Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

اقتصاديات : ذاهبون ولكن تاركون الخراب وراء ذيولهم

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
بعد خراب البصرة
تونس/ الصواب /31/12/2013
لا يصح عادة في ليلة رأس السنة، والعالم يحتفل بتوديع عام انتهى، ويحتفل بعام جديد، يسود التفاؤل بإشراقه، أن لا يكون المرء متفائلا.
ولكن الواقع المعاش يشدنا    إلى واقع لا يبدو ورديا، بل إنه يرشح بلادنا لأن تكون في وضع أسوأ من ذلك الذي سبق والذي كان على غاية من السوء هو الآخر.
وكانت ألفة يوسف قد سبق لها أن قالت عن حكامنا الحاليين، إنهم سيغادرون حتما، ولكنهم سيتركونها خرابا، كان ذلك قبل عام ونصفا، ويبدو أن نبوءتها صدقت، وتحققت لسوء الحظ والأسف.
وليس هناك من حظ للواقع، بل إن ما وصلنا إليه هو من صنع فعل بشري، إما أنه كان عن جهل وقلة كفاءة، أو عن إرادة مبيتة.
4 حقائق   نقدمها هنا ويتفق حولها الخبراء:
أولا أن وضع بلادنا الاقتصادي قد تدهور بنسبة 14 في المائة عما كان عليه في 2010
ثانيا أننا على حافة إفلاس بانت بوادره
ثالثا أن كل المؤشرات باتت في الأحمر وأن وضع تونس دوليا بات غير مطمئن
رابعا أن المستقبل رغم كل شيء لا يبدو ورديا من الناحية الاقتصادية وبالتالي في ما يهم حياة الناس.
وللواقع فإن ذلك لم يكن حتمية تاريخية بعد الثورة، بل كان نتيجة لسياسات قائمة على عنصرين:
1/ عدم كفاءة فاضح في تسيير شؤون البلد مصحوبا بقلة خبرة وضعفا في تصور كيفية تسيير دولة.
2/ شراء الزمن والاعتقاد بأنه لا ينبغي اتخاذ القرارات الجريئة ذات المذاق المر، تحسبا من انتخابات قادمة تسعى النهضة لربحها رميا لعرض الحائط بنتائج تلك السياسات على حياة الشعب.
**
من هنا تجد تونس اليوم نفسها في الوضع الذي هي عليه، من تدهور على كل الأصعدة وخاصة الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية.
فقد تراجعت تونس اقتصاديا بشكل مفجع دليل ذلك نسبة النمو التي لن تتجاوز لهذا العام 2.6 في المائة في أحسن التقديرات، وتراجع الدينار وارتفاع نسبة التضخم وانفلات التوازنات جميعها بصورة تهدد وضع البلاد وقد تدفع للانفجار.
وتراجعت اجتماعيا ( الواحد في المائة نمو  يكفي بالذات لتوفير 17 ألف فرصة عمل أي مجموع 44 ألف شغل جديد بينما الوافدون على سوق العمل سنويا يراوح 80 ألفا ما يعني إضافة 36 ألفا لسوق العاطلين، الذي يشكو من تواجد 700 ألف بطال ، والحديث عن خلق 115 ألف منصب شغل عام 2012 ليس سوى ذرا للرماد في العيون، باعتبار أن الوظيفة العمومية استقطبت وحدها أعدادا منهم يفوق الاحتمال وأنها باتت ب700 ألف موظف وشبه موظف تنافس الولايات المتحدة بـ800 ألف موظف لـ300 مليون ساكن)
وتراجعت مكانتها الدولية وسمعتها التي بناها بورقيبة وجعل من البلاد الصغيرة التي اسمها تونس رقما عربيا ودوليا يقرأ له ألف حساب.
**
لعل الموازنة الجديدة للدولة للعام الجديد تمثل أبرز مظاهر الفشل السياسي ، فهي موازنة افتراضية يأتم معنى الكلمة، وإذا صح باب الإنفاق فيها، والغالب على الظن أنه سيصح إن لم يقع تجاوزه،  فإن باب الموارد أي مداخيل الدولة ، يبدو غير مؤكد البتة وراء ذلك ثلاثة أسباب:
-        أن انخفاض نسبة النمو في العام 2013 سيؤثر بظلاله على محاصيل الأداء، إن الـ 4.5 في المائة المخططة تعني حجما للثروة جديد يمكن أن يفرز مداخيل للدولة بحجم معين ، وعدم تحقيقه والاكتفاء بـ2.6 في المائة يعني أن محاصيل الأداء ستنخفض للنصف تقريبا ، خصوصا وأن تلك النسبة لا تأتي أساسا من نمو سوقي أو من السوق بل باعتبار أنه ناتج على اعتبار أن الأجور في الإدارة تعتبر نموا فيما إنها إلى حد كبير إنفاق غير مبرر. وبالتالي فإن ركيزة من ركائز موارد الدولة ستكون عرجاء
-        أن نسبة النمو المقررة للعام 2014 وهي 4 في المائة لن تكون أحسن حالا وبالتالي فإن مردودها لن يفي بالحاجة.
-        إن باب الاقتراض يبدو في أسوأ أحواله لا على الصعيد الداخلي ولا الخارجي فمصداقية الدولة في الحضيض ولا يعرف ما إذا كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوروبي والبنك الإفريقي ومجموعة البنوك العربية يمكن أن تواصل إقراض تونس المنهار وضعها والتي تبدو غير قادرة مستقبلا على السداد.
وفي العام الجديد وباعتبار أن الميزانية ستبلغ 28 مليار دينار، فإن على البلاد أن تخصص 10 مليار كأجور، 37 إلى 39 في المائة من المداخيل
مثلها للدعم وسداد الدين وأقل منها لنفقات التنمية، وإذا كانت الموارد ستكون شحيحة فمن أين ستتجه الحكومة للتخفيف:
-        هل لتقليص أجور الموظفين أو للاستغناء على البعض منهم ؟
-        أم للتوقف جزئيا أو كليا عن دفع أقساط سداد الدين
-        أم لاقتطاع كبير من الدعم ؟
-        أم لإلغاء نفقات ميزانية التنمية؟
وكل حل من هذه الحلول يشكل كارثة يأتم معنى الكلمة.
وواقعيا هل يمكن المساس بأجور الموظفين دون حصول اضطرابات كبيرة؟
وهل يمكن سحب جزء كبير من الدعم في مدة قصيرة، دون توقع ثورة جديدة، نتيجة غلاء مواد أساسية أو مواد لها أثر على حياة الناس.؟
وهل يمكن التوقف ولو جزئيا عن عدم سداد الدين الخارجي، فتلك ستكون الكارثة ويتوقف تماما دفق القروض ؟
ولعل المجال الأقرب هو وقف نفقات التنمية وهذه يكون لها أثر سلبي جدا، إذ تتوقف مظاهر النشاط الاقتصادي بالكامل مع ما يستتبعه من تأثيرات اجتماعية كبرى.
الحكومة الحالية منصرفة ولكنها تترك وراءها خرابا لا يعرف أحد كيف يمكن الخروج من تأثيراته المدمرة.
ألا يصح المثل الخاص بخراب البصرة؟





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق