Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 2 يونيو 2013

بكل هدوء


هل انتهت الفسحة؟

تونس/الصواب/29/05/2013

استبشر المواطنون عشية الجمعة 14  كانون الثاني 2011، وأحسوا في غالبهم بإزاحة  حمل ثقيل من على أكتافهم،  وانفرط عقد المظاهرة الضخمة التي نظموها أمام وزارة الداخلية في شارع بورقيبة، في اليوم الموالي لمظاهرة أكبر انتظمت بمدينة صفاقس وجمعت في أدنى التقديرات مائة ألف متظاهر. وعادوا أو عاد أكثرهم إلى ديارهم قابعين فيها تحت وطأة  حالة الطوارئ، ومنع الجولان.

وللمرء أن يقف مثمنا  الجهد الذي تم بذله ليلتها، للحفاظ على الدولة واستمراريتها، على يدي رجال مثل محمد الغنوشي وفؤاد المبزع، الذين تصدوا لمسؤوليات ثقيلة حتى لا ينهار صرح دولة عرفها وخبرها التاريخ على مدى أكثر من ثلاثين قرنا.

وخلال الأيام الموالية ، وكان الوضع صعبا بانفراط جهاز الأمن وتفتته، كانت الإدارة العمومية التي كان بورقيبة صحبة الباهي الأدغم بتشكيلها على غرار أكثر النظم العالمية شكلا، قد استلمت المشعل حتى تستمر الدولة.

و خلال الأيام والأسابيع الموالية، وفي خضم فوضى عارمة أطرتها الإدارة العمومية، والإرادة القوية للقيادة السياسية لنظام سياسي موروث عن عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ولكنه حاول أن يكون مختلفا عنه، تمكن جهاز الدولة من السيطرة على أوضاع منفلتة.

ولعل المزية الكبرى لفترة حكم محمد الغنوشي (ولا علاقة قرابة له مع الشيخ راشد الغنوشي فالأول من مدينة سوسة ومن عائلاتها المرموقة والثاني من مدينة حامة قابس)، أنه استطاع أن يوفر للبلاد الحد الأدنى من الاستقرار السياسي  رغم الفوضى العارمة التي اهتز لها المجتمع.

واتسم عهد محمد الغنوشي بأنه لا هو ولا الرجل كانا على قدرة لاستيعاب أمر مهم هو أن ثورة حصلت وأن لها متطلبات معينة، وأنه وإن كان رجل اقتصاد فذ مكن البلاد خلال سنوات من إشرافه على وزارة أولى بدون أي صلاحيات سياسية، من تطور كان الأفضل عربيا وإفريقيا، رغم معوقات الفساد الرئاسي وفساد العائلة والأصهار، فإنه بدا أبعد من أن يكون رجل سياسة وقرار سياسي.

ولذلك وإزاء هذا الوضع، فإنه ترك الساحة لرجل آخر من الحرس القديم، أقدر على اللعب على الحبل السياسي، هو الباجي قائد السبسي الذي برز بذكاء حاد في التعامل مع تفاعلات المرحلة، واستيعاب معنى أن البلاد شهدت ثورة، وأن الحاضر لا يمكن أن ينطلق من الماضي، بل لا بد له من الانطلاق من اللحظة الآنية، دون أن يعني ذلك التنكر لكل الماضي بنواحيه الإيجابية.

ولعل المؤرخين سيقفون عند أمرين اثنين يشكلان نقطة سلبية في كيفية تعامل الباجي قائد السبسي :

أولهما القبول الفوري بمطلب القصبة 2 وتظاهرتها المستمرة بإلغاء الدستور وحل المجلس النيابي واتخاذ قرار بالدعوة لانتخابات لمجلس تأسيسي يتولى صياغة دستور جديد.

وثانيهما القبول باتخاذ قرارات سياسية من الأهمية الكبرى باعتماد شرعية ثورية لا تعلن عن نفسها، وليست مؤهلة لاتخاذها.

وإذا كان يبدو اليوم أنه لم يكن ممكنا تواصل المرحلة مع مجلس نيابي منتخب كما يعرف الجميع عنه، فلعله كان الأجدر أن يتم وبالتوافق تعيين لجنة دستورية من كبار الخبراء وتونس تعج بهم،  تتولى كتابة دستور وفقا للمعايير الدستورية المتعارف عليها دوليا، مع الأخذ بعين الاعتبار بالخصائص الوطنية والمحلية، وكان يمكن في هذه الحال وبعد عرض مشروع الدستور على الاستفتاء العام، الانتهاء من المرحلة الانتقالية في ظرف 6 أشهر على أقصى تقدير، لا جرها منذ ذلك الحين لليوم وإلى ما لا يعرف أحد من وقت، بكل ما يستتبع ذلك من تأثيرات سلبية على البلاد، من ضبابية مضرة بالناس وباقتصادها ومسيرتها.

ومرورا إلى النقطة الثانية فلقد اضطر الباجي قائد السبسي تحت ضغط الشارع أو ما برز على السطح من الشارع،  إما لاتخاذ قرارات، أو أن يترك المجال لاتخاذ قرارات  ستظهر سلبيتها لاحقا، تؤدي إلى أوضاع لا قانونية ولكنها سياسية تفترض أن لا تكون حصلت، ويفترض اليوم إيجاد حلول لها، ومعها عدد من الموقوفين منذ أكثر من عامين دون محاكمات  وتجاوزا لقوانين الاحتفاظ، ولدولة يراد لها أن تكون دولة القانون.

واستمرار فترة الانتقال الأولى والثانية، أدت إلى السكوت عن خروق قانونية، أولاها بسبب عدم رغبة في المسك بالثور من قرونه، وفي انتظار حكومة منتخبة ثانيتها بسبب الانتظار الانتخابي، فحكومة النهضة ودعنا نسميها كذلك باعتبار الدور الباهت لشريكيها  التكتل والمؤتمر ورغبتهما في المناصب أكثر من أي شيء آخر، التزمت بعد مواجهة الواقع أو فرض مقتضيات القانون، ما مكن كل من تجرأ على الدولة وسلطتها المفترضة من التحرك وفق الإرادة الذاتية بدون حسيب أو رقيب، فتغول حزب النهضة وعين من عين بعيدا عن ما يفرضه القانون مثلا بالنسبة للولاة، و النيابات الخصوصية، و تعملقت التيارات السلفية  وخاصة منها الجهادية، وضربت المسيرات والتظاهرات والإعتصامات  والإضرابات على شرعيتها أحيانا لا مشروعيتها ولا قانونيتها، بعرض الحائط  هيبة الدولة ومصالحها الحيوية.

وكان الهاجس الانتخابي للنهضة وشركاؤها القسط الأكبر من هذا الانفلات المدمر، لا فقط لهيبة الدولة، ولكن أيضا لمصالح البلاد، فتأثر الإنتاج سلبيا وتأثرت السياحة بمظاهر والأفعال غير القانونية للسلفيين وآخرها قبل أيام في جرجيس.

ويبدو أن الحكومة الجديدة، وفي مقدمتها وزير الداخلية الجديد قد "أصابهم" التفطن إلى أن الدولة لا يمكن أن تكون بمثل هذه السلبية، ومن هنا جاء رد الفعل تجاه ما كان يخطط للقيروان من تدبير، وتم الأخذ بقرارات تسعى لإعادة الهيبة للدولة، فهل تكون "الاستراحة" قد انتهت، وهل ستكون القرارات الحاسمة والحازمة قد اتخذت؟

ذلك ما يبدو في انتظار التفعيل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق