بسم الله الرحمن
الرحيم
سيادة الرئيس، إني أشكوك إلى الله
يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" سورة الحجرات – الآية رقم 6.
أما بعد، إهدائكم فائق الاحترام الذي يليق بمقامكم، فإني المواطن ماهر
المذيوب، صحفي ومقيم بالخارج، اطلعت على ما جاء في ما سمي ب"الكتاب
الأسود" الصادر عن رئاسة الجمهورية التونسية و المتعلق بما يعرف بالمنظومة
الإعلامية للرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وإذ أترك لأهل المهنة والمختصين ومكونات المجتمع المدني والقائمين على
العدالة الانتقالية مهمة النظر في ما جاء فيه و تمحيصه والاستفادة من دروس الماضي
لكي لا تعاد مصائبه بطرق و أساليب جديدة ، فإني أعبر لسيادتكم عن استغرابي
واستنكاري الشديدين و احتجاجي الحازم لتعمد من حبر هذه الأوراق حشر اسمي داخلها
حشرا قسريا، بلا أدنى داع ،ولا مسوغ قانوني ولا أخلاقي، ولا احترام
لخصوصيتي أو تقدير لغيابي عن الوطن حيث يمكنني الدفاع على نفسي بكل الوسائل
القانونية المتاحة ، في خطوة مشبوهة لعل قادم الأيام تكشف لنا من ورائها بالفعل وأسبابها
الحقيقية وأهدافها الخفية.
و بناء على ما تقدم يهمني توضيح ما يلي:
1.
أنني لم أعمل
يوما واحدا في تونس في أية وسيلة إعلامية حكومية ولا خاصة، ولم انتسب لدائرة من
دوائر العلاقات العامة والاتصال، في كل العهود التي سبقتك، ولم أشهد يوما تجمعا ولا
اجتماعا ولا مؤتمرا لزملائي الصحفيين، وكل الذي عملته في تونس منذ تخرجي من معهد
الصحافة وعلوم الاتصال كان مراسلا رياضيا لصحيفة "الحياة" اللندنية
الغراء، وحيث أنني من المتيمين بالنادي الصفاقسي فلا أعتقد أنني سأخون روح الأبيض
والأسود من أجل التطبيل لفريق الرئيس السابق الذي لن أذكره هنا احتراما لتاريخه
الكروي العريق و لأحبائه الكرام. فكيف يا سيادة الرئيس أحشر في كتاب المنظومة
الإعلامية السوداء لبن علي؟
2.
أود أن أشيد
هنا بتجربة تدريب جامعية في عالم الصحافة اعترف وأفتخر أنني عشتها و هي تجربة غير
مسبوقة و مبتكرة و تستحق منكم الاستفادة من روحها لدعم مخاض الانتقال الديمقراطي
الصعب والتي أرسى تقاليدها مؤسس الصحافة التعددية في تونس الأستاذ عمر صحابو الذي
بادر بحنكته البالغة وجميل عطفه بجمع ثلة من الطلبة لهم اهتمامات صحافية من الدستوريين
واليساريين والإسلاميين والقوميين في هيئة تحرير مصغرة يشرف عليها الأستاذ عمر
شخصيا و بعناية من الأستاذيين صلاح الدين الجورشي و الهاشمي الطرودي و قد كنت
ممثلا للدستوريين والذي أعلمه أن اليساري التحق بنفس بالتجمع وأضحى وزيرا والإسلامي
تقاسمت معه عام 1991 وسنوات الجمر نفس الزنزانة منفردين لمدة تناهز 100 يوم أما الأستاذ
ذوي التوجه القومي فلم يمسه سوء إلى يوم الناس هذا ،مني أو من غيري ولله الحمد و
المنة. فهل اشتكى أحدهم علي عند مؤسستكم الموقرة ؟
3.
أود أن أوكد
لمن لا يعرف وذاكرة بناتي أنني انتخبت في أبريل 1988 في قيادة منظمة طلبة التجمع
الدستوري الديمقراطي من أجل الديمقراطية و التقدم، كما تشرفت أن أكون أصغر عضو يعاد
ترشيحه لفترتين نيابيتين ممثلا للشباب والطلبة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي
برئاسة الأستاذ محمد الناصر، نعم لقد عملت وعملنا كلنا خلال الفترة من1987 إلى1991
وبدرجات متفاوتة و بمستويات مختلفة وبأهداف متفرقة داخل المنظومة العامة للعهد
الجديد من النظام القديم: مفكرين، باحثين، حركات ،أحزاب، و جمعيات مجتمع مدني، إلى
أن اكتشفنا بعد منامة العترايس: حجم الخديعة و وهم خطاب التغيير ونفاق صاحبه ،
فانشق أغلبنا ...
و اليوم أو غدا عندما نريد أن نفهم ماذا حدث
و نقيم تجاربنا بعين الدارس والخبير فالأفضل والأرقى أن نسند الأمر لأهله من
المؤرخين و القانونيين و المتجردين من الهوى وغير الطامعين للبقاء في حجرات القصر
من وراء كراسي أسيادهم بثمن بخس وعلى جسور الذاكرة الجماعية و لحوم الناس...
4.
أود يا سيادة الرئيس الدكتور المنصف المرزوقي
، الرئيس السابق للرابطة التونسية لحقوق الإنسان / المحترم أن استعيد مع مخيلة
سيادتكم شذرا من الذاكرة الجماعية و التي جمعتنا، في بداية شهر جويلية 1991 ،
يومها كنت حضرتكم، في مكتب مدير السجن المدني بتونس قبل جريمة هدمه، وكان معك
الأساتذة :فرج فنيش و خميس قسيلة و الطاهر شقروش...أعضاء هيئة الرابطة ، زرتم أغلب المساجين
السياسيين وبقي واحدا امتنعت إدارة السجن الإفصاح عن مصيره ، نعم بقيتم إلى عصر
ذلك اليوم تنتظرون كما روي لي الأستاذ فرج فنيش إلى أن غضب وزمجر وسب فاضطرت إدارة
السجن إذاك لإدخالي عليكم قادما من الزنزانة رقم 17 بعد 30 يوما من التعذيب الوحشي
في أقبية زنزانات الداخلية و 30 يوما أو يزيد من الإخفاء القسري بسجن المرناقية و
100 يوم من العزلة التامة في سيلونات السجن
المدني ، ولقد عاين جميعكم بالعينين التي سيأكلها الدود والتراب آثار التعذيب
الدامي على كامل جسدي حيث كنتُ بشهادة المنظمات التونسية والدولية المحترمة أحد أكثر شباب تونس الذين ذاقوا ويلات
التنكيل والتعذيب حتى شارفت على الموت ، يومها التقيت بكم للمرة الأولى، ويومها وقفتم
على هول الفاجعة والمطحنة التي يتعرض لها خيرة شباب تونس و قد كانت هذه الأحداث
على حد علمي فاصلا لكم ولغيركم للطلاق البائن و بلارجعة مع النظام القديم من رأسه
إلى أخمص قدميه ،و كنت محقا في ذلك مع ثلة من رجالات تونس ونسائها و خيرة شبابها./
لقد فعل بنا بن علي و زبانيته ما لم يفعله العدو بعدوه فكيف نكون من جنوده؟
5.
لم نتكلم يوما ، ولم نقايض ما
"عديناه" بمنصب زائل و لا وظيفة "مري" ولا مغنم دنيوي ولكننا
لن ننسى ما قاسيناه من التعذيب والتشريد والامتهان ووصمة الصبغة الخاصة وذل
المحاصرة اللصيقة، لم نعدد سنوات السجن القاسية ، ولا سنوات السجن الإداري المرة والتصحاح
4 مرات في اليوم لمدة 5 سنوات في مراكز متعددة للشرطة، لم نعجز عندما منعنا من
إتمام دراستنا في الجامعات الحكومية، ولم نرضخ لسياسات التخويف والابتزاز، ولم
نركن للسؤال عندما حجز جواز سفرنا لعقد كامل أضعنا فيه فرصا مهنية غالية في الخارج...
6.
لم تكن هذه التضحيات مني و من عائلتي منا و لا أذى و لا من أجل فكرة صغيرة أو سلطة
زائلة و زائفة و لا بحث عن بطولة و لا كرسي متحرك بل من أجل تونس التي رضعنا حبها
مع حليب أمهاتنا وكم أشعر اليوم بالفخر عندما استرجع شريط ذكريات المحاكمة الجائرة
:يكفي أنني عندما سألت القاضي ماهي تهمتي فقال: المشاركة السلبية، فسألت وماذا
تعني فأجاب "عدم الإبلاغ عن رفاقك الطلبة وتحركاتهم... "
7.
سيادة الرئيس، بعد ما تقدم لا أملك إلا أن
اشكوك إلى الله من منطق القوة لا الضعف، أما كل من حبر أو كتب أو تناقل باي وسيلة
إعلامية كانت تلك الأباطيل والترهات فاحتفظ بحقي الطبيعي في تتبعه بكل الوسائل
القانونية المتاحة ، فأنا أفتخر أنني من جيل ضحى بزهرة شبابه مع نهاية القرن ال20 من
أجل حرية الوطن والمواطن ، وعلى استعداد تام للتضحية بحياته من أجل الدفاع على
تاريخنا و مستقبلنا وصون استقلال تونس و كرامتها في بداية
القرن ال21.
ماهر المذيوب- صحفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق