Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 28 يونيو 2013

رسالة الناشر

رسالة الناشر
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
المستجدات
تونس/الصواب/27/06/2013
بعد مرور شهر على نشر الدفعة الأولى من هذه المدونة "الصواب"، وباعتبار ملاحظات كثيرة، واعتبارا أيضا إلى أن دفع عدد من المقالات في نفس الوقت وكلها بخلفية سياسية، لا تحتمله طبيعة المدونات، وربما حتى صفحات الصحف، قررنا أن نخفف على الزائرين الذين لاحظنا  تزايد عددهم يوما بعد يوم.
 ومن هنا فإن زائرينا لن يجدوا 5 أو 6 مقالات دفعة واحدة، بل سيتم تقسيطها على أكثر  من مرتين أو أكثر في الأسبوع، وتبويبها بشكل أخف، ولذلك فإننا ، وإن واصلنا نشر هذه المدونة فإننا سنسعى لتطعيمها بعديد المجالات الجديدة، كما سبق أن وعدنا، من ذلك أفلام من عيون الأشرطة العربية والعالمية وكذلك من الأغاني  وعيون الموسيقى الكلاسيكية، وكذلك قصاصات من أرشيف المقالات التي تولينا كتابتها على مدى حياتنا الصحفية، هذا فضلا عن كتب مرجعية ودراسات عميقة لكبار الكتاب، إضافة إلى مقالات مما "قرأت لكم"، وكذلك معلومات مفيدة في كل المجالات، كل هذا بعد سيطرتنا على الناحية الفنية تدريجيا، حيث نتولى بأنفسنا الأعمال الإعلامية بكل تعقيداتها بالنسبة لمن في مثل سننا ، لا نتعامل مع الإعلامية من موقع الدراسة أو التجربة الميدانية.
وإلى اللقاء

اقتصاديات

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
إلى أين؟
تونس/الصواب/27/06/2013
البنك المركزي انتهى في الأخير إلى ما سقناه منذ أكثر من سنة في عدد من وسائل الإعلام تأكيدا لآراء صائبة ومتقدمة صدرت عن قمم اقتصادية وخبرات عالية، مثل مصطفى كمال النابلي، ومعز الجودي، وعز الدين سعيدان ومحمود بن رمضان، وغيرهم ممن نبهوا لما ينتظر بلادنا، إذا لم يقع تدارك الأمر، وإذا لم نتفطن إلى أننا نسير على منحدر قوي جدا وخطير،.
وللأسف فإن قرارات اقتصادية مهمة واجتماعية كان ينبغي أن تتخذها الحكومة منذ بدايات 2012، وتأخر اتخاذها حتى الآن دفعت بالوضع إلى حالة تكاد تكون ميؤوسة، ما دفع بمحافظ البنك المركزي الجديد وهو شخصية مرموقة إلى الإصداع بالحقيقة، والتنبيه إلى خطورة وضع يحتاج إلى قرارات حازمة.
فخلال هذا الأسبوع وبمناسبة سفر قريبة لي، إلى فرنسا كان لا بد من التنقل بين 5 وكالات بنوك، في إحدى ضواحي العاصمة لتحويل 3000 دينار إلى العملة الأوروبية، وهو أمر لم يسبق لي أن شاهدته، ويبرز ما تم الإعلان عنه من هبوط مخزون العملات الأجنبية بصورة لم يسبق لها مثيل، إلى الحد الذي بات معه التهديد واضحا ، بدون مدد صندوق النقد الدولي  المنتظر، لحالة التوقف عن سداد الديون المحمولة على البلاد، أو التوقف عن التوريد بما يلحق الضرر لا فقط بالتموين اللازم ، ولكن أيضا بما قد تكون له عواقب وخيمة على عملية الإنتاج ، بما يعني لا فقط تراجع حجم الثروة الوطنية، ولكن أيضا تفاقم حالة البطالة التي تشكو منها البلاد.
إن الموازنات الخارجية أصبحت في حالة تدفع إلى الحيرة، فلا الصادرات سائرة نحو الخروج من المأزق، ولا الواردات غير الحيوية اتجهت إلى التراجع، ولا السياحة بعكس ما يقال، توحي بأنها في طريق غير رمادي، وبالخصوص فإن الاستثمارات لا تنطلق بل لعلها إن لم تكن في جمود فهي إلى تناقص.
وإذ كان الوضع كذلك، فإن السياسة تبدو مسئولة إلى حد بعيد على كل ذلك، فالضبابية ما زالت مسيطرة، والانتخابات التي بشر السيد علي العريض في بروكسيل بإجرائها في ديسمبر المقبل ، لا يبدو في الأفق ما يوحي باحتمال إجرائها في ذلك الموعد، أما التجاذبات بشأن الدستور والصيغة التي سيتم تقديمها للمصادقة في أول  يوليو تموز، فإنها تبدو وخاصة في توطئتها وفصلها الواحد والأربعين وأحكامها الانتقالية، وكأنها خارج إطار الوفاقات العامة وربما تحتاج إلى وقت طويل للمصادقة إن تمت المصادقة ولم يقع اللجوء إلى استفتاء يبدو مستحيلا،  وكل ذلك يحسب على  البلاد ووضعها السيء ، ويؤجل أمر عودة الاقتصاد إلى وضع طبيعي.

من الذاكرة

يكتبها عبداللطيف الفراتي
الولايات المتحدة.. العظمة
تونس/ الصواب/ 28/06/2013
خلال الزيارة للولايات المتحدة والتي نظمها البنتغون لعدد من الصحفيين العرب سنة 1966، والتي تعرضت لها في حلقة سابقة، كان الهدف الواضح هو إظهار القوة الأمريكية في ذلك الحين، وكان الجو العام في غالب  العالم العربي وقتها متجها للتقليل من تلك القوة أو حتى نكرانها، ولذلك فإن الرحلة الكاملة وضعت تحت "قيادة" الكولونيل "بويد" وهو رجل لطيف المعشر، ولكنه كان حازما، وكان يعرف ما يريد، وما يراد منه، وكان مرفوقا بعدد من المرافقين العسكريين بزيهم ونياشينهم، وبمدني كنا نحسب أنه رجل مخابرات ولعله من وكالة المخابرات  س إ أ ، كان بعين واحدة، ولكنه كان يتفرد بكل منا على حدة كل ما واتته الفرصة ، وإذ كان غير واضح في أهدافه كما في شكله، فإنه لم يتخل يوما عن أدبه الجم، وعن وضع نفسه في خدمة الوفد، رغم بعض التعالي في طبعه.
وللأسف فمن بين أعضاء الوفد خاصة من المصريين وكانوا ثلاثة ومن العراقيين وكانوا ثلاثة أيضا ، من كانوا يقللون من مظاهر القوة التي بدت لنا في كثير من الأحيان، ويؤكدون أن كل ما نراه موجود عندهم في بلادهم.



إلى درجة أن المترجمين الاثنين المرافقين وكانوا من الطلبة السوريين وأقدر أنهم من نوع الطلبة الدائمين، وربما من الحاصلين على الجنسية الأمريكية،  يقولان: إذا كان كل هذا عندكم فلماذا نحن متخلفون وهم متقدمون؟
وخلال هذه الزيارة أمكن لنا أن نزور عددا من القواعد، واحدة في كولارودو سبرينغز وهي مدفونة في بطن جبل ، وتعتمد على لوالب ضخمة بحيث لا تؤثر فيها لا زلازل ولا قنابل نووية، وهي من القواعد الإستراتيجية أي التي بها صواريخ عابرة للقارات حاملة لرؤوس نووية، ووفقا لما قيل لنا فلا يمكن النيل منها.
والثانية في نورفولك على ساحل الأطلسي في ولاية فيرجينيا ، وتعتبر وقتها وحتى الآن أكبر قاعدة بحرية في العالم، ببوارجها الضخمة التي تعج كل منها بما يملأ قرية كبيرة سكانا، وبحاملات طائرات لم أر لها مثيلا لا قبل ذلك ولا بعد، حتى خلال زيارة القاعدة البحرية الفرنسية في تولون، والغداء مع قائد   بحري برتبة أميرال  في البحرية  الفرنسية  في سنة 1985على متن أكبر حاملة طائرات في فرنسا.
أما الثالثة فكانت في ولاية أريزونا حيث شهدنا مناورة جوية برية، أشبه ما تكون بحرب فعلية.
وما أذكره من الطرائف خلال تلك المناورة أنه قدمت لنا وجبة باردة من لحم الدجاج، الذي لم نكن نعرفه في تونس مما كان يباع في الأسواق الأمريكية بدولار مع الفريت في ما يشبه الطربوش، وكان الدولار أيامها يساوي 400 مليم، وهو ما يبرز الانحطاط الذي أصابه منذ ذلك الحين، حيث انخفضت قيمته إلى الربع، وأعود إلى الوجبة فقد كنت أتصارع مع نصف الدجاجة الموضوعة في صندوق كما صناديق الأحذية بسكين وشوكة من البلاستيك، عندما لاحظ لي الكولونيل بويد وكان يجلس بجانبي، إن الدجاج يؤكل بالأيدي، لا بالسكاكين والشوكات البلاستيكية، وذكرتني تلك المقولة بحادثة في حدود سنة 1961 أو 1962، وكنت في تلك الصائفة أغطي المهرجان الدولي للفنون الشعبية في المنستير، مع الإقامة في سوسة حيث الفنادق الصغيرة الرخيصة كانت متوفرة، وفي أحد الأيام تغدينا عند رئيس الجمهورية، وكان مرافقه الدائم مصوره الرسمي منذ فترة الكفاح  الحبيب عصمان، أيامها لم تكن الفراخ تلك التي تؤكل اليوم، بل دجاجات كبيرة لحمها صلب، وأخذ الحبيب عصمان في معالجة قطعة الدجاج أمامه، ولم يكن يحسن التعامل مع السكين والشوكة، فكانت القطعة تفلت منه كلما بدأ بقطعها، فسأله الرئيس بورقيبة . ألا تحسن استعمال السكين والشوكة، فأجابه لا سي الحبيب وإنما يبدو أن هذه الدجاجة قد قضت 25 سنة في الكفاح عند دنلوب وميشلان قبل أن تأتي إلى هنا، تعريضا بما كان يقوله الرئيس بورقيبة من أنه قضى 25 سنة في الكفاح ضد الاستعمار.
ولقد كانت لنا خلال تلك الزيارة للولايات المتحدة فرصة للذهاب، إلى هيوستن عاصمة الفضاء الأمريكية حيث توجد النازا الشهيرة، وهيوستن على ضخامتها كمدينة ليست عاصمة تكساس ثاني أكبر الولايات في أمريكا وأغناها، بل العاصمة هي أوستن وهي المدينة التي كان ينحدر منها الرئيس جونسون، والتي دفن فيها بعد وفاته، في ضيعة له "رانش" به آلاف الهكتارات. والرئيس جونسون هو أول رئيس أمريكي تصرف بعداء شديد ومعلن للعرب، ووقف إلى جانب إسرائيل بصراحة في حرب 1967، وأقام جسرا جويا اشتغل أياما لإيصال أحدث الأسلحة إليها.


وفي مدينة هيوستن أمكن لنا أن نرى المركبات الفضائية التي استعملت والمقاعد التي كان يجلس عليها الرواد، ولكن ما أثار انتباهي أننا  تغدينا في مطعم مخصص للبيض، ولقد اعتبرا الوفد العربي من البيض، فيما كان يوجد مطعم أمامه مخصص للسود، كان ذلك في سنة 1966، وقبل "ثورة"لوثر كينغ، وقبل اغتياله.
وصلت الرسالة للبعض منا ولم تصل لآخرين بقوا على إصرارهم أن أمريكا ليست بتلك القوة التي تريد أن تسوق مظاهرها، ولليوم  فهناك من يقلل من شأن أمريكا . وتلك قصة أخرى.
تعليق الصور
الصورة الأولى:
حتى الطائرة كانت عسكرية وفي الصورة محمود الشريف وكان رئيسا لتحرير أهم جريدة في الأردن وكان مقربا من الملك حسين ووراءه الكولونيل بويد ثم تحت مدرج الطائرة الليبي بوغطاس الذي كان يملك جريدة في ليبيا كانت مناوءة للحكومة الليبية أيام ما قبل انقلاب الملازم القذافي ، ثم  المرحوم البشير طوال وكان سكرتير تحرير جريدة العمل ثم أنا وفي باب الطائرة كان صحفي مصري من جريدة الأهرام وكان بارعا في التنكيت إلى درجة أنه يشدنا كل ليلة للصباح ضاربا بذلك عرض الحائط بالانضباط الذي أراد فرضه علينا الكولونيل بويد.

الصور الثانية
الصحفي الليبي بوغطاس يفحص كرسي رواد الفضاء وإلى يساره صحفي من اليمن الأستاذ حكيم وهو مثال للحكمة وقد عملنا معا في صحيفة الشرق الأوسط والتقيته عدة مرات في لندن بمناسبة المؤتمرات السنوية ثم صحفي جزائري وفي أقصى يمين الصورة عبد الجبار السحيمي وهو صحفي مغربي كان أيامها مديرا لإذاعة فأس وفي آخر حياته تولى ولعدة سنوات إدارة صحيفة العمل المغربية حيث التقى طريقنا من جديد وأصبحت كاتب عمود في تلك الصحيفة التي تعتبر إحدى أهم وأقدم الصحف وهي الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال.
ثم وإلى يمين الصحفي الليبي وبغطاس الذي يفحص كرسي الرواد أنا عبداللطيف الفراتي وقد انصب نظري على الكبسولة جيميني التي رفعت عدة رواد إلى الفضاء ثم الصحفي اللبناني عادل مالك وهو أحد كبار الصحفيين المحللين اللبنانيين، ثم صحفي مغربي آخر ثم البشير طوال من جريدة العمل.


الأربعاء، 26 يونيو 2013

سانحة

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
"التونسية" لماذا؟
تونس / الصواب/ 25/06/2013
الخبطة الصحفية التي حققتها قناة "التونسية" هي من تلك الخبطات التي تتمنى كل مؤسسة صحفية أن تنجزها، فترفع من رصيدها لدى مريديها من قراء أو مستمعين أو مشاهدين.
ليس هذا هو صميم الموضوع، وصميم الموضوع يجده الزائر في مكان آخر على مدونة "الصواب" هذه    الواقع تحيينها اليوم، وعبر باب " بكل هدوء" الذي لن يكون هادئا تمام الهدوء هذه المرة.
 أولا:  لماذا اختار الفريق رشيد عمار "التونسية" ليخصها، بعصارة لما يريد أن يقوله على مدى ثلاث ساعات أو تزيد؟
لا أحد دخل إلى عقل قائد الأركان العامة ليجيب عن السؤال بيقين.
ولكن أسبابا موضوعية تدفع للاعتقاد بأن الفريق رشيد عمار ـ  وهو يقرر أن يتحدث، عشية تقاعده سواء الذي أتم التحضير له، أو الذي دفع إليه دفعاـ قد اختار هذه القناة ليبلغ صوته إلى العدد الأقصى من المواطنين وربما غير المواطنين، وكما يتجه اختيار المعلنين، فإن رجل السياسة إنما يبحث عن  الانتشار الأوسع، وهو بحكم موقعه يعرف أين يجد ذلك الانتشار، وحيث يبلغ كلمته إلى الأقصى من الناس. وفي فرنسا نجد أن رجال السياسة يتجهون بخطابهم غالبا عندما يكون مهما ولتبليغ رسالة معينة إلى القناة الأولى الخاصة، لا القناة الحكومية الثانية.
و من هنا فالمعتقد عموما أن الرجل اختار الوسيلة الإعلامية التي يستطيع منها أن ينفذ إلى الجمع الأكبر من المشاهدين في أفضل ساعات المشاهدة.
ثانيا : أن الفريق رشيد عمار وقد بلغ أعلى المراتب العسكرية، بما عرف عن الضباط السامين من تحصيل معرفة عالية، في فروع العلم المختلفة نظرية وتطبيقية، ما يؤهلهم مع عناصر أخرى للقيادة، ومن ذلك الثقافة الواسعة، والموسوعية، والسيطرة على النفس وضبطها، والانضباط الكامل، والنظرة الاستراتيجية، والمسك بالوسائل التكتيكية.
 إن الفريق عمار اختار مكان ووقت "معركته" ولم يترك شيئا للصدفة، المكان القناة الأكثر اتساع  مشاهدة، والوقت، الزمن الأفضل حيث يجتمع الناس كل مساء اثنين وخميس حول "الساعة التاسعة" في قناة "التونسية".
ثالثا : أن قائد الجيش ميدانيا، وقد قرر قراره وسنرى أو نحاول أن نرى أسبابه ومسبباته، ودوافعه المعلنة والخفية، وهو بذلك يوفر لنفسه أسباب النجاح في "معركته" والانتصار فيها.
وكقائد ملم بكل ظروف "المعركة" والتحديات التي ترافقها، فقد كانت اختياراته موفقة، ولعله وخلال السنوات القليلة الماضية، لم يجمع من الجمهور برنامج مثلما جمع، سواء ليلة البث المباشر، أو الإعادة أو على اليوتوب أو مايفوتك شيء.
ولا بد أن يكون سامي الفهري القابع في سجنه، بدون وجه، في غاية الغبطة بم تحققه القناة التي أنشأها، ونالت كل هذا الإقبال الجماهيري.
لنقل أخيرا، إنه وإن كان اعتقادنا  جازما، بأن الفريق رشيد عمار، هو المبادر  بتنظيم هذا اللقاء، الذي أداره "بضربة معلم" كل من المعز بن غربية والصحفي المتميز صلاح الجورشي، فإنه لولا نجاح قناة "التونسية" وتألقها، لما كان اختياره عليها، بوصفها ومن بعيد أولى القنوات التونسية حسب استطلاعات "الأوديمات"، "ليكتب" الجزء الأول من مذكراته المثيرة للاهتمام، وليشد اهتمام الناس إلى أسرار كثيرة.
ولكن لنقل أيضا أن للحكومة وللعدالة يد في هذا النجاح  لهذه القناة، وهو النجاح الذي يعود ولا شك لتميزها، وحرفيتها ومهنيتها وذلك هو السبب الرئيسي، ولكن كذلك لاعتبار جانب كبير من الجمهور أنها ومؤسسها  ضحية مظلمة، تتمثل في مرور 300 يوم على حبس  ذلك المؤسس  رغم قرارين تعقيبيين بإطلاق سراحه،بقيا في تحد كامل في غير حالة تنفيذ، والناس يحبون الضحايا ويتعاطفون معهم، كما تعاطفوا طويلا مع الإسلاميين لما نالهم من ضيم وظلم.


بكل هدوء

بكل هدوء
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
خطبة الوداع ؟
تونس/الصواب/25/06/2013
سؤال حارق، هل كان التصريح الطويل الذي أدلى به الجنرال رشيد عمار إلى قناة التونسية نهاية طريق أو بداية طريق آخر؟
هل هي استراحة المحارب؟ أم هي استعداد لمعارك أخرى قادمة؟
عنصران بارزان في "خطاب" الجنرال رشيد عمار: نبرة الصدق – حقيقية أو مصطنعة ـ ونبرة المرارة إلى حد الألم والألم الموجع.
ولقد اختار الجنرال أن يتحدث  للمواطنين وهو في زيه العسكر،ي حتى بعد أن أصبح خارج المسؤولية كقائد للأركان، ليعطي حديثه الصبغة الرسمية، مع الوقع اللازم.
الجنرال تمت ترقيته إلى رئاسة أركان الجيش العامة بعد الثورة، ولم يكن قبل ذلك سوى قائد أركان جيش البر، كما إنه أصبح فريقا بالمناسبة، فعهد بن علي لم يكن يرغب في قيادة للجيش جميعا، خوفا منها، والجنرال عمار، أبرز هو وزملاؤه في المؤسسة العسكرية هم ممن تربوا على الشرعية،  وفقا لتقاليد المدرسة العسكرية الفرنسية، ولنقل الأوروبية، أبرز إيمانه بتقاليد الانضباط واحترام الشرعية .
وكما تقتضي مثل هذه الأحوال وفقا لتقاليد هذه المدرسة، فإن الجنرال رشيد عمار طلب أن يتمتع بحقه في التقاعد وقد بلغ 67 سنة، وهي سن بالنسبة لسلك الضباط السامين لا تعد إلا مجرد مرحلة في الحياة العسكرية، تحمل الخبرة، والمعرفة وحسن التقييم، وحكمة السن، ولكن رئيس الأركان رأى غير ذلك، مضطرا على ما يبدو، فاتجه إلى رئيس الجمهورية وطلب منه حق التمتع بالتقاعد كما ينبغي له، والرواية الرسمية لرئاسة الجمهورية تقول: إن الرئيس منصف المرزوقي قد حاول إثناءه عن عزمه، ولكنه لم يلن، وكان مصمما فما كان من الرئيس إلا أن قبل الاستقالة، كان ذلك يوم الجمعة 21 حزيران يونيو، وفي اليوم الموالي السبت أصبحت الاستقالة فعلية، وباتت البلاد بدون رئيس للأركان العامة، وبدون رئيس لأركان جيش البر، حيث أن الجنرال رشيد عمار كان يجمع الصفتين.
و من جملة مظاهر الانضباط، فإنه طلب من رئيس الدولة القائد العام للجيش السماح له، بأن يعبر عبر وسائل الإعلام عن "تقييمه".
وفي البلدان المتقدمة لا يجوز بقاء قيادة الجيش بدون رئيس للأركان العامة، فما إن تنتهي مهمة بهذه الدرجة من الخطورة، حتى يتسلمها رئيس آخر، أما تونس فهي شأن آخر، كما إن المتعارف في الجيوش هو أن الخلف يكون جاهزا وهو عادة الأعلى والأقدم في أعلى رتبة في الجيش، ولكن تونس شيء آخر، فقد بقيت لسنوات بدون رئيس للأركان العامة ،لأن  الرئيس الأسبق بن علي، لم يكن يريد وضع أي كان في هذا المنصب باعتبار هاجس الخوف الذي كان  يحمله من احتمالات الانقلاب العسكري، وهو الذي جاء للحكم بأثر انقلاب تولته أجهزة الأمن الداخلي.
وإذا توقفنا قليلا عند "خطاب" ( المتمثل في الحديث الطويل الذي اختار تنزيله في قناة التونسية لسعة انتشار بثها ( الجنرال عمار، الذي من المستغرب أنه لم تقع ترقيته إلى رتبة "المشير ليكون بذلك أول عسكري تونسي في الزمن المعاصر يصل إلى تلك الرتبة، وأدواره كانت تؤهله لذلك وأكثر ـ إذا توقفنا قليلا، فإننا سنلاحظ نقاطا رئيسية لا بد من رفعها:
قبل ذلك فإن الجنرال عمار، قد نالته الإساءة في الصميم:
** حزب المؤتمر أي حزب رئيس الجمهورية نال منه عن طريق المستشار السابق أيوب المسعودي واتهاماته المعلنة، ثم أخيرا عن طريق محمد عبو الذي وإن كان غادر المؤتمر فإن ثقافته تبقى مؤتمرية، ولعل هذا يقوم دليلا على أن الجنرال كان مستهدفا من حزب المؤتمر، وهو ما شعر به في أعماقه وسكت منه على مضض.
** اعتبار الأستاذ راشد الغنوشي أن الجيش ـ ضمن مؤسسات أخرى ـ ليس مضمونا.ـ مضمونا لمن؟ للوطن أو لحزب معين ـ
أي إن الحكم بجناحيه في الترويكا لم يكن مستريحا لقيادة الجيش، وهذا يمكن احتماله زمنا، ولكن لا يمكن احتماله دهرا، وبعد النجاح في مواجهة الشعانبي رأى الرجل أنه آن الأوان لأن يترك الساحة على مضض وعلى غير اقتناع.
**
أول تلك النقاط أن الجنرال عمار،بدا واضحا في القول أن الجيش الوطني هو جيش جمهوري قائم على الولاء للوطن، لا لفئة ولا لحزب، وأنه كان دائما كذلك، ولذلك فإنه حمى الثورة ورفض قمعها، وعندما سقط الحكم السابق، رفض أن يكون الحل غير دستوري غير مدني، وأن الجيش متمسك بالشرعية الدستورية وبمدنية الدولة، ونأى بنفسه عن العرض بأن يتولى رئاسة الجمهورية، لم يقل من عرض عليه ذلك يوم 15 كانون الثاني يناير 2011، وهو أمر هناك وعد بأن يميط عنه اللثام ربما بمناسبة كتابة مذكراته إن لم يكن قد كتبها بعد.
ثاني تلك النقط عبر تحليل واف للأستاذ الهاشمي الطرودي، أنه وهو ثمرة مرحلة بورقيبة، لم يبخل في تناقض مع التوجه القائم بالإشادة بأن الدولة المدنية العصرية تحسب لنظام بورقيبة "الذي كان بدعة في العالم العربي".
ثالث تلك النقاط أن المؤسسة العسكرية وهو على رأسها، وقفت ضد إجهاض الثورة خلال مسيرتها، برفض قمعها، وبعد نجاحها في استمرار الدولة وأجهزتها، خلال الأيام الصعبة مما بدا وكأنه تحللا، حتى الوصول لضبط الأمور، وصولا إلى انتخابات حرة نزيهة وشفافة.
رابع تلك النقط التي صدع بها أن السلطة وشرعيتها التي انبثقت عن انتخابات 23 أكتوبر، انتهت يوم 26 شباط فبراير 213، باغتيال شكري بالعيد.
خامس تلك النقط أنه هو الذي أوحى لحمادي الجبالي بتشكيل حكومة تكنوقراط بعد أن سقطت المشروعية الناتجة عن الانتخابات والملخص أن الشرعية تحتاج إلى مشروعية تسندها بدونها لا يكون هناك شرعية فعلية.
سادس تلك النقط هو ضعف السياسة الأمنية الذي ازداد اتضاحا بعد أحداث الشعانبي، نتيجة نقص استعلاماتي كبير، وهناك نقد كبير لا فقط لعدم إقامة وكالة استخبارات مركزية الذي طالب به، ولكن وبصورة صريحة، لزعزعة منظومة كانت قائمة من بينها جهاز العمد ـ مشايخ التراب ـ الذي كان مراقبا لوضع شامل، يخبر عن كل ما يطرأ في البلاد وحتى آخر شعاب أحيائها وأريافها. وفي هذا اتهام موارب لحكومة النهضة التي زعزعت ذلك السلك وتركت البلاد في العراء.
 وبدا رئيس الأركان المتخلي في مرارة من يعلن أن المعلومة تم تغييبها عن الجيش الوطني، وأنه لا مجال للشك " في أن هناك عملية تآمر لإفشال عمل الجيش، وأن هناك من يطعنه في الظهر" مضيفا وفقا لنقل صحفي متعدد أن " ما يجري في جبل الشعانبي ليس مجرد أعمال إرهابية، وإنما حركة تمرد وترهيب تعمل على الاستيلاء على الحكم  مدعمة من قبل أطراف بعينها".
ووفقا لما جاء في إحدى الصحف أنه استعرض أزمة جبل الشعانبي، وقال إن المساحة  التي تشملها عمليات التمشيط، منها 70 هكتارا تمثل محمية الجبل، حاملا على ما وصفه بتقصير أعوان حراسة الغابات، في التبليغ عن العناصر الإرهابية  التي اتخذت من الجبل مقرا لها منذ  أكثر عام .
 وذكر الجنرال وفقا لتلخيص ورد في جريدة الشروق أن الربط مع أحداث سليمان عام 2007 وجب، وأن عوامل الصدفة هي التي كشفت عن إرهابيي الشعانبي.
ودائما وحسب نفس المصدر ذكر أن المؤسسة العسكرية أصبحت تخشى على تونس منذ أحداث سليمان، مضيفا أن هناك ثلاثية تهدد تونس هي التهريب والإرهاب والجريمة المنظمة.
وهذه التهم التي يتم إطلاقها بدون مواربة من قبل شخص في مستوى رئيس الأركان العامة تنتهي صحيفة على الساحة بأنها تشير إلى ما أعلمت به جهات معينة من وجود أمن مواز.
وقد أضاف المحلل السياسي طارق بلحاج محمد في جريدة الصباح : أن رشيد عمار نبه إلى السيناريو الصومالي والسيناريو الجزائري، دون أن تكون لتونس الإمكانيات المادية للمواجهة، و أضاف :" إن مؤسسة عسكرية تعوزها الإمكانيات والاستعلامات وتتعرض للغدر، لا يمكنها أن تضمن أمن التونسيين في حدودهم وفي وطنهم، وهناك من استدرج الجيش للشعانبي من أجل إضعافه، وإنجاح مشروع إسقاط الدولة" .
وإذ تطرق الجنرال إلى خلل  في العمل الاستخباراتي فإنه  خلص، إلى الهدف الذي كانت تسعى المجموعات الجهادية التكفيرية لتحقيقه، وهو أنها كانت تريد السيطرة على جزء من التراب التونسي، لتجعله موضع قدم، حتى تتكاثر، و تصبح مركز تدريب واستقطاب للجهاديين في كل تونس وليس في القصرين فقط .. و أضاف الجنرال: أن الهدف كان يكمن في تكوين مركز تدريب "جهادي" تكفيري عسكري في مستويات صنع الألغام والتشفير والتجسس، وتكوين خلايا شبه عسكرية، هدفها الإطاحة بالدولة التونسية وتركيز دولة جديدة بنظام جديد وعلم آخر.
ولا يمكن هنا أن نتوقف عند كل عناصر الرسائل الصريحة والمشفرة التي أرسلها الرجل، في ما بدا أنه نقد لاذع للحكم، وإن قال بأن القوات المسلحة هي ملتزمة بالحياد وعدم الدخول في المتاهات السياسية، وأنها ستوصل حماية مدنية الدولة والنظام الجمهوري.
وإذ كشف رئيس الأركان العامة أنه أعلم الرؤساء الثلاثة عما أسماه بمخطط الإرهاب، ومغادرة الإرهابيين لجبل الشعانبي منذ انطلاق الأحداث، وعن محدودية المعلومات وضعف الاستخبارات، لكن دون أن يستمع إليه أحدا منهم.
وبالتالي فإن الجنرال عمار، يصب جام غضبه على الثلاثي الحاكم، وحتى على المعارضة، ملمحا  لضرورة قيام روح من المسؤولية عند السياسيين.
** لا يمكن بحال أن لا يتوقف المرء عند أمرين اثنين:
 أولهما هذا التلاحق بين استقالة وزير الدفاع السابق الدكتور الزبيدي المشهود له بالكفاءة الحيادية وعلو الأخلاق وسمو السلوك، وبين طلب الاقالة  بعد 100 يوم من قبل الرجل الأول في الجيش الجنرال عمار، ألا يوحي هذا بأن هناك ما لا يرضي، وأن خطرا ما يتهدد البلاد، ولا يراد له أن يظهر أو تتخذ بشأنه القرارات؟.
ثانيا هذه الأقوال التي برزت للسطح بشأن احتمال أن يكون رشيد عمار هو رئيس الجمهورية الوفاقي المقبل، ولكن بأي صلاحية، فرشيد عمار في حالة ما طلب منه جماعيا ووفاقيا أن يكون الرئيس المقبل، لا يمكن أن يقبل بالوضع المهين الذي وجد فيه المرزوقي نفسه.
وإذا حصل ذلك فإنها ليست المرة الأولى عربيا، ألم يكن اللواء فؤاد شهاب قائد الجيش اللبناني محل إجماع سياسي، على تولي الرئاسة رغم أنه لم يكن راغبا فيها، ولكنه قبل في حينه وقاد بلاده وقتها إلى شاطئ السلامة، في حين كانت  حينئذ على شفا هاوية عميقة، ستسقط فيها عندما انعدم الوفاق، وتغلبت النظرة العمياء عند كل الأطراف.
ولكن الوضع غير الوضع، فتونس وهذا ما لم يقله الجنرال عمار، مهددة جديا بنمط مجتمعي لا عهد لها به، مستورد من تصورات وهابية، غريبة عن هذا الوطن.


الأحد، 23 يونيو 2013

الموقف السياسي

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
دستور كل الخلافات
( البدء الخطأ)
تونس/ الصواب/20/06/2013
بعد انتخاب المجلس التأسيسي ، وإحراز حزب حركة النهضة على أغلبية نسبية تتمثل في 89 نائبا من جملة 2017 أي 40.5 في المائة من مجموع النواب.
وكان لا بد لحركة النهضة لتقلد الحكم والتحكم في المشهد السياسي العام، وأيضا السيطرة على ملامح الدستور ومفاصله الأساسية ،  ـ كان لا بد لها  ـ من مدد خارجي، وكان يمكن للنهضة مثلا أن تشرك نواب العريضة الشعبية الـ 26 الذين كان نجاحهم مفاجأة تلك الانتخابات، وكان بالإمكان لها أن توفر لنفسها الأغلبية البسيطة التي تحتاجها أي 109 من النواب، بل أكثر بقليل من ذلك بـ115 نائبا.
غير أن حركة النهضة في خضم تلك الفترة ومن المؤكد على اعتبار حساباتها للمرحلة، صرفت النظر عن هذا الاحتمال في نظرنا لسببين:
** أولهما أن النهضة كانت دوما تكن عداء مرضيا لكل الذين كانوا في صفوفها ، وانفصلوا عنها في موقف لا يمت للحسابات السياسية بصلة، وكان الهاشمي الحامدي ضمن القيادات الطلابية للاتجاه الإسلامي، وكان ينشط في الحياة الصحفية، وعندما استلمت الرئاسة الأولى للتحرير لجريدة  الصباح في ربيع 1988 كان من المبادرات الأولى التي قمت بها،  العمل على إنشاء صفحات مخصصة للعالم الطالبي ، فكان أن اخترت لصفحة الطلبة الإسلاميين الهاشمي الحامدي ولصفحة الطلبة اليساريين سليم الكراي الذي كان أيامها محسوبا على اليسار.
وكان الهاشمي الحامدي أيامها غارقا إلى الأذقان في التنظيمات الخاصة بالاتجاه الإسلامي، وكان لا يقسم وقتها إلا باسم "الشيخ" راشد الغنوشي،كنت في تلك الفترة أيضا في خضم التورط في تحرك مع منصر الرويسي المستشار السياسي للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ، من أجل ضمان الاعتراف للإسلاميين بكيان قد يكون حزبا وقد يكون مجرد جمعية، وعلى الأقل الحصول على ترخيص لإصدار جريدة، وفي ذلك الإطار تم إجراء الحديث الخاص الذي أدلى به للصباح الشيخ راشد الغنوشي، والذي تم نشره يوم 17 جويلية 1988، وهو حديث  صعب لعله الأصعب في حياتي المهنية، التي لا بد أن تكون شملت مئات المقابلات الصحفية، حيث تنقلت عديد المرات بين بيت الشيخ راشد وقصر قرطاج عديد المرات، وتناولت طعام الغداء في بيته ، حتى استوى ذلك الحديث وقدم فيه الرجل ما طلب منه من تنازلات، ووافق عليه وقتها الرئيس الأسبق، واعتبره زعيم ما سيسمى لاحقا بحركة النهضة تعبيرا عن توجهات حزبه ومرجعه الفكري، وهو ما كرره عديد المرات.
أيامها كان الهاشمي الحامدي شديد الالتصاق بالاتجاه الإسلامي وكان يعتبر من قياداته الطلابية، وسيهاجر الهاشمي الحامدي لاحقا إلى السودان ، التي قام فيها في الأثناء  وبعد انقلاب عسكري (أنهى الحياة الديمقراطية)، نظام منتسب  للإخوان المسلمين، بقطبين اثنين،  حسن الترابي وعمر حسن البشير، ومثل الكثيرين حصلت بين الهاشمي الحامدي والتيار الإسلامي خلافات يبدو أن أصلها فكري ، غادر بعدها الرجل الحركة التي كانت قد تحولت إلى حزب غير معترف به هو حزب حركة النهضة.، وقامت بينه وبين زعيم الحركة مشاحنة ظهرت في عدة مناسبات حتى على شاشات التلفزيون، ومن هنا فإن حركة النهضة وبعد انتصارها النسبي في الانتخابات التي جرت في 23 أكتوبر 2011 ، لم تلتفت للعريضة الشعبية، ووضعتها في موقع من لا وجود له.  
ولما كان الهاشمي الحامدي قد انفصل عن الحركة، فإن حزب النهضة قد تعامل معه إن لم يكن بعداوة ، فعلى الأقل بتجاهل كامل ، كما كان الأمر بالنسبة لـحميدة النيفر وصلاح الجورشي وعبد الوهاب الهاني وفاضل البلدي وبن عيسى الدمني وصالح كركر وحسن الغضباني  وبصفة أقل خالد شوكات وغيرهم كثيرون ممن افترق طريقهم عن طريق النهضة، فأصبحوا منبوذين منها، وعلى أساس أن من يدخل صفوفها سواء أسميت تيارا إسلاميا أو اتجاها إسلاميا أو نهضة وخرج، فقد تلوث بحيث لا تحق له العودة، ولعل عبد الفتاح مورو هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، ولو أن عبد الفتاح مورو المغادر العائد، لم يسلم من أن يكون هدف سهام حادة، لم يسع زعيم الحركة في ضبطها أو تجنيبه إياها، حتى باعتباره المؤسس الحقيقي والأول للحركة.
** وثانيهما أن العريضة الشعبية ، كانت تبدو من البداية غير موثوقة الجانب، فهي تتألف من شخصيات متنافرة، ذات اتجاهات غير واضحة، جمعها الهاشمي الحامدي على غير قاعدة صلبة من المواقف الموحدة، وتدين بالولاء فقط لزعيمها، وهو ما سيبدو صحيحا كتحليل، فسريعا ما سينفرط عقد هذه المجموعة، فيبدأ الانفصال من صفوفها، والالتحاق بصفوف أحزاب أخرى أو كتل متنوعة يمينا ويسارا، بحيث يبدو التنافر العقائدي داخل المجموعة الأولى .
**
من هنا حزم حزب حركة النهضة أمره، واتجه إلى ما كان لأحد يظنه يتجه، اتجه إلى أحزاب علمانية، ولعله كان يخطط للتعامل رأسا مع الحزب الجمهوري ولم يكن اسمه كذلك في المنطلق، فعلاقة النهضة بأحمد نجيب الشابي كانت وثيقة، والشابي بالذات وحزبه كانا في مقدمة المدافعين عن الإسلاميين المقربين منهم.
ولكن الشابي الذي كان يعد نفسه لأدوار أكبر منذ سقوط بن علي في 14 جانفي 2011، لم يكن ليقنع أو يقتنع بكرسي صغير، بعد كل ما اعتبره نضالا طويلا.
وبحكم الوزن الذي اكتسبه في الانتخابات، وهو وزن ذاتي، لا يأتي من مساعدة باتت مفضوحة من النهضة للتكتل بزعامة مصطفى بن جعفر و خاصة المؤتمر بزعامة المرزوقي، رفض أن يكون تابعا في جهاز حكم لا يكون له فيه تأثير فعلي ولا حقيقي، ولا يتولى فيها رئاسة الرئاسات بصلاحيات فعلية.
واليوم وبعد مرور عام وتسعة أشهر يبدو الأمر كما يلي:
1/ قبول أحزاب توصف بالعلمانية عادة، (المؤتمر والتكتل) الدخول في ائتلاف حكومي، يبدو معاكسا لطبيعة الأشياء.
2/ تقديم تنازلات كبيرة جدا سواء داخل جهاز الحكم، أو في المواقف ،تبرز تسرعا ، ورغبة في المشاركة في السلطة  ونيل منافعها وبهرجها ، أكثر مما هو مفترض في حكومة تحالف أو ائتلاف.
3/ توفير أغلبية مريحة جدا وغير مشاكسة.
والحكومات الائتلافية وهي ليست بدعة تونسية، تقوم عادة على برنامج للحكم، وعلى تقاسم الأدوار، وعلى وزن معين لكل طرف إلى حد الفيتو على القرارات، ولعل التجربة الألمانية السابقة واللاحقة بين الحزب الاجتماعي الديمقراطي مع الليبراليين ، أو الديمقراطي المسيحي مع الليبراليين، أو التجربة الحالية في بريطانيا كلها تبرز كيفية قيام ائتلاف، أما في تونس فيمكن اليوم القول إن كلا من حزبي المؤتمر من جهة، وحزب التكتل من جهة أخرى ، دخلا الائتلاف  مطاطئي  الرأس tête baissée دون أن يقدم أي منهما شروطه، ولعل منصف المرزوقي كان أهم ما يهمه هو أن يدخل إلى قصر قرطاج، كيف وبأي صلاحيات، لم يهتم بذلك مطلقا، وعندما تفطن للفخ الذي وضع فيه نفسه، كان الوقت قد فات والفرصة للتأثير قد ضاعت، ولقد حاول أن ينتفض من حين لآخر، ويبرز بمواقف متميزة ولكنه كان سريعا ما يعود إلى بيت الطاعة، مدركا أنه لا خيار له إلا بمغادرة القصر الذي كان الأمل منذ وقت طويل، واعتبر أن الاستقرار فيه، ليس بالأساس مهمة سامية ، بل عملية ثأر سواء من الرئيس الحبيب بورقيبة الذي يدور في خلده أنه اضطهد والده واضطره إلى الهجرة للمغرب والزواج هناك بثانية وما تبع ذلك من تشتت للعائلة، أو الرئيس بن علي الذي اضطره هو شخصيا للهجرة والبقاء سنوات طويلة خارج البلاد.
أما مصطفى بن جعفر فإن الدواعي الشخصية لم تكن غائبة عن ذهنه، وهو يتجه للجلوس على كرسي رئاسة المجلس التأسيسي، وهو الدستوري القديم الذي هاجر حزب العائلة العريقة في حزب الدستور، ليلتحق بأحمد المستيري فيما اعتبره البعض حزب التوانسة، والذي اضطر لمغادرته أي حركة الديمقراطيين الإشتراكيين، في منافسة غير متكافئة مع محمد مواعدة، الذي يعتبر أنه قذفه خارج الحزب بعد انسحاب زعيمه المستيري منه، تحت ضغط يأس أصابه من تصرفات الرئيس الأسبق بن علي، الذي ظهر مبكرا على وجهه الحقيقي، وكذلك من يأس أصابه من أن يكون هو رئيس الدولة عندما تسقط الثمرة ناضجة بنهاية عهد بورقيبة.
هذه الدواعي الشخصية للرجلين جعلتهما على استعداد بأكثر من 50 مقعدا في المنطلق في المجلس التأسيسي،  للقبول بكل شيء والدخول في تحالف غير طبيعي، وخاصة غير متكافئ مع حزب حركة النهضة ذو المرجعية المناقضة، وهو الحزب الذي لا يتفقان معه في كل شيء ، وخاصة في التصور المجتمعي.
ومن هنا جاءت محاولات الانتفاض الدورية التي قام بها الرجلان بدون تنسيق بينهما، وكان مصطفى بن جعفر هو الأول الذي انتفض عندما أعلن بشأن موقف النهضة من إدراج الشريعة الإسلامية في الفصل الأول من مشروع الدستور، بالقول إن ذلك لن يمر إلا على جثته، وإذ استكان الرجل بعد ذلك فإن المرزوقي هو الذي شكل شوكة في حلق النهضة، طيلة السنة والنصف الذي كان فيه شريكا ضعيف التأثير في حكم استأثرت به النهضة، وقبل به صاغران المرزوقي وبن جعفر، قبل أن يتفطن كل منهما إلى الخطإ الفادح الذي ارتكبه، وخاصة من خلال بنود دستور صغير جمع كل خيوط القرار بين يدي النهضة، وجعل شريكاها في "الحكم" مجرد كومبارس.
ولعل النهضة قد نفضت يديها اليوم تماما من المرزوقي، فيما إنها حافظت على خيط معاوية مع بن جعفر، الذي يبدي هذه الأيام فروض الطاعة، عبر تنازلات دستورية غير مفهومة من رجل هو وحزبه يعلنان عن علمانيتهما، وذلك بالقبول بالفخاخ المنصوبة في توطئة الدستور، وفي فصله 141 وخاصة في أحكامه الانتقالية، التي كتبت بصيغة، تؤبد مرحلة انتقالية ثالثة، وتمنح المجلس التأسيسي القائم بأغلبيته النهضوية النسبية سلطات لم تأت بها لا النصوص الداعية لانتخابه ، وتحديد مدته ، ولا الدستور الصغير أو المقتضيات الخاصة بتنظيم السلطات، ولا حتى النظام الداخلي.
وهنا يبدو أن مصطفى بن جعفر يحاول أن يشتري المستقبل عبر تقديم تنازلات كبرى، تتناقض مع قناعاته الشخصية، وتوجهات حزبه، وهو ما جعله في وضع حرج سواء داخل مجلس تأسيسي بات جزء منه حتى من حلفاء الأمس يناصبه العداء، أو داخل حزبه الذي من المقرر أن يعقد مؤتمره خلال بدايات الشهر المقبل ، في جو من الانقسامات الحادة، كل ذلك عقب انشقاقات لم تبق للحزب كثيرا من الأنصار، تماما كما حصل مع حزب المؤتمر الذي بات شبحا لنفسه، منذ انتخابات 23 أكتوبر 2011.
الحلقة الثانية   محاذير في دستور الحبيب خذر
       

دراسة

              دراسة
يعتبر الأستاذ الدكتور امحمد المالكي أستاذ العلوم السياسية في جامعة مراكش، أحد كبار إخصائئي العلوم السياسية في المغرب،

وقد عقب في مقال سمح لنا مشكورا بنشره على مستقبل الحكومة المغربية بعد أن انسحب من الإئتلاف الحكومي حزب الاستقلال ثاني الأحزاب أهمية في البرلمان المغربي 

الأحد، 16 يونيو 2013

رسالة الناشر


نصائح في محلها

تونس/ الصواب/12/06/2013

ما زال الإقبال على زيارة موقعنا المتمثل في هذه المدونة كبيرا وعلى الأقل أكبر مما توقعنا، بالنسبة لحامل إليكتروني غير إخباري، ولم تسبقه دعاية أو إشهار، كما إنه يعتمد مادة جادة تحليلية ولا تدعي أنها تلاحق الخبر.

غير أننا توقفنا عند بعض الملاحظات التي ساقها لنا عدد من القراء، بعضها وجيه وسنعمل به، والبعض الآخر لم تبد لنا وجاهته ولن نتوقف عنده على الأقل في الوقت الحاضر.

أولا نود أن نعتذر للسادة الزائرين على انعدام الجمالية في هذه المدونة التي تتميز ببساطة، قد لا تجعلها جذابة، ولكن ذلك هو نتيجة جهد لغير محترفين في مادة الإعلامية.

وسنتوقف هنا عند ملاحظتين بدت لنا كل منهما في غاية الوجاهة.

الأولى تهم طول المقالات أو الأبواب، وقد لاحظ لنا الكثير من الزائرين، وأن طول المقال لا ينبغي في مثل هذه المحامل أن يتجاوز ألف كلمة على الأقصى بالنسبة للموضوع التحليلي، والأفضل أن يكون أقل من ذلك، وأقل من 500 كلمة بالنسبة للعمود.

وتبقى الوثائق وهي ليست مطلب الجميع ولا محل اهتمامهم، فالطول هنا لا يهم بالنظر لطبيعة الموضوع، ولطبيعة القارئ.

أما الأمر الثاني فيهم الحرف، وقد لاحظ لنا عدد من الزائرين، إنه وجب أن يكون الحرف المعتمد، موحدا، لا يختلف من مقال إلى مقال، ثم إنه ينبغي أن يكون واضحا، وباستقراء مختلف الحروف وأحجامها استقر الرأي على اعتماد حرف التايمس بالبنط 20.

وإلى اللقاء.