سانحة
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
الخير ،، يجي
مع بعضه
تونس/الصواب/28/01/2014
ثلاثة أحداث
متتالية جاءت في الليلة الفاصلة بين الأحد والاثنين لتدلل على أن تونس قادرة على
تجاوز مشاكلها، وفتح الباب عريضا حتى في الأزقة التي يبدو أنها بدون منفذ.
كان الأول
والذي يبدو أقل أهمية، هو انكباب المجلس التأسيسي على نص سبق أن أقره قبل يوم،
وتسبب في تعطيل تشكيل الحكومة لمدة تزيد عن 24 ساعة، نص كان من شأنه لو أبقي لقضى
على كل الآمال في تشكيلها، لأنه لا يضمن استقرارها أمام قرارات خطيرة قد تتخذها
تلك الحكومة لتقويم الاعوجاج، فصرف الوزراء دون الحكومة بسحب الثقة بالنصف زائد
واحد، كان يتهدد كل وزير لا ترضى عليه النهضة وأذنابها.
وقد أدى
التوافق للتخلي عن ذلك التناقض فالحكومة متضامنة تبقى كلها أو تذهب كلها ، إلا في
حالات قصوى. ولقد بينا في مقال تحت باب بكل هدوء يوم 27 أكتوبر الخطورة الكامنة في
ذلك النص، وكيف يؤدي إلى منع مهدي جمعة أو أي غيره من تشكيل حكومة وعرضها. ومن حسن
الطالع أن المجلس التأسيسي توفق لإصلاح الأمر.
وجاء الثاني
تبعا لذلك، أن تشكلت الحكومة وما كان لها أن تتشكل لولا ذلك، وأن تعلن على الملأ
فيؤيدها من يؤيدها، ويعارضها من يعارضها، ومن الأكيد أنها حكومة كفاءات حقيقية
ومستقلة في غالبها، بما احتوته من طاقات من أفضل من تحويه البلاد، على كثرة
الكفاءات وارتفاع باعها كلها، غير أنه لا بد من القول أن الأغلبية الوافرة من
أعضائها ، تمثل حصنا منيعا ضد التطرف، وضد محاولات تغيير نمط المجتمع، الذي توجد
بعض الأصوات الداعية له، فالحكومة متضامنة، وكل انخراط في ما كان جاريا مع
الحكومتين السابقتين ، يتحمل مسؤوليته كل فرد من أعضائها، ولا سبيل للقول إنه خارج
مجاله أو ميدان اختصاصه. فهو مدعو للوقوف في وجهه.
مع الواجبات
الملقاة على رئيس الحكومة ووزراؤه وخاصة الشروع في التقويم الاقتصادي والتوفير
الأمني الشامل وهي مهام كل حكومة تحترم نفسها، فهناك ثلاث قضايا مستعجلة هي شأن كل
فرد في هذه الوزارة، وهي فرض عين لا فرض كفاية:
1/توفير
المناخ الملائم فعلا لإجراء انتخابات نزيهة شفافة، وهذا يمر حتما عبر مراجعة
التعيينات الكاسحة التي ارتكبتها
الحكومتان السابقتان، بدون حرص على مقاييس الكفاءة والخبرة والبعد عن الانتماء
الحزبي، وأيضا ضرورة حل الميليشيات خاصة المتمثلة في روابط"حماية
الثورة"، وملاحقة المال الفاسد، ولكن ضبط وتقنين كيفية وصول مال للأحزاب
والجمعيات ووسائل الإعلام ومصادره.
2/ التحييد
الفعلي للمساجد، وملاحقة المتجاوزين ، وتنفيذ ملامح الدستور الجديد وفقا للفصل
السادس منه، فلا مجال مستقبلا لفتاوي التكفير، ولا أيضا من المساس بالمقدسات التي
لا بد أن تضبط ضبطا دقيقا، والمتمثلة أساسا في الذات الإلهية والأنبياء، والقرآن
الكريم ومقدسات الأديان الأخرى التي يضمن النص حرية التعبد بها، دون أيضا هنا
المساس بطاقة الإبداع أو البحث العلمي، ودون المساس أيضا بالعلم الوطني الذي لا يرفع غيره ولا يهان ،
وهذا الدستور وكذلك رموز السيادة الوطنية كلها ،.
3 /قيام
تضامن حكومي فعلي، فلا مجال لأن يكون لكل وزير توجه متناقض مع السياسة العامة
للدولة، ونقول قصدا الدولة ولا الحكومة، ولا مجال لخروج وزير بمقولات تبدو وكأنها
خارجة عن السرب، ولعل هذا كان واضحا في وزير اتهم بأنه وهابي، سمح لنفسه ما سمح
مما لا يمكن أن يتكرر، في دولة تريد أن تبرز كدولة ، لا كمجموعة حكومات في حكومة
واحدة، إن كل وزير في هذه الحكومة مسؤول لا عن قطاعه فقط بل أيضا عن السياسة
العامة للدولة.
أما العنصر
الثالث فهو الدستور الذي سهر ثلث عدد المشاهدين إلى ساعة متأخرة ، لمتابعة
المصادقة النهائية ، والذي رغم الهنات الكثيرة، فإنه أصبح النص المرجعي لنا، مع كل
التحفظات حوله، من هذه الجهة أو تلك.
وسننشر نصه
كاملا على مدونتنا "الوسط" غدا بحول الله، بعد التأكد من مطابقة ما
سننشر لما تم إنجازه فعلا.
ولقد كان
لمائتين من النواب شرف المصادقة عليه، أما الذين أبدوا اعتراضهم، أو احتفظوا
بأصواتهم فإنهم أحرار في توجههم بمقتضى ما تفرضه روح الديمقراطية، ولكنهم فوتوا
على أنفسهم فرصة تاريخية، في أن يكونوا بين الذين نالهم شرف وضع يدهم ومهجهم في
روحه، كما نالهم شرف القبول به رغم ما يحمله بعضهم في أنفسهم من تعارض بين بعض نصوصه و قناعاتهم الدينية بالخصوص،
وهي القناعات الأكثر تجذرا في النفس البشرية، ورغم ذلك صوتوا لفائدة نص هو في
النهاية نص توافقي، لا يرضي الجميع ولا يرضي كل التوجهات، ولكنه الحل الذي يجمع كل
الناس
أو على الأقل غالبيتهم داخل المجلس التأسيسي وخارجه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق