Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 9 يناير 2014

الموقف السياسي: بعد مغادرة الحكومة، هل ستعود النهضة يوما إلى الحكم؟

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
هل هو وداع السلطة؟
تونس/ الصواب /10/01/2014
عندما قدم علي العريض استقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية دكتور منصف المرزوقي، فإنه كان ولا شك آسفا، لأنه على عكس ما كان منتظرا في شهر مارس الماضي عندما شكل تلك الحكومة على أنقاض حكومة حمادي الجبالي، وبنفس المنطق ، لم يستطع أن يواصل حتى الانتخابات المقبلة كما كان يؤمل.
فقد جاءت أسباب منعته من أن يصل بالنهضة حتى نهاية مدتها، أي حتى إنهاء الدستور، وحتى الانتخابات المقبلة ،  وحتى ما كان سعى إليه من قيام حكومة انتخابية  بدل حكومة كفاءات مستقلة ، لم يستطع لا هو لا حزبه تحقيقه.
وللواقع فإن النهضة غادرت السلطة مضطرة لا مختارة، وحكومة علي العريض، باتت في أحسن الأحوال معلقة إلى خيط رفيع، وغير قادرة على تسيير الدولة كما يتسنى عادة للحكومات ، منذ اغتيال محمد البراهمي في 25 جويلية الماضي، والذين يعرفون كيف تشتغل الإدارة، يعرفون أن عجلة الإدارة التونسية قد أصيبت بالشلل منذ ذلك الحين، وباتت الحكومة في حالة من العجز كبيرة رغم محاولات إثبات العكس، وحتى التسميات الكثيرة التي تولتها حكومة الجبالي ثم العريض بين "كبار" الموظفين لم تفد شيئا، لأن الإدارة التونسية ذات التقاليد العريقة، الممتدة إلى فترات الحكم العثماني ، ثم الفرنسي، ليس سهلا اختراقها، وهي قائمة كما هو شأن الإدارات المعتمدة  على المسار الوظيفي – la carrière- - أي على تراتبية وظيفية ، قوامها التدرج الوظيفي بحكم المستوى الثقافي والكفاءة والسن والأقدمية، وبالتالي فإنه وبعكس ما عمدت له النهضة من تسميات، فإنها لم تستطع شيئا لفرض الوافدين من أبنائها الذين بقوا خارج السرب لا يستطيعون شيئا.
لا علينا، ما هي إذن التبعات التي تنتج عن استقالة الحكومة؟
ولو أن الدكتور راشد الغنوشي أكد في مناسبات عديدة أن النهضة ستخرج من الحكومة لا من الحكم، باعتبار أنها ستبقى مسيطرة على المجلس التأسيسي، فإن حقيقة الأمر أن الحكومة والحكم أفلتا من يديها.
ما يدفع لقول ذلك، هو أن الترويكا قد انتهت من اللحظة التي قدم فيها على العريض استقالة حكومته. وليس صحيحا ما ذهب إليه وزراء بعينهم من أن استقالة العريض لا تعني استقالتهم، فالمتبع عالميا هو أن استقالة رئيس الحكومة هي استقالة لكل التشكيلة الحكومية.
لماذا انتهت الترويكا؟
انتهت لأنها عند قيامها كانت ائتلافا حاكما غير جامع بين التوجهات والأنماط المجتمعية، ارتكز على تحالف بين ثلاثة أحزاب، كانت ثلاثتها تهرول لتسلم السلطة، وقد تكرر كثيرا منذ ذلك الوقت أن الترويكا هي ائتلاف حاكم، تم بموجبه اقتسام المواقع، وبصورة تخلت فيه الأحزاب المرافقة أي المؤتمر والتكتل عن روحها وقناعاتها للحصول على فتات من السلطة أو شبه السلطة، فيما بقي القرار بيد النهضة وحدها.
وبالتالي ومن الناحية العملية، فإن كل حزب من الأحزاب الثلاثة استرجع حرية قراره، إن كانت النهضة فقدتها فعلا في يوم من الأيام.
وإذا كان المرزوقي أو بن جعفر، باقين اليوم في مركزهم، فلكم من الوقت، بعد أن فقدت النهضة، مركزها ونقطة ارتكازها أي رئاسة الحكومة، لقد جاء كلاهما من خلال صفقة في شهر ديسمبر 2011، صفقة غير متكافئة، دون توازن في الصلاحيات، وفي القرار، رغم أن النهضة لم يكن لها يومها القدرة على تشكيل الحكومة بدونهما، ولكنهما وفي هرولتهما، أمام المنصبين "الشرفيين" قد فقدا روحيهما، وانخرطا في عملية، سيحاسبهما عليها التاريخ، باعتبارهما الحزبان اللذان كان عليهما أن يحافظا للبلاد على نمطها المجتمعي ، الذي لولا تحرك المجتمع المدني لذهب بين الحوافر.
في التحليل السياسي اليوم يحق التساؤل: هل أن النهضة بعد سنتين من حكم كارثي أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه من تدهور، ومن إرهاب ، وانهيار اقتصادي، وتشكيك لنمط المجتمع ، ستعود يوما للحكم، أم إنها ودعته إلى غير رجعة.
فالمجتمع المدني، وبعكس الأحزاب هو الذي مكن البلاد من صد الغزوة الإخوانية، وهو الذي أعطى لتحركات الصيف الماضي عمقها الفعلي ، بخروج مئات الآلاف إلى الشوارع والساحات ما هز عرش النهضة، وحكومتها العاجزة، واضطرها أخيرا لتقديم استقالة، لا بد من القول إنها لم تكن جد مشرفة، بل أشبه ما تكون اضطرارية، وإن جاءت في صيغة توافقات ناتجة عن حوار وطني، قادها ورعاها المجتمع المدني ، المضاد للنمط المجتمعي الذي كانت تريده النهضة وتتمناه للبلاد، وشرعت في تنفيذه، عبر مجموعة من المبادرات، التي تريد أن تسحب من الدولة صبغتها المدنية المثبتة في مشروع الدستور، عبر قوانين وأوامر وقرارات ، كانت تريد من ورائها أن تلتف على الفصل الأول والثاني من مشروع الدستور.
ولقد أبرزت تحركات العامين الأخيرين بلا شك ولا اختلاف، أن مخزون القوة الكامن في المجتمع المدني ، هي أقوى من القوة التي حاولت بها النهضة عبر أغلبيتها النسبية في المجلس التأسيسي ، السيطرة على مقدرات البلاد على الأقل عبر أمرين اثنين ، أو مثالين :
1/أولهما فشل النهضة منذ ماي 1012 في فرض الشريعة في الفصل الأول من الدستور، والتراجع بدون انتظام عن مطلبها، ولعل مصطفى بن جعفر اتخذ وقتها موقفا حازما عندما قال لن تمر الشريعة إلا على جثتي.
2/ ثانيهما: اضطرار حكومة قائمة للتراجع تحت ضغط أحزاب المعارضة، والمجتمع المدني والقبول بالتنحي عن السلطة، وقيام حكومة يؤمل أن تكون مستقلة غير خاضعة للنهضة، أو مؤتمرة بأوامر مجلس تأسيسي، تسلل إليه النهضويون بأغلبية نسبية في غفلة من الزمن، وقاد البلاد نحو الاغتيالات والإرهاب والانهيار الاقتصادي.
وفي الأخير لا بد من القول أن لتونس حصونا عالية للوقوف في وجه الغزوة الاخوانية، هذه الحصون متمثلة في مجتمع مدني حقيقي، وحقيق بأن يحمي البلاد من إرادة تدجين الشعب أو تغيير أنماطه التقدمية، التي بناها على أسس ثابتة، من ركائز النهضة الحقيقية، لا النهضة الحزبية المتراجعة والمرتدة.
وإذ يراد أن يقال ، بأن النهضة تنازلت عن الحكم ، فإن الحقيقة أنها كانت في مغادرتها مضطرة لا مختارة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق