الموقف السياسي
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
انتخابات
تتجاذبها
الشرعية
والمشروعية
والاهتزازات
المتوقعة
تونس /
الصواب/3/10/2019
في عمر
الديمقراطية الحقة التي جاءت بها ثورة الكرامة ، والتي برغم مرور 8 سنوات انقضت ،
لم توفر الكرامة بكل من تداول على الحكم فيها من نهضة على مدى سبع سنوات ونداء
تونس على مدى خمس سنوات ، ومؤنمر من أجل جمهورية لمدة 3 سنوات ، وتكتل لمدة سنتين
، والوطني الحر وآفاق واليسار وخاصة تحيا تونس لمدد متفاوتة ، فإنه يمكن القول ،
إن أولئك الحكام ، لم يحققوا لا من قريب
ولا من بعيد الهدف الأسمى لأي حكم ، وهو الارتفاع بالمستوى المعيشي للشعب ،
واكتفوا كلهم باجترار إنجازاتهم في مجال تحقيق الديمقراطية ، وحرية التعبير ،
وكأنها تلك وحدها ما كان من مطالب الجماهير التي ضحت وسقط منها شهداء بأكثر من
مائة وجرحى بالمئات ، ولم يكن المطلب الأول هو الكرامة التي يوفرها الشغل ولقمة
العيش النظيفة بالجهد والبذل ، والحكام المتعاقبون وخاصة نهضة ونداء وتحيا ، لم يفعلوا شيئا ، وهذا كان بمقدورهم لو صحت
منهم الإرادة والعزيمة لوقف التسيب والارتخاء الانتاجي.
واليوم يقفون
جميعهم كل يدافع ما أمكنه الدفاع عن نتائجه ، أو يحاول التملص من المسؤولية ،مثل
النهضة وبالذات النهضة ، من كل مسؤولية ، في تدهور حال البلاد ومواطنيها ، وهو أمر
لايمكن أن يقنعوا به أحد.
ومن هنا يجد
الشارع نفسه أمام وجوه جديدة على الأفل على الحكم ، لم يألفها ، وإن كان بعضها متورط
إلى الأذقان ، سواء في السير في ركاب العهد السابق لما قبل الثورة ، أو بصورة أو
بأخري فيما بعده.
كلمتان
قصيرتان عن الانتخابات التشريعية وهي ستكون سابقة عن الانتخابات الرئاسية في
دورتها الثانية بعد أسبوع عن الأولى ، وفي الحالتين تبدو هذه الانتخابات محسومة ،
إلا إذا حصلت مفاجأة لا تبدو منتظرة أو
متوقعة،
**
وبالنسبة
للانتخابات التشريعية يبدو أن قلب تونس سيكون الحزب الاول ترتيبا، ولو بمسافة
قصيرة عن ملاحقه حزب النهضة ، كما يبدو أنه فوق استطاعته أن يكون مدعوا لتشكيل
الحكومة بمفرده باعتبار طبيعة طريقة الاقتراع بالنسبية على القائمات وبأعلى البقايا
، وهي طريقة سيئة الذكر، ، سيقدر الحزب الأول ( مهما كان بأربعين مقعدا في الأكثر أو أكثر بقليل )على الأغلب توفير حزام
ولو ضيق مما يسمى بـ"الحداثيين
الوسطيين من أنصار نمط المجتمع العصري "، بحيث يتمتع بالأغلبية
البسيطة التي تمكنه من تشكيل الحكومة و تمرير التشريعات العادية ، دون أن تطلق يده
بالنسبة سواء للقوانين الأساسية ، أو للتعيينات المنتظرة في المجالس الدستورية
المعطلة ، أو أي تعديلات سواء في الدستور أو في المجلة الانتخابية ، وهي ضرورات لم
يعد منها بد لسير الدولة السير الطبيعي ،
بما يذكر بأيام الجمهورية الرابعة في فرنسا وآزماتها التي عطلت سير دواليب الدولة،
او أي قدرة في الاقدام على الاصلاحات التي
تأخرت أكثر مما ينبغي ، وحتى لو تم تعيين محمد الفاضل عبد الكافي ، الذي أطلق عليه
اسم الفاضل ، تيمنا باسم جده الفاضل بن عاشور ، فماذا يستطيع رغم أنه رجل لامع جدا
أن يفعل بدون أغلبية الثلثين ، كل هذا إذا
لم تحدث المفاجأة بتعيين حزب قلب تونس ، الذي سيدعى غالبا لتشكيل الحكومة
في حالة حصوله على أغلبية نسبية ، لا بسيطة ولا موصوفة ، تعيين نبيل القروي لتولي
رئاسة الحكومة ، فيضع السلطة القضائية والطبقة السياسية كلها في حيص بيص ، والذين
تحدثت معهم في هذا الشأن وكلهم من كبار القانونيين ، يرفعون أيديهم ، مرددين :
دعها تقع ، وبعدها "يحلها ربي ".هذا بالنسبة لانتخابات بعد غد أو اليوم
الموالي.
**
أما
الانتخابات الرئاسية التي تأتي بعد أسبوع ، فإنها لن تضع ، إشكالا مباشرا ، ولكنها
ستضع إشكالات من نوع آخر.
فالمؤكد
اليوم أن صندوق الإقتراع سيفضي إلى انتصار معزز لقيس سعيد ، بات هذا من تحصيل
الحاصل ، ولا مندوحة من الاعتراف بنتيجة الصندوق، ولكن لا بد من الوقوف أمام ثلاثة أو أربعة حقائق
كل واحدة منها صادمة :
أولاها : أن
هذه الانتخابات الرئاسية وإن كانت شرعية في نتائجها ، فلا تبدو وفقا لرجال قانون
دستوري تحدثنا معهم إلا موصومة بقلة المشروعية ، légale mais illégitime على أساس أن شرطا أساسيا من شروط نزاهة
الانتخابات يتمثل في المساواة وتكافؤ الفرص ، وهو ما لم يتوفرباعتبار أن أحد المترشحين
قابع في السجن،/ ولم يتمتع بحقه في التوجه إلى الناس كمنافسه
الذي بدا محظوظا، وإذا كان تمني يوسف الشاهد وقادة النهضة ، هو أن لا يدخل نبيل
القروي وغيره هذا السباق الرئاسي ، دليل ذلك قانون الاقصاء الذي أجهضه الباجي قائد
السبسي ، فإن دخول السجن سواء دخله القروي
عن حق أو عن غير حق ، أصاب العملية الانتخابية الرئاسية من حيث مصداقيتها في مقتل
، وستجابه الشرعية بالمشروعية دوما ، مهما كان من دخول قيس سعيد إلى قصر قرطاج.
ثانيهما أن
جبهة عريضة ، من كبار القوم في تونس نادوا بضرورة إطلاق سراح نبيل القروي ، من أجل
تكافؤ الفرص في مقدمهم رئيس الجمهورية محمد الناصر وقادة المنظمات الوطنية ذات
الوزن المجتمعي الكبير ، وحتى رئيس هيئة الانتخابات نبيل بفون ، غير أن الزمن السياسي
لم يلتق مع الزمن القضائي ، فامتنع القضاء
عن إطلاق سراح المرتب ثانيا في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية ، وربما لم يكن
القضاء حتى الواقف ، كما يقال في ترجمة حرفية عن الفرنسية ، الذي وضع القروي في
السجن بصورة مشكوك في قانونيتها ، لا يريد أن يتلقي أوامر كما اتهم في المرة
الأولى.
ثالهما ، على
المستوى الدولي ، حيث بدا أن بقاء مرشح جدي في السجن ، مخالف في الأعراف
الانتخابية الدولية لما يمكن أن يسمى بالانتخابات النزيهة والشفافة التي لا تشوبها
شائبة ، وتلك الأوساط لا يهمها إن كان الدستور في تونس أو القوانين تنبهت إلى هذه
المطبات أم لا ، فهناك قيم ومقاييس يسيرون
عليها.
غير أن هذه التطورات
التونسية / التونسية يمكن أن تترك ظلالا كثيفة ، على سمعة الديمقراطية في تونس ،
وهي الأمر الذي استثمرت فيه كل الجهات الحاكمة على مدى 8 سنوات ، وكان أن وفر لها
لا فقط التعاطف والتأييد ، ولكن سخاء غير معهود من المؤسسات المالية الدولية
والأوروبية والعربية والافريقية وحتى الوطنية مثل اليابان .
رابعهما :
وفي الصميم ، إذا صحت التوقعات وارتقى قيس سعيد إلى رئاسة الجمهورية ، ومرشح قلب
تونس إلى رئاسة الحكومة ( الحالة مختلفة إذا جاءت النهضة الأولى في الانتخابات
التشريعية) فإن المعايشة البعض يقول
المساكنة la
cohabitation ستكون في منتهى التعقيد ، وسيكون قيس سعيد في
الزاوية ، ولن يستطيع شيئا للبرنامج الذي أعلن عنه ، إضافة إلى أن وزارتي الخارجية
والدفاع المفروض أن يعين أصحابهما هو شخصيا ، سيجدان أنفسهما رهائن عند حكومة
وبرلمان مضاد ، وبيدهما ضبط الميزانية ، واعتماد السخاء أو البخل تجاه الوزارتين ،
وبذلك تبدو للعيان محدودية مقتضيات دستور غير واقعي ولم يقرأ حساب هذه التطورات هو
دستور 2014 الدي وصف بأنه أحسن دستور ولكنه ظهر بالتجربة غير عملي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق