Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

الموقف السياسي : حكومة جمعة متى وكيف السبيل إليها

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
التطورات الأخيرة.. ومآلاتها المتوقعة
تونس/ الصواب / 24/12/2013
هل البلاد تخطو الخطوات الأخيرة، نحو وفاق وطني، تتشكل في إطاره حكومة كفاءات وطنية من المستقلين(؟) وهل تتجه حقا لإنهاء صياغة الدستور ، وسن قانون انتخابي جديد، وإنشاء هيئة عليا مستقلة للانتخابات وفق الآمال المعلقة، وغير ذلك من الخطوات المنتظرة، لتثبيت الركائز التي ستقوم عليها انتخابات نزيهة شفافة، تقود إلى وضع دائم أي يمتد لمدة 5 سنوات على الأغلب تتحمل فيه حكومة جديدة المسؤولية الكاملة، لكن لطبيعة المرحلة في إطار من التوافق الضروري.
أولا: تشكيل الحكومة
تتجه الأنظار حاليا لمرحلة تشكيل الحكومة، وتركيبتها ، وتلك تعتبر الركائز التي ستعطي تلك الحكومة الثقة الشعبية، فضلا عن الثقة التوافقية.
لا بد من القول إن اختيار رئيس الحكومة جاء بعد مخاض عسير، ولم يكن بالسهولة المتوقعة.
كان الوفاق قد حصل حول الأستاذ مصطفى الفيلالي، وكان مكلفا صحبة الدكتور الصادق بلعيد والدكتور عبد الجليل التميمي، والدكتور عبد المجيد الشرفي ضمن وفد يمثل مجموعة واسعة من المثقفين أصدرت عدة بيانات يمكن القول إنها تأطيرية  للمرحلة بالاتصال بالرباعي الراعي للحوار وعرض مجموعة أفكار يمكن أن تخرج البلاد من عنق الزجاجة، وأن تطرح  تصورات معينة ودقيقة  في ذلك الإطار، وقد حدد يوم الخميس ما قبل الماضي للقاء بين الوفد من طرف الرباعي، على إثر قدوم حسين العباسي من قابس، ولكن وفي آخر لحظة تم "تأجيل " اللقاء، وأصبح الدكتور مصطفى الفيلالي مرشحا لرئاسة الحكومة، وتم التوافق حول اسمه، وتمت دعوته لإبلاغه واستمزاج رأيه، فقبل قبولا بدا مشروطا.
بتنا ليل ما بين الخميس والجمعة، على وقع هذا العرض وهذا القبول، وكانت مجموعتنا من المثقفين سعيدة، باعتبار قيمة الرجل ، وخبرته وتجربته الواسعة، وباعتبار أنه رجل تجميع، ولكن وفي حدود العاشرة من يوم الجمعة، أعلن الدكتور مصطفى الفيلالي  تخليه دون ذكر أسباب.
قيل إن عائلته وخاصة ابنته الطبيبة ومرافقته المقربة منذ وفاة زوجته بعد عشرة طويلة منذ سنتين أو ثلاث، هي التي كانت وراء هذا الرفض.
قد يكون هذا صحيحا إلى حد ما ، ولكن لعل الأصح أن الفيلالي ، قد علم صباحا أنه تم ترشيح 4 من الشخصيات من جهات معينة ليدخلوا حكومته، ولم يكن له أي تحفظ على أي منهم، ولكن المعلومات المتوفرة لدينا تؤكد أنه كان يريد أن يكون له مطلق الحرية في اختيار أعضاده ، وقد يكون هؤلاء من بين من قد يكون فكر فيهم كلهم أو بعضهم، ولكن بدون لي ذراع.
والمعينون من وراء ظهره وفق معلوماتنا تفيد بأنهم الدكتور حمودة بن سلامة والدكتور مصطفى الزعنوني والسيدان أحمد عظوم والحبيب الصيد، وكلهم وزراء سابقون يتمتعون بخبرة في تسيير مصالح الدولة ودواليبها.
بالأسف الشديد قبل نبأ انسحاب مصطفى الفيلالي الذي وجد فيه الناس صورة الرجل الذي تجتمع حوله الأذرع والقلوب، كان الأمل قد عاد.
وانطلق البحث عن العصفور النادر من جديد، وسرعان ما تم خارج إطــــار الوفاق ـ هذا ما ينبغي أن نقوله ـ اختيار المهدي جمعة وزير الصناعة والطاقة في الحكومة المتخلية أو التي ستتخلى.
وإن تم القبول به   لاحقا من طرف الذين غادروا طاولة الحوار، فلعله كان في إطار الواقعية السياسية لا غير.
المهدي جمعة مهندس خريج المدرسة العليا للمهندسين بتونس، فرع الميكانيكا ، دفعته كانت تضم عبد الكريم الهاروني، وخاصة صديقه رضا السعيدي الوزير المكلف بالملف الاقتصادي منذ عهد الجبالي.
ويبدو أن السعيدي هو الذي أشار به على حمادي الجبالي عندما كان يسعى لإقامة حكومة كفاءات من المستقلين، الجبالي نفسه هو من خريجي المدرسة العليا للمهندسين، ولكن في دفعة سابقة.
وعندما تشكلت حكومة العريض ، بعد فشل الجبالي في مسعاه ، ضمه إلى فريقه كمستقل بعيد عن الأحزاب ولحد ما غير مسيس.
يبدو أنه يتميز بقدرة على معالجة الملفات، طيب المعشر ، كثير التواضع ربما أكثر قليلا من اللزوم، ومستعد في سبيل حل المشاكل إلى التحرك حتى خارج وزارته، لذلك فقد نال كثيرا من الاحترام من قبل حسين العباسي الذي وجد فيه المخاطب المتفهم والقادر على الإقناع والاقتناع، كما قد يكون نال ثقة الأعراف وخاصة وداد البوشماوي، بعد أن مارست سرعته في معالجة الملفات التي كانت تبدو مستعصية ، وقدراته على إيجاد الحلول وسرعة الحسم، وطبعا تلك هي خصائص من اشتغلوا في القطاع الخاص خاصة بالخارج.
ومن هنا جاء اختياره، قد يكون باقتراح من المركزيتين النقابيتين، ولكن يبقى السؤال مطروحا عن قدراته في تصريف الشأن السياسي، في غابة من الكواسر المتربصين ببعضهم البعض، و قدرته على مواجهة الوضع المعقد جدا الذي تمر به البلاد، سياسيا وأمنيا واقتصاديا.
المهم أنه اليوم هنا كرئيس حكومة مرتقب، مرتقب لأنه لم ينل بعد الصفة لا القانونية ولا الدستورية، وليتحول إلى رئيس حكومة مكلف فيجب أن يستدعيه رئيس الجمهورية ويعهد إليه بتشكيل الحكومة، وهذا يتطلب وفقا للدستور الصغير دعوة رئيس  الحزب الحــــــــائز على أكبر عدد من المقاعد في المجلس التأسيسي ( الدكتور راشد الغنوشي) وربما أحزاب أخرى للتشاور.
المهدي جمعة شرع منذ الاثنين 16 ديسمبر، في مشاورات مع عدد من الشخصيات الوطنية، ممن يمكن أن يضمها لحكومته، أو ممن يسعى فقط للاستنارة برأيها ، واستمزاج احتمالات دعوتها للوزارة ، دون أن يدعو أحدا بالذات لذلك الانضمام في المرحلة الراهنة.
وهو يجتمع بشخصيات عديدة في موقع الدار المغربية في قرطاج.
أسئلة عديدة تبقى مطروحة، ما هو مدى علاقته بالنهضة، ويقال إنه في شبابه إن لم يكن من أنصارها فهو من المتعاطفين معها، صحيح أو لا.
 ما يوحي به هو أنه يسعى لأن يعطي عن نفسه صورة الشخص الذي هو على مسافة واحدة من كل الأحزاب.
وأيضا ما هي قدراته على عدم الخضوع لضغوط مهما كانت، وهو الذي يبدو أنه غير متمرس بالسياسة، وليست له تلك القدرات على المناورة التي تحصنه من السقوط في الفخاخ التي قد تنصب له.
كذلك ما هو مدى قدرته على الاستجابة للشروط الدنيا التي يمكن أن تجري في ظلها انتخابات نزيهة وشفافة، مثل مراجعة التسميات بين الولاة والمعتمدين والإداريين الذين زرعتهم النهضة لضمان نجاحها في الانتخابات، ثم أيضا ما هو مدى قدرته على الإقدام على حل روابط حماية الثورة.
ثانيا: تركيز الحكومة
لا يكفي أن تتوفر للمهدي جمعة فرصة تشكيل الحكومة، فالأمر يقتضي تكليفه الرسمي، وهذا ما لم يحصل حتى الآن.. لماذا .. السؤال يبقى مطروحا؟
ولكن وعندما يتم التكليف، هل ستترك له الفرصة حقا لتشكيل حكومته، كما يتمنى ويرغب، وكما تتمنى غالبية الطبقة السياسية والمجتمع المدني، أم ستتكثف التدخلات من كل الجهات ،، لوضع فيتو على هذا أو ذاك، أو لترشيح هذا وذاك؟
ومن الآن فإن الذين يرشحون أنفسهم بالعشرات  بل بالمئات.
أحمد نجيب الشابي مثلا يضع ومنذ الآن فيتو على وزير الداخلية الحالي بن جده.
وهناك من هم أكثر تكتما إما في محاولة فرض أسماء، أو محاولة رفض أسماء أخرى.
والمنطق يقول، بأنه من الأفضل لرئيس الحكومة الجديد أن يمتنع عن استعادة أعضاء الحكومة المنصرفة ، بدعوى أنهم من الكفاءات العالية، هذا صحيح ، ولكن ذلك يخلق له حساسيات مع زملائه الآخرين الذين سيعتبرون أنه لا يعترف بكفاءاتهم.
 كما إنه من الأفضل له أن لا يضم إلى حكومته أيا من الوزراء المتحزبين بعد أن أبدى معطر وبن سالم (التعليم العالي) والهاروني (صديق الدراسة) والمكي وربما غيرهم  ضرورتهم لاستكمال برامج بدؤوا في تصورها أو تنفيذها.
وإذ قال البعض إنهم لن يقدموا استقالتهم من الحكومة، فلعل عدم المعرفة بطبيعة الحكومات ، يجعلهم لا يدركون أن استقالة رئيس الحكومة تعني استقالة كل الوزراء.
ولكن متى ينوى رئيس الحكومة تقديم  استقالته؟
أولا:  ينبغي أن تتشكل حكومة جديدة برئاسة مهدي جمعة، لتتسلم المشعل.
ثانيا : إن التكليف لم يحصل بعد، ورئيس الحكومة الجديد ينبغي له الحصول على مهلة معينة للقيام بذلك التشكيل، وهو أمر مرتبط توقيتا بمدى ما سيعترضه من عراقيل، من هذا الطرف أو ذاك، هذا إذا لم نتحدث عن مدى السهولة أو الصعوبة، في العثور على وزراء من ذوي الكفاءة العالية، فالبعض لا يرى نفسه في غير موقع رئاسة الحكومة، والبعض لا يرى نفسه في حكومة لن تستطيع شيئا في ظرف 6 أشهر إلى سنة ، أمام الصعوبات الكبرى والتحديات التي تواجه البلاد والدولة ومؤسساتها.
ثالثا: أنه ومنذ التكليف يبدأ العد التنازلي، ولكن النهضة والمؤتمر يلحان على تلازم المسارات، أي إن الحكومة الحالية لن تستقيل إلا بعد ما يتم سن الدستور والقوانين السياسية المرتبطة بالانتخابات، ولما كان من غير الممكن قيام حكومتين في نفس الوقت فلعل حكومة علي العريض ستبقى رغم أنف الجميع لمدة أخرى قد تتجاوز 14 جانفي المقبل، بينما يبقى مهدي جمعة في وضع رئيس الحكومة المعين، فلا هو وزير الصناعة ولا هو رئيس الحكومة، أي بين كرسيين وهو وضع في كل الأحوال غير مريح .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق