Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 16 يونيو 2013

الموقف السياسي


يكتبه عبد اللطيف الفراتي

المظهر السياسي للباكالوريا

تونس / الصواب / 14/06/2013

في وقت تتجه فيه، معارك صبيانية، تحت قبة المجلس الوطني التأسيسي، في محاولة للطلوع علينا بدستور، لا هو في العير ولا في النفير، لا يستجيب لتطلعات الذين أنجزوا الثورة، ويحاول أن يفرض أو يزرع نمطا مجتمعيا على جسم وطني رافض، وهو نمط سيلفظه المجتمع التونسي الوسطي، في هذا الوقت يحق للتونسيين أن يولوا اهتمامهم إلى أمر يهم كل عائلة تقريبا، وهو موضوع الباكالوريا.

فخلال أيام سيعلن عن النتائج، ومن خلالها سنعرف ما إذا كان المستوى التعليمي العام سيرتفع كما هو مأمول أم لا، وإذا كان التعليم بكل درجاته، هو أكبر من تضرر من السنوات العجاف لحكم بن علي، ذلك أن إفساده لا يمكن إصلاحه إلا بجهد قد يتطلب أجيالا، فإن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة أولى.

والتعليم هو أحد مظاهر الحياة السياسية، ومحرارها، كما ميزانية الدولة، وكما غيرهما.

ولعل النقطة الأولى التي ينبغي التوقف عندها، هي تلك المتمثلة، الظاهرة العددية، و قد بلغ عدد من شملتهم إحصائيات الترشيح في هذا الامتحان ، وليس المناظرة كما يحلو للبعض القول، هو حوالي 143 ألفا و 194، بزيادة قرابة 14 ألفا عن العام الماضي.

بورقيبة سنة الباكالوريا الصف الثاني في الوسط
 

والسؤال المطروح هو إلى متى سيستمر تزايد عدد المرشحين، في ظل تناقص المنبع الذي منه يأتون أي التعليم الإعدادي.

ولمزيد التفصيل فإن هؤلاء ينقسمون كما يلي:

·      الوافدون من المعاهد الحكومية:110آلاف و880 تلميذا

·      الوافدون من المعاهد الخاصة: 26 ألف و652 تلميذا

·      المرشحون الأحرار: 3 آلاف و162

كما ينقسم هؤلاء إلى:

·      80 ألفا و377 من الفتيات (56.14 في المائة)

·      62 ألفا و817 من البنين (43.86 في المائة)

وبذلك يشهد الأمر سنة بعد سنة تعاظما في عدد الفتيات ونسبتهم إزاء تناقص مستمر في عدد البنين ونسبتهم.

وإذا سار الأمر على الحال التي عرفها هذا الامتحان، فإن نسبة النجاح بين البنات ستكون أكبر مما يزيد الخلل تعاظما.

ليس ذلك فقط بل إن التميز في النتائج سيبرز إضافة إلى التقدم العددي للفتيات، تقدما في التفوق، استمرارا للمشاهد منذ سنوات.

وهذا يطرح إشكالية ينبغى أن يتم الالتفات إليها ومحاولة معالجتها، حفاظا على توازن المجتمع، وأيضا حتى لا يحتكر الجنس اللطيف عند التوجيه المسالك النبيلة، وهو ليس عيبا في ذاته، ولكن التوازن في المجتمع يبقى دائما مطلوبا.

وفي محاولة للمقارنة بين دول مختلفة منها ثلاثة من منطقة المغرب العربي نجد أرقاما لها إيحاءات كثيرة:

أولا: إن عدد مرشحي الباكالوريا في تونس يبلغ هذا العام 143 ألفا كما رأينا، وذلك لعدد من السكان يبلغ 11 مليونا.

ثانيا : إن هذا العدد في الجزائر يبلغ  570 ألفا لعدد من السكان يقدر بـ36 مليونا

ثالثا: إن هذا العدد في المغرب يبلغ 455 ألفا لعدد من السكان 33 مليوما.

رابعا: إن هذا العدد يبلغ 670 ألفا في فرنسا بعدد من السكان يتجاوز 60 مليونا بقليل.

غير أنه لا ينبغي تنسيب عدد المرشحين إلى عدد السكان، وبالنسبة لشريحة عمرية لمن هم في سن الباكالوريا فإن فرنسا وبين هذه الأقطار الأربعة تحتل المرتبة الأولى، تليها تونس ثم الجزائر ثم المغرب، والأخيران بلدان تحتل فيهما الشريحة العمرية لمن هم في سن ما تحت وما فوق 20 عاما من العمر بقليل نسبة عالية، أما تونس وباعتبار آثار التنظيم العائلي، فإن شريحتها العمرية في هذه السن، قد تقلصت بل وتزداد تقلصا عاما بعد عام.

ولكن وبما أننا نتحدث عن الباكالوريا ألا يحق لنا أن نتعرف قليلا عن أصل هذه الشهادة، ثم منذ متى عرفتها بلادنا.

وكان نابوليون بونابارت إمبراطور فرنسا في بدايات القرن التاسع عشر، هو الذي سن امتحان الباكالوريا واشترط الحصول على هذه الشهادة، لدخول الأقسام الجامعية وارتياد التعليم العالي، وكانت شهادة الباكالوريا في بداياتها تعتمد على امتحان شديد في اللغة الفرنسية، ثم أدخلت المواد العلمية بعد ذلك.

أما تونس فإنها عرفت الباكالوريا  منذ سنة 1891، علي يدي رئيس الوزراء الفرنسي "جول فيري" وهو الذي كان وراء احتلال تونس سنة 1881، وقد نصب تمثال له في منتصف شارع الحبيب بورقيبة الذي كان يحمل اسمه، وغالبا حيث تقوم الساعة التي تم تنصيبها في 7 نوفمبر 1987، على أنقاض المكان الذي كان به تمثال الرئيس الحبيب بورقيبة، راكبا صهوة حصانه، وهو التمثال الذي نقل لاحقا إلى مدخل حلق الوادي.

وفي السنة الأولى للباكالوريا نجح 5 فقط.

ويعتبر عدد الذين حصلوا على الباكالوريا طيلة الإحتلال الفرنسي  عدد لا يعتد به ولم يفت بين 1891 و1956، مئات قليلة.

وعند إرساء الباكالوريا التونسية واجتيازها في أواخر أيار مايو 1957، كان عدد المرسمين لاجتياز الامتحان 1900 من بينهم 1400 في العاصمة تونس و500 داخل البلاد.

و قد نجح من بينهم 600 أي حوالي 30 في المائة فقط.

ومن 1900 في سنة 1957 تجد تونس نفسها هذه السنة أمام 143 ألف مرشح.

على أن ما لا ينبغي أن يفوت أحدا، هو أن الباكالوريا التونسية التي كانت تعتبر شهادة عالية المستوى، قد انحدرت قيمتها لدى الجهات الأجنبية التي فرض بعضها حواجز أمام الطلبة التونسيين.

وما زاد في انحدار المستوى، هو ما فرضه الرئيس الأسبق بن علي في مبادرة شعبوية ، من اعتماد المعدل السنوي بنسبة 25 في المائة من معدل النجاح،وذلك منذ سنة 2002، وقد أنتج ذلك تدافعا من الناس ومن بعض الأساتذة على الساعات الإضافية بقصد رفع الأعداد والمعدلات.

ولعل القضية المطروحة اليوم هي الكيفية التي يمكن بها، إعادة التعليم إلى مستواه السابق، وهو ما يتطلب مخططا طويل النفس قد يحتاج في أقل القليل إلى 20 أو 25 سنة، لاستعادة مستوى ضائع، لعله يفسر في جزء منه، استشراء البطالة، وتخريج أفواج من الذين لم يقع إعدادهم الإعداد الجيد للحياة العملية.

وربما احتاج الأمر زيادة على ذلك وبالتوازي إلى إدخال إصلاحات عميقة على تعليم عالي، لا يتم فيه تخريج الكفاءات التي تحتاجها البلاد، لا من حيث الاختصاصات ولا من حيث المستوى العلمي، ولا من حيث التمرس العملي.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق