Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

اقتصاديات:الأزمة الكبرى تطل برأسها في 2014

إقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الكارثة في الطريق إلينا
تونس / الصواب/ 20/11/2013
في نفس الأسبوع الذي تم تخفيض الترقيم السيادي لتونس، شهدت مصر رفعا في ترقيمها السيادي، وبالفعل فإن مصر التي شهدت درجة انحدار للحضيض في ترقيمها السيادي زمن حكم مرسي والإخوان، لم تبلغها تونس  قط ، ويتمنى المهتمون بالشأن الاقتصادي أن لا تبلغها، قد بدأت ترتقي السلم، وتغادر حالة الكارثة التي كانت عليها، نتيجة لعوامل عدة منها تقشع الحالة الضبابية السياسية التي كانت عليها، والشروع في إصلاحات في المجال الاقتصادي  بدأت تؤتي أكلها، وعودة ثقة كانت مفقودة خلال حكم الإخوان، واستقرار في الوضع لحكومة توحي بالثقة،خصوصا بعد أن تقدمت كثيرا عملية صياغة دستور جديد يعتمد بلا لبس مدنية الدولة. والاستعداد لانتخابات قريبة.
وقد تأرجح الوضع إلى حد بعيد، بعد الثورة التصحيحية ليوم 30 جوان، والتي سجلت خروج الملايين للشارع ، و بعد تراجع أعمال العنف المتبادلة بين الإسلاميين  من جهة ، وعموم الشعب الذي انحازت إليه القوات المسلحة وقوات الأمن من جهة أخرى، ولكنه أي الوضع  أخذ بالاستقرار، وهو ما يفسر الثقة الجديدة لمؤسسات الترقيم السيادي. ومؤسسات بروتن وودز.
غير أن الوضع المصري ما زال شديد الهشاشة، فالإخوان لن يسلموا بسهولة، وهم إذ تعبر قياداتهم من الصف الثاني ، بدعم من قيادات الصف الأول ، التي تعاني ويلات السجون، إذ تعبر عن الرغبة في إيجاد حلول للوضع الحالي، فإن الشرط المطروح عليها، هو أن تعترف بشرعية ومشروعية الوضع القائم حاليا، وهو ما لم تحسم بعد قرارها في شأنه.
ومن الناحية الاقتصادية فلا شك أن وضع مصر يبدو أكثر سوء مما هو الأمر في تونس، ولكن ما تم ضخه من أموال متمثلة في هبات وودائع وقروض من قبل ثلاث أكبر دول بترولية خليجية، أعاد الأمل لاحتمالات تحسن مرتقب، يدخل في باب غير المرئي  في السياسات الاقتصادية، وتأثيرات ذلك  إيجابيا على أوضاع كانت تنذر بكارثة فعلية.
وعلى العكس، فإن تونس هي التي تسير في اتجاه الكارثة، ويبدو أن البنك المركزي لم يعد ذلك السميع المطيع للرغبات الحكومية والسياسات التي تنتهجها ، ويقف اليوم كالشوكة في الحلق، معلنا عن ذلك بصراحة بعد أن كان الأمر مجرد تلميح.
والواضح الجلي اليوم أن قانون المالية الجديد، الذي أقفلت أبوابه الحكومة قبل يومين بمبادرة من وزير المالية إلياس الفخفاخ، وحولت بنوده إلى مجلس تأسيسي يعتبر خاضعا للسلطة التنفيذية، لن يكون سوى حجر عثرة من وجهة نظر الاخصائيين  الاقتصاديين في سبيل أي احتمالات انتعاشة متوقعة.
فأرقام  موازنة 2013 احتاجت إلى ميزانية تكميلية تم عرضها هي الأخرى على المجلس التأسيسي، وللعام الثالث تضطر البلاد لتحرير ميزانية تكميلية للدولة بحثا عن موارد إضافية لمواجهة عاملين اثنين، عدم القدرة على جمع المداخيل المبرمجة ،ولا على ضبط الإنفاق الحكومي عند ما حدد له.
وإذ يسود اعتقاد بأن نسبة النمو المقدرة في أول السنة بـ4.5 في المائة، لن تفوق بحال 2.8 في المائة في أحسن الأحوال، فإن ذلك يعني في نفس الوقت ، تدني القدرة على تعبئة استثمارات كافية، من شأنها دفع التنمية، وتوفير مواقع الشغل ليس بالعدد الكافي، ولكن حتى بالعدد المأمول.
وإزاء فقدان القدرة على تخيل البحث عن موارد للدولة، من ضمن المفلتين والمتهربين من الإسهام في مجهود وطني ضروري للسيطرة على المقود، في بلد يقدر فيه المقدرون حجم الاقتصاد الموازي بحوالي ما بين 35 و50 في المائة من النشاط في البلاد، هذا فضلا عن المسجلين كتقديريين إزاء الأداء،فإن حكومة العريض انطلقت على الطريق الأسهل الذي لا يمكن أن يؤدي إلا إلى زقاق، أي طريق خلق ضرائب جديدة   (أتاوات على السيارات وعلى المسكن الثاني) أو الرفع المقنع أو المعلن لضرائب موجودة ، يكون عبؤها محمولا على تلك الطبقات التي تدر ، والتي سيجف ضرعها من عبء الضغط الضريبي عليها، الذي فاق كل احتمال.
وبالتالي فإن الحكومة بقانونها المالي للعام الجديد لن تفعل سوى قتل الدجاجة التي تبيض لها بيضا من الذهب، بفعل إهتراء قدرتها الشرائية، وسقوط جزء منها من وضع الطبقة الوسطى إلى وضع الطبقة الفقيرة.
نتيجة لذلك فإن السلطة التي تبدو كما لو كانت سائقا يقود عربة في ظلام دامس، بدون مخطط ينير الطريق، وبميزان اقتصادي لم ير أحد نصه مطبوعا وموزعا على نطاق واسع حتى الآن، تبدو وكأنها تسبح ضد التيار بالنسبة لسنة 2014، فنسبة نمو في حدود 4 في المائة، لا تبدو فقط مستحيلة بل متحدية لكل منطق في ظل غياب كل محركات التنمية، حتى تلك التوسعية التي اعتمدت في سنة 2011 عقب الثورة وفي سنة 2012، التي كان ينبغي أن تتخذ فيها القرارات اللازمة والشجاعة، والتي حددها وزير المالية آنذاك حسين الديماسي، فتم إهمال صوته واضطر للاستقالة، حتى لا يكون سببا في ما آلت إليه البلاد اليوم من أزمة خانقة.
أما اعتماد والإعلان عن نسبة عجز للموازنة في حدود 5.7 في المائة ، فيبدو كالتحدي لكل منطق في سنة لن تعرف لا تحصيلا ضريبيا ولا تحسنا إنتاجيا نتيجة نسبة نمو لن تكون في أحسن الأحوال أفضل من سابقتها، وتعطل النمو لا ينتج ارتفاعا في مداخيل الدولة بل العكس. وحدث ولا حرج عن نسبة التضخم المتوقعة، والتي تعلن السلطة أنها كانت بين 5 و6 في المائة سنة 2013 ، وهي في الواقع أعلى من ذلك بكثير، وستكون أكثر في العام المقبل، نتيجة للقرارات التعديلية (أي بالزيادة) في مواد أساسية أو إستراتيجية، سيكون لها أثرها على المعيشة ومستوى أسعارها.
تلك هي الصورة، وتلك هي الكارثة التي تبدو في الطريق، سلم الله تونس من كل شر، ولكن كل المؤشرات لا تبدو مطمئنة البتة، بل تبدو وكأنها ستقودنا إلى اضطرابات كبيرة، في غياب شخصية كاريزماتية يمكن أن توقف التيار وتتخذ القرارات الملائمة، وفي ظل ضبابية  سياسية مطبقة، تتأكد بمرور الأيام،وبوادر فشل أو إفشال الحوار الوطني حاضرة بكل قوة، خصوصا وأن الجهة التي تقف وراء ذلك الإفشال بدت معلومة ومشار إليها بالبنان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق