Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 29 يناير 2014

الموقف السياسي: وتم تسليم السلطة واستلامها

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
على أبواب استلام حكومة جديدة للسلطة (2)*
.. وتم الاستلام ..
الصواب /تونس/29/01/2014
في آخر عبارة قالها رئيس الحكومة الجديد مهدي جمعة في حفل تنصيب الحكومة الجديدة، وهو ينظر إلى وزرائه ، والآن إلى العمل ، ثم وفي لفتة للوزراء المتخلين الذين غادروا الحكومة السابقة ، والآن لتذهبوا للراحة.
لا يمكن للمرء أن يجزم أن عبارة رئيس الوزراء الجديد كانت بريئة ، أو أن وراءها معاني أراد أن يبلغها.
سؤال يطرح نفسه ، هل يمكن أن تكون هناك براءة في السياسة ، من يقول بالبراءة ، لا يمكن أن يحال إلا على السذاجة على الأقل السياسية ، ولن يظن أحد أن رئيس الوزراء الجديد ساذج ولو سياسيا ، فهو لحد الآن يناور بذكاء شديد.
ومن هنا لعل للمرء أن يفهم أن في الأمر دعوة للوزراء السابقين ، وربما الأسبقين   ، لملازمة الابتعاد عن محاولة التأثير أو التدخل ، وترك الحرية الكاملة لمن خلفوهم لتحرك من نوع جديد. إذن فإن السابقين بهذا المعنى لا يمكن لا أن يكونوا قدوة ، ولا مثلا يحتذى ، وبمعنى آخر إنهم كانوا فاشلين ربما ليسوا كلهم ولكن ذلك هو الانطباع الذي يعطونه عن فترة حكمهم ، وهذا هو استنتاج محتمل.
للمرء أن يتوقف عند ثلاثة أشياء هنا:
أولها أن التقييم العام والمتفق عليه ، هو أن حكومات النهضة، وأقول قصدا النهضة لا الترويكا ، كانت فاشلة ، وأن القرار فيها لم يكن ثلاثيا بل نهضاويا ، وقد أبرز ذلك بوضوح كاتب الدولة الأسبق للخارجية بن عباس على قناة تلفزة تي في  حديث مطول تقييمي مع حمزة البلومي، واصفا بأن التوازنات لم تكن تترك لشريكي النهضة أي جانب من القرار.
فقد كان من الواضح ، أن حكومة النهضة كانت متسمة بقلة الكفاءة وقلة الخبرة معا ، كل ذلك صاحبه كبرياء شديدة ، واعتقاد بأن الخطأ لا يتسرب إليهم لا من أمام ولا من خلف ، فضلا عن تقييم سيء وخاطئ للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية ، كان له أثره الكبير على المسار، طبعا في اتجاه سلبي.
ثانيا : أن حكومة العريض بالذات قد أصابها الشلل منذ 25 جويلية أي يوم اغتيال البراهمي ، فكان وجودها مصحوبا بعدم قدرة فاضح على الحركة ، وعجز فادح عن اتخاذ القرار، وفي ما عدا القرارات السياسية ، وهي قليلة وغالبا غير موفقة ، فإن ما ترك المسيرة متواصلة هو إدارة كفأة  أخذت كل الأمور بيدها.
ثالثا : أن التخبط أصاب النهضة وشريكيها وخاصة المؤتمر الذي كان منذ البداية بتركيبته واقعا تحت سيطرة الحركة الإسلامية( noyauté).
ولعله ولو لم يكن المقود بيد قوية، هي يد الغنوشي لسارت البلاد إما للتحلل أو لحمام دم.
والاستنتاج أخيرا أن النهضة ، التي كانت تعتقد أنها ستفرض ، بأغلبيتها النسبية وجهة نظرها ، وأنها ستنجح في قيام نظام ديني ، يبشر لنمط مجتمعي جديد ومختلف، قوامه"التدافع الإجتماعي" قد أخذت تتراجع ، عن مراكزها ، لا تحت تأثير شريكيها ، وإن كان التكتل أكثر حزما بحكم صفاء تركيبته ، وعدم وجود نهضاويين معارين في صفوفه ، ولكن تحت ضغط مجتمع مدني ، استطاع أن يحول الأقلية السياسية في البرلمان ، من صفر فاصل إلى قوة ضاربة ، غيرت في العمق التوازنات وموازين القوى، وأدت إلى صياغة دستور مقبول في النهاية ، هو في كل الأحوال دستور للدولة المدنية ، لم يكن حتى بورقيبة لينجح في كتابة أفضل منه ، وإن لم يخل من فخاخ عديدة ، لا بد لذلك المجتمع المدني أن لا يقلص من يقظته حتى لا يفاجأ يوما بعكس ما يتطلع إليه.
غير أن الفشل الأكبر للنهضة هو أنها اضطرت اضطرارا لمغـــــــــادرة الحكومة ـ سيقول الغنوشي لا الحكم ـ وهي إذ تفاخر بذلك على أنه كان طوعا ، فإن المراقبين الأكثر حيادا ، يعتبرون أن ذلك لم يكن في حسابات النهضة لولا ثلاثة عوامل ضاغطة:
أ‌)      أن تطويل فترة صياغة الدستور وتمطيطها ، رغم الالتزامات المكتوبة ، قد لعب دورا في إبراز أنهم طلاب حكم ، وأنهم لم يحسنوا التصرف في ذلك الحكم ، بل طوعوه واستغلوه واعتبروه غنيمة ، وهو ما انتهى إلى أن الناس أو البعض أصابهم القرف ، فضلا عن أن القضايا التي قامت من أجلها الثورة لم تقع معالجتها ، وسواء كانت ثورة أو لم تكن وفقا للتقديرات المختلفة والتي بدأت تطفو على السطح ،  لذلك فإنه  لم يعد أحد ( أو لعله لم تعد هناك أغلبية )  يعتقد أن النهضة بالذات تؤمن بأنه قامت ثورة، وأن للثورة استحقاقاتها.
ب‌)                       أن التهافت ، والوعود المقطوعة وغير المحققة ، أفرزت رأيا عاما مناقضا، ظهر في عجز من النهضة على التعبئة ليلة 3 أوت،2013 فقد فشلت الدعوة للمليونية بالقصبة رغم المال المبذول على ما يقال ، ورغم استخدام إمكانيات الدولة بدون وجه حق ، فيما تجمع مئات الألوف في المسيرات التي نظمها المناوؤون بدون إمكانيات تذكر في باردو.
ت‌)                       الخوف الشديد مما حصل في مصر ، مع الادراك الكامل بأن ما يحصل في مصر يمكن أن يكون مثلا يحتذى ، وإذا لم يحصل في تونس ما حصل في مصر فإن ذلك يعود لذكاء نسبي للقيادة الإخوانية  في تونس وخاصة للأستاذ راشد الغنوشي، الذي عرف من المنطلق كيف يشرك أطرافا خارجية ( المؤتمر والتكتل ) في الحكم ، ولم يتحد المجتمع المدني بطبقاته المثقفة كما حصل في مصر ، بتصرفات خاطئة ( البعض يقول غبية) للرئيس السابق مرسي وفريقه.
من هنا انطلقت إرادة داخلية في التنظيم نفسه   ضد التيار الإخواني التونسي الأصيل والمتأصل  الذي ما زال قويا ، لإحلال شرعية التوافق ( إعلان ذلك صراحة ) بدل  (و للتخفيف يقال مع الشرعية الانتخابية أو للبعض الشرعية السيادية)، ومن هنا انتقل الشيخ راشد الغنوشي إلى باريس طالبا يد العجوز الآخر الباجي قائد السبسي، واضعا رغم العداء المعلن سابقا ، اليد في اليد، وبات الرجلان يعلن كل منهما أنه لا غنى عن الآخر.
باتت النهضة وأصبحت على تنازلات من كان في جوان الماضي يتوقعها ، إلى الحد الذي يقف معه الطيب البكوش  أحد زعماء النداء ليقول لوكالة الأناضول التركية  إن نداء تونس يمكن أن يدخل في ائتلاف مع النهضة بعد الانتخابات ، ولتؤكد عدة مصادر من النهضة ذلك.
هل باتت النهضة وأصبحت  فتحولت  إلى حزب مدني ، لم يكن للحقيقة كذلك قبل أشهر ، من الصعب تصور ذلك ، ولكن الماكييفيلية يمكن أن تقود لكل شيء. وللتخفيف يقال الواقعية السياسية ، الريال بوليتيك.






·       تم نشر الحلقة الأولى يوم 18/01/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق