بكل هدوء
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
قبل الوداع
تونس/ الصواب
/04/01/2014
صممت النهضة
وهي تغادر السلطة على الأقل التنفيذية، على زرع الحقل بالألغام للحكومة الجديدة
وربما الحكومات المقبلة.
وذلك على
ثلاث مستويات :
المستوى
الأول بتعيينات كيف ما اتفق.
المستوى
الثاني اتخاذ قرارات هي أول من يعرف أنها غير قابلة للتطبيق.
المستوى
الثالث وضع قوانين هي نفسها غير قابلة للتطبيق
** ففي
المجال الأول تسارع نسق التعيينات في المناصب الإدارية لغير أصحاب الكفاءة، وخاصة
خارج إطار التراتيبية المعتمدة.
وقد درجت
الوظيفة العمومية على التعيينات وفق مقاييس محددة، وأمكن لها بذلك أن تدور عجلتها
باحترام تلك المقاييس ، وأن تكون ناجعة بالتسليم الطوعي لسامي الموظفين وهم الذين
يتولون إدارة ماكينة واقع تزييتها باستمرار، ومن الطبيعي أن يكون رد الفعل الطبيعي
هو رفض أوتوماتيكي، لهؤلاء المعينين، فبقوا مستلمين مناصب دون تأثير فعلي، على أن
الواضح أن الكثيرين منهم وقد تم لفظهم عمليا، سيتم لفظهم قانونيا بمجرد أن تنصرف
النهضة. فالتراتيبية أي وضع ترتيب زمني وعبر الكفاءات الفعلية وبعيدا عن الإسقاط
هي التقاليد المعمول بها في الإدارة التونسية على غرار الإدارات التي تتبع نظام
المسار الإداري (carrière)، وبالتالي لا يعين مديرا عاما
إلا من مر ولعدة سنوات كرئيس مصلحة ومدير مساعد ومدير، واعتبارا لكفاءات يكتسبها
وخبرة ينالها، ولا عهد للإدارة التونسية التي تعتبر عمودا فقريا للدولة ، بمديرين
عامين لم يعملوا ضمنها، فضلا عن أنهم لا يملكون لا الشهادات التي تؤهلهم ولا
الكفاءات المكتسبة التي تضمن مردودهم.
** وفي
المجال الثاني فإن النهضة تسعى لوضع أو ضمان مصادقة المجلس التأسيسي على قوانين
مرتدة، خارج إطار العصر، بغرض تغيير نمط المجتمع ، وإذ تملك أغلبية مريحة باعتبار
عدد نوابها وانضباطهم، فهي تعول على أتباع قريبين من عقليتها، وخاصة على التكتل
والمؤتمر، وهما حزبان باعا نفسيهما في إطار صفقة كانا أول الخاسرين فيها.
وعلى سبيل
الذكر لا الحصر يمكن التوقف عند ثلاثة من مشاريع القوانين:
-
مشروع قانون الأحباس الوافد من مجاهل التاريخ
، والمتناقض مع روح العصر.
-
مشروع المساجد الذي مع مشروع قانون الأحباس
يسعيان إلى فرض نمط مجتمعي تراجعي عن مكتسبات البلاد.
-
مشروع المقترح من قبل نواب غالبهم من النهضة
( المقترح هو مشروع القانون الذي يقدمه النواب وليس الحكومة) حول عمل أطباء
الاختصاص عند تخرجهم، للإيحاء بأنه مطلب شعبي يستهدف رفع الأوضاع الصحية في
الولايات الداخلية.
وإذ قال وزير الصحة إن على المضربين والمطالبين بإلغاء
هذا المقترح أن يتوجهوا للمجلس التأسيسي ، فللمرء أن يتساءل كيف يفاوضهم، وما معنى
التنازلات في الشكل التي يقترحها عليهم ، إذا لم يكن الملف في الواقع بيده هو شخصيا.
والمشاريع الثلاثة هي ألغام توضع في طريق أي حكومة
مقبلة، أضف إليها قانون إحداث صندوق الكرامة الذي أحدث بليل فجأة وبدون مقدمات ،
ودون المرور على دراسة لجنة متخصصة كما يقتضي القانون الداخلي للمجلس ما يجعله
مرشحا للإلغاء من قبل الحكمة الإدارية اليوم وربما المحكمة الدستورية غدا.
** المستوى الثالث هو المتمثل في اتخاذ قرارات شعبوية
غير قابلة للتطبيق في طريق الحكومة أو الحكومات المقبلة، ولعل أكبر مثال على ذلك
هو قرار المجلس الوزاري بإنشاء 3 كليات طب وكلية صيدلة وكلية طب أسنان في ولايات
داخلية، وإذ تستحق الولايات الداخلية مشاريع كبرى تتولاها الحكومة، فإن وقوع
الإختيار على إنشاء كليات طبية لعله أسوأ الإختيارات.
وزيادة على النعرات الجهوية التي أثارها ، ولعل مثالي
قابس وقفصة يشكل أكبر دليل على ذلك، فإن
إحداث كليات من هذا النوع يحتاج إلى إنشاء مستشفيات جامعية، فكلية الطب وهي عالية
التكاليف ( صحح لي عميد سابق أن كلية واحدة تكلف 250 مليارا لا 120 كما سبق أن قلت
اعتمادا على أرقام آخر الكليات الطبية المنشأة قبل حوالي 30 سنة) لا بد أن يسبقها
إنشاء مستشفيات جامعية ، يعمل فيها أطباء أساتذة عدد منهم مبرزين والبقية في
الطريق، ويتوفر لها مناخ علمي للأسف لا يتوفر لليوم بالكامل في كلياتنا الطبية
القائمة منذ أجيال.
ولعل الهدف الذي سعت إليه النهضة عبر هذه المشاريع إما
المرفوضة من المجتمع المدني أو المرفوضة من الواقع، هو وضع الحكومات المقبلة أمام
فخاخ ، فهي إما أن تستجيب وفي أحوال كثيرة يكون ذلك مستحيلا، أو أن لا تستجيب
ويقال عنها إنها مقصرة.
والنهضة ربما كانت لا تؤمل كثيرا العودة للسلطة ، بعد
حكم كارثي استمر سنتين وتراجع بالبلاد ، بشكل لن تقوم لها قائمة بعده، إلا بتضحيات
جسيمة وبعد 7 أو 8 سنوات، أو إنها لو عادت لقامت فعلا بتغيير نمط المجتمع ، وتعللت
بالتعطيلات التي تواجهها من قبل ما أخذت تسميه "بالدولة العميقة" أسوة
بالتسمية التي كان يطلقها الرئيس المصري السابق محمد مرسي العياط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق