الموقف السياسي
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
ما قبل وما
بعد حلب ؟
تونس /
الصواب /17/12/2016
غاب يوما ولم
يعد ، انتهى من دراسته ، وبفضل مكانة أهله توفق إلى الاشتغال ، براتب مرتفع ، ومع
ظهور بعض العلامات الدالة عليه التي لم يولها الأهل الأهمية اللازمة ، في أحد
الأيام غاب ولم يعد ، احتارت العائلة
وأبلغت عنه ، ولكن بدون فائدة فبعد يومين تلفن من ليبيا وأعلن أنه سافر للجهاد في
سبيل الله ، وأنه في طريقه إلى سوريا ،
أخذته طائرة تركية نحو إسطنبول ، ومنها اقتيد إلى الحدود حيث اجتازها لينضم لفرق
مواجهة النظام السوري.
بعد أيام جاء
نعيه عن طريق مكالمة تليفونية، وحاول المتحدث أن يدفع العائلة للصبر عن طريق كلمات
من نوع "لا تحزنوا إنه شهيد في الجنة".
**
جاءت أخبار
منذ أيام على الفايس بوك أن السلطات
السورية "أعدمت 500 من الأسرى التي لديها ممن تم القبض عليهم بصدد محاربة
الجيش السوري ، من بينهم 122 تونسيا " ، نسب الخبر لصحيفة الشروق ، كما إن
موقع كابيتاليس قد ردد نفس الخبر مع خفضه إلى 100 تونسي ، غير أن السلطات التونسية كذبت الخبر ، وكأن
لها ما يؤكده أو يفنده في ظل علاقات دبلوماسية مقطوعة منذ 6 سنوات في ظل خطئ لا يغتفر.
وهناك تساؤل
ملح وحارق ، من الذي فتح الطريق واسعا لأعداد من التونسيين للسفر إلى المحرقة ،
ألم يكن عدد منهم ضحية تضليل في الجوامع ، ومن جمعيات ذات تمويل مشبوه بعضه رسمي ،
وحتى من أحزاب معينة ، إضافة إلى سموم عدد من القنوات التي يتواصل بث برامجها على
الرغم من وجود وسائل فنية متطورة لقطع ذلك البث في مجالنا على الأقل ، فضلا عن تمكينها من ذبذبات على أشهر قمر صناعي
في المنطقة "النايل سات" المصرية من أجل حفنة أخرى من الدولارات الرنانة
، التي تدفعها السعودية وقطر، وترعاها تركيا ، بمباركة من الغرب وخاصة الولايات
المتحدة وفرنسا راعيتا الارهاب الشرق الأوسطي.
**
بشار الأسد
قاتل وسيء على شاكلة أبيه ، والعائلة التي تحكم سوريا ولبنان بالحديد والنار رغم أقليتها الفاضحة في بلدها ، بتأييد من الشيعة الصفوية في
إيران ويدها الطويلة حزب الله في لبنان ، والذي أدخل الإيرانيين لبلده وارتهن استقلال
قرار سوريا ، لا يقل أو يزيد سوء عن داعش
ولا النصرة ولا القاعدة وقد اشتركا معا في تدمير بلد من أكثر البلدان العربية
تقدما وعراقة حضارية ، والفارق الوحيد بينهما هو نمط المجتمع الذي يبشر به هذا أو
ذاك ، هذا رغم سيئاته وجرائمه يبشر بنمط
مجتمعي مساير للعصر ، وذاك يبشر بنمط مجتمع متخلف منتسب إلى مذاهب عرفت
بارتدادها حتى لما قبل الإسلام بدعوى
العودة إلى صفائه.
مئات ألوف
القتلى يحمل وزرهم هؤلاء وأولئك ، تركز الحديث عنهم في ما جرى في حلب الشرقية (
ريف حلب ) وهي عبارة عن قطعة أرض من 3 إلى 5 كيلومتر مربع تم دكها ، فيما المقاتلون
الارهابيون يرتهنون ما بين 20 إلى 50 ألفا
من المدنيين ، ويمنعون عنهم الطعام والدواء المتاح الذي جاء من الاغاثة الدولية ، لتجويعهم
وتسويق ذلك دوليا ، وفقا لما جاء في
شهادات محايدة أخذت تبرز حجم الكارثة الانسانية ، ( القناة الخامسة الفرنسية المعادية
لبشار الأسد).
وإذ غادر
الألوف ومنهم المقاتلون الارهابيون حلب الشرقية ، فقد أخذت تبرز معالم الكارثة ،
وأخذ احتجاز الأهالي واعتبارهم دروعا
بشرية وتجويعهم تتضح أبعاده من قبل "المقاومين
" كما يحلو للغرب تسميتهم ، أخذت تبرز فيما ترك المقاتلون من أغذية وأدوية حجبت عن
مستحقيها المدنيين المرتهنين ، فيما اضطر
أولئك المقاتلون أو من خرج منهم حتى الآن أن يتركوا أسلحتهم وأكثرها متطور وثقيل ،
مما كان يستخدم في مقاومة القوات الموالية للنظام ومليشيات حزب الله اللبناني ،
وكتائب إيران التي كانت تدفع للحرب دفعا ، وكذلك في دك الأحياء السكنية في بقية
حلب للاستيلاء عليها.
وتبرز أفلام
من وصل إلى إدلب من الارهابيين ( 65 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من حلب وهي ما
تزال بيد داعش والنصرة) مجردا حتى من الأسلحة الفردية ، أن المقاتلين ناقمين على
قياداتهم ، التي كانت أول من تسرب وهرب من المعركة وخذل صغار المقاومين ، الذين سيحاسبون
حسابا عسيرا يصل غالبا إلى الاعدام فقد كان مقدرا لهم ( وفقا للقيادات الداعشية
والنصروية ) أن يبقوا حتى الفناء ولا يستسلموا ، أو يغادروا.
ومن المؤكد
أن بين من قتلوا في هذه الحرب الأخيرة داخل ذلك المربع الصغير في حلب الشرقية
أعداد من التونسيين ، لم يبلغ عنهم أحد ، بسبب فقدان الاتصال بين المقاتلين
والعالم الخارجي لما فرض من حصار محكم ، بحيث لم يتسن إعلام العائلات كما كان يحدث
من قبل وربما لتكاثر عدد القتلى ، فيما إن السلطات السورية الرسمية ليس من عادتها
التبليغ عن من يتم إعدامهم ، بعد أن كانت
هددت بأن لا أحد ممن يقع في يدها لن يفلت من الاعدام بمحاكمة أو بدون محاكمة ، وهو
على ما يبدو نفس أمر العراق.
**
من هنا يأتي
السؤال الحارق ، ما هو عدد الثكالى من الأمهات ممن تم التغرير بأبنائهن أو أزواجهن
، وما هو عدد اليتامى الباقين بلا سند ، ومن هو المسؤول في بلادنا عن ترحيلهم إلى
المحرقة ، وهل تم تحقيق جدي لمعرفة الخيوط الموصلة لمن يتحمل تلك المسؤوليات
الثقيلة تجاه هذا الشعب كله ، وهل هناك من حساب على الأقل بالمعرفة وتوجيه أصبع
الاتهام ، ثم من هو الممول والمنظم
والمرحل ، ثم ما هي الدول التي وقفت وراء هذه الجرائم في حق أبناء هذا
الوطن ، وأيضا ما هي الجوامع التي كانت بؤرا للانتداب للترحيل ، وأين القائمين
عليها ، وهل بقوا في مواقعهم ؟
مسؤولية
الدولة من صنفين :
أولهما فضح
الجريمة ومرتكبيها والمحاسبة القانونية .
وثانيهما اعتذار الدولة التونسية للشعب التونسي على التقصير إن لم يكن التورط والتواطئ في إطار استمرارية الدولة التي تتحمل
مسؤولية ما جرى في كل وقت منها أو من مصالحها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق