Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 27 مايو 2016

قرأت لكم : ليبيا رهينة لدى حفتر

قرأت لكم

وحدة ليبيا مُعلَّقة

على عزل اللواء خليفة حفتر
بترخيص من مدير مجلة أسواق العرب اللندنية ننشر مقالا مفيدا عن الوضع في ليبيا واحتمالاته ، في ظل رفض الشرق الليبي القبول بالتوافق الحاصل عبر الأمم المتحدة سواء في اجتماعات الصخيرات بالمغرب أو الحمامات بتونس، وقيام حكومة وحدة ، ما زالت لم تبسك نفوذها على كل ليبيا ، باعتبار أن العقبة متمثلة في تعيين الجنرال  خليفة حفتر كقائد عام للقوات الليبية على غرار ما هو حاصل في شرق ليبيا ، وهو أمر مرفوض من عدة جهات ، وإن كانت جهات عربية مثل الإمارات ومصر وبقية الخليج مصرة عليه ، وإذ يأخذ هذا المقال لخالد الديب موقفا مؤيدا لحفتر ، فإنه لا بد من إيجاد حل لأمر القائد العام لقوات الجيش الليبي المتمركزة في طبرق وبنغازي والتي استطاع حفتر جمع شتاتها.



استطاعت الأمم المتحدة أخيراً بعد محاولات طويلة الوصول إلى تأليف حكومة وحدة وطنية في ليبيا برئاسة فايز السراج.
 وقد لاقى الحدث تأييداً في الغرب واستحساناً وتأييداً من بعض القوى الداخلية الليبية ، إلّا أن العقبة الكبرى أمام نجاح الحكومة الجديدة هو اللواء خليفة حفتر الذي عينه مجلس النواب في طبرق قائداً للقوات المسلحة ، والذي حتى الآن لم يؤيّدها.

اللواء خليفة حفتر:  حجر عثرة أمام حكومة الوحدة
طرابلس (الغرب) – خالد الديب

بعد ما يقرب من عامين على الحرب الأهلية بين القوات المسلحة المختلفة التي دعمت إما مجلس النواب المعترف به دولياً المستقر في مدينة طبرق أو المؤتمر الشعبي العام المنافس في طرابلس ، فقد حققت ليبيا أخيراً بعض التقدم نحو إقامة حكومة وحدة وطنية. في 30 آذار (مارس)، سافر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الذي عيّنته الأمم المتحدة ، فايز السراج ، وستة من مستشاريه سراً إلى طرابلس ، وأقاموا في قاعدة أبو ستة البحرية الآمنة.
ومنذ ذلك الحين ، استطاعت هذه الحكومة الجديدة السيطرة على عدد قليل من الوزارات بالإضافة إلى فندق “ريكسوس” ، حيث كان يجتمع في السابق المؤتمر الشعبي العام.
 وعلى الرغم من بعض النجاح في العاصمة ، مع ذلك ، فإن حكومة الوحدة الوطنية تواجه عقبات.
لا شك أن المؤتمر الشعبي العام ما زال واحداً من هذه العقبات ، ولكن اليوم ، فإن التحدي الرئيسي يأتي من مجلس النواب في طبرق وحلفائه. كان من المطلوب أن يقترع هذا المجلس على القبول والانضمام إلى حكومة الوحدة بعد عشرة أيام على توقيع اتفاق السلام الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2015 ، ولكن بعد ما يقرب من نصف العام ، فإنه لا يزال لم يفعل ذلك. وعلى الرغم من مكانته المواتية في الحكومة الجديدة ، ما زال مجلس النواب وحلفاؤه متعنتين ورافضين التصويت. بدلاً من المساومة ، فإن بعضاً منهم يسعى إلى نزع الشرعية تماماً عن خصومه.
الإنحياز

اعترف الغرب بمجلس النواب منذ الانتخابات البرلمانية في حزيران (يونيو)  2014 ، والذي أعطاه قدراً من الشرعية على الرغم من أن إقبال الناخبين كان أقل من 20 في المئة. وضم هذا المجلس وجوهاً مألوفة مثل محمود جبريل — وهو شخصية متعاونة من المجلس الوطني الانتقالي ، الحكومة المؤقتة التي حكمت ليبيا بعد معمر القذافي حتى انتخابات 2012 – الذي تفاخر بميوله العلمانية على ما يبدو لجعله أكثر انسجاماً مع الغرب.
كان المؤتمر الشعبي العام أقل جاذبية للغرب. كانت تهيمن عليه جماعة “الإخوان المسلمين ” ، وشمل حلفاؤه الذين شكّلوا لاحقاً “فجر ليبيا ” بعض الشخصيات الشائنة إلى حد ما.
 إن العديد من قادة “فجر ليبيا ” أتوا من الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية ، وهي منظمة معارضة للقذافي كانت لها علاقات مع تنظيم “القاعدة ” في أفغانستان في تسعينات القرن الفائت.
لم يعترف المؤتمر الشعبي العام بشرعية الانتخابات البرلمانية التي جرت في حزيران (يونيو) 2014 ، واعتبرها على أنها وسيلة لتقويض انتخاباته التي أجراها في شباط (فبراير) 2014 لتمديد ولايته للحكم حتى نهاية العام.
 وعلاوة على ذلك ، شعر المؤتمر الشعبي العام أن شرعية انتخابات حزيران (يونيو) حولها أسئلة كثيرة نظراً إلى ضعف اقبال الناخبين ، حيث نجم عنها جزئياً الهجوم العسكري ، “عملية الكرامة ”، التي قادها اللواء خليفة حفتر، الذي قاتل على حد سواء مع وضد القذافي في الماضي وأصبح لاحقاً حليفاً لمجلس النواب في طبرق.
فقط قبل شهر من الانتخابات ، أطلق حفتر هجومه ضد المؤتمر الشعبي العام وحلفائه.
وقد منعت الهجمات الانتقامية مجلس النواب من الاستيلاء على السلطة في طرابلس وقاده ذلك إلى التوجه شرقاً إلى طبرق.
عندما اشتد القتال ، اتخذت القوى الغربية خطوة إلى الوراء ، وأصرّت على المفاوضات بين الحكومتين المتنافستين.
 ومع ذلك ، يبدو أن الغرب ، في إطار بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، واصل تأييده لمجلس النواب في طبرق.
الواقع أن النسخة النهائية من اتفاق السلام الذي صاغته الامم المتحدة ، والمعروف أيضاً باسم “ الاتفاق السياسي الليبي ” ، والذي تستند عليه حكومة الوحدة الوطنية الجديدة ، أعطى مجلس النواب قوة أكثر بكثير من تلك التي منحها للمؤتمر الشعبي العام. فقد جعل الأول الجسم التشريعي لحكومة الوحدة الوطنية والأخير “مجلس الدولة ” الذي لديه سلطة استشارية ولكن لا سلطة حقيقية.
فشل التصويت

ربما لأن عملية الأمم المتحدة على ما يبدو مواتية لهم ، فإن قادة طبرق لم يأخذوا المفاوضات على محمل الجد. في آذار (مارس) 2015 ، سمّى رئيس الحكومة المؤيدة لمجلس النواب عبد الله الثني اللواء حفتر، الذي كان يقاتل فعلياً تحالف “فجر ليبيا ” التابع للمؤتمر الشعبي العام ، القائد العام للقوات المسلحة.
تابع حفتر تنفيذ “عملية الكرامة ”، ظاهرياً دفاعاً عن مجلس النواب ، ولكن في الواقع كانت العملية مجرد فرصة بالنسبة إليه لرفع مكانته الخاصة ونزع الشرعية عن معارضيه.
وكان من بينهم جماعة “الإخوان المسلمين ”، التي وصفها ب”المرض الخبيث”.
واصلت مكانة مجلس النواب أن تكون مواتية في كانون الثاني (يناير) 2016 عندما أعطت حكومة الوحدة التي يقودها السراج مناصب رئيسية مثل وزراء النفط والمالية والدفاع لشخصيات متحالفة مع البرلمان في طبرق وحلفائه. كما عرضت الحكومة التي يقودها السراج أيضاً واحداً من مناصب نواب رئيس الوزراء إلى علي القطراني وهو حليف لحفتر.
على الرغم من كل هذا ، فقد فشل مجلس النواب في إجراء تصويت على قبول حكومة الوحدة الوطنية مرات عدة ، كان آخرها في 18 نيسان (إبريل) الفائت.
 هذه المرة ، كان هناك ما يكفي من النواب حاضرين لاكتمال النصاب القانوني. ولكن التزامهم بحفتر، الذي يعتبر أن حكومة الوحدة الوطنية تشكل تهديداً لسلطته المُكتسبة حديثاً ، جعل حفنة من أعضاء البرلمان تثير ما يكفي من الفوضى لمنع التصويت.
وأفادت معلومات بأن هؤلاء ضربوا نائباً زميلاً ، وهددوا آخرين بالاعتقال. وهذه ليست المرة الاولى التي يستخدم فيها هؤلاء الأعضاء تكتيكات مماثلة.
بعد أيام قليلة من الهزيمة ، نظم محمد شعيب وأحمد هوما ، النائب الأول والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب ، اجتماعاً لحوالي 100 من أعضاء البرلمان لإصدار بيان يقول أنه على الرغم من منعهم من الإدلاء بأصواتهم رسمياً بشأن قبول حكومة الوحدة الوطنية ، فإنهم يعلنون تأييدها ودعمها .
 وقد أشادت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بهذه الجهود “الشجاعة ” لكنها فشلت بأن تلاحظ أن البيان لم يقدم الدعم غير المشروط لحكومة الوحدة وطنية.
 لقد دعا البيان إلى إسقاط المادة 8 من اتفاقية السلام ، التي تعطي المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية السلطة لتعيين قادة الجهاز العسكري وأمن الدولة في ليبيا.
ينظر أنصار حفتر إلى هذه المادة باعتبارها وسيلة لإقالته وتعيين قائد جديد مكانه للقوات المسلحة ؛ وفي الواقع ، من المرجح أن تقدم حكومة الوحدة على فعل ذلك للحفاظ على دعم المدينة الساحلية مصراتة ، التي سبق أن تحالفت مع المؤتمر الشعبي العام. وبالتالي كانت مصراتة متعاونة حتى الآن – فقد دعمت جهود الأمم المتحدة وقبلت بحكومة الوحدة ، التي تهيمن عليها منافستها طبرق ، لكنها لا تزال تعارض بشدة حفتر.
هذا الموقف مفهوم ؛ لقد سعى حفتر إلى القضاء على جميع خصومه وإدارته للوضع بالشكل الذي كان يديره القذافي أغضب حتى المؤيدين السابقين. بعدم إظهاره أي استعداد لتقديم تنازلات ، فقد يتطلب الوضع عزل حفتر من أجل الوحدة ، ولكن هذه المهمة لن تكون سهلة.
على الرغم من الخلاف بين أعضاء برلمان طبرق حول دوره ، فإن حفتر لا يزال أقوى حليف لهم. وسوف يكون من الصعب الفصل بينه وبين مجلس النواب من دون ضغط كبير من الغرب.
كل شيء هادئ على الجبهة الغربية

في الوقت عينه ، إن مقاومة المؤتمر الشعبي العام لحكومة الوحدة الوطنية أخذت تضعف بسبب تراجع التأييد له.
 كانت حليفة المؤتمر الشعبي العام الرئيسية هي الألوية القوية من مصراتة. وكانت هذه الألوية ، إلى حد كبير ، أكثر ثورية من الإسلاميين في طبيعتها – حتى أن بعضها كان يحتقر الميليشيات الاسلامية التي تقاتل في “فجر ليبيا ” — لكنها تحالفت معها ضد حفتر ومجلس النواب في طبرق ، واللذين رأت بأنهما مغطيان بموالين للقذافي . (قبل حفتر أخيراً زيارة من الطيب الصافي ، اليد اليمنى للقذافي الذي نُفي في العام 2011 بعد قمع الاحتجاجات خلال “الربيع العربي ”، وعاد إلى طبرق في أوائل نيسان (إبريل) 2016. هذا النوع من السلوك يعزز فقط التصوّرات بأن حفتر وطبرق هما من الموالين للقذافي ). لهذا ولأسباب أخرى ، كانت علاقة مصراتة مع المؤتمر الشعبي العام دائماً واحدة ملائمة ومناسبة وقتياً.
بدأ انهيار تحالف مصراتة مع المؤتمر الشعبي العام عندما حصلت المدينة الساحلية على عرض أفضل.
في أوائل شباط (فبراير) 2015 ، بدأت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التواصل مباشرة مع شخصيات من مصراتة، متيحةً لهم التفاوض بشكل منفصل عن المؤتمر الشعبي العام.
كان مجتمع الأعمال في مصراتة مهتماً بشكل كبير في إنهاء الصراع الذي قد عزله اقتصاديا ً. وقد عيّنت حكومة السراج من مصراتة السياسي عبد الرحمن السويحلي رئيساً لـ”مجلس الدولة ” الجديد ورجل الأعمال أحمد معيتيق أحد نواب رئيس الوزراء.
في أواخر آذار (مارس) 2016 ، أعلن المجلس البلدي في مصراتة الاعتراف بشرعية حكومة الوحدة الوطنية الوحيدة ، وبالتالي التخلي عن المؤتمر الشعبي العام. وبعد أيام، انضمت عشر مدن أخرى كانت سابقاً تحت حكم المؤتمر الشعبي العام إلى موقف مصراتة ، متعهدة دعم حكومة الوحدة. ولكن ما زال هناك في مصراتة ومن بقايا “فجر ليبيا ” ميليشيات متشدّدة ستستمر في معارضة عملية السلام ، ولكن حتى فيما تبدو أنها أكثر تركيزاً على حماية أحيائها فمن غير المرجح أن تشارك في هجوم عسكري نيابة عن المؤتمر الشعبي العام.
إن فقدان مصراتة وفجر ليبيا سرّع  في إصدار المؤتمر الشعبي العام في 5 نيسان (إبريل) بيانا أعلن فيه أنه سيحل نفسه لإفساح المجال أمام حكومة الوحدة الوطنية. وعندما ألغى رئيس الوزراء التابع للمؤتمر الشعبي العام خليفة الغويل الإعلان في اليوم التالي ، كان على ما يبدو غير مجد ، بالنظر إلى أن المؤتمر فقد معظم دعمه. ومع ذلك ، في 19 نيسان (إبريل)، أعلنت الولايات المتحدة على نحو صحيح بأنها ستضيف الغويل الى قائمة عقوباتها لعرقلته عملية السلام.
اليوم ، إن أكبر عقبة أمام الوحدة الوطنية هي مجلس النواب في طبرق. وقد عرضت الأمم المتحدة عليه أكثر من نصيبه العادل من الدعم ، ولكن العديد من قادته وأعضائه يستمر في تقويض عملية السلام. ورداً على ذلك ، يتعيّن على الغرب الحفاظ على العقوبات القائمة وسنّ أخرى جديدة على أفراد أساسيين — مثل حفتر وقائد قواته الجوية ، صقر الجروشي ، وكلاهما اعتُبر من قبل الاتحاد الأوروبي للوضع على لائحة العقوبات في العام الفائت. من ناحية أخرى ، يجب على مجلس الأمن الدولي مواصلة تجميد الأصول الليبية ، ووضع شروط الإفراج عن الأموال على قبول حكومة الوحدة الوطنية ، كما ينبغي أن يستمر في فرض قيود على بيع النفط من خلال حكومة الوحدة الوطنية فقط. كما يتعيّن عليه أن ينفذ بطريقة أفضل حظر الأسلحة التي ترسلها بعض الدول الخليجية وغيرها منتهكة القرار الأممي.
وإذا حافظت  كل من الولايات المتحدة والغرب على هذا الضغط ، فسوف يستطيعان إضعاف طبرق وإجبارها على قبول المادة  8. وإذا استمرت طبرق في عنادها وتعنتها ، فإن الضغط الغربي على الأقل يمكنه أن يقوّض قاعدة دعمها.
 في الحد الأدنى ، يتعين على الغرب أن يدرك أن تحيّزه لمجلس النواب ، سواء كان حقيقياً أو متصوّراً ، هو الذي أدى إلى اختلال التوازن الذي بات في حد ذاته يهدد الوحدة الوطنية في ليبيا.


الأربعاء، 25 مايو 2016

الموقف السياسي : النهضة بعد المؤتمر برأس واحد

الموقف السياسي
كتبه عبد اللطيف الفراتي
النهضة الحزب الأول
مع تأجيــــــــل التنفيذ
برأس واحــــد ووحيد *
تونس / الصواب /25/05/2016
مع الفارق فإن الخلاف الذي حصل في الساعات الأخيرة والليلية في المؤتمر العاشر لحركة النهضة ، بشأن طريقة تعيين المكتب التنفيذي ، وهل تكون بالانتخاب من قبل مجلس الشورى ، أو بالتعيين من قبل رئيس الحركة ، يذكر كالتوأم مع حدث مماثل في سبتمبر 1971 خلال مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري ، عندما أصر المعارضون الداخليون ( اللبراليون وقتها بزعامة أحمد المستيري ) على أن تتولى اللجنة المركزية آنذاك انتخاب الديوان السياسي ، فيما أصر الرئيس الأسبق الراحل الحبيب بورقيبة ، على أن الفريق الذي سيشتغل معه حزبيا لا بد أن يكون منسجما معه ، وبالتالي فإنه وحده المخول باختياره.
وكما انتهى بورقيبة إلى فرض رأيه بقوة الدولة ، فإن الغنوشي قد فرض رأيه بقوة حجة الابتزاز ، عندما هدد بالانسحاب من المؤتمر ، وبالتالي حصل "ديمقراطيا " على أغلبية لموقفه لم تتعد  58 في المائة.
ولعل السؤال المطروح وبإلحاح ، هو ما إذا كان " الشيخ " سينسحب ويترك الحركة ، لو أن التصويت لم يكن لفائدته وفائدة وجهة نظره ، أم كان سيخضع للواقع ولو كان مرا ، ويتأقلم معه بحجة الخضوع لمقتضيات الممارسة الديمقراطية ، فيسحب تهديده بالانسحاب.
ومن ناحية تشكيلة القيادة فإن رئيس الحركة قد فرض لونه ، ونجح في الامساك بتلابيب حركته التي كان أسسها في إطار الجماعة الاسلامية منذ الستينيات صحبة الاستاذ عبد الفتاح مورو ، الذي فضل الانسحاب ، فلم يترشح لا لعضوية مجلس الشورى ، وأصر على سحب الترشيح الذي قدمه عنه عدد من أنصاره لرئاسة الحركة ، ليكون منافسا حقيقة للأستاذ راشد الغنوشي.
غير أن المقارنة مع مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري تتوقف هنا ، فالغنوشي يمكن أن يفخر بأنه انتخب من قبل المؤتمر جميعه ، وبأغلبية 66 في المائة من المؤتمرين ، فيما نال منافسه الأول على الخطة  ومن أقرب أنصاره أقل من ربع الأصوات ، وكان الباقي فتاتا.
والفارق مع بورقيبة في مؤتمرات حزبه يقوم على أن الرئيس الأسبق كــــــــــان "ينتخب " بالتصفيق وبدون معرفة حقيقية للوزن الصحيح بالتصويت السري ، وإن كان العالمون بدواخل الأمور في النهضة يقولون بأن الأمر كان مرتبا ترتيبا محكما ، على اعتبار الانضباط السائد في الحركة ، وأن الترشيح لمنافسة الأستاذ الغنوشي كان مخططا كما التصويت.
ويعتبر رجال القانون أن الانتخاب المباشر من المؤتمر للرئيس ، يعطي شرعية تساوي شرعية الأجهزة الأخرى والمقصود هنا مجلس الشورى ، وأن كلمة رئيس الحركة تساوي منفردة ، قوة كلمة الهيئة المنتخبة مقسمة على عدد أفرادها.
وفي الديمقراطيات الفعلية ، والمستقرة ، فإن المؤتمر في الأحزاب أو النقابات وحتى الجمعيات ، ينتخب الهيئة المركزية ، التي تنتخب بدورها مكتبا تنفيذيا ، ينبثق منه وبالانتخاب أيضا رئيس ، يستمد نفوذه من الأجهزة التي انتخبته وبالتالي يكون خاضعا لها ، لا سلطة له أعلى من سلطة الهيئة المركزية ، أو المكتب التنفيذي ، كما يكون الحال عندما يجري انتخاب الرئيس من المؤتمر.
وفي حالة حركة النهضة بعد مؤتمرها العاشر ، فإن رئيس الحركة يتمتع زيادة على القوة التي يكسبها له الانتخاب المباشر من المؤتمر ، قوة أخرى تتمثل في اختياره هو شخصيا لأعضاده في المكتب التنفيذي ، أي للمباشرين للسلطة الفعلية على مستوى الحزب ، مبدئيا من المسايرين لخطه اليوم وغدا ، وإن كان متوقعا أن يتم تطعيم ذلك المكتب بعدد من الوجوه المناوئة ، بعدد قليل لا يؤثر في اتخاذ القرار.
ومما يزيد في نفوذ رئيس الحركة أنه وإلى جانب المائة من أعضاء مجلس الشورى المنتخبين ، والذين يعلنون في غالبهم الأعظم ولاءهم له ، فإنه سيكون مكلفا بإضافة 50 اسما لتمثيل الجهات الضعيفة التمثيل في المجلس المنتخب ، والشباب والمرأة ، وعرضهم على تزكية لجنة مركزية (العفو ) مجلس شورى هو في غالبه الأعظم من الأنصار المعروفين لرئيس الحركة ، بحيث ستتأكد صلابة اليد التي تمسك المجلس من رقبته.
كل ذلك يعني أن المؤتمر العاشر ، قد أكد الصبغة الرئاسوية ( الأقوى من الرئاسية)  لرئيس الحركة الأستاذ راشد الغنوشي ، ما يتعارض مع الطبيعة التي اختارتها النهضة لنظام الحكم للبلاد ، حيث إن النظام السائد حسب دستور 2014 هو نظام برلماني معدل ، دور رئيس الدولة  فيه متقلص بحيث لا يمكن اعتباره حتى نظاما رئاسيا.
وإذا كان الأستاذ الغنوشي  ممسكا برقبة النهضة بيد لا شك فيها ، فهو اليوم ممسك بها بيد من حديد ، إذ يعود فيها القرار له ، وله وحده ، في بلد يمكن بمناسبة انتخابات مقبلة أن ينتقل فيه مركز الثقل إلى حركة النهضة ، بحيث تعود للمركز الأول ، فتتولى الحكم ، ولكن  بأي نمط مجتمعي ؟
ذلك ما لم يحسم فيه المؤتمر العاشر من وجهة نظرنا ، عندما لم يقرر الفصل لواضح  بين الدين والسياسة  كما كان متوقعا ، على غرار الأحزاب المسيحية الديمقراطية في الغرب ، وترك الباب مفتوحا لكل الاحتمالات واكتفى بالإعلان المبدئي عن الفصل بين السياسي والدعوي.
النهضة اليوم هي الحزب الأول بعد أن هوى صرح نداء تونس ، ولكن مع تأجيل التنفيذ في انتظار ما ستسفر عنه انتخابات بلدية في 2017 ، وما ستسفر عنه انتخابات رئاسية وتشريعية سنة 2019 ، ربما نرى معها الأستاذ راشد الغنوشي رئيسا للدولة وأحد زعماء الحزب رئيس للحكومة.
ومع التسطيح الواقع ، فإن قيادة النهضة لها رأس  واحد ووحيد ، بدون رؤوس بارزة أو زعامات ثانية ، وتلك علامة دالة في البلدان النامية حتى لا نقول المتخلفة.
أين الشيخ مورو ، وأين حمادي الجبالي ، وأين علي العريض؟
*النشر في وقت متزامن مع ليدرز العربية


الاثنين، 23 مايو 2016

اقتصاديات : تونس ومغامراتها البترولية


اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
قصة البترول في تونس
من فائض في الانتاج ورخاء وقتي
إلى أكبر عبء على ميزانية الدولة
** الفرص الضائعة مع الجزائر وليبيا
تونس /  الصواب / 22/05/2016
في تمام الرابعة إلا الربع ظهرا  بتوقيت غرينيتش من يوم الجمعة 29 أفريل ، بلغ سعر برميل البترول الخام لبحر الشمال  ( حوالي 159 ليترا)47.63 دولار ، مسجلا بذلك أعلى سعر منذ نوفمبر 2015.
وكانت أسعار البترول قد تدحرجت إلى أدنى مستوياتها منذ زمن طويل وانحدرت إلى ما تحت 35 دولار في الأسابيع الأولى من سنة 2016 .
** الصدمات البترولية 1973 و1981/1983
 وبعد الصدمة البترولية الأولى عام 1973 التي رافقت حرب رمضان 1973 بين مصر وإسرائيل ، والتي رفعت البرميل إلى 10 أو 11 دولارا ، وأدخلت الهلع في الغرب ، جاءت الصدمة الثانية بين 1981 و1983 عندما ارتفع سعر البرميل إلى ما فوق 30 دولارا وبلغ أوجه عند 40 دولارا ، واعتبر ارتفاع سعر البرميل إلى 65 دولارا كارثة في العام1991 ، ومع الأزمة المالية / الاقتصادية  الحادة  في سنة 1998 شارف سعر البرميل المائة و الأربعين دولارا ، فيما استقر في حدود 120 دولارا في 2012/2013 ، لتبدأ رحلة الانهيار بعد ذلك ويأخذ في التراجع حتى الوصول إلى أقل من 35 دولارا في بدايات العام الحالي.



https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/0/0f/Brent_Spot_monthly.svg/320px-Brent_Spot_monthly.svg.png
Variation mensuelle des prix du pétrole (Brent), endollars constant et courant, de mai 1987 à avril 2011. Source: Energy Information Administration, Département de l'Énergie des États-Unis.
L'expression « troisième choc pétrolier » est utilisée par certains 

وبالمقارنة فإن هذه القيمة لسعر برميل البترول ، تعتبر ليس بالمعلن اسميا ، بل باعتبار انزلاق القيمة للعملة ، ونسبة التضخم ، أقل من ذلك بكثير ، بمرور الزمن، ولذلك اصطلح على استعمال كلمة الدولار الثابت أي الذي تبقى قيمته الشرائية للسلع والخدمات بمستوى معين لا يتغير ، باعتبار انخفاض قيمة العملة.
وبالمقارنة فإن الدينار التونسي كان يساوي سنة 1966 ، 0.4 دولا ، و كان يساوي في بداية التسعينيات  دولارا واحدا وهو إذ يساوي اليوم نصف دولار فإن ذلك يعني أن قيمة الدينار التونسي تساوي اليوم أقل من ربع الدولار  كما كان في سنة 1966 ونصف قيمته سنة 1990 ، غير أن الدولار نفسه انخفضت قيمته بالقياس إلى  قدرته الشرائية ، ويقول الخبراء إن سعر برميل البترول اليوم لا يختلف كثيرا عما كان عليه قيمته قبل الصدمة البترولية الأولى سنة 1970، رغم أنه ارتفع إلى 47 دولارا في الأيام الأخيرة ، غير أن ذلك السعر لا يكاد يصل إلى ثلث قيمة البرميل سنة 2008/2009 في عز أزمة "السور برايم " ، وأن تلك القيمة اليوم لا تشكل إلا الثلث بالكاد لما كانت عليه قيمة البرميل سنة 2013.
ولكن السؤال المطروح وبإلحاح ، هو ما هي أسباب هذا الانهيار في أسعار البترول ، وما هي تداعيتها سواء على الدول المنتجة أو المستهلكة؟
** السؤال المحير ؟
وبالرغم من أن توريد البترول  في الدول المستهلكة ، كان يستنزف جزء كبيرا من مواردها ، وكان يرفع كلفة سلعها سواء المخصصة لسوقها الداخلية أو للتصدير ، فإن تلك الدول ورغم تدني فاتورة توريد البترول لم تستفد ، من هذا الوضع الجديد ، ولم تحقق نسب نمو عالية كما كان منتظرا ، بل بقيت للبعض منها في حالة ركود وانكماش ، لا يجد له الباحثون الاقتصاديون تفسيرا ، واكتفى البنك الدولي و صندوق النقد الدولي والمنظمة الأوروبية للتنمية OCDE   بملاحظة ذلك وتسجيله.
وعلى العكس من ذلك فإن الدول المنتجة والمصدرة للبترول على الرغم من تكتلها وتشكيلها لكارتل قوي فيما بينها ، فإنها تضررت بشكل متفاوت من انخفاض سعر برميل البترول  ، ولعل  البلدان الأكثر تضررا هي الجزائر وليبيا ونيجيريا وفنزويلا  و أنجولا ، وخاصة روسيا التي شهت مواردها من بيع البترول تذوب ، كما الثلج في يوم ساخن ، وإذ حافظت دول الخليج  على موقع قدم ثابت ، فذلك ليس بسبب مواردها الحالية من بيع بترولها ، بل نتيجة لجلوسها على مدخرات وفيرة  ، احتفظت بها من أيام الوفرة ، فيما إن دولا مثل السعودية التي تعتمد في ميزانيتها على البترول بالأساس ، اضطرت لتسجيل عجز في ميزانيتها وذلك للمرة الثانية بمائة ألف مليار  دولار، والوضع مماثل في قطر ، فيما إن الكويت والإمارات بدت في وضع أفضل ، لاهتمامهما على مدى عقود بادخار جانب من الموارد ليوم تحتاج "للفلس الأبيض في اليوم الأسود.
** التأثيرات السياسية وانتهاء الاستعلاء
 في ظل نقص الموارد
ويبدو الوضع في أسوء حالاته في كل من نيجيريا وفنزويلا ، حيث عم الفقر ، وانقطع التزويد ، وبات الناس في ضنك شديد ، بعد أن انهار سعر البترول إلى الثلث مما كان عليه قبل عامين أو ثلاثة ، فيما إن الجزائر تعض على أصابعها لاستعجالها سداد كل ديونها كلها  ، وهي خطوة اعتبرت في حينه طائشة ، ودلت على قلة حكمة ، وتهور ، واستعلاء في غير محله ، ولما كان لكل شيء ثمن يدفع ، فإن الحكومة الجزائرية تبدو اليوم في وضع تسعى فيع لترطيب أجواء علاقاتها مع جيرانها  وفتح أبواب التصالح ، وهو ما اضطرت له في الثمانينات وبداية التسعينات مع تدهور أسعار البترول آنذاك ، وضغط ذلك عليها ، وهي ونيجيريا وفنزويلا تعمد كل منها للتخفيف على موازنات تلك الدول من السخاء المفرط في التعويض ، وسياسات الدعم لإسكات الأصوات المحتجة ، فيما أخذت حكومة فنزويلا اليسارية إلى " ترك الصلف الذي اشتهرت به " في معاملاتها مع جيرانها والدول الكبرى.
وفي تصريحات رسمية أنجولية  فإن السعر الأدنى المحتمل لسعر برميل البترول لا ينبغي أن يقل عن ثمانين دولارا ، وهو ما تعتقد إيران أيضا في ضرورته ، وهي التي ما إن خرجت من العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها ، حتى وجدت نفسها وهي التي كانت تؤمل أن ينقذها بترولها من أزمة خانقة تعيشها من عدة سنوات ، في مواجهة كساد في بيع بترولها ، مضافا إلى ذلك أسعار شديدة الهبوط للبرميل الواحد ، في وقت ترفع فيه كل من السعودية وروسيا لأسباب مختلفة حجم إنتاجها البترولي ، السعودية بقصد مضايقة جارتها الإيرانية والحفاظ قدر الإمكان من حجم مواردها ، وروسيا لتحقيق حجم مداخيل عالية ، تمكنها من الحفاظ على مرتبتها دوليا ، ومواجهة حرب مع سوريا ضد معارضي بشار الأسد لا قبل لها بها وتستنزف طاقاتها ، في ما لا يوجد حاليا أمل في نهاية قريبة لتلك الحرب ، أمام إصرار الرئيس السوري على البقاء في الحكم ، ومحاربة كل مناوئيه سواء من الدواعش أو النصرة من المتطرفين الإسلاميين ، أو من الثوار العلمانيين والمدنيين غالبا.
** تونس في هذا الخضم
وتبقى تونس في كل هذا  في مواجهة عجز طاقي كبير ، يستنزف إمكانياتها  ويقوم متحديا كل برامجها ، ويمكن القول إنه عندما جاءت الصدمة البترولية الأولى سنة 1973 كانت البلاد محققة الاكتفاء الذات بل وفائضا مهما مما دفعها للدخول في منظمة البلدان العربية المصدرة للنفط ، وأمكنها ليس فقط مواجهة عتو أسعار تضاعفت ثلاث أو أربع مرات ، بفضل إنتاج غزير نسبيا  عبر حقل البرمة في الجنوب التونسي في ما يعتبر اليوم ولاية تطاوين على مشارف الحدود الجزائرية، ثم عبر الحقل البحري عشتروت في عرض مياه صفاقس وعدة حقول صغيرة أخرى في أماكن متفرقة من البلاد.
غير أن البلاد بنظر قصير ، واعتقاد رسمي بأن الحنفية البترولية دائمة ، أقدمت على هدر كبير ، تمثل في اعتماد أسعار بيع داخلية متدنية إرضاء للشعب ، ما استنفد قبل الأوان مخزونا ضعيفا في حد ذاته وغير متجدد ، وإذ جاءت الصدمة البترولية الثانية في سنة 1983 فارتفعت الأسعار للبرميل في السوق العالمية بشكل غير متوقع ولا مسبوق ، فقد واصلت حكومات تلك الفترة سياساتها المتهورة ، ما جعل تونس تصل سريعا إلى مستوى من الإنتاج لا يغطي بداية  ومنذ 1986 سوى نصف احتياجاتها المتزايدة ، سواء بحكم تطور طلبات الصناعة والفلاحة أو تطور طلبات أسطول سيارات ونقل عمومي في قمة تزايده ، وإذ أخذ الانتاج النفطي الوطني في التناقص بحكم تقلص الحقول المتاحة ، وعدم اكتشاف حقول جديدة مؤثرة مثل "البرمة " و " عشتروت " ، أخذ الطلب في التصاعد ، مما أثر سلبا على الميزان الطاقي ، خصوصا بعد اتخاذ خطوتين سلبيتين في السبعينيات :
**الأخطاء القاتلة
أولهما تنازل تونس على حقها من الصحراء لفائدة الجزائر ، وخسارة جزء من أرضها التاريخية بحثا عن السلم مع الجزائر بأي ثمن ، ويتحمل مسؤولية ذاك الرئيس الجزائري الأسبق بومدين والرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي كان آنذاك وزيرا للخارجية ، ومن الجانب التونسي وفي غياب بورقيبة الذي كان يعالج في باريس ،  كلا من رئيس الحكومة الباهي الأدغم ووزير الخارجية الحبيب بورقيبة الابن ، ومجلس نيابي مرر اتفاقا أعرج لم يقف ضده سوى نائب واحد هو علي المرزوقي.
وثانيهما إصرار تونسي  كان وراءه رئيس الحكومة الهادي نويرة ، على عدم اقتسام  إنتاج الجرف القاري في مياه الجنوب التونسي من البترول مع ليبيا ، بإشارة من خبراء تونسيين كان من رأيهم أن ذلك الجرف هو ملك تونسي ، وإصرار على الذهاب لمحكمة العدل الدولية في لاهاي ، وقد أفتت  تلك المحكمة بأن ذلك الجرف تعود ملكيته إلى ليبيا وحدها وطار العصفور.
وفي تلك الحالتين فقد فوتت تونس على نفسها ، فرصة الحصول على حنفية بترولية لا تنضب ، فقد ظهر لاحقا أن الجزء الذي تنازلت عنه تونس للجزائر من صحرائها كان عبارة عن إسفنجة مبللة بالكثير من البترول ، في ما إن الجرف القاري ، كان معروفا من قبل أنه يعج وما زال بكميات بترولية ضخمة ، كان يمكن اقتسامها لولا تعنت الحكومات التونسية ، وإصرارها على "الكل أو بلاش".
ولذلك فإن المخططين التونسيين تنبهوا أمام هذا الوضع منذ كتابة المذكرة التوجيهية للمخطط إلى أن بين ثلاث تحديات كبرى تواجه تونس ، هناك التحدي الطاقي ، وأنه ينبغي اتخاذ القرارات المناسبة حتى لا تفاجأ  البلد بوضع يأكل فيه البترول بأسعاره المتصاعدة الأخضر واليابس ، ونبهت المذكرة  إلى أنه أمام تقلص الجانب الانتاجي الداخلي من النفط ، لا بد من اتباع سياسة حازمة بالنسبة للأسعار في سوق الاستهلاك الداخلي ، حتى يخف ضغط الهدر أمام أسعار منخفضة حقيقة  في إطار سياسة شعبوية ، وحتى لا يثقل كاهل ميزانية الدولة عن طريق تعويض ودعم غير مبرر.
** أكبر الأعباء على الميزانية هو دعم  المواد النفطية
و أمام  مواصلة دفن الرأس في التراب  كما النعامة ، بات التعويض للبترول أثقل باب في الموازنة خاصة بعد الصدمة في الأسعار سنتي 2008/ 2009  وإلى الصدمة الثانية في 2013 ، عندما وصلت الأسعار للبرميل ما بين 120 و140 دولارا ، وإذ خف الضغط بانخفاض أسعار البرميل في 2015/2016 حتى الوصول إلى 30 دولارا أو أكثر بقليل ، فإن تقلص قيمة الدينار المستمرة جعلت سعر البرميل داخليا يبقى مرتفعا ، وتعتبر اليوم  تونس البلد الذي تنخفض فيه أسعار البنزين والمازوت إلى أقصى حد بين دول العالم بحوالي  0.84  دولار  للتر  الواحد ، وهو  السعر الأكثر تهاودا  في العالم باستثناء الدول المنتجة في الخليج وليبيا والجزائر وفنزويلا ونيجيريا .
وإذ تم تخفيض بعشرين مليما في أول هذا العام في سعر البنزين و50 مليما في سعر المازوت ، فإن استمرار تراجع الدينار قياسا إلى العملات الأجنبية ، لم يمكن فعلا الحكومة من تحقيق أي اقتصاد في نفقات الدعم للمواد النفطية  ، إلا إذا اعتبرنا العودة إلى حقيقة الأسعار (؟) بالنسبة للبترول المستهلك في الصناعة ، والنقل الثقيل ، وهما البابان اللذان كانا يمثلان الجزء الأكبر من نفقات الدعم للنفط ، الذي يمثل بدوره الجزء الأكبر من نفقات الدعم والتعويض والتي كانت تمثل 17 في المائة من حجم الميزانية العامة للدولة.





الاثنين، 16 مايو 2016

اقتصاديات : تونس والاتحاد الأوروبي

اقتصاديات

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
حتى لا تكون الاتفاقية المقبلة
 مع الاتحاد الأوروبي
 مجحفة في حق تونس *
تونس / الصواب/ 16/05/2016
انعقدت مؤخّرا في المكتبة الوطنية بالعاصمة ندوة نظمتها جمعية البحوث حول الديمقراطية والتنمية التي يرأسها الدكتور عزام محجوب خصصت للتباحث في إطار المجتمع المدني حول المفاوضات الجارية من أجل إبرام اتفاقية شاملة ومعقمة بين تونس والاتحاد الأوروبي التي لا تهم فقط الصناعة مثلما كان حصل في اتفاقية 1995 التي كانت تونس أول من وقعها من بلدان الضفة الجنوبية مع الاتحاد الأوروبي ، بل تهم الفلاحة والصناعات الفلاحية والخدمات ، في إطار اندماج كامل وشامل.
وتتساءل جهات تونسية عن فوائد مثل هذه الاتفاقية التي تفرض على تونس فتح أسواقها الداخلية للخدمات والمنتجات الفلاحية تدريجيا والنقل والبنوك والاتصالات الوافدة من أوروبا.
وخلال الندوة تولى رضا بن مصباح الوزير المستشار في رئاسة الحكومة الدفاع عن فوائد هذه الاتفاقية التي ترى أطراف عدة أنها مغامرة غير مأمونة العواقب ، لما تفرضه من منافسة حادة في عقر الدار ، وعلى السوق الداخلية من قبل سلع فلاحية أو مصنعة وخدمات تتميز بقدرة تنافسية عالية، تعلق الإمر بسعرها أو بنوعيتها.
والسؤال الذي يطرح هو : هل للسلع التونسية والخدمات التونسية قابلية للوقوف بندية أمام سلع وخدمات أوروبا داخل الحدود وإن تمتعت سلعنا وخدماتنا بالحق في دخول أوروبا بدون حواجز مستقبلا بفعل هذه الاتفاقية الجديدة.
و يذكر الوزير المستشار أن 75 في المائة من الصادرات التونسية موجهة حاليا إلى الاتحاد الأوروبي بينما تأتي واردات البلاد بنسبة 50 في المائة من نفس المصدر.
تونس في حاجة إلى رفع قدراتها التنافسية
وأضاف أن على تونس أن تقدم على مجهودات كبيرة لوضع نفسها في موضع مواجهة المنافسة الناتجة عن هذه الاتفاقية المزمع إبرامها مع الاتحاد الأوروبي ، وفتح أسواقها ، ولكن ومن الجهة الأخرى فلا بد على الاتحاد الأوروبي أن يتعامل مع تونس بالرفق اللازم وما يتطلبه الأمر من تدرج ، وهذا ما فعلته إدارة بروكسيل مع الأطراف التي التحقت بمثل هذه الاتفاقية الشاملة ، علما وأن تونس تستحق معاملة أكثر تفهما ، باعتبار حرص الاتحاد الأوروبي على نجاح تجربتها الديمقراطية ، وتواصلها ، لتكون البلاد علامة للنجاح السياسي وفي المجال الديمقراطي والحريات وحقوق الانسان ، وكذلك النجاح الاقتصادي الذي لا بد له من مرافقة وئيدة وأكيدة.
ولاحظ رضا بن مصباح أنّ هذه الاتفاقية الجديدة تأتي لتعزيز اتفاقيات 1976 و1994 و2012، وستمثل اختيارا استراتيجيا سواء لأوروبا أو لتونس ، ويمكن أن تكون خطوة انفتاحية أخرى وفرصة لا بد من الأخذ بها ، مع حرص متبادل على المصلحة التونسية الأكيدة .
غير أن الأمر ينبغي ألّا يتوقف عند التبادل الشامل بكل حرية للسلع والخدمات ، بل من الضروري العمل على تحقيق انسياب السلع والأموال وكذلك الأشخاص، وهذا أمر في غاية الأهمية ، ودونه لا يوجد توازن .
فالحرية إما أن تكون كاملة أو لا تكون ، هنا ينتهي كلام الوزير المستشار.
حرية التنقل للتونسيين
ولكن هل أن بلدان الاتحاد الأوروبي قادرة على تفهم هذا الموقف ، أم أنها تريد الاستفادة من سوق جديدة واعدة ، دون أن تقدم أمرا رئيسيا في العلاقات الأوروبية الداخلية ، لا يستقيم التعاون دونه وهو حرية تنقل الأشخاص? فانتقال الأشخاص بكل حرية ومن الجهتين هو أساس التعاون الشامل.
وعلى خلاف رضا بن مصباح فقد بدا رئيس الجمعية الدكتور عزام محجوب ، متحفظا جدا ، وهو إذ يرى من الناحية المبدئية المسألة في غاية الأهمية والإيجابية ، فإنه على ما بدا من كلامه يعتقد أن تونس ليست مؤهلة في الوقت الحاضرلتلقي صدمة بهذه القوة ليست مسلحة لمواجهتها.
الإسئلة الحارقة 
ويطرح الأكاديمي محجوب ثلاثة أسئلة:
§  ماذا تعني هذه الاتفاقية؟
§  ما هي الأخطار ؟
§  وما هي المكاسب ؟
و بعد استعراض الوضع الحالي في ظل الاتفاقيات السابقة مع الاتحاد الأوروبي لسنوات 76 و95 و2012 ، وما أدت إليه من وضع ، يتساءل محجوب : هل نحن في وارد مواجهة الآتي نتيجة اتفاقية جديدة ، يتم التفاوض بشأنها بين أربعة جدران ، ولا بد من تشريك المجتمع المدني بشأن خطواتها ، وما يمكن أن تشكله من خطر على البلاد ، لا في المطلق بل باعتبار الوضع الحالي ، وعدم قدرة لا الفلاحة ولا الصناعات الفلاحية ولا الخدمات بما فيها النقل ، على مواجهة منافسة قطاعات كبرى ذات وزن ضخم ، وما هي الحماية لأنفسنا ، وسترفع الحواجز الديوانية وغير الديوانية ، وسنرى مؤسسات أوروبية تشارك في المناقصات جميعها ، بخبراتها الدولية ، وحجمها المتعملق ، وفي مجالات الطاقة وغيرها؟
قدرة السوق الداخلية على مواجهة الصدمة
وللمرء أن يتساءل والسوق الداخلية ستكون مشرعة الأبواب ، إن لا يؤدي ذلك إلى غلق أبواب مؤسسات ، وطرد العاملين فيها ، وتعميق قضية البطالة حاليا ، فالانخراط هذا في هذه المنظومة ليس جيدا ولا سيئا في حد ذاته ، ولكن الوضع الداخلي يحتاج إلى وقت حتى تتمكن مؤسساتنا من الارتفاع إلى مستوى المؤسسات التي ستقبل للنشاط في سوقنا الداخلية على قدم المساواة مع مؤسساتنا ، غير المتعودة على منافسة من هذا الحجم وفي السوق الداخلية بالذات.
والمؤكد أنه إذا كان ذلك الوضع سينتج مكتسبات ، ليست مؤكدة ، فإنه وبالمقابل سيخضع المؤسسات التونسية، وطنية مؤممة ، أو خاصة لسلبيات لا تحتاج لمن يعددها.
الميزات التونسية لا بد من استغلالها
ولعل لتونس في مفاوضاتها ، أن تتباهى وهو أمر مشروع ، بميزاتها التقليدية مثل القرب الجغرافي وتهاود سعر الأجور وغيرها ، ولكن أيضا بأنها الدولة الفريدة في المنطقة التي أقدمت على إصلاحات سياسية ، وأقامت نظاما ديمقراطيا وفقا للمقاييس العالمية ، وهذا كله قد يثقل الميزان إيجابيا ، ويفيد الموقف التفاوضي لتونس.
إن المؤسسات التونسية سواء في النقل مثلا أو في مجال الاتصالات وغيرها ، تقوم على دعم من السلطة لا يمكن أن يستمر في ظل هذه الاتفاقية الجديدة ، بما يعرضها لمنافسة لا تقدر عليها ، وقس ذلك على الفلاحة والمؤسسات الصناعية الغذائية، والبنوك والتأمينات وغيرها مما تشمله هذه الاتفاقية الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي والتي تقر مبدأ التعاون الشامل ، ولكن ذلك التعاون لا ينبغي أن يكون على حساب الطرف الأضعف في المعادلة. ولا يمكن أن يستقيم بدون انسياب السلع والخدمات وأموال وكذلك الاشخاص.
المصلحة الاستراتيجية الأوروبية من الاتفاقية الجديدة لا يمكن عدم استغلالها في المفاوضات
لنقل والكلام دائما للدكتور عزام محجوب : إن الاتفاق الجديد مع الاتحاد الأوروبي ليس هدفا في حد ذاته ، ولكن لنقل أيضا أن لأوروبا مصلحة استراتيجية في عقده ، ، بحيث ينبغي عليها أن تضع الإمكانيات اللازمة لإنجاحه ، ومساعدة تونس ، مثلما فعلت مع أعضائها الأوروبيين ، بحيث تتفق الأهداف وتوضع من الجهتين الوسائل اللازمة ، إن بالقيام بالإصلاحات اللازمة تونسيا ورفع قدرة المؤسسات التونسية على المنافسة ، أو بالمساعدة المالية والخبرات ، والتمديد في فترة التأقلم مع المعايير المتبعة أوروبيا ، وتبقى القضية قضية تضامن بين طرفين بقصد التخفيف من حدة الفوارق بين الجهتين المتعاقدتين .

·      تم النشر أيضا في ليدرز العربية