الموقف السياسي
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
على أبواب استلام حكومة جديدة للسلطة (1)
تونس/ الصواب
/18/1/2014
بمناسبة كل
تغيير في أي مؤسسة كانت ، لا بد للمرء أن يقوم بجرد للماضي ويستشرف المنتظر من
المستقبل، ومن هنا فلعل التوقف عند عطاء الحكومة المنصرفة ربما بعد يوم أو أيام
بحسب رغبة حركة النهضة، واستشراف ما ينتظر الحكومة المقبلة ، يبدو وكأنه ضرورة لا
مناص منها، وبالنسبة للمتابعين للشأن العام فهو فرض عين ولا فرض كفاية.
من هذا
المنطلق إذن ندخل هذه المغامرة بقدر كبير من الوثائق التي جمعناها من جهة،
وبالمحاولة وبقدر الإمكان الموضوعية اللازمة والحياد الواجب.
أولا :
إننا لم نكن لنعتقد أن حكومة تعتمد مرجعية
دينية صالحة لبلادنا، ولقد سبق لنا وفي 2 أفريل 1989 وبمناسبة انتخابات جرت في ذلك
اليوم ودخلها الاتجاه الإسلامي (النهضة لاحقا) بقوة وفي كل الدوائر تقريبا، وتحت
راية قائمات بنفسجية سميت مستقلة آنذاك ، أن نبهنا أننا ومع اعتقادنا في الحق
الطبيعي للإسلاميين في أن ينتظموا في حزب ، وسعينا لذلك التأسيس
"بالتواطئ" مع المستشار السياسي للرئيس بن علي آنذاك منصر الرويسي ، إذن
كنا نبهنا في افتتاحية جريدة الصباح ، إلى
أننا ندعو الناخبين لعدم التصويت لتلك
القائمات "المستقلة" المدعومة من الاسلاميين، خاصة بسبب مغايرة النمط
المجتمعي الذي تدعو إليه، لطبيعة النمط الذي ارتضاه التونسيون منذ عصر النهضة في
القرن التاسع عشر، والذي تدعم بالقرارات الحداثية الجريئة التي أدخلها بورقيبة.
ثانيا : أننا
في لقاء في بيت الأستاذ مصطفى الفيلالي جمعنا مع السادة المنجي الكعبي والطاهر
بوسمة وحمودة بن سلامة وخاصة حمادي الجبالي وزياد الدولاتلي الصديقان
القديمان في شهر جوان 2011 ، وكانت الصورة
قد بدأت تتضح، واحتمالات نجاح النهضة في الحصول على أغلبية نسبية مهمة ، قلت إنني
شخصيا لن أصوت للنهضة، وأضفت بأن النهضة إذا حصل وفازت بتلك الأغلبية النسبية ،
فلعله ليس من مصلحتها أن تتبوأ الحكم، لأن الحكم ليس سهلا، وهو لا بد أن يؤدي إلى
تهرئة خلال فترة انتقالية كنا جميعا نعتقد أنها لن تتجاوز سنة يتم فيها سن دستور،
وفقا لتعهد كتابي وأخلاقي وقعته من الأحزاب 11 منها النهضة،إضافة إلى أن ذلك جاء
في الأمر الرئاسي للدعوة لتنظيم انتخابات
المجلس التأسيسي.
ثالثا: أن
مسألة الحكم لم تعد بالسهولة التي كانت عليها عند الاستقلال ، والقول بأن من
خاضوها مع بورقيبة لم تكن لهم تجربة،
فالبلاد تغيرت منذ ذلك الحين، فعندما تشكلت حكومة بورقيبة في أفريل 1956 كان عدد
سكان البلاد في حدود 3 ملايين ونصفا، والدخل الفردي لا يتجاوز 200 دولار سنويا
طبعا بدولارات تـــلك الفترة ( الدولار كان يساوي ما يقابل 400 فرنك)، وكان مجموع
عدد المترددين على الجامعة 600 فرد وعدد الحاصلين على الباكالوريا لا يفوق 100 إلى
150 في السنة ، كان الفقر منتشرا والمجاعات دورية والكهرباء غير منتشرة ولا
الماء الجاري من الحنفيات، وكان عدد الثلاجات قليل جدا ويكاد يكون منعدما، فيما
اليوم نجد أن الطموحات أكبر بكثير وعدد السكان كاد يناهز 12 مليونا ، والدخل
الفردي وصل إلى ما يقارب 4 آلاف دولار ولا
يكاد يخلو بيت لا فقط من تلفزيون وثلاجة ولكن أيضا من كومبيوتر.
وبينما كانت
المدارس قليلة جدا ،والمدارس الثانوية مقتصرة على 4 أو 5 مدن باتت كل معتمدية تأوي
على الأقل مدرسة ثانوية إن لم يكن أكثر.
هذا التغيير
في الوضع عقد كثيرا الحياة وأيضا أدوات الحكم.
والإسلاميون
هم وشركاؤهم يشكون لا فقط من قلة التجربة
ولكن في غالب الأحيان من قلة الكفاءة، ولعل أكبر دليل أن حكومة علي العريض،
لم تكن تضم ولا وزير واحد مختص في الاقتصاد الكلي، أي له نظرة شاملة على التفاعلات
الاقتصادية،ومعرفة بالنتائج المترتبة عن القرار الاقتصادي.
**
إذن جاء 23 أكتوبر ، ومنذ اليوم الثاني ظهرت
بوادر النتائج للانتخابات الخاصة بانتخاب مجلس تأسيسي كما كنا نتوقع ، ، فقد حصلت
النهضة على 37 في المائة من الأصوات و41 في المائة من المقاعد، وليس مقبولا كل ما
قيل من تبريرات للتقليل من قيمة انتصار النهضة ، بالعودة إلى نسبة المصوتين
والنسبة الكبيرة من الممتنعين، كما وأيضا عدم حصول 1.5 مليون ناخب مصوت على أي مقعد باعتبار توزع الأصوات
نتيجة كثرة القائمات والمرشحين.
النتيجة التي
لا شك فيها هي :
-
أن النهضة نالت أغلبية نسبية كبيرة
-
أن لا أحد من الأحزاب كان في مستوى مشرف وأن
أعلى ما ناله حزب (المؤتمر) لا يكاد يفوق إلا بقليل ثلث ما نالته النهضة من مقاعد.
-
أن ما نالته النهضة يؤهلها للحكم، ولو
بالاستعانة وبالتحالف مع من يستطيع أن يقدم لها أصواتا تكميلية للحصول على أغلبية
ينبغي أن تفوق 109 أصوات في المجلس.
-
نظريا ذلك كاف للحكم ، ولكن وباعتبار أن
الأغلبية تحتاج إلى مخزون من الأصوات، يكفي في كل الأحوال وفي حالات غياب أو مرض
أو وفاة أي عضو، فإن النهضة كانت مضطرة بحكم النتائج الحاصلة إلى مدد يكفل ضمانة
عدم إسقاطها في كل الأحوال.
-
من هنا جاء تحالف معاكس لطبيعة الأشياء بقيام
ائتلاف حكومي، بين الماء والنار، بين حزب وإن كان يؤكد أنه مدني فإن مرجعيته
الدينية تلقي عليه شكوك كبيرة ، وأحزاب تعلن أنها علمانية ولكنها ظهرت في النهاية
على وجهها الحقيقي بقسط كبير من الانتهازية.
-
إذن قام ائتلاف حكومي قوامه في المنطلق 89 من
النواب النهضويين+ 29 من النواب من المؤتمر+ أقل من 20 نائبا من حزب التكتل . بحيث
كان المجموع قرابة 240 نائبا يشكلون أغلبية مريحة.
-
وقبل أن ينفرط عقد المؤتمر وتنبثق منه عدة
أحزاب ، وقبل أن ينفرط عقد التكتل وينضم أعداد من نوابه إلى كتل أخرى انضمت إلى
المعارضة، أمكن إذن تشكيل حكومة ، قامت أساسا على محاصصة حزبية، وتم اعتماد شخصيات بدون كفاءة ولا خبرة
لمناصب وزارية في إطار عملية توزيع معقدة.
-
وكان الحزبان اللذان جاءا للإئتلاف مع النهضة
وأعينهما على مناصب معينة قبل أي دافع آخر، رئاسة للجمهورية ( وبعض المناصب
الوزارية) ورئاسة المجلس التأسيسي ( ووزارات أخرى)، قد تدافعا بدون انتظام، فنال
المرزوقي المنصب الذي كان يحلم به بدون صلاحيات تذكر أي رئاسة الجمهورية وفيه اضطر
لابتلاع ثعابين كثيرة على رأي المثل الفرنسي، وكان ينتفض من حين لآخر ليعود لصف
الانضباط , بعد فقدان شيء من مصداقيته، أما رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر
وبحكم موقعه فقد كان أقدر على فرض نفسه، وإن كان وزنه هو وفريقه الحاكم ، في وضع أدنى من أن يستطيع أن يؤثر.
-
تشكلت حكومة نهضاوية بالأساس ، مطعمة بأنصار
حزبين قيل إنهما علمانيان ، بحيث كان القرار الفعلي في يد النهضة دون غيرها.
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق