Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 21 أبريل 2016

بكل هدوء : قبل مؤتمر النهضة .. هل يتم إسقاط المظهر الدعوي ،، والتحويل إلى حزب مدني ،،

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الإسلاميون عائدون ولكن بأي صورة؟ *
تونس / الصواب /22/04/2016

خلال شهر أو يزيد قليلاً ستقوم حركة “النهضة” الإسلامية في تونس بعقد مؤتمرها العام، الذي أفادت القيادات النهضوية بأنه سيكون مؤتمراً فاصلاً بين مرحلتين.
والنهضة التي تأتي من بعيد عندما كانت تُسمّى “الجماعة الإسلامية”، وتعتمد فكر السيد قطب، الذي تم إعدامه في مصر في ستينات القرن الفائت، والمُعتبر شهيداً حتى اليوم من قبل كل الإسلاميين، تراجعت في مراحل متعددة عن التشدد الذي انطلقت منه، فتَسمَّت أو سموها ب”التيار الإسلامي” ثم “الاتجاه الإسلامي”، قبل أن تطلق على نفسها تسمية حركة “النهضة” في سنة 1989، أيام كان زعيمها راشد الغنوشي على علاقة طيبة بالرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي في أيام حكمه الأولى، على إثر ما أبداه زعيمها من مواقف الاعتدال في تصريح صحافي مشهود نُشر في جريدة “الصباح” التونسية في 17 تموز (يوليو) 1988، وأشاد فيه بالرئيس الجديد أيامها بن علي. واعتبر فيه الإصلاحات الاجتماعية التي تمت في تونس على يدي بورقيبة اجتهاداً داخل النصوص الإسلامية بعدما كانت تعتبرها حركة “الاتجاه الإسلامي” تحريم ما حلّل الله وتحليل ما حرّمه الله.
سنوات الجمر

غير أن العلاقة مع نظام بن علي سريعاً ما ساءت بعد انتخابات نيسان (إبريل) 1989، التي تم تزويرها على نطاق واسع، وهروب “الشيخ” كما يُسمّى خارج البلاد، وأحداث 1990 التي انتهت بإحراق حارس مقر للحزب الحاكم اتُّهمت به حركة “النهضة”، وما تبع ذلك من نزول مطرقة ثقيلة من التعسف بداية على الإسلاميين ثم على بقية المعارضين، وانزلاق الحكم إلى ممارسات استبدادية ثقيلة.
عودة الزعيم

عاد زعيم حركة “النهضة” راشد الغنوشي إلى البلاد بعد “ثورة ” 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010 / كانون الثاني (يناير) 2011، وبعدما أطلق سراح غالبية زعماء الحركة تباعاً، أصدر الوزير الأول محمد الغنوشي بمعية البرلمان الموروث من عهد بن علي العفو التشريعي العام الذي استفاد منه بالأساس الإسلاميون، فتمت استعادة كل المحكومين بأحكام ثقيلة لحقوقهم المدنية، وسينالون تعويضات مالية كبيرة عما أسموه بسنوات الجمر.
وفي انتخابات خريف 2011 فازت حركة “النهضة” بأغلبية نسبية، وحصلت على المرتبة الأولى في مقاعد المجلس التأسيسي الذي كانت مهمته المُعلنة هي صياغة دستور جديد للبلاد خلال سنة، ولكنه تجاوزها اعتباطاً، ولم تكن الحركة قادرة على تشكيل حكومة وحدها، لذلك لجأت إلى حزبين “علمانيين” لمنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر، تقاسمت معهما السلطة نظرياً، ولكنها كانت الحاكمة بأمرها ووحدها.
قوة أقوى من القوة

وإذ بدأت عملية حثيثة لتغيير نمط المجتمع الذي إستقر عبر قرن ونصف من الإصلاح الاجتماعي في تونس، على غرار ما حصل في مصر، فقد تحركت القوى الحية في البلاد وخرج مئات الألوف ليلاً نهاراً لمنع ما سمي “بأسلمة الدولة”؛ وإذ تزامن ذلك مع التمرد الذي حصل في مصر وشهد خروج الملايين للميادين، وما تبعه من استيلاء الجيش على السلطة، فإن حركة النهضة استوعبت الدرس، وقبل راشد الغنوشي ما لم يقبل به الرئيس المصري محمد مرسي، مُتفهّماً أنه لا يمكن الرجوع بالمجتمع إلى الوراء، رغم الأغلبية النسبية التي حصل عليها هو وحزبه في الانتخابات، واعتمد سياسة توافقية ترك فيها الكثير مما يدعو إليه، بحيث أمكنت صياغة دستور جديد، وفق النظرة الليبرالية وما سُمّي في حينه، بالحقوق الإنسانية الكونية، التي تختلف إن لم تكن تتناقض مع ما كانت تدعو إليه “النهضة”.
ولكن، لماذا لم تسقط “النهضة” في المشكلة التي سقطت فيها جماعة “الإخوان المسلمين” مصر؟
من المؤكد أن رئيس حركة “النهضة” كان يتمتع بقدر وافر من البراغماتية، وقد يكون خشي هو والقيادات العليا حوله بأن شد الحبل للآخر يمكن أن ينقطع، ما يؤدي إلى حدوث تطورات في تونس على غرار ما حصل في مصر، وإن كانت تونس لم تجرّب قبلاً حكم العسكر، كما أن الجيش التونسي إضافة إلى ضعفه، يتميز بثقافة موروثة عن الفرنسيين ومدارسهم الحربية من حيث ولاء الضباط الكامل للسلطة السياسية.
غير أن ذلك لا يفسّر تفسيراً كافياً انقلاب حركة “النهضة” في مواقفها، بل لعل الأمر يعود إلى أن تلك الحركة تفادت الدخول في صدام مع مجتمع مدني قوي ومؤثر، قوامه طبقة وسطى ومتعلمة ذات رقعة واسعة جداً، وتأثير مجتمعي غير محدود.
من هنا يبدو وكأن حركة “النهضة” بزعامة راشد الغنوشي، كانت أقدر من جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر وغيرها من الحركات الإسلامية، على التعامل مع الواقع الفعلي. هل يكون ذلك تكتيكاً، حتى قدوم أيام أخرى أفضل؟ أم إنه تغيير في النظرة ذو بعد إستراتيجي من منطلق قبول الأمر الواقع، والتفهم بأن حزباً دعوياً، كما كان التصور، ليس له مكان في تونس؟
المؤتمر الحاسم وتبعاته

من هنا كذلك تأتي أهمية المؤتمر المُنتظر بعد شهر ونيف. فالمُعلَن اليوم، رغم تردد وحتى معارضة جانب كبير من القواعد، أن حركة “النهضة” ستتحول في الغالب إلى حزب سياسي يعتمد مرجعية إسلامية، ويكف عن أن يكون حركة إسلامية تدعو إلى تطبيق الشريعة في كل مناحي الحياة، وذلك تماهياً مع الفصل الأول من الدستور الجديد الذي قبلته الحركة بصعوبة، والذي ينص على ما يلي :
تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها”.
وهو بالضبط نص الفصل الأول نفسه من دستور 1959 كما كان صاغه الرئيس الحبيب بورقيبة، وهو لا يتضمن أن تونس دولة إسلامية، تستمد قوانينها من الشريعة، كما سعت “النهضة” إلى تضمينه من دون جدوى.
ومن هنا يقوم تساؤل ملح عما إذا لم تكن حركة “النهضة”، التي يمكن أن تُسمَّى مستقبلاً حزب “النهضة”، ستتحول بصورة أو بأخرى إلى حزب سياسي على شاكلة الأحزاب المسيحية الديمقراطية في الغرب، لا يفصلها عن أن تكون حزباً علمانياً “لائكياً” إلّا خطوة وحيدة وقصيرة.
الحركة الدعوية إلى أين ؟

على الرغم من أن هذا الحزب سيكون حزباً سياسياً مدنياً بمرجعية إسلامية، فإن القواعد فيه، لا يبدو أنها مستعدة لإتباع كل هذا التراجع عن هوية حزبية، طبعت الحركة منذ أن كانت مجرد جماعة في سبعينات وربما ستينات القرن الفائت. ومثل هذا الاختيار يدفع إلى التساؤل : هل إن “النهضة” ستكف عن أن تكون حركة دعوية، تشتغل في الحقل السياسي؟ وفي هذه الحالة: هل إن المعارضين داخلها سيندفعون إلى تشكيل كيان دعوي قائم الذات، في موازاة مع الحزب الجديد، بتشجيع أو من دون تشجيع من الحزب وقياداته؟
ولكن يبقى الأمر مطروحاً، وبإلحاح داخل المكوّنات الكثيرة في المجتمع المدني: هل إن حزب “النهضة”، إذا قُدّر له وسُمّي كذلك، سيكون صادقاً في هذه التوجهات الجديدة أم لا؟ وهل إن التقية هي التي ستكون سائدة أم لا؟
إن دستور 27 كانون الثاني (يناير) 2014 يضمن، سواء في توطئته أو في صلبه، عدم الارتداد عن مبادئه الموصوفة بالتقدمية والمُلتزمة بالمعايير الدولية، كما تم رسمها في الغرب على مدى أكثر من قرنين، وهو دستور مغلق كما يقول المتخصصون في القانون الدستوري، يكاد يستحيل تعديله، بحكم التوازنات الحالية وطبيعة الأنظمة الانتخابية المرسومة “les modes de scrutin” القائمة على التصويت النسبي مع أعلى البقايا بالقائمات، التي لا تمكّن أي حزب حتى من أغلبية نسبية أي النصف من أعضاء البرلمان زائد صوت واحد، فيما إن تعديل الدستور التونسي يتطلب الحصول على ثلثي أصوات أعضاء البرلمان مع صوت واحد، وتلك حالة غير محتملة بأي صورة من الصور.
وفي كل الأحوال فإن حزب النهضة يغمز لانتخابات بلدية في أواخر هذا العام، إن لم يقدر وتتأجل للعام المقبل، بكثير من الأمل في أن يفوز فيها، وذلك بعدما انفجر الحزب المنافس “نداء تونس” وبات شبحا لنفسه، وهو الحزب الذي فاز نسبياً في انتخابات البرلمان في أواخر 2014، كما فاز في انتخابات الرئاسة، مما يؤهل حزب “النهضة” للعودة بقوة على الأقل في المستوى المحلي، في انتظار انتخابات رئاسية وتشريعية متوقعة في العام 2019 ، تأمل النهضة أن تفوز بها نسبياً وتعود لقيادة البلاد.
·       بتزامن مع أسواق العرب اللندنية


الجمعة، 15 أبريل 2016

سانحة : من يدفع ضرائبه ومن لا يدفع أو لا يدفع الكفاية؟


اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
معركة الأطباء و المحامين  
الجريمة والعقاب
تونس /  الصواب /11/04/2016
من روائع الأدب العالمي رواية الروسي ديستوفسكي الجريمة والعقاب ، وفي هذه الرواية وهي أبعد من أن تكون بوليسية ، مجرم وضحية.
غير أننا نشهد هذه الأيام مشهدا غريبا ، فالمجرم هو الضحية ، المجرم هو المواطن التونسي والضحية كذلك ، فهو أي ذلك المواطن  ( الأجير بالذات ) هو الذي يسلط عليه سيف الضريبة ، وهو الذي يبقى في النهاية متهم حتى  لا تثبت عليه التهمة و لكن يتحمل عبء العقوبة.
في قانون المالية لسنة 1972 وكان وزير المالية آنذاك منصور معلى ، تم تثبيت ما يجري سجال بشأنه حاليا ، فقد طلب من الأطباء والمحامين ،وغيرهم من أصحاب المهن الحرة أن يسهموا في تمويل ميزانية الدولة ، بدفع القسط المفروض أن يرجع لهم مساهمة في تمويل ميزانية الدولة التي يستفيدون منها كبقية المواطنين ، كما نص ذلك القانون على إخضاع مظاهر الثراء لأداء خاص على غرار برك السباحة الخاصة في المنازل ، وقامت الدنيا ، دنيا الإطباء والمحامين ولم تقعد ، فما كان من رئيس الحكومة آنذاك أو لعله الوزير الأول الهادي نويرة إلا أن تراجع بدون نظام ، وبقيت النصوص ولكن تم النكوص عن تطبيقها.
بعد 45 سنة وإزاء وضع موازنات مالية سيئة في البلاد يحاول وزير المالية الحالي أن يعود لتشريع وتنفيذ تلك النصوص مجددا ، ولكن تقف أمامه معارضة شديدة من قبل فئتين ، الأطباء والمحامون ، تماما كما حصل في 1972/1973.
لنقف عند مجموعة من الأرقام :
**الأجراء يساهمون بـ 80 من المائة من مداخيل الضريبة  على الدخل في البلاد
** ومن جملة دخل الدولة فإن الأجراء يمثلون 18 في المائة فيما المهن الحرة وغيرها لا تمثل إلا 4 في المائة ( كانت 5 في المائة سنة 1990)
كل هذا يعني أن الفئة الأقل حظا وإن كانت الأكثر عدديا تخضع لعبء ضريبي لا يتناسب لا مع حجمها ولا خاصة لحجم مداخيلها.
والسؤال هو هل أن  الحكومة ستخضع لأوامر فئة معينة ، اشتهرت بعدم المساهمة أو عدم المساهمة بالصورة الكافية في تمويل مقابيض الدولة ، مثلما خضعت قبل 45 سنة ، أم إنها ستكون حريصة على إقرار عدالة جبائية ، تكفل في نفس الوقت نوعا من المساواة ، وتوفر للدولة مزيد المداخيل ، علما وأن عجز الميزانية يبلغ ما بين 5 و6 مليار دينار أي حوالي 17 أو 18 في المائة من ميزانية الدولة تجري تغطيتها بالاقتراض داخليا وخارجيا ، حتى العجز خلال سنة أو سنتين من  السداد الفعلي ، فضلا عن أن البلاد في حالة من العجز عن توفير الاستثمار الحكومي اللازم لدفع حركة الاقتصاد.
استنتاج واحد ومهم ، وهو أن الدولة ولا نقول الحكومة هي في حالة ارتهان فعلي منذ عشرات السنين لفئة معينة أو لعلها فئات معينة ، تستمرئ وضع كل العبء على الفئة الأقل دخلا ، وتتهرب لنقلها بصراحة من أداء قسطها من المجهود الوطني في تمويل ميزانية الدولة ، بل وتهدد بعدم تنفيذ الفصل 22 من قانون المالية ، ما يعني الدخول في عصيان مدني ، تعتقد أن الحكومة عاجزة عن مواجهته بالحزم اللازم ، كما كانت عاجزة أمام الاعتصامات وتعطيل حركة الإنتاج .
إننا نزعم والأرقام هنا واضحة جلية ، أنه لو أدخلت النصوص التي صادق عليها البرلمان ، ولو تم إخضاع مظاهر الثراء  لطائلة أداءات  غير ثقيلة ، ولو تم تحصيل الضريبة المستوجبة على كل المحلات المكرية وعددها بمئات الآلاف ، لما كانت البلاد  تعيش في ظل موازنات منخرمة ، ولما اضطرت لهذا الحجم من التداين وخاصة الخارجي الذي يرهن مستقبل أبنائنا.


الثلاثاء، 5 أبريل 2016

سانحة : عندما ينشق الكأس

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
زلزال هز العالم
تونس  الصواب / 05/04/2016
لم يهنأ محسن مرزوق كثيرا بنتائج استفتاء للرأي تولته مؤسسة إيمرود الجادة    لسبر الآراء  ، ونشرته جريدة الصباح التي  ليست أقل جدية ومصداقية بين الصحف والمؤسسات الإعلامية التونسية ـ لم يهنأ طويلا ـ بنتائج عملية قياس للرأي وضعته في المرتبة الثانية ، بين المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، بعد الباجي قائد السبسي وليس بعيدا عنه ، ووضعت حزبه " المشروع " في مرتبة ثالثة بعد نداء تونس (أول )  والنهضة ( ثانية )  ولو بعيدا عنهما .
فقد قطعت فرحته وفرحة أنصاره أخبار واردة  من وراء البحار تفيد في إطار فضيحة دولية، بأنه يتمتع بحساب " أوف شور" في بانما الملاذ الآمن لكل من يتحيلون على بلدانهم ، مفلتين من أداء الضرائب المحمولة عليهم ، أو أنه طلب معلومات بشأن ذلك.
وإذ كذب تكذيبا قاطعا أن تكون له علاقة بباناما ، وبحساباتها المشبوهة، فإن الصفعة كانت قوية جدا ، سواء ثبت أو لم يثبت تورطه ، وهو ما سيفتح عليه وعلى غيره  أبواب جهنم ، ومهما كانت نتائج التحقيقات  القضائية ، وسواء انتهت إلى تبرئته أو إلى إدانته ، فإنه سيبقى شيء في نفوس الناس لن يكون من السهل  عليهم محو آثاره ، لا بالنسبة له شخصيا أو لكل الأسماء الواردة .
كل هذا في انتظار ما تم فتحه من تحقيقات القضاء  تحقيقات ستشمل ولا شك كل الأسماء.
وإذ ليس من عادتنا أن نعتمد ما يرد في الفايس بوك ، فإنه لا يفوتنا أن نؤكد وأن الرئيس السابق الدكتور منصف المرزوقي ، قد جاء ما ينفي عنه التهمة من قبل الجهات نفسها التي تقف وراء نشر المعطيات من باناما ، كما إن محسن مرزوق أدلى بمعلومات تفيد بأنه لم يكن له أبدا أي اتصال بمكتب المحاماة الذي يفتح حسابات لتبييض الأموال في باناما ، وأنه سيتقدم بشكاوى قضائية ضد كل من انتحلوا ومن كرروا الاتهامات الموجهة له ، معتبرا أن ذلك يدخل في إطار الخصومة السياسية .
فيما إن منصف شيخ روحه ذكر عن طريق ابنه طارق شيخ روحه ، أن التهمة الموجهة له تتعلق في الواقع  بمؤجره الأسبق السعودي صالح كامل رئيس مجلس إدارة بيت التمويل السعودي.
ومهما كان من أمر، فإنه لا بد من الوقوف عند ثلاثة استنتاجات من الضروري إيرادها ، خدمة للموضوعية والأمانة والأخلاق:
أولها ، أن ما ورد يبقى في أحسن الأحوال شبهة ـ إما أن تتأكد أو ينفيها القضاء، وبالتالي لا يمكن البناء عليها  في هذه المرحلة.
ثانيها ، أن أي نيل من الشخصيات لمجرد شبهة ، وخاصة عندما يهم الأمر شخصيات اعتبارية ، تولت أعلى المناصب في الدولة ، وبالتالي تتمتع برمزية خاصة ، مثل فؤاد المبزع أو منصف المرزوقي أو حتى الباجي قائد السبسي المذكور شقيقه، هو أمر لا يصح ، وكل اتهام غير مثبت قضائيا  بحكم بات  هو في النهاية أمر مرفوض ، وفيه تجاوز لأخلاقيات المهنة الصحفية بكل نبل أدائها.
ثالثها أنه ومهما كانت نتائج المواقف التي سيصدرها القضاء فإنه سيبقى في النفس، وخاصة النفوس شيء، بل وسيكون لذلك تأثير سياسي    مؤكد ، فالكأس الذي انشق لن يعود كما كان.
fouratiab@gmail.com
Haut du formulaire



بكل هدوء : اعترافا بجميل كبار هذا الوطن ،، ولكن لا بد من كشف حقيقة كل التجاوزات

بكل هدوء

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
ردا للإعتبار لرجال خدموا تونس
في زحمة الذكريات التاريخية
الماضي لم يكن دائما مشرقا
تونس / الصواب / 03/04/2016
في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال ، أعاد رئيس الجمهورية الاعتبار فيمن أعاد للمناضل صالح بن يوسف ، الذي لا يمكن أن ينسى المرء أن بورقيبة افتخر يوما علنا بأنه إن لم يكن وراء اغتياله (؟) فإنه قام بتوسيم الذين قاموا بتصفيته ، وإذ تتزاحم الذكريات الوطنية تباعا من عيد ثورة 14 جانفي 2011 إلى عيد ثورة 18 جانفي 1952  إلى عيد الاستقلال إلى يوم الشهداء في 9 أفريل إلى غرة جوان 1955 و1959 عودة الرئيس الأسبق بورقيبة ثم إعلان دستور سنة 1959 إلى عيد الجمهورية في 25 جويلية  في 25 جويلية  إلى إعلان دستور 2014 ، إذ تتزاحم تلك الذكريات وغيرها فإن الأيام لم تكن دائما مشرقة.
ولقد أخذت الألسن تنحل عقدتها ، فقد صدر للشاذلي    بن  عمار كتاب ، عن المظلمة التي تعرض لها والده الطاهر بن عمار الموقع على الاستقلال التام والاستقلال الداخلي ، إذ وضع في السجن بتهمة كيدية لمدة أشهر هو وزوجته ، ويقال إن بورقيبة لم يغفر له أن يكون الحصول على الاستقلال قد نسب له ، ثم إن المختار باي الأستاذ الجامعي أرخ للمرة كذا  ـ في فضاء مؤسسة التميمي ـ للمظلمة التي تعرض لها محمد الأمين باي آخر ملوك تونس، لا فقط بعزله عن عرشه بصورة لا قانونية ولكن بمشروعية فعلية ، وقد سامه الذين أنزلوه عن عرش أجداده سوء العقاب ، رغم أن مسيرته كانت تتخللها فترات مشرقة وأخرى أقل إشراقا ، بين تحدي المستعمر والخضوع له ، فتمت معاملته على أسوء حال ، ولم يتمتع بالرمزية التي كان جديرا أن يتمتع بها بوصفه كان لفترة 14 سنة رمزا للبلاد باعتباره ملكها وممثل سيادتها.
وكما نال محمد الأمين باي معاملة سيئة على علو قدره باعتبار ما كان عليه من رتبة عالية ، فإن بورقيبة لم يسلم من نفس المصير ، حيث بقي في "سجنه الأخير" كما أسماه رجاء فرحات في مسرحيته الشهيرة 13 سنة ، لا حق له في مغادرة البيت الذي خصص له  في المنستير ، إلا لماما ، وبترخيص من خلفه ، بل لم يكن يحق لأحد زيارته ، حتى ابنه إلا بعد الاسترخاص يتطلب أياما وقد يأتي أو لا يأتي  ، وإذ لم تخصص للباي السابق جنازة تليق به  بل دفن في إطار من السرية وبعد عيشة ضنكة وفي محل مدقع الفقر ، فإن جنازة بورقيبة على ما قدمه للبلاد على اختلاف التقييمات لمسيرته ، كان مثالا لانتقام غير مبرر ، لما شابها من حصار فعلي وإعلامي غير لائق بقيمة الرجل ، من هنا للمرء أن يتوقف قليلا ، للقول بأن بلدا يحترم نفسه ويحترم رموزه ، لا بد  له وبعد ثورة مشرقة أن يعيد الاعتبار للرجال الذين قادوا مسيرته ، أو اختطوا له خطى كفاحه الذي توجه استقلال لا شائبة فيه على عكس ما يريد أن يوحي به البعض.
جميل أن يستعيد الفارس ركوب صهوة جواده في مدخل المدينة التي اقتلع منها ، بعد أن ساد في ذلك المكان على مدى 75 سنة جول فيري رئيس الحكومة الفرنسية ومهندس دخول الاستعمار الفرنسي لتونس ، رد الله غربته إلى موقعه الطبيعي ، ولكن أليس حفاظا لذاكرة الأجيال ، أن تقام تمثيل في مختلف ساحات العاصمة والبلاد تماثيل لصالح بن يوسف ومحمد المنصف باي ومحمد الأمين باي وفرحات حشاد والهادي شاكر والمنجي سليم والطاهر بن عمار   وحنبعل وسان أوغيستان ويوغورطا  وعقبة بن نافع ، وغيرهم كثيرون ممن طبعوا مسيرة البلاد وينبغي لهم أن يكونوا أحياء في ذاكرتها ، كل ذلك على غرار ما نشهده في الساحات الباريسية أو ساحات القاهرة أو ساحات روما.
ذلك دين في أعناق الأجيال اللاحقة واعتراف بالجميل ورد اعتبار للذين قدموا خدمات لا تنسى لهذه البلاد ، والواجب أن تحفظ ذكراهم ، ويعرف الصغار والكبار مدى تضحياتهم ، ومدى ما قدموه للبلاد ولتاريخها الممتد على آلاف السنين.