Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 29 يناير 2014

نص الدستور التونسي الجديد

في ما يلي النص الكامل للدستور التونسي الجديد الواقع ختمه يوم 26 جانفي 2014 أي بعد 54 سنة وسبعة أشهر و26 يوما على ختم أول دستور للجمهورية التونسية في 1 جوان 1959، والذي يشترك معه في نص الفصل الأول وروحه التي هي روح الدستور القديم والجديد المكرسة لمدنية الدولة

الموقف السياسي: وتم تسليم السلطة واستلامها

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
على أبواب استلام حكومة جديدة للسلطة (2)*
.. وتم الاستلام ..
الصواب /تونس/29/01/2014
في آخر عبارة قالها رئيس الحكومة الجديد مهدي جمعة في حفل تنصيب الحكومة الجديدة، وهو ينظر إلى وزرائه ، والآن إلى العمل ، ثم وفي لفتة للوزراء المتخلين الذين غادروا الحكومة السابقة ، والآن لتذهبوا للراحة.
لا يمكن للمرء أن يجزم أن عبارة رئيس الوزراء الجديد كانت بريئة ، أو أن وراءها معاني أراد أن يبلغها.
سؤال يطرح نفسه ، هل يمكن أن تكون هناك براءة في السياسة ، من يقول بالبراءة ، لا يمكن أن يحال إلا على السذاجة على الأقل السياسية ، ولن يظن أحد أن رئيس الوزراء الجديد ساذج ولو سياسيا ، فهو لحد الآن يناور بذكاء شديد.
ومن هنا لعل للمرء أن يفهم أن في الأمر دعوة للوزراء السابقين ، وربما الأسبقين   ، لملازمة الابتعاد عن محاولة التأثير أو التدخل ، وترك الحرية الكاملة لمن خلفوهم لتحرك من نوع جديد. إذن فإن السابقين بهذا المعنى لا يمكن لا أن يكونوا قدوة ، ولا مثلا يحتذى ، وبمعنى آخر إنهم كانوا فاشلين ربما ليسوا كلهم ولكن ذلك هو الانطباع الذي يعطونه عن فترة حكمهم ، وهذا هو استنتاج محتمل.
للمرء أن يتوقف عند ثلاثة أشياء هنا:
أولها أن التقييم العام والمتفق عليه ، هو أن حكومات النهضة، وأقول قصدا النهضة لا الترويكا ، كانت فاشلة ، وأن القرار فيها لم يكن ثلاثيا بل نهضاويا ، وقد أبرز ذلك بوضوح كاتب الدولة الأسبق للخارجية بن عباس على قناة تلفزة تي في  حديث مطول تقييمي مع حمزة البلومي، واصفا بأن التوازنات لم تكن تترك لشريكي النهضة أي جانب من القرار.
فقد كان من الواضح ، أن حكومة النهضة كانت متسمة بقلة الكفاءة وقلة الخبرة معا ، كل ذلك صاحبه كبرياء شديدة ، واعتقاد بأن الخطأ لا يتسرب إليهم لا من أمام ولا من خلف ، فضلا عن تقييم سيء وخاطئ للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية ، كان له أثره الكبير على المسار، طبعا في اتجاه سلبي.
ثانيا : أن حكومة العريض بالذات قد أصابها الشلل منذ 25 جويلية أي يوم اغتيال البراهمي ، فكان وجودها مصحوبا بعدم قدرة فاضح على الحركة ، وعجز فادح عن اتخاذ القرار، وفي ما عدا القرارات السياسية ، وهي قليلة وغالبا غير موفقة ، فإن ما ترك المسيرة متواصلة هو إدارة كفأة  أخذت كل الأمور بيدها.
ثالثا : أن التخبط أصاب النهضة وشريكيها وخاصة المؤتمر الذي كان منذ البداية بتركيبته واقعا تحت سيطرة الحركة الإسلامية( noyauté).
ولعله ولو لم يكن المقود بيد قوية، هي يد الغنوشي لسارت البلاد إما للتحلل أو لحمام دم.
والاستنتاج أخيرا أن النهضة ، التي كانت تعتقد أنها ستفرض ، بأغلبيتها النسبية وجهة نظرها ، وأنها ستنجح في قيام نظام ديني ، يبشر لنمط مجتمعي جديد ومختلف، قوامه"التدافع الإجتماعي" قد أخذت تتراجع ، عن مراكزها ، لا تحت تأثير شريكيها ، وإن كان التكتل أكثر حزما بحكم صفاء تركيبته ، وعدم وجود نهضاويين معارين في صفوفه ، ولكن تحت ضغط مجتمع مدني ، استطاع أن يحول الأقلية السياسية في البرلمان ، من صفر فاصل إلى قوة ضاربة ، غيرت في العمق التوازنات وموازين القوى، وأدت إلى صياغة دستور مقبول في النهاية ، هو في كل الأحوال دستور للدولة المدنية ، لم يكن حتى بورقيبة لينجح في كتابة أفضل منه ، وإن لم يخل من فخاخ عديدة ، لا بد لذلك المجتمع المدني أن لا يقلص من يقظته حتى لا يفاجأ يوما بعكس ما يتطلع إليه.
غير أن الفشل الأكبر للنهضة هو أنها اضطرت اضطرارا لمغـــــــــادرة الحكومة ـ سيقول الغنوشي لا الحكم ـ وهي إذ تفاخر بذلك على أنه كان طوعا ، فإن المراقبين الأكثر حيادا ، يعتبرون أن ذلك لم يكن في حسابات النهضة لولا ثلاثة عوامل ضاغطة:
أ‌)      أن تطويل فترة صياغة الدستور وتمطيطها ، رغم الالتزامات المكتوبة ، قد لعب دورا في إبراز أنهم طلاب حكم ، وأنهم لم يحسنوا التصرف في ذلك الحكم ، بل طوعوه واستغلوه واعتبروه غنيمة ، وهو ما انتهى إلى أن الناس أو البعض أصابهم القرف ، فضلا عن أن القضايا التي قامت من أجلها الثورة لم تقع معالجتها ، وسواء كانت ثورة أو لم تكن وفقا للتقديرات المختلفة والتي بدأت تطفو على السطح ،  لذلك فإنه  لم يعد أحد ( أو لعله لم تعد هناك أغلبية )  يعتقد أن النهضة بالذات تؤمن بأنه قامت ثورة، وأن للثورة استحقاقاتها.
ب‌)                       أن التهافت ، والوعود المقطوعة وغير المحققة ، أفرزت رأيا عاما مناقضا، ظهر في عجز من النهضة على التعبئة ليلة 3 أوت،2013 فقد فشلت الدعوة للمليونية بالقصبة رغم المال المبذول على ما يقال ، ورغم استخدام إمكانيات الدولة بدون وجه حق ، فيما تجمع مئات الألوف في المسيرات التي نظمها المناوؤون بدون إمكانيات تذكر في باردو.
ت‌)                       الخوف الشديد مما حصل في مصر ، مع الادراك الكامل بأن ما يحصل في مصر يمكن أن يكون مثلا يحتذى ، وإذا لم يحصل في تونس ما حصل في مصر فإن ذلك يعود لذكاء نسبي للقيادة الإخوانية  في تونس وخاصة للأستاذ راشد الغنوشي، الذي عرف من المنطلق كيف يشرك أطرافا خارجية ( المؤتمر والتكتل ) في الحكم ، ولم يتحد المجتمع المدني بطبقاته المثقفة كما حصل في مصر ، بتصرفات خاطئة ( البعض يقول غبية) للرئيس السابق مرسي وفريقه.
من هنا انطلقت إرادة داخلية في التنظيم نفسه   ضد التيار الإخواني التونسي الأصيل والمتأصل  الذي ما زال قويا ، لإحلال شرعية التوافق ( إعلان ذلك صراحة ) بدل  (و للتخفيف يقال مع الشرعية الانتخابية أو للبعض الشرعية السيادية)، ومن هنا انتقل الشيخ راشد الغنوشي إلى باريس طالبا يد العجوز الآخر الباجي قائد السبسي، واضعا رغم العداء المعلن سابقا ، اليد في اليد، وبات الرجلان يعلن كل منهما أنه لا غنى عن الآخر.
باتت النهضة وأصبحت على تنازلات من كان في جوان الماضي يتوقعها ، إلى الحد الذي يقف معه الطيب البكوش  أحد زعماء النداء ليقول لوكالة الأناضول التركية  إن نداء تونس يمكن أن يدخل في ائتلاف مع النهضة بعد الانتخابات ، ولتؤكد عدة مصادر من النهضة ذلك.
هل باتت النهضة وأصبحت  فتحولت  إلى حزب مدني ، لم يكن للحقيقة كذلك قبل أشهر ، من الصعب تصور ذلك ، ولكن الماكييفيلية يمكن أن تقود لكل شيء. وللتخفيف يقال الواقعية السياسية ، الريال بوليتيك.






·       تم نشر الحلقة الأولى يوم 18/01/2014

رسالة مفتوحة إلى نائلة شعبان: مسؤولية كبيرة في انتظارك لقطع الطريق على الردة

رسالة مفتوحة إلى نائلة شعبان
كتبها عبد اللطيف الفراتي
في خط الدفاع الأول
تونس/ الصواب/29/01/2014
عند الإطلاع على قائمة أسماء أعضاء الحكومة التونسية الجديدة، بقدر ما هز أعطافي شعور عميق بالفخر، لوجود أسماء أعرفها، وأعرف قيمتها الذاتية، ونزاهتها،  لاختيارها لامتحان هذه الفترة الحاسمة والصعبة في تاريخ بلادنا ، بقدر ما شعرت بالغبن لتواجد أسماء أخرى ليس لها ما يمكن أن يدفع إلى الاطمئنان .
ولقد تضاعف ذلك الشعور بالفخر عندما رأيت اسم نائلة شعبان، (نائلة بن شعبان للكثيرين ممن طلبوا العلم لديك) ضمن القائمة، لأني أزعم أني أعرفك، وأعرف خصالك، وأعرف جديتك، وأعرف نزاهتك ، ولقد رأيتك  عن كثب زيادة عما أعرف وأنت دينامو لجنة تقصي الحقائق إلى جانب الرجل الرمز عبد الفتاح عمر، تبذلين الجهد في غير اقتصاد ولا حساب.
كما أزعم أني أعرف مواقفك، وأزعم أنك مفكرة، ولا المفكرين القابعين وراء المكاتب، تعملين في صمت بدون جري وراء الشهرة ، ولكني ومع هذا أشفق عليك ، أشفق عليك بعد أن رأيت وقرأت وسمعت عن بقية أعضاء الحكومة التي أنت عضو فيها، والبعض منهم بالذات.
فمنهم من أعتقد أنه لا يؤمن بما تؤمنين به، هذا منطقي ومقبول، ولكن ما هو غير منطقي ولا مقبول، هو أن يكون البعض ساعيا لإعادة الماضي المتخلف المتكلس المتحجر المظلم، من يريد أن يركن امرأتنا في الزوايا المظلمة ، بلا حقوق وبلا مكتسبات، نالتها بكفاحها ونضالها، هي ورجال متنورين يرون في المرأة إنسانا  مساو لهم،لا ـ واعذرني في الكلمة ـ أداة متعة أو مجرد جارية للخدمة في تلبية المطالب الذكورية صالحة للإنجاب وتربية الصغار.
هؤلاء من أنتظر منك أنت بالذات بحكم قناعاتك أولا وبحكم منصبك ، أن لا تتركي لهم مجالا ، لتمرير أفكارهم الظلامية المتخلفة ، سلاحك في ذلك، إن كان لي أن أتدخل ثلاثة عناصر:
أولها :
-        إن للمرأة التونسية مكتسبات عززتها مجلة الأحوال الشخصية ، ولكنها كانت ماثلة قبل ذلك في الضمير الجمعي للتونسيين منذ قرون.
ثانيتها:
-        إن الدستور الجديد كما القديم ، ركزها  ـأي المكاسب ـ واعترف لها بها ، كما للرجال، فالمكاسب كان يجب أن يقال إنها ليست للمرأة وحدها بل للرجل ، أيضا بوصفه الأب والزوج والشقيق والابن  وللمجتمع ، فلا رفعة لمجتمع بدون مساواة فعلية حقيقية،  وهي مساواة لا بد أن تتسع مجالاتها ، لا فقط بحكم الدستور والقانون ولكن أيضا بحكم الممارسة.
ثالثتها:
-        أن الأغلبية الكبرى من أعضاء الحكومة  ستجدينهم في صفك ، زيادة عن التضامن الحكومي ، فلا مجال في الحكومة الجديدة وأنت أستاذة قانون للخروج عن التضامن الحكومي ، وافتعال التصريحات والمواقف الصادمة لبقية أعضاء الحكومة ، وللشعب ، كما كان يحدث مع الوزير السابق الخادمي، والذي كان ضاربا عرض الحائط بالانسجام الحكومي في تصريحات ومواقف لا يحاسب عليها ، وكما قال وزير في حكومة فرنسية سابقة " إن على الوزير أن يكون منسجما أو فليذهب أي ليستقيل".
السيدة الوزيرة ، إنك تمثلين خط الدفاع الأول ، في وجه التطرف ، والردة ومحاولات العودة إلى ماض سحيق ، وثقي أن إلى جانبك وليس وراءك فقط مجتمع مفتوح العينين ، يقظ كل اليقظة ، لن يترك للأفكار الماضوية مجالا أي مجال للمرور، ولن أقول إنك أنت والسيدات الوزيرات عليكن واجب الدفاع عن مكاسبنا جميعا فليست المكاسب للمرأة فقط بل للرجل أيضا ، و ذلك فرض عين وليس فرض كفاية على كل الوزراء ، وأحسب أن أغلبهم من هذا الرأي وكذلك المجتمع بأسره.


الثلاثاء، 28 يناير 2014

الموقف السياسي: مهدي جمعة، فكرة مسبقة إيجابية، ولكن ..؟

الموقف السياسي                    
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
حكومة في انتظار التقييم الشعبي
تونس/ الصواب /28/1/2014
تشكلت الحكومة حكومة مهدي جمعة.
وبدأ أمران اثنان في انتظارها: جانب يشيد بحيادها واستقلاليتها، ونزاهة أفرادها، والبعض الآخر يندد بمن ضمت من وجوه وصفت إما بالتجمعية أو بالنهضوية، وتشكك في إمكانية أن تنفذ خارطة الطريق.
وكما هي العادة فنحن في مستوانا لا نريد أن نأخذ موقفا سابقا لأوانه، فعند تشكيل حكومة حمادي الجبالي النهضوية، دعك من القول بأنها حكومة ثلاثية،  اخترنا أن يكون حكمنا عليها استباق إيجابي، لما نعرفه شخصيا عن الرجل من اعتدال، ولكن يبدو أن الماكينة الحزبية سحقته وجعلته يلاحق خطاها بدل ، أن يسبقها.
وعرفت سريعا وقتها أن مآله الفشل، وبدل أن يكون في مقدمة الركب لقيادته يبدو أنه اضطر إلى أن يلاحق لاهثا المطلوب منه، ولعله كان لي أن أفهم ذلك منذ اليوم الذي أجابني فيه في بيت السيد مصطفى الفيلالي ، بأنهم أي النهضة لا يستطيعون أن لا يأخذوا الحكم عندما يؤول إليهم لأن قواعدهم لا تسمح لهم بذلك، ذكرني ذلك بسنة 1989 بمناسبة انتخابات 2 أفريل من تلك السنة، أيامها كان هناك مقترح من رئيس الجمهورية المؤقت زين العابدين بن علي ، بأن تقوم لوائح ائتلافية في كل جهات البلاد يكون ضمنها مرشحون إسلاميون، وقتها قبلت النهضة، ومن أسقط ذلك الاقتراح الذي كان يمكن أن يجنب البلاد ما دخلت فيه لاحقا من تصفيات، ومن قتل كل روح ديمقراطية، هم ثلاثة حسب المعطيات التي جمعناها، الهادي البكوش ، وأحمد المستيري ومحمد مواعدة، أيامها كان عقلاء الاتجاه الإسلامي يلحون على ضرورة عدم إخافة السلطة، بترشيح قائمات اللون البنفسجي (القائمات الإسلامية التي وضعت تحت شعار المستقلة واختارت اللون البنفسجي) في دائرتين أو ثلاثة فقط، وكان وفق معلوماتنا الشيخ عبد الفتاح مورو المؤسس الفعلي للاتجاه الإسلامي (كتاب صلاح الدين الجورشي) وراء هذا المقترح، غير أن القيادات تعللت بأن القواعد هي التي لا تقبل، وكان الشيخ مورو يلح على أن القيادة ينبغي أن تسير أمام الركب ، وأن لا تتبع أهواء الجماهير فهي الأقدر على حسن التقدير والتدبير لما يتوفر لها من معطيات.
ودعني أقول أن حمادي الجبالي كان لو تسنى له فعلا تشكيل حكومته في تلك الأيام التي عقبت انتخابات أكتوبر 2011، لاختار لها من الكفاءات ما كان به ينجح وزيادة، فهو رجل عملي جدا ويعرف في العمق حقيقة الأمور، ولكن النهضة تدخلت في كل كبيرة وصغيرة.
ولذلك وبعد أسابيع قليلة بدا الفشل واضحا، كما بدا أنه غير قادر على اتخاذ القرارات الواجبة التي كان يفرضها الواقع، ومن هنا لم يمر وقت طويل حتى استقال أحد وزرائه من المستقلين، يأسا من أن يستطيع شيئا، ولم تكن القرارات مركزة بين يد حاكمة بل كانت موزعة ، وأخذ من جهته يخضع لقرارات وأقوال تتجاوزه، ولذلك وعندما اشترط تكوين حكومة كفاءات في فيفري 2013، كان يسعى للإفلات مما أطبق عليه من قرارات مسقطة من النهضة والأحزاب المؤتلفة ، التي لم تكن تهمها إلا المواقع ، ولو ذهب البلد إلى الجحيم.
انتهت حكومة الجبالي، وذهبت بكل الفشل الذي اعترف به ضمنيا وصراحة، وجاءت حكومة علي العريض، بنفس مقومات الفشل الذي سكن سابقتها، أي بتقديم المحاصصة الحزبية على النجاعة والكفاءة والخبرة، وكان مصيرها محتوما، بل إنها منذ البداية لم يكن هناك في العارفين من يعطيها أي حظ من حظوظ النجاح، ولم تمر إلا ثلاثة أو أربعة أشهر، حتى باتت معلقة، فمنذ يوم 25 جويلية أي يوم مقتل محمد البراهمي وهي تواصل بدون تأثير على الأحداث إلا الإمعان في تسميات وتعيينات ما أنزل الله بها من سلطان ، وهي تشكل اليوم قيدا على حكومة مهدي جمعة ، لا يدري أحد كيف يمكنه أن يتعامل معها، وهي جزء لا يتجزأ من مقومات خارطة الطريق. منذ ذلك الحين و حكومة العريض تواصل احتلال المقاعد دون أن يكون لها تأثير على واقع أفلت من يدها، ولم تعد تسيطر عليه، ولعل أكبر دليل على ذلك ميزانية للدولة، الأسوأ ـ إن كان يمكن تسميتها بالميزانية الفعلية وليس الافتراضية ـ منذ الاستقلال.
**
جاء إذن مهدي جمعة بحكومة جديدة، من المفروض أنها حكومة مستقلة، من الكفاءات الفعلية، لفترة نسبيا قصيرة ـ لا ينبغي أن تصل لعام 2015 ـ، فكيف للمرء أن يتفاعل معها؟
وهل يمكن إعطاء الحكومة هذه، الفكرة المسبقة الإيجابية
Le préjugé favorable ، ذلك واجب، ولو أن هناك عدد من المعطيات التي تجعل ذلك ليس بالسهل.
-        مهدي جمعة نفسه، لم يأت في إطار التوافق، بل تمت ولادته بالفورسيبس ، لأنه عضو في الحكومة المتخلية، بينما خارطة الطريق تتحدث عن ورقة بيضاء لتشكيل الحكومة من الكفاءات والمستقلين.
 -عدد من وزرائه ومستشاريه جاؤوا من تلك الحكومة (بن جد والو رفلي)
- بعض وزرائه يعتبرون امتدادا فكريا إيديولوجيا للحكومة السابقة أو على الأصح للحكومات السابقة.
وإذا لم يعرف مهدي جمعة ، كيف يسيطر على هؤلاء الوزراء، فإن السفينة ستتلاطمها الأمواج.
صحيح أن الأولويات المطلقة، هي إقرار الأمن والانتعاشة الاقتصادية.
صحيح أيضا أن مهدي جمعة يرث وضعا ، يؤمل أن يكون فيه الأمن في طريقه إلى الاستتباب
صحيح أيضا أن اتضاح معالم الطريق وانتهاء الضبابية ، بإقرار دستور وتشكيل حكومة من المفروض أن تنال الثقة ،ـ ليس ثقة المجلس التأسيسي وحده ـ بل ثقة الفاعلين الاقتصاديين في تونس والخارج.
ولكن يبقى على هذه الحكومة عدة مهام سريعة وأكيدة:
- إقرار ميزانية ذات مصداقية بعد أن استكملت ميزانية العريض/ الفخفاخ مراحل سقوطها.
- البحث السريع وبالنتيجة الايجابية لقتلة شكري بلعيد و محمد البراهمي ومحمد المفتي وتقديمهم للمحاكمة هم وقتلة لطفي نقض.
- الكشف عن الملابسات الحقيقية لأحداث الشعانبي وبن عون وغيرها والإفصاح عن نتائج ذلك.
- البدء بمراجعة التعيينات الحزبية التي عمت البلاد، واتسمت في غالبها بالانتماء الحزبي وقلة الكفاءة وانعدام الخبرة.
- تولي القيام بالإجراءات القانونية قصد حل روابط " حماية الثورة" وكل الميليشيات، وملاحقة المال الفاسد، وتنظيف الأحزاب والجمعيات والإعلام من شروره. وضبط طرق شفافة للتمويل.
الوقوف في وجه المحاولات التي أصبحت يائسة لتغيير نمط المجتمع، وكف يد الوزراء والوزارات التي تعلن صراحة عن هذا التوجه، وإلزامها بالتضامن الوزاري، الذي يفترض منها أن تسير في الخط في حكومة تبدو وكأنها في غالبها، متشبعة بالنمط المجتمعي للبلاد ولا غيره، والتي ينبغي لها أن تتحرك في هذا الاتجاه، وتفرض حماية المجتمع من الإنزلاقات التي عرفتها على مدى العامين الماضيين.
هل يستطيع، مهدي جمعة كل ذلك؟
المفروض نعم، والفكرة المسبقة الإيجابية ستحاول أن تقف معه في خط السير ذلك، ليس فقط تشريعيا بواسطة مجلس تأسيسي ، فقد للحقيقة مبرر وجوده، من حيث فقدان شرعيته لتجاوز مدة وجوده المحدد بسنة، ولفقدان المهمة التي وكلت إليه وهي صياغة دستور، وهو باق خارج إطار الشرعية الانتخابية. ولكنه فرض نفسه  بطريقة انقلابية ، لم يسوها حتى بقرار منه لتطويل مدة وجوده ، وتبرير مقوماتها بعد الانتهاء من كتابة الدستور.
ولكن ليتأكد من أنه هو وفريقه، ليس فقط خاضعا لرقابة مجلس تأسيسي فقد ظله، بل لرقابة مجتمع مدني برزت قوته الفعلية، ورباعي راعي لم تنته مهمته، ما دامت الشرعية التوافقية هي المحدد الأول والأخير، قبل وبعد و فوق الشرعية الانتخابية المشروخة لمجلس تأسيسي ، وإن نجح في صياغة دستور، مقبول رغم كل شيء، فليس هو المسؤول وحده على نجاح المسعى.






الاثنين، 27 يناير 2014

سانحة: دستور وحكومة وتصحيح في ليلة واحدة

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الخير ،، يجي مع بعضه
تونس/الصواب/28/01/2014
ثلاثة أحداث متتالية جاءت في الليلة الفاصلة بين الأحد والاثنين لتدلل على أن تونس قادرة على تجاوز مشاكلها، وفتح الباب عريضا حتى في الأزقة التي يبدو أنها بدون منفذ.
كان الأول والذي يبدو أقل أهمية، هو انكباب المجلس التأسيسي على نص سبق أن أقره قبل يوم، وتسبب في تعطيل تشكيل الحكومة لمدة تزيد عن 24 ساعة، نص كان من شأنه لو أبقي لقضى على كل الآمال في تشكيلها، لأنه لا يضمن استقرارها أمام قرارات خطيرة قد تتخذها تلك الحكومة لتقويم الاعوجاج، فصرف الوزراء دون الحكومة بسحب الثقة بالنصف زائد واحد، كان يتهدد كل وزير لا ترضى عليه النهضة وأذنابها.
وقد أدى التوافق للتخلي عن ذلك التناقض فالحكومة متضامنة تبقى كلها أو تذهب كلها ، إلا في حالات قصوى. ولقد بينا في مقال تحت باب بكل هدوء يوم 27 أكتوبر الخطورة الكامنة في ذلك النص، وكيف يؤدي إلى منع مهدي جمعة أو أي غيره من تشكيل حكومة وعرضها. ومن حسن الطالع أن المجلس التأسيسي توفق لإصلاح الأمر.
وجاء الثاني تبعا لذلك، أن تشكلت الحكومة وما كان لها أن تتشكل لولا ذلك، وأن تعلن على الملأ فيؤيدها من يؤيدها، ويعارضها من يعارضها، ومن الأكيد أنها حكومة كفاءات حقيقية ومستقلة في غالبها، بما احتوته من طاقات من أفضل من تحويه البلاد، على كثرة الكفاءات وارتفاع باعها كلها، غير أنه لا بد من القول أن الأغلبية الوافرة من أعضائها ، تمثل حصنا منيعا ضد التطرف، وضد محاولات تغيير نمط المجتمع، الذي توجد بعض الأصوات الداعية له، فالحكومة متضامنة، وكل انخراط في ما كان جاريا مع الحكومتين السابقتين ، يتحمل مسؤوليته كل فرد من أعضائها، ولا سبيل للقول إنه خارج مجاله أو ميدان اختصاصه. فهو مدعو للوقوف في وجهه.
مع الواجبات الملقاة على رئيس الحكومة ووزراؤه وخاصة الشروع في التقويم الاقتصادي والتوفير الأمني الشامل وهي مهام كل حكومة تحترم نفسها، فهناك ثلاث قضايا مستعجلة هي شأن كل فرد في هذه الوزارة، وهي فرض عين لا فرض كفاية:
1/توفير المناخ الملائم فعلا لإجراء انتخابات نزيهة شفافة، وهذا يمر حتما عبر مراجعة التعيينات  الكاسحة التي ارتكبتها الحكومتان السابقتان، بدون حرص على مقاييس الكفاءة والخبرة والبعد عن الانتماء الحزبي، وأيضا ضرورة حل الميليشيات خاصة المتمثلة في روابط"حماية الثورة"، وملاحقة المال الفاسد، ولكن ضبط وتقنين كيفية وصول مال للأحزاب والجمعيات  ووسائل الإعلام ومصادره.
2/ التحييد الفعلي للمساجد، وملاحقة المتجاوزين ، وتنفيذ ملامح الدستور الجديد وفقا للفصل السادس منه، فلا مجال مستقبلا لفتاوي التكفير، ولا أيضا من المساس بالمقدسات التي لا بد أن تضبط ضبطا دقيقا، والمتمثلة أساسا في الذات الإلهية والأنبياء، والقرآن الكريم ومقدسات الأديان الأخرى التي يضمن النص حرية التعبد بها، دون أيضا هنا المساس بطاقة الإبداع أو البحث العلمي، ودون المساس أيضا  بالعلم الوطني الذي لا يرفع غيره ولا يهان ، وهذا الدستور وكذلك رموز السيادة الوطنية كلها ،.
3 /قيام تضامن حكومي فعلي، فلا مجال لأن يكون لكل وزير توجه متناقض مع السياسة العامة للدولة، ونقول قصدا الدولة ولا الحكومة، ولا مجال لخروج وزير بمقولات تبدو وكأنها خارجة عن السرب، ولعل هذا كان واضحا في وزير اتهم بأنه وهابي، سمح لنفسه ما سمح مما لا يمكن أن يتكرر، في دولة تريد أن تبرز كدولة ، لا كمجموعة حكومات في حكومة واحدة، إن كل وزير في هذه الحكومة مسؤول لا عن قطاعه فقط بل أيضا عن السياسة العامة للدولة.
أما العنصر الثالث فهو الدستور الذي سهر ثلث عدد المشاهدين إلى ساعة متأخرة ، لمتابعة المصادقة النهائية ، والذي رغم الهنات الكثيرة، فإنه أصبح النص المرجعي لنا، مع كل التحفظات حوله، من هذه الجهة أو تلك.
وسننشر نصه كاملا على مدونتنا "الوسط" غدا بحول الله، بعد التأكد من مطابقة ما سننشر لما تم إنجازه فعلا.
ولقد كان لمائتين من النواب شرف المصادقة عليه، أما الذين أبدوا اعتراضهم، أو احتفظوا بأصواتهم فإنهم أحرار في توجههم بمقتضى ما تفرضه روح الديمقراطية، ولكنهم فوتوا على أنفسهم فرصة تاريخية، في أن يكونوا بين الذين نالهم شرف وضع يدهم ومهجهم في روحه، كما نالهم شرف القبول به رغم ما يحمله بعضهم في أنفسهم من  تعارض بين بعض نصوصه و قناعاتهم الدينية بالخصوص، وهي القناعات الأكثر تجذرا في النفس البشرية، ورغم ذلك صوتوا لفائدة نص هو في النهاية نص توافقي، لا يرضي الجميع ولا يرضي كل التوجهات، ولكنه الحل الذي يجمع كل الناس  أو على الأقل غالبيتهم داخل المجلس التأسيسي وخارجه.



الأحد، 26 يناير 2014

بكل هدوء: معروض على جمعة حكومة لاتخاذ قرارات صعبة بدون أي ضمانات للاستمرار

بكل هدوء                                     
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
على شاكلة البلدان الديمقراطية
أزمة تشكيل الحكومة التونسية
تونس/ الصواب /26/01/2014
عرفت تونس ما بعد 14 جانفي، أول أزمة سياسية من ذلك النوع الذي تعرفه الدول الديمقراطية ، مع الفارق، فقد فشل رئيس الحكومة المكلف مهدي جمعة في تقديم قائمة حكومته إلى رئيس الجمهورية ، قبل أن تصل لمرحلة طلب ثقة المجلس التأسيسي.
وراء هذا الفشل وانطلاق عملية إعادة الترشيح لنفس الشخص، بعد المشاورات التي سيجريها رئيس الجمهورية وفقا للدستور الصغير، أو لشخص آخر يبدو أنه يتمتع بحرية اختياره، عاملان وفق ما تسرب من معطيات قد تصح وقد لا تكون صحيحة:
·       المعطى الأول هو المتمثل في الخلاف حول تثبيت من عدم تثبيت وزير الداخلية لطفي بن جدو. إذ يبدو أن رئيس الحكومة المكلف كان مصمما على الاحتفاظ بوزير الداخلية، فيما جهات عديدة من المعارضة ترفض ذلك، وسواء صح ما يقال من أن النهضة وقفت وراء هذا الإصرار، حتى تحفظ أسرارا  يبدو أنها تسعى لعدم إشاعتها، أو لم تقف فإن إرادة تثبيت بن جدو في موقعه لا تبدو مفهومة أو مبررة.

·       المعطى الثاني هو المتمثل في فشل المجلس التأسيسي في توفير أغلبية لمسألة متوافق عليها في خارطة الطريق، متمثلة في انتخاب الحكومة بالأغلبية البسيطة (50 في المائة مع واحد) وإسقاطها بالثلثين ثم التنازل إلى الثلاثة أخماس.

وإذ يفترض توازي الأشكال، أي أن من ينتخب بطريقة يسقط بالطريقة نفسها، فإن هناك تجارب دستورية دولية، لم تقم على هذا المبدأ، ففي فرنسا وخلال كل فترة الجمهورية الرابعة( 1946/1958) ، كان منح الثقة للحكومة قائما بالنصف من الأعضاء مع واحد، وسحب الثقة بالثلثين، غير أن رئيس الحكومة الاشتراكي غي موللي استقال في سنة 1957 رغم أنه نال الأغلبية المتركبة من الأغلبية البسيطة، ولم ينل الثلثين من أصوات البرلمانيين.

 وبذلك فتح الباب أمام قلة استقرار حكومي انتهى إلى سقوط الجمهورية الرابعة وقيام الجمهورية الخامسة على يدي الجنرال ديغول.

ويبدو أن مهدي جمعة وجد نفسه بين اثنين من الكراسي، لا استقرار له في الفضاء بينهما، فلا هو استطاع أن يشكل حكومة كما يريد، وقد يكون ارتأى تقديم تنازل للنهضة من جهة، وللمنظومة الأمنية من جهة أخرى، المطالبين بالإبقاء على بن جدو كوزير للداخلية، غير أنه اصطدم بكل الآخرين الذين لا يمثلون ولا حتى أغلبية بسيطة، ولكنه لا يستطيع الحكم بدون التوافق معهم ، باعتبار أن قدومه جاء نتيجة توافقات لا يمكنه أن يتنكر لها.

غير أن ذلك لم يكن الأمر الحاسم في قراره عدم تقديم قائمة وزرائه لرئيس الدولة، مساء السبت 25 جانفي 2014، فقد جاء تصويت المجلس التأسيسي ضد الصيغة التوافقية لسحب الثقة ليس من الحكومة بأكملها بل من الوزراء  مخيبا لآماله.

فالنص الذي صادق عليه النواب وإن يتطلب أغلبية الثلاثة أخماس (60 في المائة من النواب بدل 66 كما نصت عليه خارطة الطريق) لإسقاط الحكومة، فإنه يكتفي بخمسين في المائة مع واحد لإسقاط الوزراء، وهو سابقة تاريخية في الفصل بين مصير رئيس الحكومة والحكومة ككل، والوزراء كل على حدة أو حتى مجموعين.

ما المعنى من هذا ، ولماذا نكث نواب حتى من أحزاب موقعة على خارطة الطريق المفروض أنها ملتزمة بها  لماذا نكثوا العهد، وهل من معنى لذلك أو  هل هي رسالة التقطها مهدي جمعة، وفهم مقاصدها، وظهرت له أهدافها.

إن مهدي جمعة كرئيس حكومة من جهة، وفريقه المفروض أنه متضامن، من المفترض أنهم سيسيرون سياسات معينة قائمة، على أساس من مضمون خارطة الطريق، هذا على الأقل هو المتوقع.

وإذا كان هو حكومته لا يمكن إسقاطهما أو سحب الثقة منهما، إلا بثلاثة أخماس النواب، أي بمائة وثلاثين نائبا، وهو أمر غير مستحيل ولكنه عسير  باعتبار نواب النهضة ونواب المؤتمر ونواب وفاء ونواب المحبة، ومن هنا وهناك من النواب من لا يمكن وضعهم في خانة معينة، فإنه لا يستبعد أن يتم في أي وقت من الأوقات إسقاط أو سحب الثقة من وزير معين أو حتى وزراء، بحيث يتم شل عمل الحكومة، فتعجز عن تحقيق ما وعدت به، بالخصوص لتوفير المناخ الملائم لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة.

فهل يستطيع مثلا وزير الداخلية أن يدخل قرارات تخص التعيينات الحاصلة، دون أن يتعرض للإسقاط، وهو في الحقيقة ليس صاحب القرار، لأن الأمر الخاص بذلك يصدر عن رئيس الحكومة، وهل يستطيع الوزير الذي في عهدته القيام بالإجراءات القانونية لحل روابط الثورة أن يتولى تلك المهمة، دون أن يتعرض لاحتمال سحب الثقة منه بمجرد 109 أصوات، النهضة والمؤتمر ووفاء كفيلون بأن يوفروها وحدهم بكل سهولة.

لا بد أن مهدي جمعة قد يكون فكر في كل ذلك وفكر في احتمال ، أن يرى أشخاصا في القمة العلمية ويتمتعون بمراكز عليا أحيانا في الخارج يغامرون بأنفسهم وبمساراتهم العلمية والمهنية، بالدخول في حكومة لا تضمن لهم تنفيذ برامجهم، أو برامج الحكومة التي تعتبر دوما وتحت كل سماء متضامنة في قراراتها وفي مواجهاتها.

وهو إن دعي إلى مغامرة أخرى لتشكيل الحكومة، فإنه ولا شك سيكون أمام نفس المعضلة، أما إن دعي غيره، فهل بتوافق وطني مثله ، أم تحت مظلة أخرى غير متوفرة إلا تحت راية النهضة، ما معناه أنه وداعا لانتخابات نزيهة، في ظل ولاة ومعتمدين وحتى عمد يحملون ولاءات معينة، وتحت تهديد روابط لحماية الثورة، اعتبرت دوما أذناب ميليشية لحركة النهضة أنشأتها وترعاها، باعتبار ما أعلن عن أنها تعتبر ضمير الثورة.

وبعد قد لا ينفع دستور ، اعتبر رغم النقائص مقبولا، وهو قابل في أي وقت وتحت أغلبية نهضاوية قادمة "للتطوير" في اتجاه إلغاء صبغته المدنية، ما دامت الانتخابات لن تكون نزيهة ولا شفافة، بدون مناخ سليم.

ألا إن النهضة وأذنابها يلعبون بالنار؟

وهل سيقبل المعارضون وأحزابهم، والمجتمع المدني بهذه اللعبة؟

وإلى أين ستؤول صفقة باريس/ الجزائر / والحمامات بين الشيخين؟

fouratiab@gmail.com

 



السبت، 25 يناير 2014

الموقف السياسي : دستور ليس على مقاس أحد ، ولا يرضي أو يغضب أحد

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الدستور التونسي،،، هل هو قابل للدوام
تونس/ الصواب/ 25/01/2014
خلال الساعات القليلة المقبلة يكون لتونس دستورا للجمهورية الثانية، وهو دستور رغم كل شيء يبقى دستورا مقبولا، ليس بأحسن دستور في العالم كما قال البعض، ولا دستورا كارثة كما قال البعض الآخر من المؤسسين.
وعند الانتهاء من المصادقة عليه، فصلا فصلا وقف كل النواب المؤسسين وقفة رجل واحد لإنشاد حماة الحمى، واختلطت أصوات النواب خلال النشيد مع صوت التسجيل المصحوب بالموسيقى في غير تنسيق ولا ترتيب، يوحي لمن يريد أن يفهم ذلك بالخلط الحاصل في هذا الدستور، الذي جاء نتيجة وفاقات وتنازلات ، أهمها تلك التي بذلتها حركة النهضة، التي أعلن رئيس كتلتها أنها كادت تفجر تلك الكتلة لأهمية ما أدخل من تنازلات من طرفها، تحت ضغط أقلية نيابية من جهة، ومجتمع مدني نشيط، استطاع أن يفرض وجوده في هذا الدستور.
سؤال لا بد أن يطرح بداهة : هل هذا الدستور قابل للدوام أم إنه دستور وقتي سرعان ما يحال على التقاعد؟
أمران اثنان ينبغي أن نتوقف عندهما:
أولهما أن سوء تصريف الشأن العام من قبل حكومتي النهضة الأولى والثانية ، قد أراها الشمس في منتصف الليل، واضطرها إلى تقديم تنازلات موجعة.
ففي المنطلق كانت النهضة تريد أن تجعل من الفصل الأول، فصلا يؤكد إسلامية الدولة، لا مدنيتها، واضطرت منذ شهر ماي 2012 أي بعد أشهر قليلة من حصولها على أغلبية نسبية بعد انتخابات أكتوبر 2011، للتراجع عن اعتزامها، وهو ما لم يهضمه جانب مهم ومؤثر من نوابها، وأكثر من أنصارها.
غير أن تحرك المجتمع المدني الذي نظم نفسه، أثنى النهضة عن اعتزامها وجعلها تتراجع في غير انتظام للخطوات، وكان ذلك بداية تراجعات لم تعرف حدودا لاحقا، لمسايرة رغبات الشعب الذي كان متشبثا حسب عدة عمليات استطلاع للرأي  بنص الفصل الأول من دستور 1959، الذي ارتضاه بورقيبة بعد شد وجذب شديدين.
وبدا أن النهضة وهي تغمز في تصورات بورقيبة وتوجهاته وتقلل من أثر تصوراته على تشكيل المسار المجتمعي، تواجه توجها فكريا بورقيبيا يعلن عن نفسه حينا ويخفي نفسه حينا آخر، وسيظلل بورقيبة ميتا في وقت لاحق كل ردهات كتابة الدستور.
ولم يكن ذلك لينجح لولا فشل النهضة في الحكم من جهة، وتعميق السيئات التي تركها النظام السابق أي نظام بن علي في تفريق بينه وبين بورقيبة، ولولا العجز إن لم يكن التورط كما يقول البعض في استشراء الإرهاب والعجز والفساد، مصحوبا كل ذلك بمحاولة الانقضاض على دواليب الدولة بكل محاولات  التسرع الأخرق، في مناصب أحيانا لا ضرورة لها أو إن المعينين فيها لا يملكون لا الكفاءة ولا الخبرة لتوليها ، مضافا إلى ذلك تلك الاغتيالات التي أشعلت البلد، ومكنت من تعبئة شعبية كبيرة، أخافت النهضة خصوصا بعد ما حدث في مصر من تمرد شعبي على حكم الاخوان ، تم تتويجه بتحرك للقوات المسلحة يوصف بأنه انقلاب من فئة وبأنه إرجاع للثورة المصرية إلى منطلقاتها من فئات أخرى.
ولعل ما أخاف النهضة هو أنها خشيت من فقدان السيطرة، في ذلك الوقت، فبعد الدعوة لمسيرة "مليونية" في القصبة ليوم 3 أوت تمت تعبئة لا أكثر من 50 ألفا، تم نقلهم بوسائل الدولة وتم بأقوال كثيرة شراء ذممهم، وادعت  جهات من النهضة أن عددهم بلغ 200 ألفا في مساحة للقصبة والمحيط بها 18 ألف متر مربع ( قوقل إرث)، وإذا سلمنا بأن المتر المربع يتسع بالكاد لثلاثة أشخاص واقفين فإن المجموع لا يتجاوز بحال 54 ألفا ( قال أحد وزراء النهضة إن العدد بلغ مليونا)،  مقابل ذلك استطاع مجتمع مدني متحمس أن يجمع في ثلاث مناسبات عدة مئات الألوف في كل مرة وخاصة في مسيرة يوم 13 أوت عيد المرأة التونسية، مرفوقا بمقاطعة استمرت أشهرا لعدد من النواب تراوح بين 60 و75 قاطعوا اجتماعات المجلس التأسيسي وفرضوا عليه الشلل.
وإذ وصفت تلك التحركات بمحاولة انقلابية، فإنها في الحقيقة لم تتجاوز ظاهرة مجتمعية مدنية نجحت في ضغطها.
ثانيهما: أن حزب النهضة ساده اقتناع بأنه لا يمكن أن يقف إزاء مثل هذا التحرك، وأنه يرفض سيلان أنهار من الدم فضلا إلى المعرفة المسبقة من طرفه بعزوف الأمن الذي هو بصدد التحول إلى أمن جمهوري والقوات المسلحة، عن تلقي أوامر تعسفية تنتهي إلى مواجهات دموية، ألم يقل الشيخ راشد الغنوشي في لقاء سري له مع مجموعة من السلفيين إن الأمن والجيش ( مع جهات أخرى) غير مضمونين.
وبعكس الإخوان في مصر الذين كانوا حريصين على تغيير نمط المجتمع بأسرع وقت، من ذلك قرار إغلاق دار الأوبرا التي يعود تدشينها لسنة 1865 والتي كانت  شهدت تقديم أوبرا عائدة الإيطالية في أول عرض لها في العالم، فإن النهضويين كانوا الأذكى ، ولم يستفزوا كثيرا المجتمع التونسي إلا في نطاقين وهما تشكيل ميليشيات تحمل اسم روابط حماية الثورة والتعيينات المتسرعة لغير الكفاءات .
ومن هنا فقد قبل الإسلاميون التونسيون ابتلاع كل الثعابين على رأي المثل الفرنسي ، وقدموا تنازلات كبيرة جدا لحد إدخال تململ في صفوف الجهات الأكثر تطرفا في صفوفهم، وابتعادهم عن التيارات السلفية العنيفة مثل أنصار الشريعة إلى حد تصنيفها بأنها منظمة إرهابية ,هو ما ستتبعهم فيه الولايات المتحدة وجهات دولية أخرى بالخصوص أوروبية.
**
هذه إذن الظروف التي تمت في ظلها كتابة الدستور، بعد انعقاد حوار وطني تحت رعاية اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة بالخصوص.
-        تنازلات نهضوية لم تكن لتحدث لولا تطورات الأشهر الأخيرة محليا وعربيا، وحتى دوليا في ما سيسمى من طرف متطرفين من بينهم بالخصوص النائب المؤسس عبدالرؤوف العيادي.
-        تفهم من جهات توصف بالعلمانية، حتى لا تدفع بالنهضة إلى الزاوية.
وبين هذا وذاك من المشاغل أمكن إنهاء الدستور.
ولكن أي دستور؟
دستور اتسم بفقدان الحد الأدنى من المنطق الداخلي، فليس هو بدستور دولة علمانية ، ولا هو دستور دولة دينية، وحتى تعبير الدولة المدنية الذي جاء في فصله الثاني لا يمكن قبوله إلا تجاوزا.
ولعل الفصل السادس منه والذي نورده في ما يلي:
"الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي.
تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح، وبحماية المقدسات ومنع النيل منها.
كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف".
ومن رأينا فإن هذا الفصل حمال لوجهات مختلفة، قد يصعب عند التطبيق ضبطها، وإذا كان نتيجة توافقات صعبة، فإنه ولا شك يحمل بصورة تكاد تكون كاريكاتورية التناقضات الكثيرة في صلب هذا الدستور، الذي يبدو وكأنه دستور ، مكتوب لجهات متعددة بنوايا متعددة ، وتوجهات إيديولوجية متعارضة.
إن الدولة راعية الدين هي من خصائص الدساتير الإيديولوجية ذات المنحى الديني، وبالمقابل فإن كفالة حرية المعتقد والضمير يحيلنا لما تحفل به الدساتير ذات المنحى العلماني ، فمن شاء أن يؤمن فليؤمن ومن شاء أن يكفر فليكفر، وهي أي الدولة عندما تكون ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة( يعني معابد الديانات الأخرى ) عن التوظيف الحزبي للمرء أن يتساءل لماذا لا التوظيف السياسي أيضا، وهو مهم باعتباره مظهرا أكبر من التوظيف الحزبي، باعتبار أن التوظيف المنهجي الديني باجتهاد معين، هو أهم وأكثر استعمالا وأوسع من التوظيف الحزبي.
ولكن حماية المقدسات ومنع النيل منها ، هو إعلان غامض هلامي وغير محدد، ويمكن غدا إدخال كل شيء تحت بابه، فليست فقط الذات الإلهية أو الأنبياء وحدهم الذين يمكن أن يكونوا مستهدفين، بل كل ما يخطر ولا يخطر على بال، وفي هذا الإطار أين يكمن الإبداع الأدبي والفني.؟
أيضا نفس الأسئلة يمكن أن تطرح بالنسبة لمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف، وهنا يمكن طرح نفس التساؤلات السابقة ، وخاصة الغموض الوارد.
ولعله وجب أن يتم اعتماد قوانين محددة وواضحة في هذا المجال يمكن أن تثير نفس اللغط عند التشريع لها ، وتقابل بالقبول أو الرفض مجتمعيا.
**
سؤال لا بد أن يطرح وبإلحاح .
هل إن هذا الدستور يعبر عن إجماع وطني، أم إنه صيغ بطريقة ترضي كل الأطراف، كل طرف يجد نفسه في بعضه ولا يجدها في البعض الآخر.
ما لم يجتمع المجتمع على قرار، فإن هذا الدستور، سيبقى مرفوضا على الأطراف، التي تنتظر الفرصة لتغييره، وسيبقى محاربا ـ وهذه هي الكلمة المناسبة ـ من أطراف أخرى ولو أنها أقلية تعتبره ضد الإسلام، ولا يعبر عن الواقع التونسي .
من هنا لا يبدو أنه دستور صيغ لمئات السنين، فهل ستكون الفرصة سانحة لهذا الطرف أو ذاك لتغييره في العمق.
وهل من معنى لتحديد ذلك أو منعه بفصول معينة، فيما السيادة للشعب يفوضها لمجلس منتخب، هو المؤهل بحكم التفويض لتغيير ما يريد ويستطيع رغم أنف التحديدات.
من هنا فإن ما تم الانتهاء إليه يجعل هذا الدستور، عبارة عن علامات متنافرة لطبيعة التنوع ، ثم التوازنات في مجلس تأسيسي لم يرتق بحكم تركيبته إلى مشاغل ، المنبثق من الثورة، التي لم تكن في حينه على هذا القدر من التجاذب الإيديولوجي، ولم تكن تنتظر أن تكون الهوية الدينية أو غير الدينية لتونس هي المحدد.
**
وعودة للسؤال الأول في الطالع: هل إن هذا الدستور سيكون صالحا لمدة طويلة مثل الدستور الأمريكي ( قرابة قرنين ونصفا)، أو سيكون مصيره مماثلا لدستور الجمهورية الرابعة في فرنسا الذي لم يتواصل العمل به سوى 12 سنة (1946/1958).
دستور 1959 في تونس استمر العمل به 52 سنة، وكان يمكن بعد إدخال تغييرات عليه ( على الأصح على التغييرات غير المناسبة التي أدخلت عليه) أن يتواصل العمل به.
ولكن حركة النهضة وأقصى اليسار هما الذين عمدا للتجييش لإلغائه، كل منهما لأسباب إيديولوجية، فالأوائل كانوا يسعون لفرض الدولة الدينية والآخرون كانوا يسعون لفرض الدولة العلمانية، وانتهينا إلى دستور بلا روح ، وكل يحاول اليوم أن يجعله على مقاسه.
ذكرني هذا بما قاله لي وزير الخارجية الأسبق محمد المصمودي :  " كنا مجتمعين ثلة من أعضاد بورقيبة حوله في قصر أول جوان ، من بينهم الباهي الأدغم والطيب المهيري و المنجي سليم وأنا وغيرنا ثلاثة أو أربعة ، عندما فاجأنا بورقيبة بالقول ، هذا الدستور الذين تصوغون كأنه جاء على مقاسي، فلو أصبحت يوما وقد أصابني الخرف".
يقول المصمودي: سكتنا عن الكلام خوفا من أن يكون ذلك فخا لسبر آرائنا ، ولكن سارع الباهي الأدغم للتساؤل يمكن أن يصيبنا كلنا الخرف أما أنت فلا.
وتم غلق الموضوع.
دستور 1959 جاء على مقاس بورقيبة ، ودستور 2014 جاء على مقاس كل واحد ممن صاغوه وفي نفس الوقت فهو ليس على مقاس أحد. ولكن أيضا لن يكون أحدا راض بالمقاس.