اقتصاديات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
حتى لا تكون
الاتفاقية المقبلة
مع الاتحاد الأوروبي
مجحفة في حق تونس *
تونس / الصواب/
16/05/2016
انعقدت مؤخّرا في
المكتبة الوطنية بالعاصمة ندوة نظمتها جمعية البحوث حول الديمقراطية والتنمية التي
يرأسها الدكتور عزام محجوب خصصت للتباحث في إطار المجتمع المدني حول المفاوضات
الجارية من أجل إبرام اتفاقية شاملة ومعقمة بين تونس والاتحاد الأوروبي التي لا
تهم فقط الصناعة مثلما كان حصل في اتفاقية 1995 التي كانت تونس أول من وقعها من
بلدان الضفة الجنوبية مع الاتحاد الأوروبي ، بل تهم الفلاحة والصناعات الفلاحية
والخدمات ، في إطار اندماج كامل وشامل.
وتتساءل جهات تونسية عن
فوائد مثل هذه الاتفاقية التي تفرض على تونس فتح أسواقها الداخلية للخدمات
والمنتجات الفلاحية تدريجيا والنقل والبنوك والاتصالات الوافدة من أوروبا.
وخلال الندوة تولى رضا
بن مصباح الوزير المستشار في رئاسة الحكومة الدفاع عن فوائد هذه الاتفاقية التي
ترى أطراف عدة أنها مغامرة غير مأمونة العواقب ، لما تفرضه من منافسة حادة في عقر
الدار ، وعلى السوق الداخلية من قبل سلع فلاحية أو مصنعة وخدمات تتميز بقدرة
تنافسية عالية، تعلق الإمر بسعرها أو بنوعيتها.
والسؤال الذي يطرح هو :
هل للسلع التونسية والخدمات التونسية قابلية للوقوف بندية أمام سلع وخدمات أوروبا
داخل الحدود وإن تمتعت سلعنا وخدماتنا بالحق في دخول أوروبا بدون حواجز مستقبلا
بفعل هذه الاتفاقية الجديدة.
و يذكر الوزير المستشار
أن 75 في المائة من الصادرات التونسية موجهة حاليا إلى الاتحاد الأوروبي بينما
تأتي واردات البلاد بنسبة 50 في المائة من نفس المصدر.
تونس في حاجة إلى رفع
قدراتها التنافسية
وأضاف أن على تونس أن
تقدم على مجهودات كبيرة لوضع نفسها في موضع مواجهة المنافسة الناتجة عن هذه
الاتفاقية المزمع إبرامها مع الاتحاد الأوروبي ، وفتح أسواقها ، ولكن ومن الجهة
الأخرى فلا بد على الاتحاد الأوروبي أن يتعامل مع تونس بالرفق اللازم وما يتطلبه
الأمر من تدرج ، وهذا ما فعلته إدارة بروكسيل مع الأطراف التي التحقت بمثل هذه
الاتفاقية الشاملة ، علما وأن تونس تستحق معاملة أكثر تفهما ، باعتبار حرص الاتحاد
الأوروبي على نجاح تجربتها الديمقراطية ، وتواصلها ، لتكون البلاد علامة للنجاح
السياسي وفي المجال الديمقراطي والحريات وحقوق الانسان ، وكذلك النجاح الاقتصادي
الذي لا بد له من مرافقة وئيدة وأكيدة.
ولاحظ رضا بن مصباح أنّ
هذه الاتفاقية الجديدة تأتي لتعزيز اتفاقيات 1976 و1994 و2012، وستمثل اختيارا
استراتيجيا سواء لأوروبا أو لتونس ، ويمكن أن تكون خطوة انفتاحية أخرى وفرصة لا بد
من الأخذ بها ، مع حرص متبادل على المصلحة التونسية الأكيدة
.
غير أن الأمر ينبغي
ألّا يتوقف عند التبادل الشامل بكل حرية للسلع والخدمات ، بل من الضروري العمل على
تحقيق انسياب السلع والأموال وكذلك الأشخاص، وهذا أمر في غاية الأهمية ، ودونه لا
يوجد توازن .
فالحرية إما أن تكون
كاملة أو لا تكون ، هنا ينتهي كلام الوزير المستشار.
حرية التنقل للتونسيين
ولكن هل أن بلدان
الاتحاد الأوروبي قادرة على تفهم هذا الموقف ، أم أنها تريد الاستفادة من سوق
جديدة واعدة ، دون أن تقدم أمرا رئيسيا في العلاقات الأوروبية الداخلية ، لا
يستقيم التعاون دونه وهو حرية تنقل الأشخاص? فانتقال الأشخاص بكل حرية ومن الجهتين
هو أساس التعاون الشامل.
وعلى خلاف رضا بن مصباح
فقد بدا رئيس الجمعية الدكتور عزام محجوب ، متحفظا جدا ، وهو إذ يرى من الناحية
المبدئية المسألة في غاية الأهمية والإيجابية ، فإنه على ما بدا من كلامه يعتقد أن
تونس ليست مؤهلة في الوقت الحاضرلتلقي صدمة بهذه القوة ليست مسلحة لمواجهتها.
الإسئلة الحارقة
ويطرح الأكاديمي محجوب
ثلاثة أسئلة:
§ ماذا تعني هذه الاتفاقية؟
§ ما هي الأخطار ؟
§ وما هي المكاسب ؟
و بعد استعراض الوضع
الحالي في ظل الاتفاقيات السابقة مع الاتحاد الأوروبي لسنوات 76 و95 و2012 ، وما
أدت إليه من وضع ، يتساءل محجوب : هل نحن في وارد مواجهة الآتي نتيجة اتفاقية
جديدة ، يتم التفاوض بشأنها بين أربعة جدران ، ولا بد من تشريك المجتمع المدني
بشأن خطواتها ، وما يمكن أن تشكله من خطر على البلاد ، لا في المطلق بل باعتبار
الوضع الحالي ، وعدم قدرة لا الفلاحة ولا الصناعات الفلاحية ولا الخدمات بما فيها
النقل ، على مواجهة منافسة قطاعات كبرى ذات وزن ضخم ، وما هي الحماية لأنفسنا ،
وسترفع الحواجز الديوانية وغير الديوانية ، وسنرى مؤسسات أوروبية تشارك في
المناقصات جميعها ، بخبراتها الدولية ، وحجمها المتعملق ، وفي مجالات الطاقة
وغيرها؟
قدرة السوق الداخلية على
مواجهة الصدمة
وللمرء أن يتساءل
والسوق الداخلية ستكون مشرعة الأبواب ، إن لا يؤدي ذلك إلى غلق أبواب مؤسسات ،
وطرد العاملين فيها ، وتعميق قضية البطالة حاليا ، فالانخراط هذا في هذه المنظومة
ليس جيدا ولا سيئا في حد ذاته ، ولكن الوضع الداخلي يحتاج إلى وقت حتى تتمكن
مؤسساتنا من الارتفاع إلى مستوى المؤسسات التي ستقبل للنشاط في سوقنا الداخلية على
قدم المساواة مع مؤسساتنا ، غير المتعودة على منافسة من هذا الحجم وفي السوق
الداخلية بالذات.
والمؤكد أنه إذا كان
ذلك الوضع سينتج مكتسبات ، ليست مؤكدة ، فإنه وبالمقابل سيخضع المؤسسات التونسية،
وطنية مؤممة ، أو خاصة لسلبيات لا تحتاج لمن يعددها.
الميزات التونسية لا بد من
استغلالها
ولعل لتونس في
مفاوضاتها ، أن تتباهى وهو أمر مشروع ، بميزاتها التقليدية مثل القرب الجغرافي
وتهاود سعر الأجور وغيرها ، ولكن أيضا بأنها الدولة الفريدة في المنطقة التي أقدمت
على إصلاحات سياسية ، وأقامت نظاما ديمقراطيا وفقا للمقاييس العالمية ، وهذا كله
قد يثقل الميزان إيجابيا ، ويفيد الموقف التفاوضي لتونس.
إن المؤسسات التونسية
سواء في النقل مثلا أو في مجال الاتصالات وغيرها ، تقوم على دعم من السلطة لا يمكن
أن يستمر في ظل هذه الاتفاقية الجديدة ، بما يعرضها لمنافسة لا تقدر عليها ، وقس
ذلك على الفلاحة والمؤسسات الصناعية الغذائية، والبنوك والتأمينات وغيرها مما
تشمله هذه الاتفاقية الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي والتي تقر مبدأ التعاون الشامل ،
ولكن ذلك التعاون لا ينبغي أن يكون على حساب الطرف الأضعف في المعادلة. ولا يمكن
أن يستقيم بدون انسياب السلع والخدمات وأموال وكذلك الاشخاص.
المصلحة الاستراتيجية
الأوروبية من الاتفاقية الجديدة لا يمكن عدم استغلالها في المفاوضات
لنقل والكلام دائما
للدكتور عزام محجوب : إن الاتفاق الجديد مع الاتحاد الأوروبي ليس هدفا في حد ذاته
، ولكن لنقل أيضا أن لأوروبا مصلحة استراتيجية في عقده ، ، بحيث ينبغي عليها أن
تضع الإمكانيات اللازمة لإنجاحه ، ومساعدة تونس ، مثلما فعلت مع أعضائها
الأوروبيين ، بحيث تتفق الأهداف وتوضع من الجهتين الوسائل اللازمة ، إن بالقيام
بالإصلاحات اللازمة تونسيا ورفع قدرة المؤسسات التونسية على المنافسة ، أو
بالمساعدة المالية والخبرات ، والتمديد في فترة التأقلم مع المعايير المتبعة
أوروبيا ، وتبقى القضية قضية تضامن بين طرفين بقصد التخفيف من حدة الفوارق بين
الجهتين المتعاقدتين .
· تم النشر أيضا في ليدرز العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق