من الذاكرة
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
قيس سعيد
المسكون بالثورة
تونس /
الصواب / 25/10/2019
في انتظار
بدء اجتماع لجمعية النهوض بالدراسات القانونية التي كان وما زال يرأسها العميد
الأزهر القروي الشابي ، وكنت وما أزال مبدئيا كاتبها العام ، التقينا 4 أشخاص في
مكتب الأساتذة في كلية العلوم القانونية ، عميد المحامين السابق ووزير العدل
السابق ، وعضو لجنة تسوية إشكال رابطة حقوق الانسان في أواخر 2010 وأوائل 2011 ،
والعميدة نائلة بن شعبان عميدة كلية العلوم القانونية ، والسيد قيس سعيد أستاذ
القانون الدستوري بالكلية ، والذي سيصبح لاحقا رئيسا للجمهورية ، وأنا كاتب عام
الجمعية وعمدتها ككل كاتب عام، وفي انتظار اجتماع هيئة الجمعية دار حديث شيق ربما
كان ذلك في غضون سنة 2013 إذا لم تخني الذاكرة ، حول ما إذا ما كان ما حدث سنة 2010/2011 يمكن اعتباره ثورة ، أو هو مجرد
انتفاضة ، ولا أريد أن أتحدث باسم أحد ولكن شعوري أو الباقي من شعوري عن تلك
الفترة أن ثلاثتنا فيما عدا قيس سعيد كانت لنا وجهات نظر متباينة ، وانبريت شخصيا للقول في ظل التحفظ السائد أن
الثورات يسبقها فكر كما هو شأن الثورة الفرنسية وما اعتمدته من مبادئ فلسفها عدد
من كبار المفكرين أمثال فولتير و مونتسكيو ، وحتى من الانجليز لوك وهوبس ، أو
الثورة البلشفية التي فلسفها ماركس وأنجلز ، وحتى الثورة الإيرانية أو ما سمي كذلك وقد
سبقها فكر وإن كان متراجعا عن عصره يمكن تلخيصه في الإمام الخميني ،
ثم ومن جهة
أخرى فإن للثورات دائما قيادات تتولاها وترعاها وتقــــودها إلى النصر ، ثم تتولى
شأنها بعد انتصارها ، وثالثا فإن الثورات تهز عروش القائم وتسقطها أحيانا وفي
الغالب بعنف شديد ودماء غزيرة.
وثلاثتها لم
تتوفر للثورة التونسية ، فلم يسبقها فكر لا تقدمي ولا رجعي ، ولا تولتها قيادة سترث نظاما يتهاوى بعد أن
تكون قادت خطى الثورة ومراحلها ، كما إن النظام القائم قد أبقي عليه بعد أن هرب
رأسه ، فتولت السلطة إلى حين نفس المجموعة
أو تكاد ممن كانوا يحكمون ، حتى تفرض
صناديق الإقتراع وجهة أخرى ودستورا آخر.
غير أن قيس
سعيد استبعد كل هذه الاعتبارات التي تقوم عليها الثورة عادة ، معتبرا يومها أن
الثورة التونسية ليست ثورة نمطية فهي ثورة
atypique يمكن القول أنها متفردة ، ولكن ما يجعلها تتمتع بمقومات الثورة ، هو
أنها هي التي فتحت الباب أمام ثورات كبيرة خاصة في الشقيقة مصر ، التي أظن أنها لم
تشهد وقتها لا تمرد الشباب بالملايين ضد حكم الرئيس محمد مرسي ، ولا استيلاء
العسكر على الحكم "الشرعي "ولا على نتائج تمرد الشباب l’insurrection وهو التمرد الذي نظرله ( بتشديد الظاء) دستور الجمهورية المنبثقة عن
الثورة الفرنسية، والاعلان العالمي لحقوق
الانسان .
فكان من رأي
قيس سعيد أن ما حصل في تونس هو ثورة بأتم معنى الكلمة ، تندرج في عصرها ، أي عصر
المواصلات بكل أشكالها ، ونهاية الحدود ، وسيادة الاتصالات الاجتماعية عبر الفايس
بوك و تويتر ، وأصداء محطات التلفزيون التي لم تعد تقف أمامها حدود ولا حواجز.
وكان من رأي
قيس سعيد وقتها إن كنت أمينا في نقل فكرته وإن حف لي ،هو أن ما حصل في تونس وما حصل نقلا
عنها في أصقاع عربية عديدة ، يستجيب لمفهوم الثورة في هذا العصر ، ومقوماتها التي
لم تعد تحتاج لما كانت عليه في أزمان غابرة ، فالأفكار والنظريات تتنقل بسرعة
الضوء وتفعل فعلها في الجماهير التي تحولت إلى فاعل أصلي ، فلم تعد لا ثورة
البورجوازية على الاقطاع أو الكنيسة ، ولا ثورة البروليتاريا على الارستقراطية
والملاك المستغلين ، ولا الملالي على نظام مجتمعي يرونه مبتعدا بالناس عن دينهم
والنظام المجتمعي الذي ينبغي أن يسود.
وإذ أرجو ومن
الذاكرة فقط أن لا أكون تعديت على ما كان يفكر فيه آنذاك رئيس الجمهورية اليوم ، فإني خرجت يومها بأن قيس
سعيد كان مسكونا بالثورة ، ولعله منذ ذلك الحين وربما قبله كان
مقتنعا بأنه هو الأقدر على تحقيق أهدافها . فليفعل ولنرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق