يكتبها عبد اللطيف الفراتي
صعوبة التراجع
تونس/ الصواب /14/06/2013
يبدو أن وزير الخارجية التونسي
السفير الجراندي، وهو دبلوماسي محترف، ويعرف كيفية التعاملات بين الدول و يحذقها،
لا كمن جاء قبله من الهواة، المنقطعين حتى عن استشارة أهل الاختصاص، وكم تزخر
وزارة خارجية تونس بالمختصين والمحللين السياسيين، ممن قضوا حياتهم في التعامل مع
أعقد القضايا الدولية، سواء داخل مصالح الوزارة، أو في السفارات التونسية في
الخارج، أو ضمن مصالح المنظمات الدولية، إذن يبدو أن وزير الخارجية انتهى إلى ما
ينبغي أن ينتهي إليه، من أن قطع العلاقات مع الدولة السورية كان خطأ فادحا، سواء
باعتماد الأعراف الدولية، أو بالنظر لمصالح البلاد بكل نواحيها.
فمن جهة وكما هو معروف، فإن
علاقات الدول ليست مقياسا لحرارة الصلات أو برودتها، بقدر ما هي حلقة اتصال دائم
قار ومستمرـ تمكن من فهم ما يدور عبر التقارير الدبلوماسية، التي ترقى في بعض
الأحيان إلى وتيرة يومية، وحتى أكثر من يومية، وترعى المصالح العليا للدولة
وللأفراد من المواطنين، الذين هم في أمس الحاجة نفسيا وماديا إلى سند يسند ظهورهم.
وليس غريبا عن الوزير الجديد
الذي يقول معارفه من الدبلوماسيين، إنه وإن لم تسنح له سابقا فرصة الظهور البارز،
فإنه يتمتع بأعلى خصال الدبلوماسي الناجح المحترف، الذي لا ينظر إلى الأشياء من
منظور عاطفي، أو من منظور ردة الفعل البدائية.
ولذلك ليس غريبا أن يكون الوزير الجديد قد بادر للتفكير في
استعادة ربط علاقات دبلوماسية مع سوريا،
وإذ أعلن في ما يحيط بالمبادرة الدبلوماسية من حذر عن ذلك فلأنه يدرك صعوبة
المأمورية نتيجة لعدة عوامل:
أولها أن القطع وغلق السفارات،
لم يكن له ما يسنده عمليا، وأنه كان عشوائيا وخارجا عن المألوف والأعراف.
وثانيها أن الطريقة المستعملة
في طرد السفيرة السورية في تونس، كانت مجافية للأعراف، واللغة الدبلوماسية لا تعرف
مثل تلك التعبيرات الجافة، فالعبارة المستعملة عادة هي اعتبار الشخص غير مرغوب
فيه.
ثالثها أن تونس وهي تسعى
لاستعادة علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا تنطلق من موقع ضعف، والحكومة السورية التي
هي بصدد تسجيل نقط انتصار كبيرة، ومحاصرة من تسميهم بالمتمردين و افتكاك مواقع ارتكازهم،
تبدو أقوى حالا بحيث تستطيع فرض إرادتها.
وهذه العوامل مجتمعة، تجعل
الحكومة إذا ما قررت الإقدام على الخطوة الحاسمة، في السعي لاستعادة علاقاتها
الدبلوماسية مع دمشق، وبأي مستوى كان، في موقف الضعف لا القوة، بكل ما يعني ذلك
على صعيد العلاقات بين الدول، من وجوب تقديم تنازلات تختلف وجيعتها باختلاف
التطورات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق