Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 9 يونيو 2013

من الذاكرة


يكتبه عبد اللطيف الفراتي

المحاصرة

تونس / الصواب/05/06/2013

كنت أقوم بزيارة لمدينة قابس في تلك الأيام المشمسة من بداية الستينيات، وشهدت الأعمال التحضيرية لإنجاز مصنع الكيمياويات بقصد إعطاء قيمة مضافة للفسفاط التونسي الذي كان مستخرجا وما زال من الحوض المنجمي بولاية قفصة.

وكانت تلك كارثة تعرضت لأبعادها في ما سبق، حيث قتلت مستقبلا سياحيا كان يبدو واعدا   في قابس، وأنهى وجود واحات غناء، وأحل بالمدينة وضواحيها مصيبة بيئية ما زالت تعاني منها، وستعاني منها على مدى سنوات بل وعقود.

ومع المركب الكيمياوي كانت الإعدادات على قدم وساق، لإنشاء ميناء تجاري كبير.

وقد طلب مني آنذاك في جريدة الصباح، أن أتولى إجراء حديث صحفي عن الميناء الجديد، طاقته، وتأثيراته الاقتصادية على المنطقة.

وكانت مصالح الموانئ البحرية واقعة في بناية قديمة، في شارع الجمهورية حذو الجسر الكبير الآن، وكانت هذه البناية وأعتقد أنها كانت من طابقين تتميز بمعبر طويل جدا، هناك التقيت مع مسؤول في مصالح الموانئ سبق أن ارتبطت به بموعد في وقت معين.

وقد مكنني ذلك المسؤول ووفقا لما بقي في الذاكرة ( ربما كان مسؤولا من درجة ثانية، ) من معلومات قيمة حول طبيعة ذلك الميناء وكلفته والهدف منه وآجال تنفيذه، وهي آجال هي والكلفة تجاوزت لاحقا التقديرات بأضعاف مضاعفة.

كان الحديث شيقا لما اعتمده من معلومات فائقة الأهمية.

وأنهى ذلك الموظف كلامه إلي، بصورة صعقتني، فقد قال لي : إن النية تتجه إلى توسيع ميناء سوسة، وإنشاء ميناء كبير في قابس، وسيؤدي ذلك إلى اختناق الميناء الذي يقع بينهما، فتنحدر أهميته ويقل نشاطه، ولم يكن ذلك الميناء المقصود سوى ميناء صفاقس، الذي كان وما يزال يعتبر لليوم أكبر ميناء تصدير في تونس.

صعقت لهذا القول، ولكني كما ينبغي لصحفي محترف لم أرد الفعل، كما إني أحجمت وقتها عن ذكر ذلك في مقالي.

وبدا لي ولعلي أكون مخطئا، أن ذلك لا يعدو إلا أن يكون سبق لسان، أو كلام غير مسؤول لموظف غير مهم، قد يكون سمع كلاما وردده دون أن يتنبه إلى أنه لا ينبغي له أن يقوله.

غير أن الأيام الموالية ستوحي إلي بأن ذلك قد يكون سياسة مقررة، فخلال بضعة أشهر من ذلك اتخذت الحكومة قرارا بأن يتغير اسم شركة الفسفاط  صفاقس قفصة، التي بقيت في الذاكرة الشعبية تحمل ذلك الاسم رغم مرور 50 سنة أو تزيد ( باسم شركة قفصة) ونقل مقرها من مدينة صفاقس إلى مدينة قفصة، وهو ما تم فعلا لبضعة سنوات قليلة ثم غادر المقر إلى العاصمة تونس التي استأثرت بمقرات كل الشركات حتى العاملة في المدن الداخلية ضربا لمقولة إقرار اللامركزية أو التخفيف عن العاصمة.

وقد بقي مقر شركة صفاقس قفصة القديم بصفاقس  لليوم حاملا لاسم الشركة، رغم أنه تحول إلى مقر للولاية، ثم بعد ذلك وعلى إثر نقل مقر الولاية إلى البناية الجديدة في شارع 7 نوفمبر الذي ما زال لحد علمي لم يتغير للآن ،إلى مقر لمنطقة الشرطة، ويبدو لي أنه ما زال.
fouratiab@yahoo.fr

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق