Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الجمعة، 22 نوفمبر 2013

بكل هدوء: نحو فشل الحوار الوطني، وتنفيذ الصفقة؟

بكل هدوء
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
وداعا .. الحوار الوطني؟
تونس/ الصواب/21/11/2013
لا مجال إلا للاستنتاج بأن الحوار الوطني إن لم يكن قد لفظ أنفاسه الأخيرة، فإنه بصدد الاحتضار، دون أن يعترف أحد بذلك، لا الرباعي الحريص على نجاح مبادرة، لعل المرء لا يسعه وبعد فوات الأوان إلا القول بأنها ولدت ميتة، ولا الأحزاب السياسية التي تحاول التنصل من تحميلها مسؤولية الفشل، أو مسؤولية عدم قدرة الطبقة السياسية على إيجاد القاعدة الضرورية لتفاهم يبدو ضروريا للمرحلة الراهنة الكارثية فعلا سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا( ربما بسبب ما يبيت بليل بين الحزبين الكبيرين في البلاد، وعلى الأصح قيادتيهما العليا).
ولعلنا كنا جميعا على غير وعي بأن إيجاد نقطة ارتكاز موحدة كان مستحيلا، وذلك بالنظر إلى أن التصور المجتمعي الواحد كان مفقودا منذ البداية، ( ولكن تونس يمكن أن تصنع المعجزات، وتتحدى حتى قوانين الطبيعة)، وإذا كانت الطبقات السياسية في البلدان الديمقراطية تجد حلا ولو بعكاز للتمكن من الوصول لتوافقات  بينها، فذلك لأن تصوراتها المجتمعية تبقى واحدة، أما في تونس فإن التصور المجتمعي يبقى متنافرا متناقضا، بحيث لا يمكن الوصول إلى نقطة ارتكاز مقبولة من قبل النمطين المتقابلين.
ولعل أكبر تحد للمنطق بدأ في أواخر 2011، عندما تشكل ائتلاف حكومي بين الماء والنار، فقد تحالف توجه ديني واضح، مع توجه لائكي   علماني معلن عن نفسه، خفف من ذلك الإعلان ولعله تنكر له منذ ذلك الحين.
ومن الغريب أن تكون أحزاب لائكية، ( المؤتمر و التكتل) قد دخلت في ائتلاف حكومي، لعل مبرره الوحيد هو الحصول على مقاعد في السلطة، دون الإسهام في تلك السلطة أو روافعها التي تنجز قراراتها، ومن هنا كان الحزبان القريبان الضعيفان، أو المنعدما الوجود على ساحة القرار، وحتى الاختلاج والارتعاد الذي مارساه ، كحزبين يشاركان في الحكم كان من الضعف بحيث لم يتجاوز اختلاج الدجاجة المذبوحة قبل موتها بلحظات، ومن هنا كانت النهضة الشريك القوي تفرض التعيينات التي تريد، وتحاول السيطرة على مفاصل الدولة، وتقيم الميليشيات ، ومؤسسات "خيرية"، لا يعرف أحد لا مصادر تمويلها، ولا وظائفها المعلنة، هذا في انتظار، إنشاء مؤسسات ليس هذا موعد إنشائها، في ظل حكم انتقالي ليس من شأنه أن يغير قواعد نمط المجتمع.
وفي هذا الصدد تجري هذه الأيام محاولة إحياء الأوقاف والاحباس التي مر دهر على حلها، لتكون في خدمة الأغراض الدينية، وإنشاء مرتكزات الدولة الدينية لا المدنية ، التي جاء بها الدستور الجديد، كما الدستور الملغى.
وزيادة على النواحي الشكلية، لانعدام أهلية حكومة انتقالية ومؤقتة، لاتخاذ قرارات تلزم البلاد ومستقبلها، وترهنها، فلعل للمرء أن يتوقف عند عناصر عدة، نقتطف منها الإرادة في إقامة قضاء مواز خاص بالأحباس، أو قصر المعاملات مع السوق المالية على التعامل مع المصارف الإسلامية  في تحد كامل لقوانين المنافسة، ذات المرجعية الدولية.
في هذا الظرف الذي يشهد صعوبات اقتصادية لا حد لها، تتهدد السلطة بالإفلاس والعجز عن تأدية التزامات الدولة، وتتهدد أيضا الناس في معاشهم، نجد أن خشبة النجاة التي كان يمكن أن تحقق الإنقاذ  أي الحوار الوطني تعطل أكثر مما ينبغي، ويبدو أن المناورة واضحة من قبل جهات معينة، فبعد أن رفع الرئيس المؤقت منصف المرزوقي كل تحفظ عن أي مرشح، بعد ما كان الفيتو الذي فرضه قد استعمل كتعلة أو مبرر للإصرار على اسم المرشح أحمد المستيري، ألا يعني ما قاله فتحي العيادي القيادي في النهضة، " المستيري أو لا أحد" فيتو رفعته النهضة.
ويبدو أن المسار الحكومي سيبقى معطلا في إطار الحوار الوطني، فلا يخرج الفرقاء باسم معين ، حتى يتم إنجاز المسار الدستوري أو التأسيسي  والمسار الانتخابي ممثلا في انتخاب الهيئة المستقلة العليا للانتخابات، ويتم أيضا التصديق على القانون الانتخابي، بعدها تقوم حكومة انتخابات ، قد لا ترى فيها النهضة سوى آلية لإجراء العملية الانتخابية، هذا في أحسن الأحوال وأبعدها.
من هنا وما بين هذه المناورات وتلك، وإغراق المجلس التأسيسي بمشاريع قوانين ما أنزل بها الله من سلطان، وليست ضمن أجندته لا الواقعية ولا حتى النظرية ، يستمر الحوار الوطني معطلا، وتقام في وجهه العراقيل، سواء عبر مبادرات إما نهضوية أو عبر عملاء الحركة، أو من خلال قرارات المحكمة الإدارية المعطلة واقعيا للمسار الانتخابي، واللازم احترامها ، تجنبا لحل المجلس المقبل من قبل محكمة دستورية من المفترض قيامها.
من هنا ومن تأخير لتأخير، فإن الحوار الوطني بدا معطلا، ونتائجه غائبة، ما قد يعني وداعا له.
ما هو البديل ،؟ هل هي صفقة الباجي / الغنوشي؟ لاقتسام السلطة، وتأجيل الانتخابات، أمين عام حزب المرزوقي  السيد الدائمي ( الوافد من النهضة إلى المؤتمر ولا بد أن يكون ندم على ذلك) "يبشر" بذلك، خوفا على رئيسه من أن يذهب ضحية، اتفاق الرجلين، فيفقد موقعه قبل الأوان ، وأدوات ذلك جاهزة ومتاحة.
ألم يطالب كل من الغنوشي والسبسي، باستقالة رئيس الجمهورية ، في تصريحين علنيين على قناة نسمة، على أساس ذهاب كل طاقم السلطة التنفيذية لا الحكومة فقط،، هل بينهما اتفاق على ذلك في إطار صفقة، يجري الحديث عنها بإلحاح، تقتضي تولي الباجي رئاسة الجمهورية، والوجه الاسلامي المقبول والموصوف بالمعتدل جدا جدا زياد الدولاتلي رئاسة الحكومة ( مشكلة من الأحزاب المهمة في البلاد دون نسيان أي منها)في إطار توزيع جديد للصلاحيات، ولمدة قد تمتد لثلاث سنوات.
عندها لا يكون هناك معنى للحوار الوطني، وهذا سبب جر ذيله في خيبة لا يريد أن يعترف
 بها أحد، حتى الآن.
fouratiab@gmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق