يكتبها
عبداللطيف الفراتي
الولايات المتحدة..
العظمة
تونس/
الصواب/ 28/06/2013
خلال الزيارة
للولايات المتحدة والتي نظمها البنتغون لعدد من الصحفيين العرب سنة 1966، والتي
تعرضت لها في حلقة سابقة، كان الهدف الواضح هو إظهار القوة الأمريكية في ذلك الحين،
وكان الجو العام في غالب العالم العربي
وقتها متجها للتقليل من تلك القوة أو حتى نكرانها، ولذلك فإن الرحلة الكاملة وضعت
تحت "قيادة" الكولونيل "بويد" وهو رجل لطيف المعشر، ولكنه كان
حازما، وكان يعرف ما يريد، وما يراد منه، وكان مرفوقا بعدد من المرافقين العسكريين
بزيهم ونياشينهم، وبمدني كنا نحسب أنه رجل مخابرات ولعله من وكالة المخابرات س إ أ ، كان بعين واحدة، ولكنه كان يتفرد بكل
منا على حدة كل ما واتته الفرصة ، وإذ كان غير واضح في أهدافه كما في شكله، فإنه
لم يتخل يوما عن أدبه الجم، وعن وضع نفسه في خدمة الوفد، رغم بعض التعالي في طبعه.
وللأسف فمن
بين أعضاء الوفد خاصة من المصريين وكانوا ثلاثة ومن العراقيين وكانوا ثلاثة أيضا ،
من كانوا يقللون من مظاهر القوة التي بدت لنا في كثير من الأحيان، ويؤكدون أن كل
ما نراه موجود عندهم في بلادهم.
إلى درجة أن
المترجمين الاثنين المرافقين وكانوا من الطلبة السوريين وأقدر أنهم من نوع الطلبة
الدائمين، وربما من الحاصلين على الجنسية الأمريكية، يقولان: إذا كان كل هذا عندكم فلماذا نحن
متخلفون وهم متقدمون؟
وخلال هذه
الزيارة أمكن لنا أن نزور عددا من القواعد، واحدة في كولارودو سبرينغز وهي مدفونة
في بطن جبل ، وتعتمد على لوالب ضخمة بحيث لا تؤثر فيها لا زلازل ولا قنابل نووية،
وهي من القواعد الإستراتيجية أي التي بها صواريخ عابرة للقارات حاملة لرؤوس نووية،
ووفقا لما قيل لنا فلا يمكن النيل منها.
والثانية في
نورفولك على ساحل الأطلسي في ولاية فيرجينيا ، وتعتبر وقتها وحتى الآن أكبر قاعدة
بحرية في العالم، ببوارجها الضخمة التي تعج كل منها بما يملأ قرية كبيرة سكانا،
وبحاملات طائرات لم أر لها مثيلا لا قبل ذلك ولا بعد، حتى خلال زيارة القاعدة
البحرية الفرنسية في تولون، والغداء مع قائد بحري برتبة أميرال في البحرية الفرنسية في سنة 1985على متن أكبر حاملة طائرات في فرنسا.
أما الثالثة
فكانت في ولاية أريزونا حيث شهدنا مناورة جوية برية، أشبه ما تكون بحرب فعلية.
وما أذكره من
الطرائف خلال تلك المناورة أنه قدمت لنا وجبة باردة من لحم الدجاج، الذي لم نكن نعرفه
في تونس مما كان يباع في الأسواق الأمريكية بدولار مع الفريت في ما يشبه الطربوش،
وكان الدولار أيامها يساوي 400 مليم، وهو ما يبرز الانحطاط الذي أصابه منذ ذلك
الحين، حيث انخفضت قيمته إلى الربع، وأعود إلى الوجبة فقد كنت أتصارع مع نصف
الدجاجة الموضوعة في صندوق كما صناديق الأحذية بسكين وشوكة من البلاستيك، عندما
لاحظ لي الكولونيل بويد وكان يجلس بجانبي، إن الدجاج يؤكل بالأيدي، لا بالسكاكين
والشوكات البلاستيكية، وذكرتني تلك المقولة بحادثة في حدود سنة 1961 أو 1962، وكنت
في تلك الصائفة أغطي المهرجان الدولي للفنون الشعبية في المنستير، مع الإقامة في
سوسة حيث الفنادق الصغيرة الرخيصة كانت متوفرة، وفي أحد الأيام تغدينا عند رئيس
الجمهورية، وكان مرافقه الدائم مصوره الرسمي منذ فترة الكفاح الحبيب عصمان، أيامها لم تكن الفراخ تلك التي
تؤكل اليوم، بل دجاجات كبيرة لحمها صلب، وأخذ الحبيب عصمان في معالجة قطعة الدجاج
أمامه، ولم يكن يحسن التعامل مع السكين والشوكة، فكانت القطعة تفلت منه كلما بدأ
بقطعها، فسأله الرئيس بورقيبة . ألا تحسن استعمال السكين والشوكة، فأجابه لا سي
الحبيب وإنما يبدو أن هذه الدجاجة قد قضت 25 سنة في الكفاح عند دنلوب وميشلان قبل
أن تأتي إلى هنا، تعريضا بما كان يقوله الرئيس بورقيبة من أنه قضى 25 سنة في
الكفاح ضد الاستعمار.
ولقد كانت
لنا خلال تلك الزيارة للولايات المتحدة فرصة للذهاب، إلى هيوستن عاصمة الفضاء
الأمريكية حيث توجد النازا الشهيرة، وهيوستن على ضخامتها كمدينة ليست عاصمة تكساس
ثاني أكبر الولايات في أمريكا وأغناها، بل العاصمة هي أوستن وهي المدينة التي كان
ينحدر منها الرئيس جونسون، والتي دفن فيها بعد وفاته، في ضيعة له "رانش"
به آلاف الهكتارات. والرئيس جونسون هو أول رئيس أمريكي تصرف بعداء شديد ومعلن
للعرب، ووقف إلى جانب إسرائيل بصراحة في حرب 1967، وأقام جسرا جويا اشتغل أياما
لإيصال أحدث الأسلحة إليها.
وفي مدينة
هيوستن أمكن لنا أن نرى المركبات الفضائية التي استعملت والمقاعد التي كان يجلس
عليها الرواد، ولكن ما أثار انتباهي أننا
تغدينا في مطعم مخصص للبيض، ولقد اعتبرا الوفد العربي من البيض، فيما كان
يوجد مطعم أمامه مخصص للسود، كان ذلك في سنة 1966، وقبل "ثورة"لوثر
كينغ، وقبل اغتياله.
وصلت الرسالة
للبعض منا ولم تصل لآخرين بقوا على إصرارهم أن أمريكا ليست بتلك القوة التي تريد
أن تسوق مظاهرها، ولليوم فهناك من يقلل من
شأن أمريكا . وتلك قصة أخرى.
تعليق الصور
الصورة
الأولى:
حتى الطائرة
كانت عسكرية وفي الصورة محمود الشريف وكان رئيسا لتحرير أهم جريدة في الأردن وكان
مقربا من الملك حسين ووراءه الكولونيل بويد ثم تحت مدرج الطائرة الليبي بوغطاس
الذي كان يملك جريدة في ليبيا كانت مناوءة للحكومة الليبية أيام ما قبل انقلاب
الملازم القذافي ، ثم المرحوم البشير طوال
وكان سكرتير تحرير جريدة العمل ثم أنا وفي باب الطائرة كان صحفي مصري من جريدة
الأهرام وكان بارعا في التنكيت إلى درجة أنه يشدنا كل ليلة للصباح ضاربا بذلك عرض
الحائط بالانضباط الذي أراد فرضه علينا الكولونيل بويد.
الصور
الثانية
الصحفي
الليبي بوغطاس يفحص كرسي رواد الفضاء وإلى يساره صحفي من اليمن الأستاذ حكيم وهو
مثال للحكمة وقد عملنا معا في صحيفة الشرق الأوسط والتقيته عدة مرات في لندن
بمناسبة المؤتمرات السنوية ثم صحفي جزائري وفي أقصى يمين الصورة عبد الجبار
السحيمي وهو صحفي مغربي كان أيامها مديرا لإذاعة فأس وفي آخر حياته تولى ولعدة
سنوات إدارة صحيفة العمل المغربية حيث التقى طريقنا من جديد وأصبحت كاتب عمود في
تلك الصحيفة التي تعتبر إحدى أهم وأقدم الصحف وهي الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال.
ثم وإلى يمين
الصحفي الليبي وبغطاس الذي يفحص كرسي الرواد أنا عبداللطيف الفراتي وقد انصب نظري
على الكبسولة جيميني التي رفعت عدة رواد إلى الفضاء ثم الصحفي اللبناني عادل مالك
وهو أحد كبار الصحفيين المحللين اللبنانيين، ثم صحفي مغربي آخر ثم البشير طوال من
جريدة العمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق