Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 11 يناير 2014

اقتصاديات: كارثة اقتصادية في وجه الحكومة الجديدة، فكيف مجابهتها؟

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
القرض الوطني هو الحل
تونس/ الصواب /11/01/2014
عندما نقول إن الحكومة المنصرفة تركت البلاد دمارا وخرابا، فإن ذلك يتأكد يوما بعد يوم.
وإضافة إلى ما عليه الوضع الاقتصادي للبلاد ، من انهيار بعد عامين من حكم النهضة، اتخذت فيها القرارات الارتجالية التي تنقصها لا فقط البصيرة النافذة، بل كذلك المنطقية الضرورية، توسلا إلى عدم الإقدام على قرارات ربما تكون مرة ولكنها ضرورية، حتى تدخل الانتخابات من موقع لا يغضب أحدا بقصد الفوز فيها، فلا جاء الازدهار الذي بشرت به النهضة في البرنامج الذي نشرته قبل 23 أكتوبر ، ولا جاءت الانتخابات.
وهي إذ تركت البلاد هشيما، فإنها ستؤكد لكل من يريد أن يسمعها،أن الوضع لن يكون أحسن في أكتوبر المقبل الموعد المفترض للانتخابات المقبلة.
وبالفعل فإن الحكومة الوريثة لهذا الوضع الكارثي تستحق الإشفاق حقا، لأنها لن تستطيع شيئا كثيرا خلال الأشهر القليلة المقبلة، لإصلاح ما أفسده حكم السنتين الماضيتين.
وقد نبهت مختلف الجهات الواعية والمقدرة لحقيقة الأمور، النهضة الحاكمة وشريكيها المتورطين معها، إلى طبيعة الأوضاع، وإلى مكامن الداء، وإلى طبيعة الإصلاحات اللازمة، وبلغ الأمر الأوج في جوان 2012 عندما قدم وزير المالية حسين الديماسي وهو مستقل، استقالته على خلفية إحجام النهضة عن اتخاذ القرارات التصحيحية الواجبة حتى لا تغرق البلاد، وكان يدرك أن هذه التصحيحات مريرة المذاق ولكن كان لا بد منها. وثمنها أخف من الثمن الذي ستدفعه البلاد اليوم بعد أن أوشكت على الغرق.
واليوم ونحن أمام واقع اقتصادي ـ زيادة عن السياسي والأمني والخاص بالسمعة المتدهورة داخليا ودولياـ فإن حكومة مهدي جمعة ترث وضعا ليس من السهل التعامل معه، وهو موجع مؤلم من حيث يمكنها أن تأتيه، ويمكن أن يؤدي لتفجير أوضاع ، هي كالنار الملتهبة تحت الرماد.
و زيادة على التدهور الاقتصادي الاجتماعي العام، فإن الحكومة الجديدة، ترث حكما بلا ميزانية فعلية للدولة.
وحتى الميزانية الافتراضية التي كانت قائمة لحد أيام قليلة مضت بعد أن صادق عليها مجلس تأسيسي، غير واع لا بالوضع ولا بالتحديات، فانخرط في ما يريده حزب النهضة رغم التنبيه ، إلى أنه سيؤدي إلى انفجار محتوم، باعتباره يمس المقدرات الحياتية، للفئات التي تكون طبيعيا عماد السلطة و إسمنتها، حتى هذه الميزانية تلاشت بعد  إقدام رئيس الحكومة قبيل تقديم استقالة حكومته ، عن اتخاذ قرارات بحذف جملة من مداخيل وموارد تلك الميزانية ، دون اقتراح  كيف سيعوضها ، كما ينبغي أن يكون عليه كل عمل مسئول.
إن قرار إلغاء الإتاوات، وإن كان قرارا  اتخذته الحكومة مضطرة لامتصاص الغضب الشعبي، الذي انفجر في كل مكان، فإنه جاء لإصلاح قرارات خاطئة ، تم تضمينها في ميزانية للدولة تتسم بالارتجال، وقلة الخبرة المالية والاقتصادية وخاصة السياسية والاجتماعية.
غير أن ما شاب هذه القرارات "التصحيحية" وما صاحبها من عمل هاو من قبل الحكومة وحزبها المسيطر عليها النهضة، يدل على أن أصحاب القرار تنقصهم المنطقية تماما، فقبل يوم من القرار أقدمت النهضة عبر هياكلها المسئولة على التنكر لتلك القرارات الخاطئة، ودعت للتراجع عنها، وكأنها تلوم وزير المالية على اتخاذها ضاربة عرض الحائط بأمرين اثنين:
أولهما غياب التضامن الحكومي الذي تمثل هي فيه نظريا العمود الفقري لطبيعة حجمها داخل حكومة الترويكا، وكأن النهضة هي حزب في المعارضة.
وثانيهما عدم الإفصاح عن الطريقة التي ستعوض بها الحكومة نقص الموارد المبرمج داخل تلك الميزانية، وهو ما سيسقط فيه رئيس الحكومة المنصرفة علي العريض عندما اتخذ قراراته الارتجالية، وهو ما يدل دلالة واضحة على أن حركة النهضة، بينها وبين السير الطبيعي لدواليب الحكم قطيعة كاملة.
على أن الأخطر من ذلك، هو أن اليوم السابق لقرارات علي العريض" المفاجئة" شهد أمرين اثنين:
أولهما أن وزير المالية ، إلياس الفخفاخ وفي حالة من السذاجة المطبقة، عقد ندوة صحفية أصر فيها على قرار الحكومة بشأن الحفاظ على الإتاوات المقررة.
وثانيهما أن مدير عام الدراسات والتشريع في وزارة المالية  سامي المكي ، قد تم توريطه في ملف تلفزيوني ليدافع على ما لا يمكن الدفاع عنه، وهو لا يدري أن ما كان يدافع عنه سيلغى في اليوم الموالي، ولعله من الغريب ، أن يكون وقع توريط موظف سام في هذه المهزلة، ما كان له وهو إداري محنك ، أن يدخل لعبة سياسية نالت منه ومن مصداقيته، وهو على ما هو عليه من خبرة ومن كفاءة عالية، كبقية الإطارات السامية في وزارة المالية، وفي الإدارة التونسية عموما، إلا وهو مستبعد أن يكون من كوادر النهضة، وبذلك يكون فاقدا لحياديته الإدارية.
**
والمهم اليوم أن حكومة العريض تغادر السفينة الغارقة، و بها ثقب يتمثل في نقص في الموارد بمقدار، ما كان سيتوفر من الإتاوة على السيارات، وهو نقص لم يعلن بوصفه ولو كان رئيس حكومة تصريف أعمال عن كيفية تسديده، كل هذا إلى جانب قلة احتمالات تحصيل موارد أخرى مقررة ولكن بينها وبين الواقعية أشواط بعيدة.
و ترث اليوم حكومة مهدي جمعة ووزيرها للمالية، نقصا في الموارد كبير، ينبغي للمرء أن يتساءل كيف سيقع سده.
هذا النقص لا بد من سده وإلا فإن ميزانية الدولة لا معنى لها وتبدو غير متوازنة.
ولو استمر هذا النقص وهو نقص قائم حتى قبل إلغاء الإتاوات يحتاج إلى تصور كيفية تغطيته وإلا فإن أمام الحكومة خيارات أحلاها شديد المرارة:
-        إما عدم الالتزام بدفع مرتبات الموظفين والمتقاعدين في وقتها وإن لزم الأمر التخفيض فيها أو تقليص عدد موظفي الدولة.
-        أو وقف ميزانية التنمية إن كليا أو جزئيا، وهذا يمثل كارثة، فنفقات هذه الميزانية يشكل حركة لجهات ومكاتب دراسات ومقاولات عدا التشغيل.
-        أو التلدد في سداد الديون الداخلية أو الخارجية وهذه قمة الكارثة
**
بعد هذا وقبله، فإن القضية الحارقة اليوم وذات الأولوية أمام مهدي جمعة وحكومته المقبلة وخاصة وزير ماليته، هو الكيفية التي سيتوصل بها لتوفير الأبواب اللازمة لعدم السقوط في ما يشبه إفلاس الدولة، وهو إفلاس ممكن الحصول.
من هنا فإن الاقتراح العملي هو تنظيم تحصيل قرض وطني، موجه تمويله لكل المواطنين يكون طوعيا ، ويمكن أن يجمع فوق المأمول إذا عرفت الحكومة الجديدة كيف تسوقه، وكيف تبرز أنها غير مسئولة عن الوضع الكارثي الذي تركته لها الحكومة السابقة.
وإذ يمكنها أن تحرك الوازع الوطني كما حصل في سنة 1986 بمبادرة من الوزير الأول آنذاك السيد رشيد صفر وبحزم واضح من وزير التخطيط أيامها السيد إسماعيل خليل، فإنها يمكنها تعبئة ما يمكن بلادنا على الأقل وقتيا من تجاوز هذا الوضع الصعب الذي دفعتنا إليه حكومة غير مسئولة تولت أمر بلادنا على مدى العامين الأخيرين، وفشلت فشلا ذريعا لا فقط بسبب قلة الخبرة وقلة الكفاءة ، بل عن قصد بتجنب المواقف المسئولة حفاظا عن الحظوظ في انتخابات لم تنجح حتى للوصول لإنجازها في الوقت المناسب أي في النصف الأول من سنة 2013 كما كان واجبا ومنتظرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق