الموقف السياسي
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
في الانتظار.
حكومة
ودستورا
تونس/
الصواب/28/12/2013
تونس تشد
أنفاسها، في انتظار يوم 14 جانفي 2014، لا لأنه الذكرى الثالثة لانتصار
"الثورة" ولكن لأنه اليوم الموعود:
** لتشكيل
الحكومة "المستقلة المحايدة من الكفاءات المشهود لها وغير المعنية بالترشيح
في الانتخابات".
** لإعلان دستور الجمهورية الثانية
** لسن قانون
انتخابي جديد بما فيه من طريقة اقتراع Mode de scrutin
** لتركيب الهيئة المستقلة العليا
للانتخابات
ولعله وجب أن
نقف عند كل نقطة من هذه النقط ونحاول الغوص فيها:
**
إن رئيس
الحكومة المرتقب، ليس معينا ولا مكلفا حتى اللحظة، فلا بد من انتظار تكليفه من قبل
رئيس الجمهورية، ليصبح تعيينه رسميا.
وإذ أخذ يجري
مشاوراته فإن ذلك لا يعتبر أمرا رسميا.
وهناك خطوات
عادية ليجري ذلك:
1/ إعلان
استقالة الحكومة القائمة
2 / الإعلان
عن توليها تصريف الأمور أي عدم اتخاذها قرارات تلزم البلاد
3/ تكليف
مهدي جمعة بتشكيل حكومة جديدة من قبل رئيس الجمهورية، وهو ما لم يقع حتى الساعة.
4/ تولي مهدي
جمعة القيام بمشاوراته بصورة رسمية.
وهذه
المشاورات تفضل جهات المعارضة أن لا تشمل اقتراح تعيين وزراء من الحكومة الحالية
أو الحكومات التي كانت قائمة خلال العامين الأخيرين، ولكن لا يبدو أن ذلك هو موقف
الترويكا وخاصة النهضة التي تسعى وبإلحاح للحفاظ على عدد من "المستقلين"
في تلك الحكومات، ممن خبرتهم وتبدي اطمئنانا بشأنهم، وهم ثلاثة وزراء الداخلية
والعدل والدفاع.
وإذ يبدو أن
المعارضة لا ترى ـ وعن مضض ـ مانعا من إبقاء وزير الداخلية، فإنها تعارض صراحة الإبقاء
على وزير العدل، ولم يبد عليها رأي في شأن وزير الدفاع.
5/ تشكيل
حكومة ليس بين أعضائها من تضع النهضة فيتو على تعيينه.
ولكن هل بقي
متسع من الوقت لرئيس الحكومة المرتقب لتولي التشكيل، ولا يغيب أن البلاد دخلت بعد
بمناسبة أعياد رأس السنة، في حالة من الجمود؟
وإذا تم
التكليف الرسمي خلال يوم أو يومين ، فلعل رئيس الحكومة قد يكون، أعد قائمته التي
يقال إنها لن تكون طويلة، وأنها تقتصر على 15 إلى 20 وزيرا ، وإذ تسربت منها أسماء
، فإن مهدي جمعة يبدي حرصا شديدا على الحفاظ على سرية يبدو أنها مخترقة.
هذا من حيث
التشكيل، لكن الأمر أعقد من ذلك، ماذا سيفعل الرجل ومن سيكلفون بالملف الأمني
والملف الاقتصادي والملف الدبلوماسي، وثلاثتها ملفات حارقة.
والملف
الأمني يبدو اليوم أمه ممسوك ومطمئن، ولكن اليقظة تبدو واجبة بل وملحة.
والملف
الدبلوماسي يبدو أنه ينتظر من ينقذه من سنتين كارثيتين، تراجعت فيهما مكانة تونس
الدولية، وتأرجحت فيهما سمعتها القوية.
أما الملف الثالث،
وهو الأكثر حرقة وتأكدا فهو الملف الاقتصادي:
ولعل أمام
رئيس الحكومة والشخصية التي سيعينها للنواحي الاقتــــصادية والمالية( وزارة كثيفة
الصلاحيات على ما يقال) أمر في غاية الاستعجال، وهو إعادة النظر في ميزانية (لا
راس ولا ساس) وصفت بأنها افتراضية على اعتبار أن نفقاتها صحيحة، فيما إن
مواردها مشكوك فيها وغير واقعية.
فالميزانية
الجديدة للعام 2014 ستجر أمامها أو وراءها، فشل العام 2013، فقد أنجزت على أساس
أصلي بنسبة نمو بـ4.5 في المائة للعام 2013، تنتج تحصيلا جبائيا معينا في 2014،
أما وقد انخفضت التقديرات لنسبة النمو لما
يقارب النصف ( 2.6 في المائة في الأغلب) فإن التحصيل الجبائي سينخفض بشكل كبير في
العام المقبل، هذا إضافة إلى أن نسبة النمو المقدرة في هذه الميزانية للعام الجديد
تعتبر غير واقعية :4 في المائة، وباعتبار التقديرات المحايدة فإنها لن تفوق 2 إلى
2.5 في المائة، خاصة وأن أجور الموظفين ستبتلع 40 في المائة من الميزانية(28 مليار دينار) وهي
أي الميزانية تمثل 40 في المائة من الناتج.
تبعات ذلك
قدرة متراجعة عن إفراز مقادير هامة لتمويل ميزان التنمية، وقدرة محدودة جدا عن
توفير مناصب الشغل الجديدة (17 ألف فرصة عمل سنويا عن كل 1 في المائة من نسبة
النمو) ما يعني ( أقل من 50 ألف منصب شغل في بلد تبلغ فيه الحاجة الجديدة إلى 80
ألف فرصة عمل فضلا عن عدم تشغيل البطالة الموروثة والتي تبلغ حوالي 700 ألف عاطل).
كيف الخروج
من هذه الحالة ، وما هي كيفية معالجتها.
لكن السؤال
الحارق ، وأمام القصور عن إمكانية مواجهة الإنفاق المبرمج بين أجور الموظفين (40في
المائة والدعم وسداد المديونية 40 في المائة ونفقات التنمية 20 في المائة) ، ما هو
الخيار الصعب الذي ستلجأ له الحكومة الجديدة:
-
تخفيض أجور الموظفين أو التسريح لعدد منهم
-
تقليص الدعم بصفة دراماتيكية على المحروقات و
المواد الاستهلاكية الضرورية
-
التوقف جزئيا عن سداد الدين
-
لكن ما قد تتجه له الحكومة أولا هو تقليص
نفقات التنمية، وهذا له تأثير سلبي جدا على الاقتصاد في وقت نجد فيه أن الاستثمار
الخاص في تراجع كبير وليس مؤكدا أنه سينطلق.
بقي سؤال كبير، هل إن انصراف حكومات الفشل، وقدوم حكومة
جديدة من الكفاءات يمكن أن يعيد بعض الثقة داخليا وخارجيا ، فتتحرك عجلة الاقتصاد
فعلا.
لكن ذلك يحتاج أولا لمصارحة الناس بحقيقة الوضع الكارثي وثانيا لاتخاذ قرارات
مؤلمة جدا تأخرت حكومات النهضة عن اتخاذها، وأدخلت بذلك البلاد في نفق مظلم ويبدو
بلا مخرج.
**
يبدو المسار الدستوري متقدما ولعل موعد 12 جانفي
للانتهاء من صياغة الدستور هو تاريخ منطقي وفعلي، ولكن إذا لم يطرأ ما يعطل ذلك
حول نقطتين اثنتين:
1/النقطة الأولى تهم مدنية الدولة التي تمت بشأنها
توافقات إيجابية ، لا بالنسبة للديباجة
ولا بالنسبة للفصل 141 وغيره من الفصول التي تهم المعايير الدولية لحقوق الإنسان ،
ولكن النهضة تصر على أن الجلسة العامة لا بد أن تنظر في طبيعة تلك التوافقات، فهل
تسعى لإبطال مفعولها هي وأذنابها من الأحزاب التابعة.
2/أما النقطة الثانية فهي تلك التي تهم الأحكام
الانتقالية والتي تسعى النهضة بواسطتها، وقد تولى كتابتها الانفرادية الحبيب خضر،
مواصلة وضع يدها على مقدرات الحكم، حتى بعد الانتخابات المقبلة حتى ولو خسرتها.
**
الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتي يبدو أن
التوافق بشأنها حاصل، وإن كان هناك حتى قبل أن تظهر تركيبتها من يشكك في
استقلاليتها الفعلية.
**
بقيت المعضلة المتمثلة في المجلة الانتخابية، والتي يجب
أن تتضمن ما يبرز اهتماما بالمال السياسي ومصادر تمويل الأحزاب والانتخابات.
إلا أن القضية الأكبر هي تلك المتمثلة في طبيعة طريقة الاقتراع،
وهناك أصوات أكثر فأكثر ارتفاعا تنادي بأمرين اثنين:
أولهما ينبغي الكف عن اعتماد التصويت بالأغلبية أو
النسبية حتى مع أعلى البقايا، واللجوء إلى التصويت على الأفراد في الدوائر الصغيرة
وفي دورتين، بما يربط النائب بقاعدة ناخبيه من جهة، ويمكنها من محاسبته ثانيا.
وثانيهما تحديد عدد النواب بواحد عن كل مائة ألف ساكن،
مع تنفيل كل جهة ليس فيها عدد سكان لا يصل إلى 200 ألف بمقعد إضافي، وتنفيل كل
دائرة يتجاوز فيها عدد السكان العدد الصحيح لمائة ألف بمقعد إضافي إذا فاق العدد
غير الصحيح 50 ألفا.
أي إن عدد النواب سيكون بين 120 و140 في أعلى التقديرات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق