Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 19 يناير 2014

عروبيات: رغم الاستفتاء، وجودة الدستور المصري، مصر على صفيح ساخن

عروبيات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
مصر أم الدنيا
تونس19/01/2014
صادق الشعب المصري في استفتاء عام، على دستور جديد، تولت لجنة من 50 شخصية برئاسة عمرو موسى تحريره في أقل من 6 أسابيع، وإذ لا يرقى هذا الدستور لمستوى الدستور التونسي في صيغته النهائية بعد التعديلات العميقة التي أدخلت عليه ضمانا لمدنية الدولة وإقرارا بباب للحريات غير متوفر مثيلا له حتى في دساتير الدول العريقة في الممارسة الديمقراطية وفقا لأقوال المختصين، فإنه أي الدستور المصري الجديد اعتبر من قبل الإخصائيين أفضل دستور عرفته مصر، منذ تم الشروع في اعتماد الدساتير في البلد الشقيق منذ العشرينيات من القرن المنقضي.
وتمت المصادقة على الدستور بمحضر أكثر من 40 في المائة من المسجلين في الجسم الانتخابي وعددهم يفوق 52 مليونا، وهو رقم مهم بالنسبة لاستشارة شعبية ليست فيها منافسة على مقاعد، وتفوق على كل حال النسبة التي تولت التصويت على  الإعلان الدستوري الذي تمت صياغته زمن الرئيس المصري السابق ـ والموصوف بالمعزول وهو نعت لا أحبه شخصيا ـ والذي كان دستورا مسقطا، اعتبر دستورا متخلفا، وبعيدا كل البعد عن المعايير الدولية المعتمدة في الدساتير الحديثة، ويقوم على أعمدة تكرس للدولة الدينية كما أرادها الإخوان المسلمون، وللواقع كما أرادت النهضة في تونس والتي ، اضطرت إلى التراجع تحت ضغط أحزاب المعارضة وخاصة المجتمع المدني. وتراجع النهضة لم يأت بمحض إرادتها، وتنازلاتها ـ وهي للواقع كبيرة ـ فرضها عليها معطيان اثنان:
أولهما حراك كبير، أبرز لها واقعا مغايرا لنتائج انتخابات 23 أكتوبر 2011، واضطرها إلى ترك التصميم على مواقف ظهر أنها ، ليس لها سند شعبي. فالمجتمع المدني مدعوما من أحزاب المعارضة وجانب من النواب والمنظمات الجماهيرية، استطاع بحشد قوي وتنظيم اعتصام دام أشهرا ومسيرات جمعت مئات الألوف في كل واحدة منها، هز العرش الذي كانت النهضة أنه لن يهتز.
وثانيهما خوف غير معلن ولكنه في الأحشاء ، من المثل المصري، وإذ أكدت النهضة وما زالت تؤكد ، وكذلك الأحزاب التي تدور في فلكها ، أن تونس ليست مصر، فإن حقيقة الأمر ، أنه إذا كانت تونس تختلف عن مصر ، فلها هي الأخرى حصونها العالية لحماية نفسها ، من التراجع عن مكتسبات تراكمت عبر عشرات السنين، وأعطاها بورقيبة دفعها الكبير.
إذن وللواقع فإن الدستور المصري يبدو متسما بصبغة حاثية، وإن أكد أن دين الدولة هو الإسلام وأن لغتها هي العربية، مضيفا أن الشريعة تمثل مصدرا أساسيا من مصادر التشريع، وهو ما لم تستطع النهضة أن تفرضه في الدستور التونسي الجديد.
**
اليوم وبعد الاستفتاء فإن لمصر دستورا يبقى مقبولا في كل الأحوال وهو أفضل من كل الدساتير التي عرفتها مصر، وخاصة دستور 1936 الذي كان يعتبر أفضل دستور عرفته مصر.
و الدستور الجديد في مصر والذي نال من قبل حوالي 40 في الـــمائة من الناخبين( نسبة أعلى في كل الأحوال من النسبة المشاركة في استفتاء الإعلان الدستوري للرئيس السابق) 98 في المائة من التصويت، يعتبر في كل الأحوال دستورا يكرس ركائز الدولة المدنية ويحمي الحقوق الأساسية للمواطن ، ويضمن الحريات وفقا للمعايير الدولية المتعارفة.
ولقد اتهمت السلطة المؤقتة بالرجوع إلى النسب العالية غير القابلة للتصديق، ولكن تفسيرات عديدة دحضت هذا الرأي باعتماد:
-        أن نسبة المشاركة، كانت أعلى من نسبة المشاركة في استفتاء 2012
-        أنها كان يمكن أنم تكون أعلى لو لم يدع الإخوان المسلمون إلى مقاطعة الانتخابات
-        إن نسبة الموافقة العالية وهي نسبة عادية في الاستفتاءات التي تختلف في طبيعتها عن النسب المعروفة في الانتخابات حيث تقوم منافسات بين شخصيات، هي نسبة دارجة ولو أنها كانت تكون أقل لولا المقاطعة، فالإخوان المسلمون لديهم وسيبقى لديهم مخزون هام ولكن غير مسيطر  من تركيبة الجسم الانتخابي المصري كما التونسي.
**
إذن باتت مصر بدستور جديد مقبول إن لم يكن مثاليا، ولكن ماذا بعد.
هل سيقبل الإخوان بالأمر الواقع، وينتهون عن الإصرار على شرعية نظام تم القضاء عليه ووأده، إلى حد كبير بسبب غباء سياسي اتسمت به القيادات الإسلامية في مصر، بعكس الذكاء النسبي الذي اتسم به الإسلاميون التونسيون.
لا ننسى أمرا في غاية الأهمية، وهو أن هناك دم ودم غزير قد سال، لا بد أنه خلق ضغائن وضغائن من الجهتين.
وبعكس ما يحاول أن يروج له الإسلاميون في مصر وغيرها، فعدد القتلى من الجانبين كبير، وخندق الدم لا يمكن أن يتم ردمه بسهولة، إلا بعد وقت طويل وحكمة من الأطراف التي تورطت فيه، حكم من جهة وإخوان من جهة أخرى.وإذ بدا اليوم أن السلطة قد استطاعت أن تحسم الأمر لفائدتها على الميدان، وأن تتمكن من أسس شرعية  قامت على استفتاء شعبي ، فإن الآلاف إن لم يكونوا عشرات الآلاف مآلهم مغادرة السجن ولو بعد وقت طويل، ومحاولة الانتقام، هذا إذا لم يكن أهاليهم هم الذين سيتولون ذلك.كان الله في عون مصر للخروج سالمة من فخ وقعت فيه، جاء نتيجة تعنت سلطة حاكمة لم تعرف كيف تتكيف مع الواقع، هي السلطة الاخوانية، التي حاولت تغيير نمط مجتمعي تم بناؤه حجرا حجرا منذ محمد علي أب النهضة العربية وحتى التركية ، منذ بداية القرن 19، وسلطة عوضتها واستعجلت الحسم بأدوات تذكر بسنة 1954 زمن عبدالناصر.
للاطلاع على نص الدستور المصري الجديد ادخلوا إلى مدونة الصواب :
http://www.alwassat-tounissia.blogspot.com/


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق