Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 24 نوفمبر 2013

سانحة: لغم للحكومات المقبلة

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
5 كليات طب وصيدلة،،
هل أنا في يقظة أو حلم؟
تونس / الصواب / 24/11/2013
قامت مظاهرات عاتية في قابس، لما بدا من حرمانها من تركيز كلية طب فيها، بينما كان ذلك هو حلم أبناء هذه المدينة المشروع ومطلبها منذ عقود.
جاء ذلك على خلفية إعلان مجلس وزاري بشأن تركيز 3 كليات طبية وكلية للصيدلة وأخرى لطب الأسنان في مراكز ولايات في البلاد ، والاكتفاء بكلية لاقتصاد الصحة في قابس.
وتشتغل حاليا في تونس 4 كليات طبية وكلية وحيدة لطب الأسنان والصيدلة، في كل من تونس وصفاقس وسوسة والمنستير.
وكانت قائمة كلية طب وحيدة في العاصمة تونس، عندما ظهرت الحاجة لكلية طب ثانية، برز من خلال الدراسات أن موقعها سيكون مدينة صفاقس، إلا أن الثائرة ثارت وقتها في مدينة سوسة التي ترى نفسها الأحق بها، ومن هنا وفي زمن كانت فيه وزارة التعليم في عهدة السيد محمد مزالي تقرر على عجل إقامة كليتين اثنتين واحدة بسوسة، وعلى سبيل الترضية أنشئت كلية لطب الأسنان في والصيدلة في المنستير، غير أن الرئيس بورقيبة الذي كان يرى في مدينته مركز الثقل في البلاد، أصر على إقامة كلية للطب فتقرر على عجل إنشاء كلية رابعة للطب يكون مقرها في المنستير، رغم الرأي المخالف للدراسات التي جرت وقتها.
وقد استقر الأمر على أن تستوعب كلية طب تونس 300 طالب مستجد، فيما تستوعب كليات سوسة وصفاقس والمنستير 100 طالب لكل منها سنويا بحيث يكون عدد الخريجين عموما قريبا من 600 طبيب سنويا ، باعتبار المستوى المرتفع لرواد هذه الكليات غالبا، ونسبة النجاح العالية.
وبعد الثورة ارتفعت درجة المطلبية، لإنشاء كليات طب في عواصم الولايات إن لم يكن جميعها فعلى الأقل غالبها.
وكان التحكيم في ما بين عواصم الولايات صعبا على أي حكومة، فأي مدينة من المدن يمكن أن تأوي كلية طب خامسة؟، وكل تلك العواصم تستطيع أن تقدم أسبابا مشروعة لذلك الإيواء، فكلها تعتبر نفسها محرومة، وإنشاء كلية طب هو قمة القمم في تحقيق المطلبية وإرضاء هاجس تحقيق عدالة تأخر تحقيقها، وكان أرفع الأصوات هو صوت سيدي بوزيد، التي تعتبر نفسها عن حق مركز انطلاق الثورة ، ولذلك فمن حقها أن تنال من ثمارها، وأهم تلك الثمار هو تركيز كلية للطب تفتخر بها بين المدن والولايات.
غير أن عدوى تلك المطلبية قد انتشرت بشكل كبير، فمن جندوبة إلى الكاف إلى قابس إلى مدنين ثم لماذا لا قفصة ، وبنزرت أيضا دون أن أتعرض لعواصم الولايات الأخرى.
بنزرت مثلا قيل إنها قريبة من كلية طب تونس وكذلك نابل ، ولكن الرد جاء مفحما، أليست المنستير على بعد ما بين 23 و25 كيلومتر عن سوسة.
ولذلك كان القرار، في الحسم صعبا لدى حكومة، تسعى ولأسباب انتخابية إلى إرضاء الناس جميعهم. فاختيار مدينة بعينها هو حرمان لجهات أخرى.
وبدون دراسات مسبقة، أعلنت الحكومة عن إحداث  5 كليات طبية وصيدلية وللأسنان واقتصاد الصحة ، ووزعتها، فكان السرور عظيما لدى البعض، وكان الغضب أشد للذين اعتبروا مدنهم محرومة ومنسية ومهمشة، وأنهم أحق من غيرهم.
غير أن الذين فرحوا والذين غضبوا، لم يدركوا أن ذلك القرار، لم يكن سوى قرار ديماغوجي ، يستهدف جلب التأييد في هذا الزمن الصعب، ولعل أكبر دليل على ذلك أن ميزانية الدولة للعام 2014 لم  تخطط حتى لمجرد القيام بالدراسة حتى لواحدة من هذه الكليات، فكيف بالأرض اللازمة والبناء المخصص والبيئة الضرورية من مستشفيات جامعية، وقاعدة علمية أي من الأساتذة ومن الاختصاصات المتفرقة المتنوعة، وبعض كلياتنا القائمة تشكو من نقص الإطار وأحيانا الضعف في التأطير.
أكثر من ذلك، هل تساءل الناس أمام هذا القرار الديماغوجي ، عن قدرة الدولة على مواجهة نفقات شراء الأرض اللازمة ، وبناء الكليات، فيما نعرف أن طالب الطب وطالب الهندسة يكلف كل منهما عشرات أضعاف ما يكلفه طالب الاختصاصات النظرية، باعتبار غلاء أسعار المخابر والمواد اللازمة.
إنه مجرد لغم تزرعه حكومة منصرفة، لحكومة أو حكومات مقبلة، تكون أمام مطلب للتنفيذ لما تقرر بإمكانيات غير موجودة إن لم نقل منعدمة تماما.
أليس هذا هو قمة اللامسؤولية من قبل حكومة النهضة.



السبت، 23 نوفمبر 2013

قرأت لكم : نص حديث الدكتور التميمي إلى جريدة الصباح

قرأت لكم


خلال هذا الأسبوع صدر حديث في جريدة الصباح للأستــــــــــاذ الدكتور عبد الجليل التميمي رئيس مبرة التميمي للثقافة والبحوث والتاريخ والتوثيق ، يكتب بماء الذهب، لما احتواه من مواقف متسمة بالرصانة ، وبعد النظر، والبصيرة النافذة، رأينا بعد استرخاصه وموافقته على النشر في مدونة "الصواب" أن نورده بحذافيره تعميما للفائدة، وتمكينا للسادة الزائرين ممن لم يطلعوا عليه منشورا في الجريدة، فرصة قراءته.
وفي ما يلي المقال:


د. عبد الجليل التميمي لـ "الصباح"

الطبقة السياسية  خانت الثورة وشبابها ومبادئها النبيلة


تونس-الصباح (الجمعة 22 نوفمبر 2013)
أجرت الحوار : منال حرزي

بدقة المؤرخ و تمعن الباحث  والمفكر  أتى عبد الجليل التميمي في حديث مطول خص به "الصباح" على مكامن الداء في الأزمة السياسية الراهنة التي صعب فعلا الخروج منها مقدما بعض الحلول لتجاوزها.
وانساب الحديث تلقائيا آتيا في البداية على الحوار الوطني الذي اعتبره التميمي   تنقصه النزعة الوطنية للدفاع عن الثورة مشيرا إلى انه لا يثق في تداعياته  إيجابا  وعلى هذا الأساس فان  البلاد أمام هذا الوضع تنزلق من حالة سيئة إلى حالة أسوا.
واعتبر التميمي أن الخروج من عنق الزجاجة رهين أولا  تكوين مجلس حكماء يضم على أقصى تقدير 6 أفراد  يديرون المرحلة القادمة إلى غاية إجراء الانتخابات القادمة. وثانيا تعيين شخصية اقتصادية على رأس  الحكومة القادمة علما أن الرجل يعتبر أن الأنسب اليوم  هو مصطفى كمال النابلي على رأس الحكومة الجديدة لاعتبارات عديدة....
الحديث تعرض أيضا إلى ما وصفه التميمي" بتغول"  النهضة مشيرا إلى أنها لم تنجح في تسييرها دواليب الحكم .وخاطب المؤرخ عبر هذا اللقاء صقور النهضة الذي اتهمهم بأنهم من زجوا بالغنوشي إلى هذه المآزق قائلا "لم تدركوا نبل وسمو وقيمة هذه الثورة التي انطلقت من الحوض المنجمي لا من السجن"   ...
ولد التميمي بالقيروان وتحصل على البروفي الصادقي ثم التحق بالشعبة العصرية الزيتونية ليتحصل بعد ذلك على الإجازة في العراق, ومنها توجه إلى تركيا لتعلم اللغلة التركية وكان أول باحث عربي يطلع على الوثائق العثمانية ثم تحول بعد ذلك إلى لندن ومنها إلى فرنسا ليحرز سنة 1972 على دكتوراه الدولة في التاريخ الحديث وكانت أول دكتوراه دولة في التاريخ الحديث من جامعة آكس أون بروفنس مارس 1972.
اشتغل بمؤسسة الأرشيف العام للحكومة التونسية لم التحق للتدريس بالآداب والعلوم الإنسانية بتونس منذ 1972, وكان من الذين عملوا على تعريب تدريس مادة التاريخ بالجامعة التونسية وفي عام 1982 عين مديرا للمعهد الأعلى للتوثيق وبقي على رأسه إلى نوفمبر 1987.
شارك في بعث الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف عام 1974، وهو من مؤسسي اللجنة العربية للدراسات العثمانية واللجنة العالمية للدراسات الموريسكية الأندلسية، كما ساهم في إنشاء الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات في مدينة القيروان في جانفي 1986.
وفيما يلي نص الحديث:
يبدو أن الحوار الوطني مازال في عمره الكثير بالنظر الى ان الفرقاء السياسيين بعيدون كل االبعد على التوافق ماهي قراءتك للمشهد الراهن إلى أين تسير الأمور؟
 أنا أقول أن المشرفين على الحوار تنقصهم النزعة الوطنية للدفاع عن الثورة وليس هنالك ما يجمعهم لا من حيث الحس الوطني ولا من حيث قيمة الثورة العبقرية كما اعتقد ان ما يفرقهم هو القاسم المشترك بينهم وهذا شيء مؤسف. كما لا أتصور أنهم سيتفقون قريبا.
لماذا؟
لتقاطع التوجهات فيما بينهم ولهيمنة فريق منهم على الاخرين وهنا اقصد حركة النهضة التي اثبتت انها قوة فاعلة وحاسمة وبيدها خيوط الوفاق من عدمه ومن يقول عكس ذلك فان الوضع امامنا والحوادث امامنا وبذلك فنحن نهدر الوقت دون أي جدوى.
وسط حمى التعيينات وارتفاع الأسعار وتدني الطبقة الوطني تنكب الانظار على الحوار الوطن وتاريخ استئنافه   أترى انه قرار صائب  المواصلة في المراهنة على الحوار رغم فشله في مرحلة اولى للخروج من الازمة الراهنة؟
أنا قلت لا اثق في تداعيات هذا الحوار ايجابا وبالتالي انا اشك في انهم سيصلون الى منطق ايجابي واستشراف ذكي لهذا الحوار.امام هذا ، فوضع بلادنا ينزلق من حالة سيئة إلى حالة اسوأ.
 نعلم الوضع الكارثي لاقتصاد بلادنا كما نعلم غلاء الاسعار المشط والغير مقبول اطلاقا وهذا ما سيضعف الطبقة الوسطى لشعبنا والتي اصبحت تعيش من نوع لآخر أزمات متتالية فيما القضايا الجوهرية لثورتنا ولشعبنا مهمشة تماما.
كنت قد طرحت مبادرة للخروج من الأزمة الراهنة ماهي ؟ لما لم تحظ بالقبول؟
أولا أنا اتاسف للقيادات السياسية جميعهم انكبوا على اقتراح فلان وفلان اخر على رأس الحكومة وهذا منطق  الفشل بعينه. احترم جدا احمد المستيري واعتبره رجل ذو نضال مميز ومشرف لبلادنا لكن أن تتمسك به النهضة أمام ضخامة ودقة وخطورة الأوضاع الاجتماعية  والاقتصادية والسياسية فهذا هو عين الفشل بذاته.
 اعتقد أننا نحتاج إلى رؤية وجدلية أخرى للخروج من الأزمة الراهنة.
كيف ذلك؟
أنا اقترحت منذ أشهر كشخص مصطفى كمال النابلي لتولي منصب رئاسة الحكومة على اعتبار انه يتمتع بسمعة دولية وهو رجل الثقة ورجل الحياد وهو استقلالي في احذ المواقف .ولكنني أتأسف جدا لموقف المنصف المرزوقي الذي شدد على إقالته وهذا غير مقبول إطلاقا كما أتأسف ايضا من  المعارضة التي لم تتمسك بالنابلي باعتباره مرجعية اقتصادية أولى في البلاد واسمه يجلجل ويكسب الثقة الى درجة ان البنك العالمي كان  يرى انه لوعين كرئيس وزراء فان الوضع سيختلف تماما. ومع هذا كان بالإمكان إيجاد بديل آخر . أنا اقترحت مجلس حكماء متكون من 6 أفراد هم الذين يديرون البلاد بعيدا عن التحزب السياسي الى الانتخابات القادمة.  ويكون من اللائق هنا ترشيح احمد المستيري ومصطفى الفيلالي  وشخصيات اخرى لها بعد وطني ورؤية استقلالية إلى جانب بعض الشخصيات الذين تمتعوا بتجربة وزارية في الماضي ولم يخدموا احد. هدفهم الاساسي بناء تونس وساهموا في ذلك ولو وفقنا في تشكيل هذا المجلس اعتقد أن المعارضة ستقبل بهذه الجدلية الجديدة لإنقاذ تونس. اقترح أيضا حمادي الجبالي يمثل النهضة  كعنصر متوازن ورجل دولة باتم معنى الكلمة لاسيما انه هو من كان وراء إطلاق فكرة مجلس حكماء بدعم من رشيد عمار .
ويكون هذا المجلس هدفه الاساسي  عدم التفويت في استقلالية تونس والحفاظ على علاقاتها المتميزة بالجزائر وبليبيا لان مصير تونس مرتبط أساسا بهما.ولا اكتم سرا هنا أن قلت بان مصطفى كمال النابلي يتمتع بثقة مطلقة لدى الدوائر البنكية المغاربية. لا اقلل من باقي الشخصيات ولكني افضل في هذا المناخ الدقيق النابلي .
 لو انتبهت المعارضة وتخلت عن عنجهيتها الإيديولوجية المشطة  لساهمت في انقاذ تونس  لوصلنا إلى حل. أقولها بكل أمانة كنت في بروكسال الأسبوع الماضي وتحدثت مع بعض برلمانيين هم يستغربون كيف أن التونسيين غابت عنهم صفة النضج السياسي لإنقاذ البلاد هم كانوا يثقون في تونس برجالاتها بدبلوماسييها وبمفكريها  ولكن.اليوم أصبحت الصورة بائسة حقا لتونس في الخارج.وأنا اتالم لهذه الصورة في الخارج.
اصدر مؤخرا نخبة من المثقفين والمفكرين التونسيين رسالة الى الرأي العام بشان تعطل الحوار الوطنتي .. لم نجد اسمك من بين الموقعين لماذا؟
نحن اصدرنا 5 بيانات وتعدد هذه المجموعات من سوء الحظ لا يوحدها.
في حال تعنت الأطراف المتفاوضة ورفضهم التنحي عن سدة الحكم أي سيناريو ستشهده البلاد؟
أنا لا أحب أن أعرج إلى السيناريو الأسود . وأريد من خلال هذا الحديث أن أخاطب صقور النهضة حتى يكون هدفها الأول والأخير مصلحة تونس وليس مصلحة النهضة.
صقور النهضة هم من زجوا بالغنوشي إلى هذه المازق وأنا أقول لهم  اذا لم تدركوا نبل وسمو وقيمة هذه الثورة التي انطلقت من الحوض المنجمي لا من السجن  انطلقت من الشعب من مظاهرات النساء في الحوض المنجمي الذين هيكلوا هذه الثورة .ضروري أن نموقع دور الحوض المنجمي ونساءه في هذه الثورة في حين أن قيادات النهضة كانت في الغرب وفي السجون. والدليل على ذلك أنا لم أقرا وثيقة لمفكري النهضة حول الثورة إلى حد اليوم أين هي كتبهم وشروحاتهم  ودفاعاتهم. انا انوه هنا إلى النهضاوي رياض الشعيبي  كمفكر ممتاز وعندما قدم استقالته تفاجات  ومعنى ذلك أن النهضة تعيش مأزقا فكريا وسياسيا خطيرا جدا .من موقعي كمؤرخ استخلصت الكثير من الحقائق لكن من سوء الحظ صقور النهضة لا يقرؤون ولا يعرفون تاريخ النضال لا يعرفون التاريخ المشرف لبناة الدولة التونسية.
ناتي الى الدور الذي يلعبه الاتحاد العام التونسي للشغل لحل الأزمة الا ترى انه قد ان الاوان كي يفي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل بتعهداته تجاه الشعب؟
أقولها باخلاص تمنيت لو بقي الاتحاد مؤسسة نقابية مائة بالمائة وأنا أرى انزلاقها للعب دور سياسي هذا لا يتماشى مع نقاوة وتفكير فرحات حشاد واحمد بن صالح وحبيب عاشور ..الخ . يجب أن يبقى المرجعية النقابية الأولى دون منازع . أن يؤثر الاتحاد في صيرورة الوفاق نعم لكن لا أن يتزعم ذلك.أخاطب القيادة الذكية للاتحاد ان تكتفي بدورها النقابي والوفاقي وان لا يؤلها دورها كما هو الحال اليوم.
 ليس من مصلحتنا أن يتحول الاتحاد إلى منظمة سياسية بامتياز: من سيدافع عن البعد النقابي للشعب إذا بات دوره تعيين فلان وابن الأبعاد النقابية البحتة  من سيدافع عنها : لا احد.
لكن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل  دخل اللعبة السياسية  بماذا تتوجه إليه؟
حسين العباسي هو رجل نقابي بامتياز والهيئة التي معه أيضا لها تجربة عميقة لكن أنا أناشده أن يحافظ على الطابع النقابي للمؤسسة ولا ينزلق وراء الأبعاد السياسية لأنني لا أثق في جميع الأحزاب.جميعهم وبدون استثناء لأنها ضيعت علينا سمعة وإشعاع ونبل الثورة الرائدة .
ذكرت صحيفة الحياة الجزائرية أن بوتفليقة يسعى إلى بلورة قمة بين الغنوشي والسبسي  ما تعليقك عن وساطة الجار الكبير في تجاوز الأزمة؟
اعتقد ان موقف الجزائر يجب أن يكون محايدا وكنت قد طلبت من الرئيس بوتفليقة ان لا يستقبل احد لا الغنوشي ولا قائد السبسي هذه معركة تونسية تونسية  وتأسف لأنه استقبل هذا وذاك .واستقباله لهما خارج ارض تونس، هذا مس تماما بنقاوة العلاقات التونسية الجزائرية . انا اعتقد أن الجزائر تستطيع أن تلعب دورا دون استقبال أي زعيم من خلال تحييد الحدود مثلا  ومواجهة المسلحين ...الخ
ما موقفك فيما يتعلق بالتدخل الأجنبي لحل الأزمة السياسية؟
أنا أقول للتونسيين لو تمكنا من نشر0 250  من رسائل ويكيليكس حول تونس وهو بحدود 2500 رسالة، ولو استطعنا أن نخرج كتابا حول ذلك ليتبين ان مصيرية تونس تتوقف على ما تخططه أمريكا وما تريد أن تعرفه عن تونس .هم يعرفون كل شيء وبالتالي يجب التعامل معها بحذر .هذه قوة عظمى وقوة ضاربة عالمية لها كل الإمكانيات ولا يمكن ان يقع مجابهتها بطريقة سافرة كما حصل في هجوم السفارة الأمريكية بتونس قبل عدة شهور, لكن أن نجد معها لغة الحوار ومصلحة عامة للبلدين فنعم. وعلينا ان ندرك ان أمريكا  لا ترى في هذه الجدلية الا مصلحتها هي دون غيرها  على الإطلاق . اما فرنسا فهي الأخرى قوة سياسية واقتصادية ضاربة علاقاتنا معها تعود الى اكثر من قرن واقتصادنا مرتبط بأوروبا ولكن لا يجب تغييب ان فرنسا لديها مصالحها أيضا.انا اؤمن على التونسيين ان يدافعوا عهلى مصالح بلادهم كما تدافع فرنسا وأمريكا على مصالحها.
 يفترض أن المجلس الوطني التأسيسي استأنف أعماله للتسريع في إنهاء المرحلة الانتقالية لكنه اليوم ينظر في مشاريع قد تجاوزها الزمن على غرار قانون الأوقاف الاترى ان  ذلك مجرد تكتيك  من نواب الشعب  لربح الوقت ام انه ذلك يخفي في طياته كما يشير البعض مخططا لضرب مدنية الدولة؟
يبدو لي أولا أن المواقف متضاربة بشأنه الى ابعد الحدود فالخادمي  ينادي بتعميم الاحباس والديماسي يعتبره خطرا على مدنية البلاد. ليعلم الرأي العام التونسي أن اكبر الجامعات في العالم الآن  ليس لها دعم من الدولة بل هي تعيش من الهبات التي يمنحها الأثرياء. لدى تفعيل الأوقاف  لا بد من قوانين فاعلة تحدد المصادر وتضبط الميزانيات وكيفية صرفها ..الاوقاف تستطيع  لو حسن تنظيمها لاستطاعت أن تؤسس وتبرمج وتقننن إنشاء  مؤسسات بحث علمي الخاصة في البحث العلمي. هم اختلطت عليهم المفاهيم بشان هذا القانون أنا شخصيا أنادي بتقنين وتوظيف الأوقاف للصالح العام وليس كما يدعي وزير الشؤون الدينية حاليا.
برأيك من الأنسب اليوم على قيادة المرحلة القادمة بين جلول عياد ومصطفى كمال النابلي ويبدو من خلال تصريحاتك السابقة انك تدعم هذا الأخير لكن ألا  تعتقد أن المرشح قد حسم  أمره في الخفاء ؟
اشك في ذلك . سمعت بعض تصريحات صقور النهضة يرفضون النابلي دون أن يقدموا حجة قاطعة على ذلك  هذا هو عين الفشل. ادرسوا موقعة النابلي على الصعيد البنك الدولي وتجربته وخبرته  اقتراحاته وامنحوه مهلة من الزمن إلى الانتخابات القادمة  .أؤكد من جديد لا يوجد الان على المسرح السياسي التونسي شخصية قادرة أن تؤدي خطة وزير أول قدر النابلي.
ماذا لو تم ترشيح اسمك لتقلد منصب رفيع في الحكومة المقبلة ؟ هل ستقبل؟
لا اعتقد أن ما اقوم به في هذه المؤسسة اجل وأدق من أن اخذ منصبا وزاريا الان  ورفضت سابقا منصب وزير الثقافة لان حزبي هو حزب تونس، لست نهضاويا ولم  أكن نهضاويا ولن اكون ومع ذلك احترم كل التيارات. أنا رجل له 50 سنة في العمل العلمي اعرف قيمة الإبداع المعرفي والتحريم والتحليل يتنافى تماما مع قناعاتي ومن هذا المبدأ رفضت والحمد لله أنني لم اقبل هذا المنصب.
أترى أن النهضة اليوم في موقف ضعف؟
النهضة تغولت وتغولت عن عمد لان الاطراف المقابلة ليست لها قوة مجابهة كما ينبغي اصبحت تتصرف في البلاد كما يحلو لها من حيث التعيينات في غياب الموقف الصارم من طرف الترويكا. أتأسف لان بن جعفر والمرزوقي لم يكونا حاسمين في مواقفهما  للحد من السلطة المهيمنة للنهضة. موقفهم مسيء للثورة ولم يدركا البعد الحقيقي لهذا الزلزال الذي حصل في بلادنا.(زلزال الثورة).
كيف تقيم حكمهم؟
لم ينجحوا.خاب الأمل في النهضة عن طريق السلوكيات المهيمنة وكان يجب أن يتعاونوا مع الطبقة المثقفة : هم احتقروا الجامعيين والطبقة المثقفة الفاعلية في البلاد !
ولكن احتقارهم للطبقة المثقفة مرده رغبة في تغيير النمط الاجتماعي للبلاد؟
أنا اتمنى على النهضة ان لا تعمل على اسلمة المجتمع التونسي هذه الاسلمة ستضر بالنضال الفكري لبلادنا منذ 3 آلاف سنة من غير المعقول نحن فتحنا قلوبنا للحضارات جميعا ولكن لم نهيمن.هم فاقدي الحس للتراث الفكري والنضالي لتونس. وهم أساؤوا للنهضة أنفسهم.
   الوضع الاقتصادي أكثر من كارثي فضلا عن أن ميزانية 2014  تداعياتها كارثية على الطبقة الوسطى ما الحل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الجانب الاقتصادي؟
مصطفى كمال النابلي وجلول عياد ومنصور معلى ومنصف شيخ روحو  والشاذلي العياري وضعوا خطة طريق اقتصادية .لابد من استفاقة النهضة ان تطلب خبراء اقتصاديين أمناء وتطبيق ما اقترحته الأسماء السالفة . رئيس الوزراء يجب ان يكون اقتصاديا بامتياز.
-الايام القادمة بالتاكيد ستكون صعبة ماهي توقعاتك؟
أتمنى أن يبرز أولا النضج التونسي من خلال تعيين رئيس حكومة يكون رجل اقتصاد ليس بالضرورة النابلي وانما المهم رجل اقتصاد . إذا لم نتوفق في ذلك فالسيناريو سيئ : تجاذبات , اغتيالات   الارهاب سيتعمق. تفجيرات ...لا بد من شخصية قوية تتولى زمام الامور عدا ذلك لا ارى الا السيناريو الاسود..
في الأخير أين نحن من استحقاقات الثورة ؟
-         صفر ، كل الطبقات السياسية خانت الثورة وشباب الثورة ومبادئ الثورة النبيلة. كلهم خانوا ذلك.


الجمعة، 22 نوفمبر 2013

بكل هدوء: نحو فشل الحوار الوطني، وتنفيذ الصفقة؟

بكل هدوء
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
وداعا .. الحوار الوطني؟
تونس/ الصواب/21/11/2013
لا مجال إلا للاستنتاج بأن الحوار الوطني إن لم يكن قد لفظ أنفاسه الأخيرة، فإنه بصدد الاحتضار، دون أن يعترف أحد بذلك، لا الرباعي الحريص على نجاح مبادرة، لعل المرء لا يسعه وبعد فوات الأوان إلا القول بأنها ولدت ميتة، ولا الأحزاب السياسية التي تحاول التنصل من تحميلها مسؤولية الفشل، أو مسؤولية عدم قدرة الطبقة السياسية على إيجاد القاعدة الضرورية لتفاهم يبدو ضروريا للمرحلة الراهنة الكارثية فعلا سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا( ربما بسبب ما يبيت بليل بين الحزبين الكبيرين في البلاد، وعلى الأصح قيادتيهما العليا).
ولعلنا كنا جميعا على غير وعي بأن إيجاد نقطة ارتكاز موحدة كان مستحيلا، وذلك بالنظر إلى أن التصور المجتمعي الواحد كان مفقودا منذ البداية، ( ولكن تونس يمكن أن تصنع المعجزات، وتتحدى حتى قوانين الطبيعة)، وإذا كانت الطبقات السياسية في البلدان الديمقراطية تجد حلا ولو بعكاز للتمكن من الوصول لتوافقات  بينها، فذلك لأن تصوراتها المجتمعية تبقى واحدة، أما في تونس فإن التصور المجتمعي يبقى متنافرا متناقضا، بحيث لا يمكن الوصول إلى نقطة ارتكاز مقبولة من قبل النمطين المتقابلين.
ولعل أكبر تحد للمنطق بدأ في أواخر 2011، عندما تشكل ائتلاف حكومي بين الماء والنار، فقد تحالف توجه ديني واضح، مع توجه لائكي   علماني معلن عن نفسه، خفف من ذلك الإعلان ولعله تنكر له منذ ذلك الحين.
ومن الغريب أن تكون أحزاب لائكية، ( المؤتمر و التكتل) قد دخلت في ائتلاف حكومي، لعل مبرره الوحيد هو الحصول على مقاعد في السلطة، دون الإسهام في تلك السلطة أو روافعها التي تنجز قراراتها، ومن هنا كان الحزبان القريبان الضعيفان، أو المنعدما الوجود على ساحة القرار، وحتى الاختلاج والارتعاد الذي مارساه ، كحزبين يشاركان في الحكم كان من الضعف بحيث لم يتجاوز اختلاج الدجاجة المذبوحة قبل موتها بلحظات، ومن هنا كانت النهضة الشريك القوي تفرض التعيينات التي تريد، وتحاول السيطرة على مفاصل الدولة، وتقيم الميليشيات ، ومؤسسات "خيرية"، لا يعرف أحد لا مصادر تمويلها، ولا وظائفها المعلنة، هذا في انتظار، إنشاء مؤسسات ليس هذا موعد إنشائها، في ظل حكم انتقالي ليس من شأنه أن يغير قواعد نمط المجتمع.
وفي هذا الصدد تجري هذه الأيام محاولة إحياء الأوقاف والاحباس التي مر دهر على حلها، لتكون في خدمة الأغراض الدينية، وإنشاء مرتكزات الدولة الدينية لا المدنية ، التي جاء بها الدستور الجديد، كما الدستور الملغى.
وزيادة على النواحي الشكلية، لانعدام أهلية حكومة انتقالية ومؤقتة، لاتخاذ قرارات تلزم البلاد ومستقبلها، وترهنها، فلعل للمرء أن يتوقف عند عناصر عدة، نقتطف منها الإرادة في إقامة قضاء مواز خاص بالأحباس، أو قصر المعاملات مع السوق المالية على التعامل مع المصارف الإسلامية  في تحد كامل لقوانين المنافسة، ذات المرجعية الدولية.
في هذا الظرف الذي يشهد صعوبات اقتصادية لا حد لها، تتهدد السلطة بالإفلاس والعجز عن تأدية التزامات الدولة، وتتهدد أيضا الناس في معاشهم، نجد أن خشبة النجاة التي كان يمكن أن تحقق الإنقاذ  أي الحوار الوطني تعطل أكثر مما ينبغي، ويبدو أن المناورة واضحة من قبل جهات معينة، فبعد أن رفع الرئيس المؤقت منصف المرزوقي كل تحفظ عن أي مرشح، بعد ما كان الفيتو الذي فرضه قد استعمل كتعلة أو مبرر للإصرار على اسم المرشح أحمد المستيري، ألا يعني ما قاله فتحي العيادي القيادي في النهضة، " المستيري أو لا أحد" فيتو رفعته النهضة.
ويبدو أن المسار الحكومي سيبقى معطلا في إطار الحوار الوطني، فلا يخرج الفرقاء باسم معين ، حتى يتم إنجاز المسار الدستوري أو التأسيسي  والمسار الانتخابي ممثلا في انتخاب الهيئة المستقلة العليا للانتخابات، ويتم أيضا التصديق على القانون الانتخابي، بعدها تقوم حكومة انتخابات ، قد لا ترى فيها النهضة سوى آلية لإجراء العملية الانتخابية، هذا في أحسن الأحوال وأبعدها.
من هنا وما بين هذه المناورات وتلك، وإغراق المجلس التأسيسي بمشاريع قوانين ما أنزل بها الله من سلطان، وليست ضمن أجندته لا الواقعية ولا حتى النظرية ، يستمر الحوار الوطني معطلا، وتقام في وجهه العراقيل، سواء عبر مبادرات إما نهضوية أو عبر عملاء الحركة، أو من خلال قرارات المحكمة الإدارية المعطلة واقعيا للمسار الانتخابي، واللازم احترامها ، تجنبا لحل المجلس المقبل من قبل محكمة دستورية من المفترض قيامها.
من هنا ومن تأخير لتأخير، فإن الحوار الوطني بدا معطلا، ونتائجه غائبة، ما قد يعني وداعا له.
ما هو البديل ،؟ هل هي صفقة الباجي / الغنوشي؟ لاقتسام السلطة، وتأجيل الانتخابات، أمين عام حزب المرزوقي  السيد الدائمي ( الوافد من النهضة إلى المؤتمر ولا بد أن يكون ندم على ذلك) "يبشر" بذلك، خوفا على رئيسه من أن يذهب ضحية، اتفاق الرجلين، فيفقد موقعه قبل الأوان ، وأدوات ذلك جاهزة ومتاحة.
ألم يطالب كل من الغنوشي والسبسي، باستقالة رئيس الجمهورية ، في تصريحين علنيين على قناة نسمة، على أساس ذهاب كل طاقم السلطة التنفيذية لا الحكومة فقط،، هل بينهما اتفاق على ذلك في إطار صفقة، يجري الحديث عنها بإلحاح، تقتضي تولي الباجي رئاسة الجمهورية، والوجه الاسلامي المقبول والموصوف بالمعتدل جدا جدا زياد الدولاتلي رئاسة الحكومة ( مشكلة من الأحزاب المهمة في البلاد دون نسيان أي منها)في إطار توزيع جديد للصلاحيات، ولمدة قد تمتد لثلاث سنوات.
عندها لا يكون هناك معنى للحوار الوطني، وهذا سبب جر ذيله في خيبة لا يريد أن يعترف
 بها أحد، حتى الآن.
fouratiab@gmail.com


الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

اقتصاديات:الأزمة الكبرى تطل برأسها في 2014

إقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الكارثة في الطريق إلينا
تونس / الصواب/ 20/11/2013
في نفس الأسبوع الذي تم تخفيض الترقيم السيادي لتونس، شهدت مصر رفعا في ترقيمها السيادي، وبالفعل فإن مصر التي شهدت درجة انحدار للحضيض في ترقيمها السيادي زمن حكم مرسي والإخوان، لم تبلغها تونس  قط ، ويتمنى المهتمون بالشأن الاقتصادي أن لا تبلغها، قد بدأت ترتقي السلم، وتغادر حالة الكارثة التي كانت عليها، نتيجة لعوامل عدة منها تقشع الحالة الضبابية السياسية التي كانت عليها، والشروع في إصلاحات في المجال الاقتصادي  بدأت تؤتي أكلها، وعودة ثقة كانت مفقودة خلال حكم الإخوان، واستقرار في الوضع لحكومة توحي بالثقة،خصوصا بعد أن تقدمت كثيرا عملية صياغة دستور جديد يعتمد بلا لبس مدنية الدولة. والاستعداد لانتخابات قريبة.
وقد تأرجح الوضع إلى حد بعيد، بعد الثورة التصحيحية ليوم 30 جوان، والتي سجلت خروج الملايين للشارع ، و بعد تراجع أعمال العنف المتبادلة بين الإسلاميين  من جهة ، وعموم الشعب الذي انحازت إليه القوات المسلحة وقوات الأمن من جهة أخرى، ولكنه أي الوضع  أخذ بالاستقرار، وهو ما يفسر الثقة الجديدة لمؤسسات الترقيم السيادي. ومؤسسات بروتن وودز.
غير أن الوضع المصري ما زال شديد الهشاشة، فالإخوان لن يسلموا بسهولة، وهم إذ تعبر قياداتهم من الصف الثاني ، بدعم من قيادات الصف الأول ، التي تعاني ويلات السجون، إذ تعبر عن الرغبة في إيجاد حلول للوضع الحالي، فإن الشرط المطروح عليها، هو أن تعترف بشرعية ومشروعية الوضع القائم حاليا، وهو ما لم تحسم بعد قرارها في شأنه.
ومن الناحية الاقتصادية فلا شك أن وضع مصر يبدو أكثر سوء مما هو الأمر في تونس، ولكن ما تم ضخه من أموال متمثلة في هبات وودائع وقروض من قبل ثلاث أكبر دول بترولية خليجية، أعاد الأمل لاحتمالات تحسن مرتقب، يدخل في باب غير المرئي  في السياسات الاقتصادية، وتأثيرات ذلك  إيجابيا على أوضاع كانت تنذر بكارثة فعلية.
وعلى العكس، فإن تونس هي التي تسير في اتجاه الكارثة، ويبدو أن البنك المركزي لم يعد ذلك السميع المطيع للرغبات الحكومية والسياسات التي تنتهجها ، ويقف اليوم كالشوكة في الحلق، معلنا عن ذلك بصراحة بعد أن كان الأمر مجرد تلميح.
والواضح الجلي اليوم أن قانون المالية الجديد، الذي أقفلت أبوابه الحكومة قبل يومين بمبادرة من وزير المالية إلياس الفخفاخ، وحولت بنوده إلى مجلس تأسيسي يعتبر خاضعا للسلطة التنفيذية، لن يكون سوى حجر عثرة من وجهة نظر الاخصائيين  الاقتصاديين في سبيل أي احتمالات انتعاشة متوقعة.
فأرقام  موازنة 2013 احتاجت إلى ميزانية تكميلية تم عرضها هي الأخرى على المجلس التأسيسي، وللعام الثالث تضطر البلاد لتحرير ميزانية تكميلية للدولة بحثا عن موارد إضافية لمواجهة عاملين اثنين، عدم القدرة على جمع المداخيل المبرمجة ،ولا على ضبط الإنفاق الحكومي عند ما حدد له.
وإذ يسود اعتقاد بأن نسبة النمو المقدرة في أول السنة بـ4.5 في المائة، لن تفوق بحال 2.8 في المائة في أحسن الأحوال، فإن ذلك يعني في نفس الوقت ، تدني القدرة على تعبئة استثمارات كافية، من شأنها دفع التنمية، وتوفير مواقع الشغل ليس بالعدد الكافي، ولكن حتى بالعدد المأمول.
وإزاء فقدان القدرة على تخيل البحث عن موارد للدولة، من ضمن المفلتين والمتهربين من الإسهام في مجهود وطني ضروري للسيطرة على المقود، في بلد يقدر فيه المقدرون حجم الاقتصاد الموازي بحوالي ما بين 35 و50 في المائة من النشاط في البلاد، هذا فضلا عن المسجلين كتقديريين إزاء الأداء،فإن حكومة العريض انطلقت على الطريق الأسهل الذي لا يمكن أن يؤدي إلا إلى زقاق، أي طريق خلق ضرائب جديدة   (أتاوات على السيارات وعلى المسكن الثاني) أو الرفع المقنع أو المعلن لضرائب موجودة ، يكون عبؤها محمولا على تلك الطبقات التي تدر ، والتي سيجف ضرعها من عبء الضغط الضريبي عليها، الذي فاق كل احتمال.
وبالتالي فإن الحكومة بقانونها المالي للعام الجديد لن تفعل سوى قتل الدجاجة التي تبيض لها بيضا من الذهب، بفعل إهتراء قدرتها الشرائية، وسقوط جزء منها من وضع الطبقة الوسطى إلى وضع الطبقة الفقيرة.
نتيجة لذلك فإن السلطة التي تبدو كما لو كانت سائقا يقود عربة في ظلام دامس، بدون مخطط ينير الطريق، وبميزان اقتصادي لم ير أحد نصه مطبوعا وموزعا على نطاق واسع حتى الآن، تبدو وكأنها تسبح ضد التيار بالنسبة لسنة 2014، فنسبة نمو في حدود 4 في المائة، لا تبدو فقط مستحيلة بل متحدية لكل منطق في ظل غياب كل محركات التنمية، حتى تلك التوسعية التي اعتمدت في سنة 2011 عقب الثورة وفي سنة 2012، التي كان ينبغي أن تتخذ فيها القرارات اللازمة والشجاعة، والتي حددها وزير المالية آنذاك حسين الديماسي، فتم إهمال صوته واضطر للاستقالة، حتى لا يكون سببا في ما آلت إليه البلاد اليوم من أزمة خانقة.
أما اعتماد والإعلان عن نسبة عجز للموازنة في حدود 5.7 في المائة ، فيبدو كالتحدي لكل منطق في سنة لن تعرف لا تحصيلا ضريبيا ولا تحسنا إنتاجيا نتيجة نسبة نمو لن تكون في أحسن الأحوال أفضل من سابقتها، وتعطل النمو لا ينتج ارتفاعا في مداخيل الدولة بل العكس. وحدث ولا حرج عن نسبة التضخم المتوقعة، والتي تعلن السلطة أنها كانت بين 5 و6 في المائة سنة 2013 ، وهي في الواقع أعلى من ذلك بكثير، وستكون أكثر في العام المقبل، نتيجة للقرارات التعديلية (أي بالزيادة) في مواد أساسية أو إستراتيجية، سيكون لها أثرها على المعيشة ومستوى أسعارها.
تلك هي الصورة، وتلك هي الكارثة التي تبدو في الطريق، سلم الله تونس من كل شر، ولكن كل المؤشرات لا تبدو مطمئنة البتة، بل تبدو وكأنها ستقودنا إلى اضطرابات كبيرة، في غياب شخصية كاريزماتية يمكن أن توقف التيار وتتخذ القرارات الملائمة، وفي ظل ضبابية  سياسية مطبقة، تتأكد بمرور الأيام،وبوادر فشل أو إفشال الحوار الوطني حاضرة بكل قوة، خصوصا وأن الجهة التي تقف وراء ذلك الإفشال بدت معلومة ومشار إليها بالبنان .

الجمعة، 15 نوفمبر 2013

اقتصاديات : كذب زور وبهتان

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
قتل الطبقة الوسطى.. قتل مداخيل الدولة
تونس/ الصواب / 15/11/2013
استقبل الملك ولا أقول – أمير المؤمنين ولا الخليفة فالخلافة انتهت بقتل علي بن أبي طالب– استقبل عمر بن عبد العزيز واليه في أحد البلدان، وبالصدفة فقد كان الوالي  شقيقا  لزوجتــه ( الزوجة الوحيدة) ، كان الوقت ليلا، ولذلك كان لا بد من إضاءة بما يتيسر أيامها، وقد التجأ إلى شمعة أو ربما غيرها من وسائل التنوير، على ملك الدولة، وعند الانتهاء من بحث شؤون الدولة في تلك الولاية، تطرق الحديث إلى الشأن العائلي، وبمجرد ذلك وقف عمر بن عبد العزيز، وهو الوحيد من بين  أمراء الأمويين الذي لم ينبش العباسيون قبره عند انتصارهم، وإنهائهم للعائلة الأموية السفيانية وقيام الدولة العباسية، فأطفأ قبس النور، وجاء بشمعة على ملكه الخاص لينير بها المكان.
هذا ما قرأناه في كتاب القراءة في سنتنا الرابعة ابتدائي، وقد رسخ في أذهاننا ، ولا أدري إن كان هذا النص ما يزال قيد الإستعمال، فقد تم الاستغناء منذ عشرات السنين عن كتاب القراءة الذي كان من تأليف المربي الكبير، أحمد صفر المتفقد العام للتعليم في كامل الجنوب و عم رئيس الحكومة الأسبق الرشيد صفر، وكافله بعد وفاة والده المناضل الطاهر صفر.
وهذا ما ينبغي لنا أن نتوقعه من موظف الدولة، فلا نرى سيارة تحمل اللوحة الحمراء، على حافة البحر، وقد نزل منها وصعد إليها أطفال وأمهم، هي مشتراة بمالي ومالك، وتدفع التأمين والتامبر الجبائي، مما يوفره دافع الضرائب يعني أنا وأنت، وتسير ببنزين أو مازوت من كبدي وكبدك، مما لا نسمح به لأنفسنا على سيارتنا الخاصة.
والحكومة التي ستجني مني ومنك 50 دينارا إضافية ، عقابا لسيارتي الصغيرة وسيارتك، وربما أكثر إذا كانت السيارة أكبر، لم تلتفت للهدر الذي يتواصل على مرأى ومسمع من الناس جميعا، في سيارات غالبا فارهة مدفوع ثمنها وصيانتها وتكاليفها ووقودها من جيبي وجيبك ، ويتجاوز تعدادها فيما علمت عشرات الآلاف.
هذا عدا الأداء على السكن الثاني الذي بنيته أيام لم تشتعل أثمان الأراضي، وبقي الوصول إليه مغامرة غير مأمونة العواقب ، بلا طريق معبد ، و  الإضاءة فيه تحضر وتغيب. بنيته لأنه لا قدرة لي علي قضاء ولو يومين في الفندق مع العائلة. ويحتاج لصيانته إلى ما لا قدرة لي عليه.
كان يمكن أن أقبل بمثل ذلك الأداء على حوض للسباحة، الذي يرمز إلى رفاهية لا أرفع عيني إليها. ولكن الحكومة لا تنظر إلى حيث يجب أن تنظر.
**
هذا الخور في مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد هو امتداد لخور، متواصل ،، مستمر ، متمادي منذ زمن، قابض بشدة على من هم تحت اليد من مؤسسات منظمة، ومن أجراء واقعين بين الفكين، يقتطع من المورد ما يفرض عليهم، دون غيرهم من المفلتين من "عقاب" الأداء ما دام غير معمم ، ولا عادل.
أين هم أصحاب الأعمال الحرة، أين هم هؤلاء الذين ينشطون بلا عنوان يؤويهم ويعانقون الملايين ( من الدينارات) ، أين هؤلاء الذين يمرون من بين الشباك، ولا من رأى ولا من سمع، أين هم هؤلاء الخاضعين لما يسمى بالأداء الجزافي بلا محاسبة.
السلطة منذ أمد بعيد وما دامت تحت أيديها الشركات المنظمة، والأجراء الواقعين تحت المعصار، لم تفكر يوما بتوسيع قاعدة الجباية، فأفلت من بين أصابعها من كان يمكن أن يكون خاضعا للمساهمة في تمويل الخزينة، فيخف الحمل.
وما  دام ه هناك من هم  جاهزون دوما  للذبح فما الفائدة من بحث عن آخرين ، يتطلب البحث عنهم جهدا ووجع دماغ.
ولما كانوا جاهزين وفي كل الأحوال، فإذا لم نجد مجالا لتغطية زيادة نفقات الدولة ، بكل الهدر والتبذير المسجل، فما علينا إلا التوجه للبقرة الحلوب، حتى يجف ضرعها، وتتوقف عن الإدرار، سواء بالنسبة لشركات ومؤسسات  تأخذ في تسجيل الخسائر، حتى يتوقف نشاطها، وتدفع للشارع بمزيد جحافل العاطلين عن العمل. أو أجراء يستنزفون حتى الوريد.
هذه النفقات الإضافية التكميلية التي نجدها تتعاظم مثلا في موازين الرئاسة، والمجلس التأسيسي ورئاسة الحكومة، مجازاة لها على الفشل الذريع الذي أغرق البلاد والعباد في وضع بات ميئوسا منه.
فشل لعل ما يبرزه لحد الوجيعة، زيادة في الموازنة بمبلغ 53 في المائة في ثلاث سنوات، مقابل نسبة نمو لا تفوق 5.5 في المائة في ثلاث سنوات أيضا.
الطبيعي هو أن تغطي الزيادة في الثروة (المسجلة في نسبة النمو) احتياجات الزيادة في الميزانية.
ولكن ونسبة النمو معطلة، ومداخيل  الدولة قاصرة، فإن الحكومات العاجزة والفاشلة، لا مخرج لها إلا زيادات الضرائب حجما ونوعا مما يتفتق به ذهنها من إيجاد ضرائب جديدة، تضاف إلى سلسلة الموجود، تثقل به كاهل القلة التي تدفع أداءاتها و ضرائبها، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تهرب ضريبي لا تستطيع أي حكومة ملاحقته، مما يزيد العجز عجزا.
وأستطيع أن أراهن من اليوم ، على أن موارد الميزانية للعام الجديد لن ترقى إلى ما تم رسمه، وأن نسبة النمو لن تكون كما تم تقديره بل أقل بكثير، وأن الأداءات القديمة والجديدة، ستؤدي بطبيعتها إلى امتصاص سيولة من السوق بحيث تردع الطلب، لتذهب تلك السيولة إلى أجور 700 ألف موظف قالت جهات دولية إن معدل عمل الفرد منها لا يتجاوز 30 إلى 40 دقيقة في اليوم، وتلك الأجور للموظفين تحسب على أنها كاملة جزء من الناتج، بما يضخم حجمه زورا وبهتانا وكذبا صراحا.