الموقف السياسي
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
حكومة في
انتظار التقييم الشعبي
تونس/ الصواب
/28/1/2014
تشكلت
الحكومة حكومة مهدي جمعة.
وبدأ أمران
اثنان في انتظارها: جانب يشيد بحيادها واستقلاليتها، ونزاهة أفرادها، والبعض الآخر
يندد بمن ضمت من وجوه وصفت إما بالتجمعية أو بالنهضوية، وتشكك في إمكانية أن تنفذ
خارطة الطريق.
وكما هي
العادة فنحن في مستوانا لا نريد أن نأخذ موقفا سابقا لأوانه، فعند تشكيل حكومة
حمادي الجبالي النهضوية، دعك من القول بأنها حكومة ثلاثية، اخترنا أن يكون حكمنا عليها استباق إيجابي، لما
نعرفه شخصيا عن الرجل من اعتدال، ولكن يبدو أن الماكينة الحزبية سحقته وجعلته
يلاحق خطاها بدل ، أن يسبقها.
وعرفت سريعا
وقتها أن مآله الفشل، وبدل أن يكون في مقدمة الركب لقيادته يبدو أنه اضطر إلى أن
يلاحق لاهثا المطلوب منه، ولعله كان لي أن أفهم ذلك منذ اليوم الذي أجابني فيه في
بيت السيد مصطفى الفيلالي ، بأنهم أي النهضة لا يستطيعون أن لا يأخذوا الحكم عندما
يؤول إليهم لأن قواعدهم لا تسمح لهم بذلك، ذكرني ذلك بسنة 1989 بمناسبة انتخابات 2
أفريل من تلك السنة، أيامها كان هناك مقترح من رئيس الجمهورية المؤقت زين العابدين
بن علي ، بأن تقوم لوائح ائتلافية في كل جهات البلاد يكون ضمنها مرشحون إسلاميون،
وقتها قبلت النهضة، ومن أسقط ذلك الاقتراح الذي كان يمكن أن يجنب البلاد ما دخلت
فيه لاحقا من تصفيات، ومن قتل كل روح ديمقراطية، هم ثلاثة حسب المعطيات التي
جمعناها، الهادي البكوش ، وأحمد المستيري ومحمد مواعدة، أيامها كان عقلاء الاتجاه الإسلامي
يلحون على ضرورة عدم إخافة السلطة، بترشيح قائمات اللون البنفسجي (القائمات
الإسلامية التي وضعت تحت شعار المستقلة واختارت اللون البنفسجي) في دائرتين أو
ثلاثة فقط، وكان وفق معلوماتنا الشيخ عبد الفتاح مورو المؤسس الفعلي للاتجاه الإسلامي
(كتاب صلاح الدين الجورشي) وراء هذا المقترح، غير أن القيادات تعللت بأن القواعد
هي التي لا تقبل، وكان الشيخ مورو يلح على أن القيادة ينبغي أن تسير أمام الركب ،
وأن لا تتبع أهواء الجماهير فهي الأقدر على حسن التقدير والتدبير لما يتوفر لها من
معطيات.
ودعني أقول
أن حمادي الجبالي كان لو تسنى له فعلا تشكيل حكومته في تلك الأيام التي عقبت
انتخابات أكتوبر 2011، لاختار لها من الكفاءات ما كان به ينجح وزيادة، فهو رجل
عملي جدا ويعرف في العمق حقيقة الأمور، ولكن النهضة تدخلت في كل كبيرة وصغيرة.
ولذلك وبعد
أسابيع قليلة بدا الفشل واضحا، كما بدا أنه غير قادر على اتخاذ القرارات الواجبة
التي كان يفرضها الواقع، ومن هنا لم يمر وقت طويل حتى استقال أحد وزرائه من
المستقلين، يأسا من أن يستطيع شيئا، ولم تكن القرارات مركزة بين يد حاكمة بل كانت
موزعة ، وأخذ من جهته يخضع لقرارات وأقوال تتجاوزه، ولذلك وعندما اشترط تكوين حكومة
كفاءات في فيفري 2013، كان يسعى للإفلات مما أطبق عليه من قرارات مسقطة من النهضة
والأحزاب المؤتلفة ، التي لم تكن تهمها إلا المواقع ، ولو ذهب البلد إلى الجحيم.
انتهت حكومة
الجبالي، وذهبت بكل الفشل الذي اعترف به ضمنيا وصراحة، وجاءت حكومة علي العريض،
بنفس مقومات الفشل الذي سكن سابقتها، أي بتقديم المحاصصة الحزبية على النجاعة
والكفاءة والخبرة، وكان مصيرها محتوما، بل إنها منذ البداية لم يكن هناك في
العارفين من يعطيها أي حظ من حظوظ النجاح، ولم تمر إلا ثلاثة أو أربعة أشهر، حتى
باتت معلقة، فمنذ يوم 25 جويلية أي يوم مقتل محمد البراهمي وهي تواصل بدون تأثير
على الأحداث إلا الإمعان في تسميات وتعيينات ما أنزل الله بها من سلطان ، وهي تشكل
اليوم قيدا على حكومة مهدي جمعة ، لا يدري أحد كيف يمكنه أن يتعامل معها، وهي جزء
لا يتجزأ من مقومات خارطة الطريق. منذ ذلك الحين و حكومة العريض تواصل احتلال
المقاعد دون أن يكون لها تأثير على واقع أفلت من يدها، ولم تعد تسيطر عليه، ولعل
أكبر دليل على ذلك ميزانية للدولة، الأسوأ ـ إن كان يمكن تسميتها بالميزانية
الفعلية وليس الافتراضية ـ منذ الاستقلال.
**
جاء إذن مهدي
جمعة بحكومة جديدة، من المفروض أنها حكومة مستقلة، من الكفاءات الفعلية، لفترة
نسبيا قصيرة ـ لا ينبغي أن تصل لعام 2015 ـ، فكيف للمرء أن يتفاعل معها؟
وهل يمكن
إعطاء الحكومة هذه، الفكرة المسبقة الإيجابية
Le préjugé favorable ، ذلك واجب، ولو أن
هناك عدد من المعطيات التي تجعل ذلك ليس بالسهل.
-
مهدي جمعة نفسه، لم يأت في إطار التوافق، بل
تمت ولادته بالفورسيبس ، لأنه عضو في الحكومة المتخلية، بينما خارطة الطريق تتحدث
عن ورقة بيضاء لتشكيل الحكومة من الكفاءات والمستقلين.
-عدد من وزرائه ومستشاريه جاؤوا من تلك الحكومة
(بن جد والو رفلي)
- بعض وزرائه
يعتبرون امتدادا فكريا إيديولوجيا للحكومة السابقة أو على الأصح للحكومات السابقة.
وإذا لم يعرف
مهدي جمعة ، كيف يسيطر على هؤلاء الوزراء، فإن السفينة ستتلاطمها الأمواج.
صحيح أن
الأولويات المطلقة، هي إقرار الأمن والانتعاشة الاقتصادية.
صحيح أيضا أن
مهدي جمعة يرث وضعا ، يؤمل أن يكون فيه الأمن في طريقه إلى الاستتباب
صحيح أيضا أن
اتضاح معالم الطريق وانتهاء الضبابية ، بإقرار دستور وتشكيل حكومة من المفروض أن
تنال الثقة ،ـ ليس ثقة المجلس التأسيسي وحده ـ بل ثقة الفاعلين الاقتصاديين في
تونس والخارج.
ولكن يبقى
على هذه الحكومة عدة مهام سريعة وأكيدة:
- إقرار
ميزانية ذات مصداقية بعد أن استكملت ميزانية العريض/ الفخفاخ مراحل سقوطها.
- البحث
السريع وبالنتيجة الايجابية لقتلة شكري بلعيد و محمد البراهمي ومحمد المفتي
وتقديمهم للمحاكمة هم وقتلة لطفي نقض.
- الكشف عن
الملابسات الحقيقية لأحداث الشعانبي وبن عون وغيرها والإفصاح عن نتائج ذلك.
- البدء
بمراجعة التعيينات الحزبية التي عمت البلاد، واتسمت في غالبها بالانتماء الحزبي
وقلة الكفاءة وانعدام الخبرة.
- تولي
القيام بالإجراءات القانونية قصد حل روابط " حماية الثورة" وكل
الميليشيات، وملاحقة المال الفاسد، وتنظيف الأحزاب والجمعيات والإعلام من شروره.
وضبط طرق شفافة للتمويل.
الوقوف في
وجه المحاولات التي أصبحت يائسة لتغيير نمط المجتمع، وكف يد الوزراء والوزارات
التي تعلن صراحة عن هذا التوجه، وإلزامها بالتضامن الوزاري، الذي يفترض منها أن
تسير في الخط في حكومة تبدو وكأنها في غالبها، متشبعة بالنمط المجتمعي للبلاد ولا
غيره، والتي ينبغي لها أن تتحرك في هذا الاتجاه، وتفرض حماية المجتمع من الإنزلاقات
التي عرفتها على مدى العامين الماضيين.
هل يستطيع،
مهدي جمعة كل ذلك؟
المفروض نعم،
والفكرة المسبقة الإيجابية ستحاول أن تقف معه في خط السير ذلك، ليس فقط تشريعيا
بواسطة مجلس تأسيسي ، فقد للحقيقة مبرر وجوده، من حيث فقدان شرعيته لتجاوز مدة
وجوده المحدد بسنة، ولفقدان المهمة التي وكلت إليه وهي صياغة دستور، وهو باق خارج
إطار الشرعية الانتخابية. ولكنه فرض نفسه
بطريقة انقلابية ، لم يسوها حتى بقرار منه لتطويل مدة وجوده ، وتبرير
مقوماتها بعد الانتهاء من كتابة الدستور.
ولكن ليتأكد
من أنه هو وفريقه، ليس فقط خاضعا لرقابة مجلس تأسيسي فقد ظله، بل لرقابة مجتمع
مدني برزت قوته الفعلية، ورباعي راعي لم تنته مهمته، ما دامت الشرعية التوافقية هي
المحدد الأول والأخير، قبل وبعد و فوق الشرعية الانتخابية المشروخة لمجلس تأسيسي ،
وإن نجح في صياغة دستور، مقبول رغم كل شيء، فليس هو المسؤول وحده على نجاح المسعى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق