Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 21 أبريل 2016

بكل هدوء : قبل مؤتمر النهضة .. هل يتم إسقاط المظهر الدعوي ،، والتحويل إلى حزب مدني ،،

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الإسلاميون عائدون ولكن بأي صورة؟ *
تونس / الصواب /22/04/2016

خلال شهر أو يزيد قليلاً ستقوم حركة “النهضة” الإسلامية في تونس بعقد مؤتمرها العام، الذي أفادت القيادات النهضوية بأنه سيكون مؤتمراً فاصلاً بين مرحلتين.
والنهضة التي تأتي من بعيد عندما كانت تُسمّى “الجماعة الإسلامية”، وتعتمد فكر السيد قطب، الذي تم إعدامه في مصر في ستينات القرن الفائت، والمُعتبر شهيداً حتى اليوم من قبل كل الإسلاميين، تراجعت في مراحل متعددة عن التشدد الذي انطلقت منه، فتَسمَّت أو سموها ب”التيار الإسلامي” ثم “الاتجاه الإسلامي”، قبل أن تطلق على نفسها تسمية حركة “النهضة” في سنة 1989، أيام كان زعيمها راشد الغنوشي على علاقة طيبة بالرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي في أيام حكمه الأولى، على إثر ما أبداه زعيمها من مواقف الاعتدال في تصريح صحافي مشهود نُشر في جريدة “الصباح” التونسية في 17 تموز (يوليو) 1988، وأشاد فيه بالرئيس الجديد أيامها بن علي. واعتبر فيه الإصلاحات الاجتماعية التي تمت في تونس على يدي بورقيبة اجتهاداً داخل النصوص الإسلامية بعدما كانت تعتبرها حركة “الاتجاه الإسلامي” تحريم ما حلّل الله وتحليل ما حرّمه الله.
سنوات الجمر

غير أن العلاقة مع نظام بن علي سريعاً ما ساءت بعد انتخابات نيسان (إبريل) 1989، التي تم تزويرها على نطاق واسع، وهروب “الشيخ” كما يُسمّى خارج البلاد، وأحداث 1990 التي انتهت بإحراق حارس مقر للحزب الحاكم اتُّهمت به حركة “النهضة”، وما تبع ذلك من نزول مطرقة ثقيلة من التعسف بداية على الإسلاميين ثم على بقية المعارضين، وانزلاق الحكم إلى ممارسات استبدادية ثقيلة.
عودة الزعيم

عاد زعيم حركة “النهضة” راشد الغنوشي إلى البلاد بعد “ثورة ” 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010 / كانون الثاني (يناير) 2011، وبعدما أطلق سراح غالبية زعماء الحركة تباعاً، أصدر الوزير الأول محمد الغنوشي بمعية البرلمان الموروث من عهد بن علي العفو التشريعي العام الذي استفاد منه بالأساس الإسلاميون، فتمت استعادة كل المحكومين بأحكام ثقيلة لحقوقهم المدنية، وسينالون تعويضات مالية كبيرة عما أسموه بسنوات الجمر.
وفي انتخابات خريف 2011 فازت حركة “النهضة” بأغلبية نسبية، وحصلت على المرتبة الأولى في مقاعد المجلس التأسيسي الذي كانت مهمته المُعلنة هي صياغة دستور جديد للبلاد خلال سنة، ولكنه تجاوزها اعتباطاً، ولم تكن الحركة قادرة على تشكيل حكومة وحدها، لذلك لجأت إلى حزبين “علمانيين” لمنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر، تقاسمت معهما السلطة نظرياً، ولكنها كانت الحاكمة بأمرها ووحدها.
قوة أقوى من القوة

وإذ بدأت عملية حثيثة لتغيير نمط المجتمع الذي إستقر عبر قرن ونصف من الإصلاح الاجتماعي في تونس، على غرار ما حصل في مصر، فقد تحركت القوى الحية في البلاد وخرج مئات الألوف ليلاً نهاراً لمنع ما سمي “بأسلمة الدولة”؛ وإذ تزامن ذلك مع التمرد الذي حصل في مصر وشهد خروج الملايين للميادين، وما تبعه من استيلاء الجيش على السلطة، فإن حركة النهضة استوعبت الدرس، وقبل راشد الغنوشي ما لم يقبل به الرئيس المصري محمد مرسي، مُتفهّماً أنه لا يمكن الرجوع بالمجتمع إلى الوراء، رغم الأغلبية النسبية التي حصل عليها هو وحزبه في الانتخابات، واعتمد سياسة توافقية ترك فيها الكثير مما يدعو إليه، بحيث أمكنت صياغة دستور جديد، وفق النظرة الليبرالية وما سُمّي في حينه، بالحقوق الإنسانية الكونية، التي تختلف إن لم تكن تتناقض مع ما كانت تدعو إليه “النهضة”.
ولكن، لماذا لم تسقط “النهضة” في المشكلة التي سقطت فيها جماعة “الإخوان المسلمين” مصر؟
من المؤكد أن رئيس حركة “النهضة” كان يتمتع بقدر وافر من البراغماتية، وقد يكون خشي هو والقيادات العليا حوله بأن شد الحبل للآخر يمكن أن ينقطع، ما يؤدي إلى حدوث تطورات في تونس على غرار ما حصل في مصر، وإن كانت تونس لم تجرّب قبلاً حكم العسكر، كما أن الجيش التونسي إضافة إلى ضعفه، يتميز بثقافة موروثة عن الفرنسيين ومدارسهم الحربية من حيث ولاء الضباط الكامل للسلطة السياسية.
غير أن ذلك لا يفسّر تفسيراً كافياً انقلاب حركة “النهضة” في مواقفها، بل لعل الأمر يعود إلى أن تلك الحركة تفادت الدخول في صدام مع مجتمع مدني قوي ومؤثر، قوامه طبقة وسطى ومتعلمة ذات رقعة واسعة جداً، وتأثير مجتمعي غير محدود.
من هنا يبدو وكأن حركة “النهضة” بزعامة راشد الغنوشي، كانت أقدر من جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر وغيرها من الحركات الإسلامية، على التعامل مع الواقع الفعلي. هل يكون ذلك تكتيكاً، حتى قدوم أيام أخرى أفضل؟ أم إنه تغيير في النظرة ذو بعد إستراتيجي من منطلق قبول الأمر الواقع، والتفهم بأن حزباً دعوياً، كما كان التصور، ليس له مكان في تونس؟
المؤتمر الحاسم وتبعاته

من هنا كذلك تأتي أهمية المؤتمر المُنتظر بعد شهر ونيف. فالمُعلَن اليوم، رغم تردد وحتى معارضة جانب كبير من القواعد، أن حركة “النهضة” ستتحول في الغالب إلى حزب سياسي يعتمد مرجعية إسلامية، ويكف عن أن يكون حركة إسلامية تدعو إلى تطبيق الشريعة في كل مناحي الحياة، وذلك تماهياً مع الفصل الأول من الدستور الجديد الذي قبلته الحركة بصعوبة، والذي ينص على ما يلي :
تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها”.
وهو بالضبط نص الفصل الأول نفسه من دستور 1959 كما كان صاغه الرئيس الحبيب بورقيبة، وهو لا يتضمن أن تونس دولة إسلامية، تستمد قوانينها من الشريعة، كما سعت “النهضة” إلى تضمينه من دون جدوى.
ومن هنا يقوم تساؤل ملح عما إذا لم تكن حركة “النهضة”، التي يمكن أن تُسمَّى مستقبلاً حزب “النهضة”، ستتحول بصورة أو بأخرى إلى حزب سياسي على شاكلة الأحزاب المسيحية الديمقراطية في الغرب، لا يفصلها عن أن تكون حزباً علمانياً “لائكياً” إلّا خطوة وحيدة وقصيرة.
الحركة الدعوية إلى أين ؟

على الرغم من أن هذا الحزب سيكون حزباً سياسياً مدنياً بمرجعية إسلامية، فإن القواعد فيه، لا يبدو أنها مستعدة لإتباع كل هذا التراجع عن هوية حزبية، طبعت الحركة منذ أن كانت مجرد جماعة في سبعينات وربما ستينات القرن الفائت. ومثل هذا الاختيار يدفع إلى التساؤل : هل إن “النهضة” ستكف عن أن تكون حركة دعوية، تشتغل في الحقل السياسي؟ وفي هذه الحالة: هل إن المعارضين داخلها سيندفعون إلى تشكيل كيان دعوي قائم الذات، في موازاة مع الحزب الجديد، بتشجيع أو من دون تشجيع من الحزب وقياداته؟
ولكن يبقى الأمر مطروحاً، وبإلحاح داخل المكوّنات الكثيرة في المجتمع المدني: هل إن حزب “النهضة”، إذا قُدّر له وسُمّي كذلك، سيكون صادقاً في هذه التوجهات الجديدة أم لا؟ وهل إن التقية هي التي ستكون سائدة أم لا؟
إن دستور 27 كانون الثاني (يناير) 2014 يضمن، سواء في توطئته أو في صلبه، عدم الارتداد عن مبادئه الموصوفة بالتقدمية والمُلتزمة بالمعايير الدولية، كما تم رسمها في الغرب على مدى أكثر من قرنين، وهو دستور مغلق كما يقول المتخصصون في القانون الدستوري، يكاد يستحيل تعديله، بحكم التوازنات الحالية وطبيعة الأنظمة الانتخابية المرسومة “les modes de scrutin” القائمة على التصويت النسبي مع أعلى البقايا بالقائمات، التي لا تمكّن أي حزب حتى من أغلبية نسبية أي النصف من أعضاء البرلمان زائد صوت واحد، فيما إن تعديل الدستور التونسي يتطلب الحصول على ثلثي أصوات أعضاء البرلمان مع صوت واحد، وتلك حالة غير محتملة بأي صورة من الصور.
وفي كل الأحوال فإن حزب النهضة يغمز لانتخابات بلدية في أواخر هذا العام، إن لم يقدر وتتأجل للعام المقبل، بكثير من الأمل في أن يفوز فيها، وذلك بعدما انفجر الحزب المنافس “نداء تونس” وبات شبحا لنفسه، وهو الحزب الذي فاز نسبياً في انتخابات البرلمان في أواخر 2014، كما فاز في انتخابات الرئاسة، مما يؤهل حزب “النهضة” للعودة بقوة على الأقل في المستوى المحلي، في انتظار انتخابات رئاسية وتشريعية متوقعة في العام 2019 ، تأمل النهضة أن تفوز بها نسبياً وتعود لقيادة البلاد.
·       بتزامن مع أسواق العرب اللندنية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق