Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 30 ديسمبر 2016

مشرقيات : تسويات في المنطقة العربية بغياب عربي كامل

مشرقيات ومغاربيات                        
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
تجزئة المجزأ في الوطن العربي
تونس/ الصواب / 28/12/2016
قبل مائة عام عرف المشرق العربي التجزئة الأهم في تاريخه ، فأنشئت دول ، وزرعت دول غريبة عن الجسم ،  وسقطت دولة الخلافة التي يسعى أردوغان رئيس تركيا إحياءها (وهل تعود العظام للحياة وهي رميم،).
وكان المغرب العربي قد انتهى أمره  وقتها ، فنالت فرنسا تونس والجزائر واستكملت الأمر بالمغرب الذي وقع تحت الحماية 1912 ، أي  4 سنوات قبل سيكس بيكو الذي أعطى  (سوريا الكبرى للفرنسيين ) والعراق للإنجليز والأردن وفلسطين لبريطانيا ، ومصر رزحت  آنذاك منذ سنوات قليلة تحت اليد الثقيلة للانجليز أما ليبيا فكانت من نصيب الايطاليين.
بعد قرن سنة بسنة ما هي الخريطة التي يراد رسمها وتحت أي ظروف ، و الوطن العربي لا هو في العير ولا في النفير ، قواه خائرة كما كانت قبل قرن ، عندما خرج من الاستعمار التركي خائر القوى وأجزاء كبيرة منه مولى عليها ، وهو اليوم بل حول ولا قوة .
مصر التي قدمت أكبر التضحيات نيابة عن العرب ، وقدمت أفواجا وأجيالا من الشهداء والمعاقين في حروب متوالية خاضتها عن العرب ولم تنل جزاءها فتحولت من أغنى دولة في المنطقة العربية إلى دولة فقيرة ، بينما جيرانها يرفلون في نعيم البترول ، لم تعد تلك القوة التي وقفت في وجه نابليون ولا في وجه الانجليز وكانت أول دولة في العالم العربي وإفريقيا تنال استقلالها منذ 1923 ، وتخطو خطوات عملاقة على طريق الحضارة والقوة المعززة ، مصر  باتت شبحا لنفسها.
 القوى الثلاث الكبرى اليوم في المنطقة ليس بينها دولة ولا مجموعة دول عربية.
وإذا تركنا إسرائيل التي ما زالت تحلم بالدولة الكبرى الممتدة من النيل حتى يثرب ، فإن المنافسة تقوم اليوم بين تركيا وإيران ، تركيا الحالمة بعودة الخلافة إليها وبامتداد يصل إلى شمال إفريقيا انطلاقا من العراق ، وإيران التي يراودها حلم العودة الساسانية قبل الإسلام و الصفوية الشيعية منذ ثلاثة أو أربعة قرون ، وهما القوتان الأعظم خلال القرون الأخيرة ، فيما استكان العرب وقتها  ، لولا النهضة الحقيقية التي انطلقت على يدي محمد علي من مصر في بدايات القرن التاسع عشر ،  وأحمد باي من تونس بعد ذلك بنصف قرن ، وبين هذا وذاك  النخب غالبا من المسيحيين التي برزت من الشام وخاصة لبنان.
مصر حيدت نفسها على قوتها لا فقط الديمغرافية بل حتى العسكرية والاقتصادية ، رغم فقرها المالي ، بعد أن أصابها اليأس من العرب ، الذين قدمت لهم خيرة شبابها دفاعا عن شرف الأمة ،  فلم تجد منهم إلا الجحود ، سوريا الحصن الحصين أصابها الأعراب في صميمها  وشجعتهم القوى الدولية المتآمرة ، فيما تآكلت حصونها بسبب الديكتاتورية ، أما العراق القوة الأخرى المفترضة ولكن الحقيقية وحارسة البوابة الشرقية للعالم العربي فإنه لم يعد إلا شبحا لنفسه بعد مغامرات صدام حسين .
واليوم فإن العالم العربي شرقا وغربا تتنازعه انقسامات داخلية ، وتتربص به قوى خارجية عاتية ، وإذا كانت مصر  تستمرئ اليوم  عزلتها مع إحساس شديد بالمرارة ،  بأنها لم تلق جزاء ما بذلته من تضحيات ، فإن الأخطار محدقة بكل من ليبيا وتونس والجزائر التي تتهددها جحافل القادمين إليها بفكر ظلامي  ينتسب للوهابية ، انتعش بمدد أمريكي – غربي، ويسعى اليوم بعد هزيمة مشرقية في سوريا والعراق أن يتمدد إلى الشمال الإفريقي ، فيما يمكن القول إن العراق قد استكمل خضوعه لإيران الشيعية الصفوية ، إلا مناطق في الشمال ينازعها الأتراك وتدعي تركيا أن الموصل تركية تاريخيا ، ومناطق أخرى أفلتت للواقع من يد الدولة المركزية العراقية ، وباتت تحت استقلال  كردي فعلي وإن لم يكن معترفا به دوليا سياديا ، وإن بلغ التعامل معه حدود الاعتراف الدولي الذي لا لبس فيه.
ما يعني أن العراق بات مقسما مجزأ ، وأن أطراف منه باتت خارجة أو ستكون خارجة عن سلطة الدولة المركزية الخاضعة بدورها لطهران.
أما سوريا فالوضع أكثر تعقيدا بفعل سنوات الحرب الخمس التي أتت على الأخضر واليابس ، فحولت بلدا مزدهرا اقتصاديا وإن كان محكوما بالحديد والنار،  إلى ركام يقتضي إعادة اعماره حقبات طوال  وأموال طائلة لا يدري أحد ما سيكون مصدرها. 
هذا فضلا عن أخطار التقسيم ، وإذا كان العراق قد استقر تحت نير الحكم الفارسي باستقلال ظاهري ، فإن سوريا تبدو آيلة لحكم تركي أخذ يغمز شمالها ومناطق السنة والمسيحيين فيها ، فيما ستئول المناطق الغربية المطلة على البحر للشيعة العلويين المستندين لحزب الله  الشيعي الاثني عشري بحيث يكون الأمر فيها في يد إيران وأنصارها من الشيعة العلوية التي منها بشار الأسد .
لكن تجزئة المجزأ لن تقف عند هذه الحدود فماذا سيكون مصير منطقة الخليج كلها والبحرين بالذات ، وأيضا إلى أين سترسي حرب اليمن التي لا ينبغي أن يغفل المرء على أنها حرب سنية شيعية ، قطب الرحى فيها : من سيسيطر على الأماكن المقدسة مكة والمدينة ، وكانتا دوما في يد السنة ، فيما يعتقد الشيعة أنها ينبغي أن تكون بيد " أهل البيت :  فهم أحق بها لأنهم من نسل النبي ، والشيعة يعتبرون أنفسهم من أهل البيت.

الجمعة، 23 ديسمبر 2016

سانحة : وغاب عنا أحد آباء التلفزة التونسية

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
محمد المغربي .. انسحب في هدوء ، كما عاش في هدوء
تونس / الصواب /21/12/2016
كانت تلك أيام باردة مثل هذه الأيام  في ديسمبر 1965، عندما طلبت من إدارة الإذاعة والتلفزيون ترخيصا لكتابة سلسلة مقالات عن الافتتاح المبرمج  لقناة التلفزيون التونسية ، كان أيامها محمد مزالي الوزير الأول لاحقا هو المدير العام ، انتظرت وشاهدت الترخيصات تتوالى لبقية الصحف الصادرة في تونس ، والريبورتاجات تنشر ، ولا حياة لمن تنادي فصحيفة الصباح التي كانت الأولى منذ ذلك الحين  توزيعا ليست لا في العير ولا في النفير ، فلا هي حكومية ولا هي حزبية ( الحزب الاشتراكي الدستوري الذي يحمل اسمه الجديد منذ بضعة أسابيع ، بعد التخلي عن اسمه التاريخي الحزب الحر الدستوري التونسي ) وهي لا تستحق أن تعامل من السلطة حزبية ولا حكومية على قدم المساواة .
في يوم من تلك الأيام وقد بدأ البث التجريبي ، قبل  6 أشهر على ما أذكر عن الافتتاح الرسمي ، وقد أصابني اليأس ، خاطلني تليفونيا المازري شقير وكان يحتل منصبا مهما إلى جانب محمد مزالي في جهاز الإذاعة والتليفزيون ، ومكنني من ترخيص للقيام بعمل تحقيق على هذا الجهاز السحري أيامها الذي كانت سبقته في البث على تونس العاصمة منذ 1960 التلفزة الإيطالية بمناسبة ألعاب روما الأولمبية.
سألته إن كان بإمكاني أن أبقى أسبوعا كاملا بين العاملين ، أسجل ملاحظاتي فمكنني من ذلك.كانت كل الصحف التونسية قد نالت قصب السبق ، وكان علي أن أحفر بين نيرونات الدماغ لأقدم شيئا جديدا ، وكانت الصحافة الجديدة في البلدان المتقدمة وقتها ، قد أصابها  فيروس ما يسمى بالفيتشر ، وهو عبارة عن أسلوب قصصي يعتور المقال الصحفي،
وعقدت العزم على أن أغلف سبع مقالات مع الهوامش بهذا الصنف الجديد على الأقل علينا من الكتابة الصحفية,
كان مبرمجا لي أن أبدأ الزيارة يوم اثنين أي اليوم الأول من الأسبوع ، وأبقى اليوم كاملا من الصباح حتى نهاية الإرسال ، ربما في العاشرة ليلا أو العاشرة والنصف لا أذكر.
تم تكليف  شخص معين بمرافقتي ، في ترحالي بين الأقسام ، وكان التلفزيون أيامها يبث على المباشر ، وحتى الأعمال الدرامية يجري تمثيلها على الهواء.
صباح الإثنين تقدمت إلى المكلف بمرافقتي  وكان مساعدا أول لمدير التلفزيون حسن العكروت أطال الله عمره ، لم يكن ذلك الشاب المهذب البشوش ،  سوى محمد المغربي ، منذ ذلك اليوم ارتبطت معه بصداقة كلمة حلوة لهذا وأخرى لذاك ، لا يغضب أبدا ، رغم ثقل المسؤولية وطيدة مستمرة ،.
رجل مهذب واسع الاطلاع له جواب على كل سؤال ، تقول أيامها أنه عاش طيلة حياته بين استوديوهات القنوات التلفزيونية ، لا يهدأ كالنحلة المتنقلة بين الزهور الفواحة ، على ثقل مسؤولية المباشر ، في وقت كان فيه كل شيء تحت رقابة مشددة ، خاصة بعد مؤامرة 1962 .
، وبعد مؤتمر بنزرت الذي كبس على عنق الصحافة والعاملين فيها.
لازمني أو لعلي لازمته طيلة أسبوع ، لم أكتب حرفا ، وكان ذلك موضع استغراب ، ففي اعتقادهم أني جئت  لأتحدث عنهم وأطنب وأشيد ، ودعته آخر يوم في مهمتي وفي الترخيص الذي منح لي للنفاد للمبنى الكبير ، الذي بات تحت حراسة مشددة منذ 1962، وكان آخر من ودعت معه عبد الرزاق الحمامي المتخصص وقتها في إخراج الأعمال الدرامية، وكان يستعد لتقديم ما يقال له رواية أيامها أي عمل مسرحي ، كما ودعت مذيعة الربط  نزيهة التي لم تكن تسمى المغربي والتي أعتقد أنها ستتزوج من محمد المغربي بعد أسابيع أو أشهر ويستقرا في شقة صغيرة على مقربة من مبنى الاذاعة والتلفزيون فوق سينما الكليبير وراء المونوبري.
اكتشف الشاذلي القليبي  وزير الثقافة والاعلام أطال الله عمره محمد المغربي ، فاتخذه مساعدا له في مهمات عديدة ، ولقد كانت صداقتنا وما اقام بيننا من ثقة متبادلة وإعجاب ، سببا ليدعوني كثيرا من المرات لطاولة غداء أو عشاء ، مما كان يقيمه لصحفيين أو أدباء عرب أو أجانب ، يمتعهم فيها بحديثه وبثقافته الواسعة عربية وفرنسية ، وكان جد مقنعا ، وأذكر وفي فترة معينة ، بعد أن أصبح الرئيس بورقيبة رئيسا مدى الحياة وأصابته شيخوخة وأمراض كثيرة  ، كثيرا ما يسأل عن الخلافة ، فيجيب بأن أسرة بورقيبة يعيش أفرادها طويلا وطويلا جدا ، ولا شيء يدعو للاعتقاد بأن بورقيبة سيموت غدا وستطرح مسألة الخلافة قريبا.
وكان يبدو مقنعا ولعله تداول عليه كثير من كبار الصحفيين الفرنسيين والمشارقة ، فكان يغمرهم بلطفه ، وبعضهم على شيخوخته المتقدمة ما زال ينتج البرامج الحوارية في القناة البرلمانية الفرنسية.
لم يكن الشاذلي القليبي ليستغنى عن خبرته وخصاله الانسانية ، ولذلك انتدبه كمساعد له خلال العقد الذي قضاه بين 1980 و1990 على رأس الأمانة العامة للجامعة العربية ، وكان خالد البعباع (  أردني فلسطيني ) بمثابة الناطق الرسمي للجامعة العربية ، ووليد شميط ( المثقف اللبناني والسينمائي المعروف ) مكلف بجانب آخر ، فيما إن محمد المغربي كان هو وأحد الهرقام أقرب الناس إلى الشاذلي القليبي تعبيرا عن سياسات الأمين العام وبالتالي جامعة الدول العربية ، وكان غسان ســــــــــــلامة ( المثقف اللبناني والسفير الأسبق في باريس والأمين العام المساعد هو رسميا الجهة المتحدثة باسم الجامعة، وبالنظر لثقة الشاذلي القليبي في محمد المغربي وأحمد الهرقام ( الذي انتقل لاحقا كسفير للجامعة في جنيف ) فإنه اعتمدهما في استقبال الضيوف ، وكانت الجامعة العربية في تونس كخلية نحل ، لما دفع فيها أمينها العام من حركية ، كانت فاقدة لها قبلا وفقدتها بعدا على إثر نقلها للقاهرة بتواطئ بين عراق صدام حسين وكويت جابر الأحمد ، قبل 3 أو أربعة أشهر من اجتياح صدام حسين للكويت ، وبعد أسابيع من وصفه لجابر الأحمد بأنه سيد العرب.
وما زلت أذكر أنا ومحمد المغربي وكثيرون كيف خرج أمير الكويت الحالي وكان وزيرا للخارجية أيامها ووزير خارجية العراق طارق عزيز ( ميخائيل يوحنا )  وقد تشابكت أيديهما ليعلنا نقل جامعة الدول العربية من تونس إلى القاهرة ، وأبقى على قناعتي أن الأمين العام لم يكن له أن يستقيل من منصبه حتى آخر ولايته ، بل لعله كان لبلاده أن تعيد ترشيحه ، لولا قصر نظر حكام تونس أيامها.
وفي عودة إلى محمد المغربي ، فإنه عاد لخدمة بلاده فتولى من المناصب البعض ، كما تولى الكتابة العامة للمجلس الأعلى للإتصال في أفضل الأيام التي عرفها ، وعرف تنظيرا متقدما برئاسة محمد بن اسماعيل ، والركن الركين أمينه العام محمد المغربي ، وبعكس الكثيرين ممن كنت أعتبرهم من الأصدقاء ، ممن أداروا لي ظهر المجن خلال فترة غضب السلطة علي خلال التسعينيات والعشر سنوات الأولى من القرن الحالي ، فإن محمد المغربي ، وقلة قليلة ، لم يتنكر ، فكنت أزوره في مكتبه ، وكان يزورني في بيتي ، وكانت آخر زيارة له عندما جاء خصيصا ليقدم لي ولزوجتي صورة لزوجته نزيهة المغربي التي كم زارتنا في البيت معه ، والتي ارتبطت مع زوجتي بصداقة حميمة ، ومن خصاله أنه بقي وفيا لها كما يكون الرجال ( الرجال ) فلم يتزوج بعدها رغم مرور 15 سنة على وفاتها ، ولم يلوث ذكراها ، كما يكون عليه الأزواج الأوفياء .
ذلك هو محمد المغربي ، رجل قيم ومبادئ ، صديق حتى الثمالة ، وفي كما ينبغي أن يكون الوفاء ، رجل كما ينبغي أن يكون الرجل  الرجل الحق .




الجمعة، 16 ديسمبر 2016

الموقف السياسي : اعتذار الدولة التونسية عن الترحيل للمحرقة بات ضروريا ، هو والمحاسبة

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
ما قبل وما بعد حلب ؟
تونس / الصواب /17/12/2016
غاب يوما ولم يعد ، انتهى من دراسته ، وبفضل مكانة أهله توفق إلى الاشتغال ، براتب مرتفع ، ومع ظهور بعض العلامات الدالة عليه التي لم يولها الأهل الأهمية اللازمة ، في أحد الأيام غاب ولم يعد ،  احتارت العائلة وأبلغت عنه ، ولكن بدون فائدة فبعد يومين تلفن من ليبيا وأعلن أنه سافر للجهاد في سبيل الله ، وأنه في طريقه إلى سوريا  ، أخذته طائرة تركية نحو إسطنبول ، ومنها اقتيد إلى الحدود حيث اجتازها لينضم لفرق مواجهة النظام السوري.
بعد أيام جاء نعيه عن طريق مكالمة تليفونية، وحاول المتحدث أن يدفع العائلة للصبر عن طريق كلمات من نوع "لا تحزنوا إنه  شهيد في الجنة".
**
جاءت أخبار منذ أيام على  الفايس بوك أن السلطات السورية "أعدمت 500 من الأسرى التي لديها ممن تم القبض عليهم بصدد محاربة الجيش السوري ، من بينهم 122 تونسيا " ، نسب الخبر لصحيفة الشروق ، كما إن موقع كابيتاليس قد ردد نفس الخبر مع خفضه إلى 100 تونسي  ، غير أن السلطات التونسية كذبت الخبر ، وكأن لها ما يؤكده أو يفنده في ظل علاقات دبلوماسية مقطوعة منذ 6 سنوات في  ظل خطئ لا يغتفر.
وهناك تساؤل ملح وحارق ، من الذي فتح الطريق واسعا لأعداد من التونسيين للسفر إلى المحرقة ، ألم يكن عدد منهم ضحية تضليل في الجوامع ، ومن جمعيات ذات تمويل مشبوه بعضه رسمي ، وحتى من أحزاب معينة ، إضافة إلى سموم عدد من القنوات التي يتواصل بث برامجها على الرغم من وجود وسائل فنية متطورة لقطع ذلك البث في مجالنا على الأقل ،  فضلا عن تمكينها من ذبذبات على أشهر قمر صناعي في المنطقة "النايل سات" المصرية من أجل حفنة أخرى من الدولارات الرنانة ، التي تدفعها السعودية وقطر، وترعاها تركيا ، بمباركة من الغرب وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا راعيتا الارهاب الشرق الأوسطي.
**
بشار الأسد قاتل وسيء على شاكلة أبيه ، والعائلة التي تحكم سوريا ولبنان  بالحديد والنار رغم أقليتها  الفاضحة في بلدها ، بتأييد من الشيعة الصفوية في إيران ويدها الطويلة حزب الله في لبنان ، والذي أدخل الإيرانيين لبلده وارتهن استقلال قرار سوريا  ، لا يقل أو يزيد سوء عن داعش ولا النصرة ولا القاعدة وقد اشتركا معا في تدمير بلد من أكثر البلدان العربية تقدما وعراقة حضارية ، والفارق الوحيد بينهما هو نمط المجتمع الذي يبشر به هذا أو ذاك ، هذا  رغم سيئاته وجرائمه يبشر بنمط مجتمعي مساير للعصر ، وذاك يبشر بنمط مجتمع متخلف منتسب إلى مذاهب عرفت بارتدادها  حتى لما قبل الإسلام بدعوى العودة إلى صفائه.
مئات ألوف القتلى يحمل وزرهم هؤلاء وأولئك ، تركز الحديث عنهم في ما جرى في حلب الشرقية ( ريف حلب ) وهي عبارة عن قطعة أرض من 3 إلى 5 كيلومتر مربع تم دكها ، فيما المقاتلون الارهابيون يرتهنون  ما بين 20 إلى 50 ألفا من المدنيين ، ويمنعون عنهم الطعام والدواء  المتاح الذي جاء من الاغاثة الدولية ، لتجويعهم وتسويق ذلك دوليا ،  وفقا لما جاء في شهادات محايدة أخذت تبرز حجم الكارثة الانسانية ، ( القناة الخامسة الفرنسية المعادية لبشار  الأسد).
وإذ غادر الألوف ومنهم المقاتلون الارهابيون حلب الشرقية ، فقد أخذت تبرز معالم الكارثة ، وأخذ احتجاز الأهالي  واعتبارهم دروعا بشرية وتجويعهم  تتضح أبعاده من قبل "المقاومين " كما يحلو للغرب تسميتهم ، أخذت تبرز  فيما ترك المقاتلون من أغذية وأدوية حجبت عن مستحقيها  المدنيين المرتهنين ، فيما اضطر أولئك المقاتلون أو من خرج منهم حتى الآن أن يتركوا أسلحتهم وأكثرها متطور وثقيل ، مما كان يستخدم في مقاومة القوات الموالية للنظام ومليشيات حزب الله اللبناني ، وكتائب إيران التي كانت تدفع للحرب دفعا ، وكذلك في دك الأحياء السكنية في بقية حلب للاستيلاء عليها.
وتبرز أفلام من وصل إلى إدلب  من الارهابيين  ( 65 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من حلب وهي ما تزال بيد داعش والنصرة) مجردا حتى من الأسلحة الفردية ، أن المقاتلين ناقمين على قياداتهم ، التي كانت أول من تسرب وهرب من المعركة وخذل صغار المقاومين ، الذين سيحاسبون حسابا عسيرا يصل غالبا إلى الاعدام فقد كان مقدرا لهم ( وفقا للقيادات الداعشية والنصروية ) أن يبقوا حتى الفناء ولا يستسلموا ، أو يغادروا.
ومن المؤكد أن بين من قتلوا في هذه الحرب الأخيرة داخل ذلك المربع الصغير في حلب الشرقية أعداد من التونسيين ، لم يبلغ عنهم أحد ، بسبب فقدان الاتصال بين المقاتلين والعالم الخارجي لما فرض من حصار محكم ، بحيث لم يتسن إعلام العائلات كما كان يحدث من قبل وربما لتكاثر عدد القتلى ، فيما إن السلطات السورية الرسمية ليس من عادتها التبليغ عن من يتم إعدامهم  ، بعد أن كانت هددت بأن لا أحد ممن يقع في يدها لن يفلت من الاعدام بمحاكمة أو بدون محاكمة ، وهو على ما يبدو نفس أمر العراق.
**
من هنا يأتي السؤال الحارق ، ما هو عدد الثكالى من الأمهات ممن تم التغرير بأبنائهن أو أزواجهن ، وما هو عدد اليتامى الباقين بلا سند ، ومن هو المسؤول في بلادنا عن ترحيلهم إلى المحرقة ، وهل تم تحقيق جدي لمعرفة الخيوط الموصلة لمن يتحمل تلك المسؤوليات الثقيلة تجاه هذا الشعب كله ، وهل هناك من حساب على الأقل بالمعرفة وتوجيه أصبع الاتهام ، ثم من هو الممول والمنظم  والمرحل ، ثم ما هي الدول التي وقفت وراء هذه الجرائم في حق أبناء هذا الوطن ، وأيضا ما هي الجوامع التي كانت بؤرا للانتداب للترحيل ، وأين القائمين عليها ، وهل بقوا في مواقعهم ؟
مسؤولية الدولة من صنفين :
أولهما فضح الجريمة ومرتكبيها والمحاسبة القانونية .
وثانيهما  اعتذار الدولة التونسية  للشعب التونسي على التقصير إن لم يكن التورط  والتواطئ في إطار استمرارية الدولة التي تتحمل مسؤولية ما جرى في كل وقت منها أو من مصالحها .