Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 23 يونيو 2013

الموقف السياسي

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
دستور كل الخلافات
( البدء الخطأ)
تونس/ الصواب/20/06/2013
بعد انتخاب المجلس التأسيسي ، وإحراز حزب حركة النهضة على أغلبية نسبية تتمثل في 89 نائبا من جملة 2017 أي 40.5 في المائة من مجموع النواب.
وكان لا بد لحركة النهضة لتقلد الحكم والتحكم في المشهد السياسي العام، وأيضا السيطرة على ملامح الدستور ومفاصله الأساسية ،  ـ كان لا بد لها  ـ من مدد خارجي، وكان يمكن للنهضة مثلا أن تشرك نواب العريضة الشعبية الـ 26 الذين كان نجاحهم مفاجأة تلك الانتخابات، وكان بالإمكان لها أن توفر لنفسها الأغلبية البسيطة التي تحتاجها أي 109 من النواب، بل أكثر بقليل من ذلك بـ115 نائبا.
غير أن حركة النهضة في خضم تلك الفترة ومن المؤكد على اعتبار حساباتها للمرحلة، صرفت النظر عن هذا الاحتمال في نظرنا لسببين:
** أولهما أن النهضة كانت دوما تكن عداء مرضيا لكل الذين كانوا في صفوفها ، وانفصلوا عنها في موقف لا يمت للحسابات السياسية بصلة، وكان الهاشمي الحامدي ضمن القيادات الطلابية للاتجاه الإسلامي، وكان ينشط في الحياة الصحفية، وعندما استلمت الرئاسة الأولى للتحرير لجريدة  الصباح في ربيع 1988 كان من المبادرات الأولى التي قمت بها،  العمل على إنشاء صفحات مخصصة للعالم الطالبي ، فكان أن اخترت لصفحة الطلبة الإسلاميين الهاشمي الحامدي ولصفحة الطلبة اليساريين سليم الكراي الذي كان أيامها محسوبا على اليسار.
وكان الهاشمي الحامدي أيامها غارقا إلى الأذقان في التنظيمات الخاصة بالاتجاه الإسلامي، وكان لا يقسم وقتها إلا باسم "الشيخ" راشد الغنوشي،كنت في تلك الفترة أيضا في خضم التورط في تحرك مع منصر الرويسي المستشار السياسي للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ، من أجل ضمان الاعتراف للإسلاميين بكيان قد يكون حزبا وقد يكون مجرد جمعية، وعلى الأقل الحصول على ترخيص لإصدار جريدة، وفي ذلك الإطار تم إجراء الحديث الخاص الذي أدلى به للصباح الشيخ راشد الغنوشي، والذي تم نشره يوم 17 جويلية 1988، وهو حديث  صعب لعله الأصعب في حياتي المهنية، التي لا بد أن تكون شملت مئات المقابلات الصحفية، حيث تنقلت عديد المرات بين بيت الشيخ راشد وقصر قرطاج عديد المرات، وتناولت طعام الغداء في بيته ، حتى استوى ذلك الحديث وقدم فيه الرجل ما طلب منه من تنازلات، ووافق عليه وقتها الرئيس الأسبق، واعتبره زعيم ما سيسمى لاحقا بحركة النهضة تعبيرا عن توجهات حزبه ومرجعه الفكري، وهو ما كرره عديد المرات.
أيامها كان الهاشمي الحامدي شديد الالتصاق بالاتجاه الإسلامي وكان يعتبر من قياداته الطلابية، وسيهاجر الهاشمي الحامدي لاحقا إلى السودان ، التي قام فيها في الأثناء  وبعد انقلاب عسكري (أنهى الحياة الديمقراطية)، نظام منتسب  للإخوان المسلمين، بقطبين اثنين،  حسن الترابي وعمر حسن البشير، ومثل الكثيرين حصلت بين الهاشمي الحامدي والتيار الإسلامي خلافات يبدو أن أصلها فكري ، غادر بعدها الرجل الحركة التي كانت قد تحولت إلى حزب غير معترف به هو حزب حركة النهضة.، وقامت بينه وبين زعيم الحركة مشاحنة ظهرت في عدة مناسبات حتى على شاشات التلفزيون، ومن هنا فإن حركة النهضة وبعد انتصارها النسبي في الانتخابات التي جرت في 23 أكتوبر 2011 ، لم تلتفت للعريضة الشعبية، ووضعتها في موقع من لا وجود له.  
ولما كان الهاشمي الحامدي قد انفصل عن الحركة، فإن حزب النهضة قد تعامل معه إن لم يكن بعداوة ، فعلى الأقل بتجاهل كامل ، كما كان الأمر بالنسبة لـحميدة النيفر وصلاح الجورشي وعبد الوهاب الهاني وفاضل البلدي وبن عيسى الدمني وصالح كركر وحسن الغضباني  وبصفة أقل خالد شوكات وغيرهم كثيرون ممن افترق طريقهم عن طريق النهضة، فأصبحوا منبوذين منها، وعلى أساس أن من يدخل صفوفها سواء أسميت تيارا إسلاميا أو اتجاها إسلاميا أو نهضة وخرج، فقد تلوث بحيث لا تحق له العودة، ولعل عبد الفتاح مورو هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، ولو أن عبد الفتاح مورو المغادر العائد، لم يسلم من أن يكون هدف سهام حادة، لم يسع زعيم الحركة في ضبطها أو تجنيبه إياها، حتى باعتباره المؤسس الحقيقي والأول للحركة.
** وثانيهما أن العريضة الشعبية ، كانت تبدو من البداية غير موثوقة الجانب، فهي تتألف من شخصيات متنافرة، ذات اتجاهات غير واضحة، جمعها الهاشمي الحامدي على غير قاعدة صلبة من المواقف الموحدة، وتدين بالولاء فقط لزعيمها، وهو ما سيبدو صحيحا كتحليل، فسريعا ما سينفرط عقد هذه المجموعة، فيبدأ الانفصال من صفوفها، والالتحاق بصفوف أحزاب أخرى أو كتل متنوعة يمينا ويسارا، بحيث يبدو التنافر العقائدي داخل المجموعة الأولى .
**
من هنا حزم حزب حركة النهضة أمره، واتجه إلى ما كان لأحد يظنه يتجه، اتجه إلى أحزاب علمانية، ولعله كان يخطط للتعامل رأسا مع الحزب الجمهوري ولم يكن اسمه كذلك في المنطلق، فعلاقة النهضة بأحمد نجيب الشابي كانت وثيقة، والشابي بالذات وحزبه كانا في مقدمة المدافعين عن الإسلاميين المقربين منهم.
ولكن الشابي الذي كان يعد نفسه لأدوار أكبر منذ سقوط بن علي في 14 جانفي 2011، لم يكن ليقنع أو يقتنع بكرسي صغير، بعد كل ما اعتبره نضالا طويلا.
وبحكم الوزن الذي اكتسبه في الانتخابات، وهو وزن ذاتي، لا يأتي من مساعدة باتت مفضوحة من النهضة للتكتل بزعامة مصطفى بن جعفر و خاصة المؤتمر بزعامة المرزوقي، رفض أن يكون تابعا في جهاز حكم لا يكون له فيه تأثير فعلي ولا حقيقي، ولا يتولى فيها رئاسة الرئاسات بصلاحيات فعلية.
واليوم وبعد مرور عام وتسعة أشهر يبدو الأمر كما يلي:
1/ قبول أحزاب توصف بالعلمانية عادة، (المؤتمر والتكتل) الدخول في ائتلاف حكومي، يبدو معاكسا لطبيعة الأشياء.
2/ تقديم تنازلات كبيرة جدا سواء داخل جهاز الحكم، أو في المواقف ،تبرز تسرعا ، ورغبة في المشاركة في السلطة  ونيل منافعها وبهرجها ، أكثر مما هو مفترض في حكومة تحالف أو ائتلاف.
3/ توفير أغلبية مريحة جدا وغير مشاكسة.
والحكومات الائتلافية وهي ليست بدعة تونسية، تقوم عادة على برنامج للحكم، وعلى تقاسم الأدوار، وعلى وزن معين لكل طرف إلى حد الفيتو على القرارات، ولعل التجربة الألمانية السابقة واللاحقة بين الحزب الاجتماعي الديمقراطي مع الليبراليين ، أو الديمقراطي المسيحي مع الليبراليين، أو التجربة الحالية في بريطانيا كلها تبرز كيفية قيام ائتلاف، أما في تونس فيمكن اليوم القول إن كلا من حزبي المؤتمر من جهة، وحزب التكتل من جهة أخرى ، دخلا الائتلاف  مطاطئي  الرأس tête baissée دون أن يقدم أي منهما شروطه، ولعل منصف المرزوقي كان أهم ما يهمه هو أن يدخل إلى قصر قرطاج، كيف وبأي صلاحيات، لم يهتم بذلك مطلقا، وعندما تفطن للفخ الذي وضع فيه نفسه، كان الوقت قد فات والفرصة للتأثير قد ضاعت، ولقد حاول أن ينتفض من حين لآخر، ويبرز بمواقف متميزة ولكنه كان سريعا ما يعود إلى بيت الطاعة، مدركا أنه لا خيار له إلا بمغادرة القصر الذي كان الأمل منذ وقت طويل، واعتبر أن الاستقرار فيه، ليس بالأساس مهمة سامية ، بل عملية ثأر سواء من الرئيس الحبيب بورقيبة الذي يدور في خلده أنه اضطهد والده واضطره إلى الهجرة للمغرب والزواج هناك بثانية وما تبع ذلك من تشتت للعائلة، أو الرئيس بن علي الذي اضطره هو شخصيا للهجرة والبقاء سنوات طويلة خارج البلاد.
أما مصطفى بن جعفر فإن الدواعي الشخصية لم تكن غائبة عن ذهنه، وهو يتجه للجلوس على كرسي رئاسة المجلس التأسيسي، وهو الدستوري القديم الذي هاجر حزب العائلة العريقة في حزب الدستور، ليلتحق بأحمد المستيري فيما اعتبره البعض حزب التوانسة، والذي اضطر لمغادرته أي حركة الديمقراطيين الإشتراكيين، في منافسة غير متكافئة مع محمد مواعدة، الذي يعتبر أنه قذفه خارج الحزب بعد انسحاب زعيمه المستيري منه، تحت ضغط يأس أصابه من تصرفات الرئيس الأسبق بن علي، الذي ظهر مبكرا على وجهه الحقيقي، وكذلك من يأس أصابه من أن يكون هو رئيس الدولة عندما تسقط الثمرة ناضجة بنهاية عهد بورقيبة.
هذه الدواعي الشخصية للرجلين جعلتهما على استعداد بأكثر من 50 مقعدا في المنطلق في المجلس التأسيسي،  للقبول بكل شيء والدخول في تحالف غير طبيعي، وخاصة غير متكافئ مع حزب حركة النهضة ذو المرجعية المناقضة، وهو الحزب الذي لا يتفقان معه في كل شيء ، وخاصة في التصور المجتمعي.
ومن هنا جاءت محاولات الانتفاض الدورية التي قام بها الرجلان بدون تنسيق بينهما، وكان مصطفى بن جعفر هو الأول الذي انتفض عندما أعلن بشأن موقف النهضة من إدراج الشريعة الإسلامية في الفصل الأول من مشروع الدستور، بالقول إن ذلك لن يمر إلا على جثته، وإذ استكان الرجل بعد ذلك فإن المرزوقي هو الذي شكل شوكة في حلق النهضة، طيلة السنة والنصف الذي كان فيه شريكا ضعيف التأثير في حكم استأثرت به النهضة، وقبل به صاغران المرزوقي وبن جعفر، قبل أن يتفطن كل منهما إلى الخطإ الفادح الذي ارتكبه، وخاصة من خلال بنود دستور صغير جمع كل خيوط القرار بين يدي النهضة، وجعل شريكاها في "الحكم" مجرد كومبارس.
ولعل النهضة قد نفضت يديها اليوم تماما من المرزوقي، فيما إنها حافظت على خيط معاوية مع بن جعفر، الذي يبدي هذه الأيام فروض الطاعة، عبر تنازلات دستورية غير مفهومة من رجل هو وحزبه يعلنان عن علمانيتهما، وذلك بالقبول بالفخاخ المنصوبة في توطئة الدستور، وفي فصله 141 وخاصة في أحكامه الانتقالية، التي كتبت بصيغة، تؤبد مرحلة انتقالية ثالثة، وتمنح المجلس التأسيسي القائم بأغلبيته النهضوية النسبية سلطات لم تأت بها لا النصوص الداعية لانتخابه ، وتحديد مدته ، ولا الدستور الصغير أو المقتضيات الخاصة بتنظيم السلطات، ولا حتى النظام الداخلي.
وهنا يبدو أن مصطفى بن جعفر يحاول أن يشتري المستقبل عبر تقديم تنازلات كبرى، تتناقض مع قناعاته الشخصية، وتوجهات حزبه، وهو ما جعله في وضع حرج سواء داخل مجلس تأسيسي بات جزء منه حتى من حلفاء الأمس يناصبه العداء، أو داخل حزبه الذي من المقرر أن يعقد مؤتمره خلال بدايات الشهر المقبل ، في جو من الانقسامات الحادة، كل ذلك عقب انشقاقات لم تبق للحزب كثيرا من الأنصار، تماما كما حصل مع حزب المؤتمر الذي بات شبحا لنفسه، منذ انتخابات 23 أكتوبر 2011.
الحلقة الثانية   محاذير في دستور الحبيب خذر
       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق