذلك الاتجاه ، لتبادل ممثلين ، منهم من جاء إلى تونس ، ورفض التونسيون تأجير بيت لإقامتهم ف، بقوا في الفنادق حتى انتهاء مدة ذلك الأمر، ونكوص إسرائيل عن اتفاقيات أسلو.
**
إن تسيير الدولة أي دولة لا يقوم على العواطف ولا على الكره والمحبة ، وخاصة لا على الحقد ، ألم يكن من الأجدر حتى إن لم تقدم استقالة ، أن يطلب من غير المرغوب فيهم أن يقدموا استقالتهم ، حفظا لما ءوجههم ، فلهم عائلات ولهم أصدقاء ينبغي الحفاظ على مشاعرهم ، كما هو الشأن في الدول التي تقوم على قيم.
وفوق هذا وذاك يبدو وأن لعبة أطفال تجري في أعلى مستويات الدولة ، وإلا ماذا كان  يضير لو تم الانتظار أسابيع ، فيوسف الشاهد ، وأمام استحالة تعيين وزراء بالأصالة ، لعدم وجود برلمان ، وحتى في حال وجوده لا يملك أغلبية 109 أصوات ، لا يمكن أن يحكم بالنيابات الوزارية وقد تكاثرت في عهده وفاض كأسها، وهي لا تعتبر بحال علامة صحة .
والحالة الوحيدة التي يذكرها لنا التاريخ المعاصر هو ما جرى لرجل الدولة الكبير إسماعيل خليل ، بعد الموقف الذي اتخذه في اجتماع الجامعة العربية ، على إثر الاجتياح العراقي للكويت ، حيث أبقي في بيته 26 يوما ،  قبل أن يعين خلفا  له في شخص عبد الرحيم الزواري دون أن يذكر اسمه ـ إسماعيل خليل ـ البتة ، فلم يدع للاستقالة ولا سمح له بالاستقالة ولم يقع إعفاؤه ، كل ذلك قبل أن يقع اللجوء إليه ليذهب سفيرا في واشنطن ،  لرأب الصدع في العلاقات مع الولايات المتحدة التي تضررت أي ضرر أيامها مع الرئيس الأسبق بن علي.

الجمعة، 25 أكتوبر 2019

من الذاكرة : الرئيس قيس سعيد ... مسكون بالثورة

من الذاكرة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
قيس سعيد المسكون بالثورة
تونس / الصواب / 25/10/2019
في انتظار بدء اجتماع لجمعية النهوض بالدراسات القانونية التي كان وما زال يرأسها العميد الأزهر القروي الشابي ، وكنت وما أزال مبدئيا كاتبها العام ، التقينا 4 أشخاص في مكتب الأساتذة في كلية العلوم القانونية ، عميد المحامين السابق ووزير العدل السابق ، وعضو لجنة تسوية إشكال رابطة حقوق الانسان في أواخر 2010 وأوائل 2011 ، والعميدة نائلة بن شعبان عميدة كلية العلوم القانونية ، والسيد قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري بالكلية ، والذي سيصبح لاحقا رئيسا للجمهورية ، وأنا كاتب عام الجمعية وعمدتها ككل كاتب عام، وفي انتظار اجتماع هيئة الجمعية دار حديث شيق ربما كان ذلك في غضون سنة 2013 إذا لم تخني الذاكرة ، حول ما إذا ما كان  ما  حدث  سنة 2010/2011 يمكن اعتباره ثورة ، أو هو مجرد انتفاضة ، ولا أريد أن أتحدث باسم أحد ولكن شعوري أو الباقي من شعوري عن تلك الفترة أن ثلاثتنا فيما عدا قيس سعيد كانت لنا وجهات نظر متباينة  ، وانبريت شخصيا للقول في ظل التحفظ السائد أن الثورات يسبقها فكر كما هو شأن الثورة الفرنسية وما اعتمدته من مبادئ فلسفها عدد من كبار المفكرين أمثال فولتير و مونتسكيو ، وحتى من الانجليز لوك وهوبس ، أو الثورة البلشفية التي فلسفها ماركس وأنجلز  ، وحتى الثورة الإيرانية أو ما سمي كذلك وقد سبقها فكر وإن كان متراجعا عن عصره يمكن تلخيصه في الإمام الخميني ،
ثم ومن جهة أخرى فإن للثورات دائما قيادات تتولاها وترعاها وتقــــودها إلى النصر ، ثم تتولى شأنها بعد انتصارها ، وثالثا فإن الثورات تهز عروش القائم وتسقطها أحيانا وفي الغالب بعنف شديد ودماء غزيرة.
وثلاثتها لم تتوفر للثورة التونسية ، فلم يسبقها فكر لا تقدمي ولا رجعي ،  ولا تولتها قيادة سترث نظاما يتهاوى بعد أن تكون قادت خطى الثورة ومراحلها ، كما إن النظام القائم قد أبقي عليه بعد أن هرب رأسه ، فتولت السلطة إلى حين  نفس المجموعة أو تكاد ممن كانوا يحكمون ،  حتى تفرض صناديق الإقتراع وجهة أخرى ودستورا آخر.
غير أن قيس سعيد استبعد كل هذه الاعتبارات التي تقوم عليها الثورة عادة ، معتبرا يومها أن الثورة التونسية ليست ثورة نمطية  فهي ثورة atypique يمكن القول أنها متفردة  ، ولكن ما يجعلها تتمتع بمقومات الثورة ، هو أنها هي التي فتحت الباب أمام ثورات كبيرة خاصة في الشقيقة مصر ، التي أظن أنها لم تشهد وقتها لا تمرد الشباب بالملايين ضد حكم الرئيس محمد مرسي ، ولا استيلاء العسكر على الحكم "الشرعي "ولا على نتائج تمرد الشباب l’insurrection وهو التمرد الذي نظرله  ( بتشديد الظاء) دستور الجمهورية المنبثقة عن الثورة الفرنسية،  والاعلان العالمي لحقوق الانسان .
فكان من رأي قيس سعيد أن ما حصل في تونس هو ثورة بأتم معنى الكلمة ، تندرج في عصرها ، أي عصر المواصلات بكل أشكالها ، ونهاية الحدود ، وسيادة الاتصالات الاجتماعية عبر الفايس بوك و تويتر ، وأصداء محطات التلفزيون التي لم تعد تقف أمامها حدود ولا حواجز.
وكان من رأي قيس سعيد وقتها إن كنت أمينا في نقل فكرته  وإن حف لي ،هو أن ما حصل في تونس وما حصل نقلا عنها في أصقاع عربية عديدة ، يستجيب لمفهوم الثورة في هذا العصر ، ومقوماتها التي لم تعد تحتاج لما كانت عليه في أزمان غابرة ، فالأفكار والنظريات تتنقل بسرعة الضوء وتفعل فعلها في الجماهير التي تحولت إلى فاعل أصلي ، فلم تعد لا ثورة البورجوازية على الاقطاع أو الكنيسة ، ولا ثورة البروليتاريا على الارستقراطية والملاك المستغلين ، ولا الملالي على نظام مجتمعي يرونه مبتعدا بالناس عن دينهم والنظام المجتمعي الذي ينبغي أن يسود.
وإذ أرجو ومن الذاكرة فقط أن لا أكون تعديت على ما كان يفكر فيه  آنذاك رئيس الجمهورية  اليوم  ، فإني خرجت يومها بأن قيس سعيد كان مسكونا بالثورة ، ولعله منذ ذلك الحين  وربما قبله كان  مقتنعا بأنه هو الأقدر على تحقيق أهدافها . فليفعل ولنرى.


الأحد، 20 أكتوبر 2019

الصواب ____ASSAWAB: الموفف السياسي : مستقبل يكتنفه الغموض ؟

الصواب ____ASSAWAB: الموفف السياسي : مستقبل يكتنفه الغموض ؟: الموقف السياسي يكتبه عبد اللطيف الفراتي رئيس جديد ..   حكومة جديدة .. ولكن البلاد إلى أين ؟ تونس/ الصواب/ 20/10/...

الموفف السياسي : مستقبل يكتنفه الغموض ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
رئيس جديد ..
 حكومة جديدة ..
ولكن البلاد إلى أين ؟
تونس/ الصواب/ 20/10/2019
تتجه النية إلى تشكيل حكومة برئاسة النهضة ، وغالبا  من غير  رئيس النهضة راشد الغنوشي، ذلك أن أغلبية برلمانية واضحة تبدو في متناول اليد ، ولولا ذلك لما غامر رئيس الحركة ، ودخل هو وحزبه  رهانا لا يمكن إلا أن يكون رابحا ، فقد أخذت تتضح أغلبية من النهضة 52 نائبا ، وائتلاف الكرامة  20 نائبا  ، وحزب الرحمة  4 نواب تحبا تونس أو جانب من تحيا تونس 13 نائبا  ، وعدد من المستقلين " المضمونين "  لا يعرف عددهم بما في ذلك احتمال ، التمكين من مناصب في الحكومة الجديدة ، في ما أن التيار الديمقراطي سيردف أصواته بالأغلبية الحكومية 20 صوتا  ( لعدم وضع العصا في العجلة ) دون أن يقبل أي عضوية فيها ، ما لم يقع منحه وزارات العدل والداخلية والاصلاح الإداري – لمقاومة الفساد-  ، وربما صوت نواب من قلب تونس لفائدة هذه الحكومة لعدم قطع شعرة معاوية  (رغم الفيتوالقطعي  من قبل القيادات النهضوية ؟).
وإذ يمكن تمرير هذه الحكومة بأغلبية قصيرة ، لا تجعلها في مأمن من المفاجآت ، ولكن بعد الستة أشهر التي نص عليها الدستور، لعدم إسقاطها أو التصويت على لائحة لوم ضدها، أو سحب الثقة منها.
 فبعد 180 يوما يمكن أن تصبح هذه الحكومة في مهب الرياح  ، التي يمكن أن تعصف بها في كل حين ووقت ، ما يذكر بمصير حكومات الجمهورية الفرنسية الرابعة ، التي كان  معدل عمر الحكومات فيها لا يفوق 6 أشهر ، مع حصول حالات لم يصل فيها عمر الحكومة إلى شهرين.
ولعله ومما يزيد في هشاشة الوضع أمران اثنان :
أولهما أن رئيس الجمهورية المنتخب ، والذي سيتم تنصيبه الأربعاء المقبل ، ليس مضمونا ، ولم تتبلور صورته ، وصورة مشروعه عند أحد لا لدى الأحزاب ولا عند الشعب ، وهو محل نقطة استفهام كبيرة ، وهو وإن ساندته النهضة بقوة في مرحلة الترشيح الثانية ، فقد فاجأها مفاجأة غير سارة بما بدا علـــيه من شعبية عالية ، تجعل مركزه  أكثر مما كانت تتمناه  له النهضة ، ويجعل عوده أصلب أمامها باعتبارها ، الحزب الأول في البلاد ولنقل تجاوزا الحزب الأغلبي ، ولنا عودة لاحقة حول الموضوع.
ثانيهما أن الحكومة مهما كانت ستكون في وضع هشاشة كبرى وعليها ، أن تعيش وعينها مفتوحة ليلا نهارا ، ولن يستطيع الحزب الحاكم وقد كان دائما حاكما منذ 2012 ولكن ليس دائما في الصدارة ، وحتى إن أمكنت صياغة برنامج مشترك ، فإن تباعد المواقف الذي سيظهر في التصرف اليومي ، والاختلافات والفوارق تجعل الحكومة على كف عفريت ، ويكفي أن يستقيل عضو أو أكثر منها لتصبح في وضع أقلي ، لا يمكنها معه أن تعوضه بدون توفر 109 أصوات على الأقل.
وإذ لا يمكن لأحد أن يشكك في شرعية ومشروعية البرلمان ، رغم تشكيك في النزاهة من جهتين لا يرقى لهما الشك وهما الهيئة العليا للاعلام السمعي البصري والتي تتحدث بوثوق عن ارتكاب عدد من الجرائم الانتخابية التي كان ينبغي أن تفضي لسقوط أفراد وقائمات خاصة من مرشحي النهضة وقلب تونس ، ولكن الايزي لم تكن من الشجاعة لمجابهة الحزبين الكبيرين ، وأيضا هيئة شوقي الطبيب التي تشير بأصبع غير مرتعش لدور المال.
إذن رغم هذه الهنات فإنه يبقى على الأقل من الجهة الشكلية ، أمر الشرعية والمشروعية غير مطعون فيهما ، ولكن هناك أمر آخر ، يعود إلى طبيعة طريقة الاقتراع بالنسبية على القائمات مع أعلى البقايا ، فقد أظهرت النتائج بعد تحليلها أن 25 في المائة فقط من النواب المنتخبين تم انتخابهم مباشرة  وأصالة (54 نائبا من 217) وأن البقية كلهم منتخبون بأعلى البقايا أي 163 نائبا ، من بينهم من حاز فقط على 380 صوتا ، فيما الأول تميز بـ24 ألف صوت ، وهذا وإن طرح مسألة قلة عدالة هذه الطريقة الانتخابية ، فإنه لا يقلل من شرعية ومشروعية المنتخبين.
وفي ما يلي قائمة توضيحية للكيفية التي تم بها انتخاب النواب:
**
إن النسبة الكبيرة جدا التي فاز بها الرئيس قيس سعيد في الدورة الثانية هي نسبة غير معهودة في الدول الديمثراطية ، وإن كانت هناك سابقة في فرنسا في أوائل هذا القرن ، عندما فاز الرئيس شيراك اليميني على منافسه لوبان اليميني المتطرف بـ80 في المائة من الأصوات ، ولكنه اغترف أصوات كل العائلات السياسية وقوفا في وجه أقصى اليمين الموصوف بالعنصري.
ولعل هذه النسبة أخافت كل الأطراف السياسية ، وفي مقدمتها الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في التشريعيات أي حزب النهضة ، الذي لم يخف أمام فرحته الظاهرة بخشية حقيقية أو فعلية من أن يعتبر قيس سعيد هذا الفوز استفتاء plébiscite  يعطيه وزنا يسمح له بكل شيء.
ففي بلد ديمقراطي وعندما يفوز شخص ولو رئيس جمهورية بـ 72.71 قي المائة من الأصوات أي 2.777 مليون صوت فإنه يعطيه وزنا ، قد يفوق الصلاحيات التي يمنحها له الدستور.
وفي نظر عدد من أنصاره ، فإنه إن لم يستطع فرض وجهات نظره خاصة بالنسبة لتنظيم مؤسسات الدولة  بواسطة استعمال الادوات الدستورية ،  فإن بإمكانه أن يشهد " شعبه " أي الذين صوتوا له ، ويطلب خروجهم للشارع طلبا لتحقيق مشاريعه ، وهو ما فعله الجنرال ديغول سنة 1958 ، وفرض بواسطته قيام الجمهورية الخامسة في بلاده.
ومن شأن هذا السيناريو أن يخيف طبقة سياسية هي في غالبها لا تريد أن تعاكس نص وروح الدستور ، خوفا من أن ينقلب عليها.
غير أن جهات أخرى لا ترى هذا الرأي ، وتعتقد أن " شعب " قيس سعيد لا يفوق بأي شكل عدد الذين صوتوا له في الدورة الأولى ، وأن الآخرين من الوافدين ، قد خاقوا خوفا شديدا مما أحاط بسمعة منافسه نبيل القروي من سيء الصيت خصوصا بعد الحملة الكبيرة التي نظمتها له النهضة ، على إثر ما نشر من وثائق اتهمته فيها بالتمويل الخارجي والتعامل مع إسرائيل ، وهي حملة شملت كذلك عيش تونسي وامتدت حتى إلى النهضة ، ولكنها فعلت فعلها الكبير مع القروي وحزبه ، وبعد أن كان في التشريعيات ووفقا لاستطلاعات الرأي تونسية وأجنبية  يحتل مرتبة أولى مريحة ، تدحرج إلى مرتبة ثانية بعيدة بحوالي 14 مقعدا ، بحيث لم يعد  جزبه مدعوا لتشكيل الحكومة ، وانهار في الانتخابات الرئاسية.
وبين هذا الرأي وذاك عن القدرات الفعلية لقيس سعيد ، لتعبئة الشارع بحيث يفرض أجندته الخاصة ، حتى على النهضة ،  والرأي الآخر ، الذي يقلل من تلك القدرات ، لا بد من انتظار العلاقة بين ذراعي السلطة التنفيذية ، هل ستكون متوترة أم ستكون هادئة ؟


الاثنين، 14 أكتوبر 2019

الموقف السياسي : ماذا ينتظر الرئيس قيس سعيد ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
هل هي ثورة أخرى؟
تونس / الصواب /14/10/2019
مبروك الرئيس الجديد لتونس قيس سعيد ، وبهذه الصفة فإنه جدير بالاحترام والتقدير اللائقين بالخطة ، فهو رئيسنا ابتداء من اليوم ، وإن كانت التقاليد تقتضي أن يستلم الخطة الرئاسية ، ومتعلقاتها بعد مدة تتطلبها الاجراءات المرعية ، وصولا إلى المناسبة المتمثلة في الحفل الخاص بأداء القسم.
بعدها يستلم قيس سعيد مهامه الرئاسية كما ضبطها له دستور 2014 ، باعتباره هو الضامن لذلك الدستور "وهو رمز وحدة البلاد والضامن في استقلالها واسمراريتها والساهر على احترام الدستور" سواء كان موافقا لمقتضياته أو داعيا لتحويرها.
وكسابقيه من انتخب منهما عن طريق المجلس التأسيسي ( منصف المرزوقي) بعد توافق بين النهضة وحزب التكتل وحزب المؤتمر ، أو من انتخب بالاقتراع العام ( الباجي قائد السبسي)
نتيجة توافقات لاحقة بينه  شخصيا وبين حزبه والأستاذ راشد الغنوشي شخصيا ونيابة عن حزبه حركة النهضة ، وغيرهما ، وما تبع ذلك من تشكيل حكومات متعددة الانتماءات ، تعتبر بحكم ما تنص عليه مبادئ العلوم السياسية ، مسؤولة بالتضامن أمام البرلمان ، والشعب ، صاحب الأمر والنهي ، متمثلا في كلمة الصندوق ، الذي أنهى أو كاد الحزب الاول  المنبثق  عن  انتخابات 2014  نداء تونس ، وقصب أجنحة الحزب الثاني في انتخابات 2014 أيضا  النهضة (88 و66 مقعدا في البرلمان المتخلي ) .
واليوم فإننا نجد أنفسنا أمام رئيس غير مدعوم ولو نظريا بكتلة أو كتلتين أو أكثر في البرلمان، يبدو وكأنه حائز على ثقة الكتلة الأولى في البرلمان الجديد ، التي رغم تدحرجها من 66 مقعدا إلى 52 مقعد ، والمدعوة بحكم مقتضيات الدستور لتشكيل الحكومة ، مستحيل منفردة ، وإنما احتمالا بمشاركة من عدة كتل في البرلمان الجديد ، ليس معروفا اليوم من هي التي سجلت قبولا للدخول في توافق مع النهضة ، لتوفير أغلبية 109 من الأصوات لاستطاعة تمرير الحكومة ،  ونيل ثقة مجلس الشعب.
غير أن للسياسة أحكامها ، وإن بدت هذه المرة ضبابية ، اعتبارا لطبيعة نظام الاقتراع ، والذي كان وما يزال يشرذم كتل مجلس نواب الشعب ، ويزرع الشك بشأن احتمالات تشكيل سهل لحكومة ما في ظل وجود 17 نائبا منفردين  لا ينتمون إلى أحزاب أو قائمات مستقلة ، ليست واضحة انتماءاتهم ، و180 نائبا ينقسمون إلى عائلتين تشق كل منهما اختلافات عميقة .
 بصعوبة البدايات بالنسبة لرئيس جديد للجمهورية ، ليس  لأحد غيره يمكن أن يحل معادلة تربيع الدائرة كما يقول المثل الفرنسي.
وليكن الله في عونه ، وحركة النهضة الأولى في الانتخابات ، والتي يعود لها دستوريا أمر تشكيل الحكومة ، بقاعدة لا تتجاوز 52 مقعدا في المجلس وتحتاج إلى مدد إضافي 57 آخرين من النواب،  ليس واضحا حاليا من أين ستأتي بهم ، إلا في حالة قيام أغلبية رئاسية تتجاوز الانقسام الحزبي، وتلتف حول رئيس الدولة الجديد ، لتعطيه فرصة ، إبراز مواهبه في تشبيك الخيوط أو تفكيكها من بعضها البعض ، وهو أمر لن يكون سهلا ، إلا إذا قررت الأحزاب أن تكون قي عون رئيس جديد ، تنقصه التجربة ، ولكنه أظهر أنه يتمتع بمواهب أخرى لعل أهمها الاصرار.
الرئيس قيس سعيد ، الذي لم يتوقعه أحد رئيسا للدولة ، وكان يقال عنه كما عن منافسه نبيل القروي، إنهما لا يعدوان أن يكونا بالونتين قابلتان للانفجار في أي وقت ، ظهر في قائمات الترشيح للرئاسية في مؤسسات استطلاع الرأي منذ سنة الثورة  أي منذ 2011 ، ولقد قفز إلى الصفوف الأمامية منذ 2014 ، وما زال يزحف حتى ظهر كمنافس جدي منذ جانفي 2019 دون أن توليه الطبقة السياسية أهمية تذكر ، غير أنه تميز بالمثابرة والمواظبة والاصرار والصلابة في الموقف ، وقد خدمته كما خدمت نبيل القروي للوصول إلى الدورة الثانية عوامل داخلية وخارجية وإن اختلفت فقد جمع بينها استفادة كليهما ، من غباء العائلتين السياسيتين الرئيسيتين في تونس أو هكذا كان يظن ، فقد أفلت عبد الفتاح مورو من التحصل على دخول الدور الثاني ليس بقارق كبير ، لولا ترشح مجموعة من بعض المرشحين المحسوبين على العائلة الاسلامية في مقدمتهم سيف الدين مخلوف وبعض الآخرين ، ويبدو أن المرايحي هو الآخر "قضم" من خزان مورو ، أما الزبيدي فكان بإمكانه أن يأتي أولا بعدد أصوات حتى أكثر من سعيد في الدور الأول  ، لولا ترشح يوسف الشاهد ، وعدد آخر ممن يصفون أنفسهم بالوسطيين.
وفي هذه الحالة كان يمكن أن يكون السباق بين عبد الكريم الزبيدي وعبد الفتاح مورو ، وكان يمكن أن يكون رئيس الجمهورية اليوم أحدهما ، ولكن السياقات الانتخابية ، ليست خيالا سياسيا بل واقعا تفرضه مساقات لا يمكن التحكم فيها مسبقا أو التأسف عليها لاحقا  ، وإن كانت تدل في بعض الأحيان عن السقوط في حالة غباء سياسي يؤدي إلى كوارث.
المهم أن تونس اليوم تجد نفسها ، أمام واقع جديد يتميز ، بصعود ، رجل قانون ، لا بد له أن يحيط نفسه بمجموعة من الخبراء في شتى الميادين التي لا يسيطر عليها ، ولا بد للذين سينجحون في تشكيل الحكومة سواء من الوهلة الأولى أو الوهلة الثانية ، أن يعتمدوا عليه في اختيار كفاءات ربما يكون على دراية بمكامنها ، بوصفه جامعي توفرت له فرصة كبيرة لمعرفة الناس والكفاءات.
والأمل معقود على أن لا تصل  البلاد بالرئيس الجديد ، إلى مغامرة عدم القدرة على تشكيل حكومة ، فيضطر بحكم الدستور ، للدعوة لانتخابات تشريعية جديدة ، لا يتنبأ أحد اليوم كيف تكون تركيبة المجلس المنبثق عنها  ، في ظل طريقة اقتراع غير مطمئنة.
البعض يقول ، إن الثورة التي طفا بريقها بعد 2011 ، بكل من حكموا البلاد ، ستستعيد كل إشعها بانتخابات 13 أكتوبر 2019 ؟ هل صحيح هذا.؟؟؟


الخميس، 10 أكتوبر 2019

الموقف السياسي : المأزق



الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بعد الأحد
إلى أين ؟
تونس / الصواب /10/10/2019
مساء الإثنين ستتضح معالم الصورة إن اتضحت وبانت على الأقل خطوطها العريضة، ستفصح الانتخابات الرئاسية عن أسرارها ، ولو أن عددا كبيرا من المراقبين يعتقدون أن قصر قرطاج سيكون من نصيب قيس سعيد ، ولو أن الفارق الكبير بصدد التقارب ، ولو أن استطلاعات الرأي السابقة للتصويت  يمكن أن تخطئ هذه المرة كما أخطأت في الانتخابات التشريعية ، ولو أن ذلك بعيد الاحتمال باعتبار الفارق الكبير في التوقعات ، بعكس الفارق الصغير الذي كان يفصل النهضة عن قلب تونس قبل يوم أو يومين من التصويت  في التشريعيات ، والذي تم "ردمه" بفضيحة اللوبينغ " التي يقال إن حزب نبيل القروي وحزب عيش تونسي تورطا فيها ودفعا الثمن ، وحتى ما قيل من تورط النهضة ، فإنه لم يؤثر فيها.
على كل نحن اليوم أمام النتائج التي تكاد تكون نهائية للتشريعيات ، في انتظار نتائج أحكام الطعون ، وفي ما يلي ما يسمى بالنتائج الأولية ، في جدول واضح للتمكين من المقارنات التي سنوردها لاحقا وهو جدول من إعداد هيئة الانتخابات :


** الملاحظة الأولى أن 17 قائمة فازت كل منها بمقعد واحد من بين 31 قائمة  في الجملة حازت على مقاعد ، ما يعني أن 14 قائمة فقط فازت كل منها بما بين 52 مقعدا و2 مقاعد ،، ما يعني أيضا أن  7 قائمات فقط  استأثرت مجتمعة بـ180 مقعدا ، وهو ما يدل على مدى التشرذم والتشتت الذي أفرزته هذه الانتخابات، بحيث أنتجت برلمانا غير قابل لفرز أغلبية ، بدون اللجوء إلى تنازلات موجعة .
فالعائلة التي يمكن أن يقال فيها بوضوح أنها تنتسب للمرجعية الإسلامية ، صراحة مع اختلافات شديدة في التوجه لم تجمع سوى 76 مقعدا  ، فيما إن الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة تتوجب توفر 109 أصوات على الأقل.
وإذا أضفنا إليها  فرضا قائمة التيار الديمقراطي مع احتمال 11 أو 12 من أصحاب المقعدين أو المقعد الواحد فإنها بالكاد تصل إلى 110 أصوات ، فهل تكون كافية لتشكيل الحكومة ، هذا مع احتمال كبير بتجنب محتمل لئلا تتورط النهضة في التحالف مع ائتلاف الكرامة ، وحزب الرحمة ، خوفا من أن توصف بالتطرف ، وتفقد ما تدعيه من أنها حزب مدني بمرجعية إسلامية.
أما العائلة التي تدعي الوسطية وهي هلامية ، وتشقها خلافات عميقة ، كالخلاف بين قلب تونس ( القروي) 38 مقعدا  وتحيا تونس ( الشاهد )14 مقعدا ، وهو خلاف في العمق وشخصي ، باعتبار أن أنصار نبيل القروي يتهمون النهضة وتحيا تونس بفكرة القضية ، التي تم توريط وإدخال زعيمهم  بسببها للسجن ، حيث أصابه الخز شهر ونصفا ،  في خضم  فترة إجراء الحملات الانتخابية التشريعية والرئاسية ، مع استغلال فاحش لمشكلة اللوبينغ ،  التي يعتقد الكثيرون أنها أضرت كثيرا بقائمات نبيل القروي ، وصرفت العديدين عن التصويت لها.
وعلى كل ، وحتى إذا تجاوز من يسمون أنفسهم بالحداثيين  ، ما يفرقهم شخصيا وفي العمق ، فإنهم لا يستطيعون سوى جمع ما بين 90 و95 صوتا ،  ربما تضاف إليها بعض أصوات من حصلوا على مقعد واحد ،  أي حوالي100 صوت على الأكثر ، إذا استطاع نبيل القروي والشاهد تجاوز العداء المستحكم بينهما .
ومن هنا يبدو وكأن تشكيل حكومة تحت هذا الواقع وفي وقت معلوم ، صعب جدا إن لم يكن مستحيلا ، وقد تكون تونس متجهة في هذه الحالة إلى انتخابات تشريعية جديدة ، سبق لنا أن أثرنا احتمالاتها ، وهو أمر وفي ظل الأوضاع السياسية الاقتصادية الاجتماعية الراهنة يبدو كانتحار سياسي .
 سيتهم كل طرف الآخر بأنه المسؤول عنه ، وقد يقود البلاد إلى رؤية يوسف الشاهد مستمرا كرئيس حكومة ، ولكن موثوق اليدين والارادة ، لا حول له ولا قوة ، ويقتصر دوره عي تصريف الشأن المستعجل ، دون حق في اتخاذ قرارات ترهن مستقبل البلاد حتى على المدى القصير.
لكن  أسئلة كبيرة تطرح نفسها هنا :
-        من سيتحمل مسؤولية هذه الحالة الكارثية ، لنترك جانبا الشعب الذي كانت تلك إرادته ، من من الاثنين بالذات ، الحزبان الكبيران المفرزان في هذه الانتخابات أي النهضة وقلب تونس ستتجه له أصابع الاتهام ، هذا أولا.
-        وثانيا هل يرغب النواب سواء العائدين أو الجدد  التفريط في هذه الفــــرصة ( النيابة )  من جاه ومال وحصانة ، أن يتركوها ، تمر فنحن لا ينبغي أن  لا ننسى أننا في بلد متخلف ، وليست المصلحة العامة هي قائدة التفكير عندنا.
-        أن القيادات من وجهة نظري يمكن أن ترتفع على خلافاتها سواء المبدئية أو الذاتية ، وأن تتوجه في إطار ما تدعيه من مصلحة عامة ، إلى تناسي تلك الخلافات ، وتتفق على ركوب البلاد ، وتقضية 5 سنوات أخرى في ما لا يعني ، ثم في آخر العهدة تغسل يديها بالجافال أو حتى بماء الفرق ، معلنة أنها براء من المسؤولية.
-        ولنقل وبوضوح ، أن طريقة الانتخاب أو الاقتراع المعمول بها في تونس ، والتي هندسها عياض بن عاشور لانتخاب مجلس تأسيسي ، وأصرت النهضة على بقائها ، هي التي أنتجت الكارثة التي نقف أمامها.
للعلم فقط فلو كنا استعملنا في هذه الانتخابات طريقة الاقتراع الأغلبي ، وفقا لنتائج انتخابات الأحد الماضي ، لكنا اليوم في مواجهة مجلس تكون نجحت فيه 25 قائمة نهضاوية بكامل أعضائها ،  وحوالي 8 قائمات لحزب نبيل القروي . ( وهز يدك من المرق لتتحرق)
-        ولنا عودة.

الموقف السياسي : البلاد في مأزق .. هل يمكن الخروج منه ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بعد الأحد
إلى أين ؟
تونس / الصواب /10/10/2019
مساء الإثنين ستتضح معالم الصورة إن اتضحت وبانت على الأقل خطوطها العريضة، ستفصح الانتخابات الرئاسية عن أسرارها ، ولو أن عددا كبيرا من المراقبين يعتقدون أن قصر قرطاج سيكون من نصيب قيس سعيد ، ولو أن الفارق الكبير بصدد التقارب ، ولو أن استطلاعات الرأي السابقة للتصويت  يمكن أن تخطئ هذه المرة كما أخطأت في الانتخابات التشريعية ، ولو أن ذلك بعيد الاحتمال باعتبار الفارق الكبير في التوقعات ، بعكس الفارق الصغير الذي كان يفصل النهضة عن قلب تونس قبل يوم أو يومين من التصويت  في التشريعيات ، والذي تم "ردمه" بفضيحة اللوبينغ " التي يقال إن حزب نبيل القروي وحزب عيش تونسي تورطا فيها ودفعا الثمن ، وحتى ما قيل من تورط النهضة ، فإنه لم يؤثر فيها.
على كل نحن اليوم أمام النتائج التي تكاد تكون نهائية للتشريعيات ، في انتظار نتائج أحكام الطعون ، وفي ما يلي ما يسمى بالنتائج الأولية ، في جدول واضح للتمكين من المقارنات التي سنوردها لاحقا وهو جدول من إعداد هيئة الانتخابات :

** الملاحظة الأولى أن 17 قائمة فازت كل منها بمقعد واحد من بين 31 قائمة  في الجملة حازت على مقاعد ، ما يعني أن 14 قائمة فقط فازت كل منها بما بين 52 مقعدا و2 مقاعد ،، ما يعني أيضا أن  7 قائمات فقط  استأثرت مجتمعة بـ180 مقعدا ، وهو ما يدل على مدى التشرذم والتشتت الذي أفرزته هذه الانتخابات، بحيث أنتجت برلمانا غير قابل لفرز أغلبية ، بدون اللجوء إلى تنازلات موجعة .
فالعائلة التي يمكن أن يقال فيها بوضوح أنها تنتسب للمرجعية الإسلامية ، صراحة مع اختلافات شديدة في التوجه لم تجمع سوى 76 مقعدا  ، فيما إن الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة تتوجب توفر 109 أصوات على الأقل.
وإذا أضفنا إليها  فرضا قائمة التيار الديمقراطي مع احتمال 11 أو 12 من أصحاب المقعدين أو المقعد الواحد فإنها بالكاد تصل إلى 110 أصوات ، فهل تكون كافية لتشكيل الحكومة ، هذا مع احتمال كبير بتجنب محتمل لئلا تتورط النهضة في التحالف مع ائتلاف الكرامة ، وحزب الرحمة ، خوفا من أن توصف بالتطرف ، وتفقد ما تدعيه من أنها حزب مدني بمرجعية إسلامية.
أما العائلة التي تدعي الوسطية وهي هلامية ، وتشقها خلافات عميقة ، كالخلاف بين قلب تونس ( القروي) 38 مقعدا  وتحيا تونس ( الشاهد )14 مقعدا ، وهو خلاف في العمق وشخصي ، باعتبار أن أنصار نبيل القروي يتهمون النهضة وتحيا تونس بفكرة القضية ، التي تم توريط وإدخال زعيمهم  بسببها للسجن ، حيث أصابه الخز شهر ونصفا ،  في خضم  فترة إجراء الحملات الانتخابية التشريعية والرئاسية ، مع استغلال فاحش لمشكلة اللوبينغ ،  التي يعتقد الكثيرون أنها أضرت كثيرا بقائمات نبيل القروي ، وصرفت العديدين عن التصويت لها.
وعلى كل ، وحتى إذا تجاوز من يسمون أنفسهم بالحداثيين  ، ما يفرقهم شخصيا وفي العمق ، فإنهم لا يستطيعون سوى جمع ما بين 90 و95 صوتا ،  ربما تضاف إليها بعض أصوات من حصلوا على مقعد واحد ،  أي حوالي100 صوت على الأكثر ، إذا استطاع نبيل القروي والشاهد تجاوز العداء المستحكم بينهما .
ومن هنا يبدو وكأن تشكيل حكومة تحت هذا الواقع وفي وقت معلوم ، صعب جدا إن لم يكن مستحيلا ، وقد تكون تونس متجهة في هذه الحالة إلى انتخابات تشريعية جديدة ، سبق لنا أن أثرنا احتمالاتها ، وهو أمر وفي ظل الأوضاع السياسية الاقتصادية الاجتماعية الراهنة يبدو كانتحار سياسي .
 سيتهم كل طرف الآخر بأنه المسؤول عنه ، وقد يقود البلاد إلى رؤية يوسف الشاهد مستمرا كرئيس حكومة ، ولكن موثوق اليدين والارادة ، لا حول له ولا قوة ، ويقتصر دوره عي تصريف الشأن المستعجل ، دون حق في اتخاذ قرارات ترهن مستقبل البلاد حتى على المدى القصير.
لكن  أسئلة كبيرة تطرح نفسها هنا :
-        من سيتحمل مسؤولية هذه الحالة الكارثية ، لنترك جانبا الشعب الذي كانت تلك إرادته ، من من الاثنين بالذات ، الحزبان الكبيران المفرزان في هذه الانتخابات أي النهضة وقلب تونس ستتجه له أصابع الاتهام ، هذا أولا.
-        وثانيا هل يرغب النواب سواء العائدين أو الجدد  التفريط في هذه الفــــرصة ( النيابة )  من جاه ومال وحصانة ، أن يتركوها ، تمر فنحن لا ينبغي أن  لا ننسى أننا في بلد متخلف ، وليست المصلحة العامة هي قائدة التفكير عندنا.
-        أن القيادات من وجهة نظري يمكن أن ترتفع على خلافاتها سواء المبدئية أو الذاتية ، وأن تتوجه في إطار ما تدعيه من مصلحة عامة ، إلى تناسي تلك الخلافات ، وتتفق على ركوب البلاد ، وتقضية 5 سنوات أخرى في ما لا يعني ، ثم في آخر العهدة تغسل يديها بالجافال أو حتى بماء الفرق ، معلنة أنها براء من المسؤولية.
-        ولنقل وبوضوح ، أن طريقة الانتخاب أو الاقتراع المعمول بها في تونس ، والتي هندسها عياض بن عاشور لانتخاب مجلس تأسيسي ، وأصرت النهضة على بقائها ، هي التي أنتجت الكارثة التي نقف أمامها.
للعلم فقط فلو كنا استعملنا في هذه الانتخابات طريقة الاقتراع الأغلبي ، وفقا لنتائج انتخابات الأحد الماضي ، لكنا اليوم في مواجهة مجلس تكون نجحت فيه 25 قائمة نهضاوية بكامل أعضائها ،  وحوالي 8 قائمات لحزب نبيل القروي . ( وهز يدك من المرق لتتحرق)
-        ولنا عودة.