اقتصاديات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
قتل الطبقة الوسطى.. قتل مداخيل
الدولة
تونس/ الصواب / 15/11/2013
استقبل الملك ولا أقول – أمير المؤمنين
ولا الخليفة فالخلافة انتهت بقتل علي بن أبي طالب– استقبل عمر بن عبد العزيز واليه
في أحد البلدان، وبالصدفة فقد كان الوالي شقيقا لزوجتــه
( الزوجة الوحيدة) ، كان الوقت ليلا، ولذلك كان لا بد من إضاءة بما يتيسر أيامها،
وقد التجأ إلى شمعة أو ربما غيرها من وسائل التنوير، على ملك الدولة، وعند
الانتهاء من بحث شؤون الدولة في تلك الولاية، تطرق الحديث إلى الشأن العائلي،
وبمجرد ذلك وقف عمر بن عبد العزيز، وهو الوحيد من بين أمراء الأمويين الذي لم ينبش العباسيون قبره عند
انتصارهم، وإنهائهم للعائلة الأموية السفيانية وقيام الدولة العباسية، فأطفأ قبس
النور، وجاء بشمعة على ملكه الخاص لينير بها المكان.
هذا ما قرأناه في كتاب القراءة في
سنتنا الرابعة ابتدائي، وقد رسخ في أذهاننا ، ولا أدري إن كان هذا النص ما يزال
قيد الإستعمال، فقد تم الاستغناء منذ عشرات السنين عن كتاب القراءة الذي كان من
تأليف المربي الكبير، أحمد صفر المتفقد العام للتعليم في كامل الجنوب و عم رئيس
الحكومة الأسبق الرشيد صفر، وكافله بعد وفاة والده المناضل الطاهر صفر.
وهذا ما ينبغي لنا أن نتوقعه من موظف
الدولة، فلا نرى سيارة تحمل اللوحة الحمراء، على حافة البحر، وقد نزل منها وصعد
إليها أطفال وأمهم، هي مشتراة بمالي ومالك، وتدفع التأمين والتامبر الجبائي، مما
يوفره دافع الضرائب يعني أنا وأنت، وتسير ببنزين أو مازوت من كبدي وكبدك، مما لا
نسمح به لأنفسنا على سيارتنا الخاصة.
والحكومة التي ستجني مني ومنك 50
دينارا إضافية ، عقابا لسيارتي الصغيرة وسيارتك، وربما أكثر إذا كانت السيارة
أكبر، لم تلتفت للهدر الذي يتواصل على مرأى ومسمع من الناس جميعا، في سيارات غالبا
فارهة مدفوع ثمنها وصيانتها وتكاليفها ووقودها من جيبي وجيبك ، ويتجاوز تعدادها
فيما علمت عشرات الآلاف.
هذا عدا الأداء على السكن الثاني الذي
بنيته أيام لم تشتعل أثمان الأراضي، وبقي الوصول إليه مغامرة غير مأمونة العواقب ،
بلا طريق معبد ، و الإضاءة فيه تحضر
وتغيب. بنيته لأنه لا قدرة لي علي قضاء ولو يومين في الفندق مع العائلة. ويحتاج
لصيانته إلى ما لا قدرة لي عليه.
كان يمكن أن أقبل بمثل ذلك الأداء على
حوض للسباحة، الذي يرمز إلى رفاهية لا أرفع عيني إليها. ولكن الحكومة لا تنظر إلى
حيث يجب أن تنظر.
**
هذا الخور في مشروع ميزانية الدولة
للعام الجديد هو امتداد لخور، متواصل ،، مستمر ، متمادي منذ زمن، قابض بشدة على من
هم تحت اليد من مؤسسات منظمة، ومن أجراء واقعين بين الفكين، يقتطع من المورد ما
يفرض عليهم، دون غيرهم من المفلتين من "عقاب" الأداء ما دام غير معمم ،
ولا عادل.
أين هم أصحاب الأعمال الحرة، أين هم
هؤلاء الذين ينشطون بلا عنوان يؤويهم ويعانقون الملايين ( من الدينارات) ، أين
هؤلاء الذين يمرون من بين الشباك، ولا من رأى ولا من سمع، أين هم هؤلاء الخاضعين
لما يسمى بالأداء الجزافي بلا محاسبة.
السلطة منذ أمد بعيد وما دامت تحت
أيديها الشركات المنظمة، والأجراء الواقعين تحت المعصار، لم تفكر يوما بتوسيع
قاعدة الجباية، فأفلت من بين أصابعها من كان يمكن أن يكون خاضعا للمساهمة في تمويل
الخزينة، فيخف الحمل.
وما
دام ه هناك من هم جاهزون دوما للذبح فما الفائدة من بحث عن آخرين ، يتطلب
البحث عنهم جهدا ووجع دماغ.
ولما كانوا جاهزين وفي كل الأحوال،
فإذا لم نجد مجالا لتغطية زيادة نفقات الدولة ، بكل الهدر والتبذير المسجل، فما
علينا إلا التوجه للبقرة الحلوب، حتى يجف ضرعها، وتتوقف عن الإدرار، سواء بالنسبة
لشركات ومؤسسات تأخذ في تسجيل الخسائر،
حتى يتوقف نشاطها، وتدفع للشارع بمزيد جحافل العاطلين عن العمل. أو أجراء يستنزفون
حتى الوريد.
هذه النفقات الإضافية التكميلية التي
نجدها تتعاظم مثلا في موازين الرئاسة، والمجلس التأسيسي ورئاسة الحكومة، مجازاة
لها على الفشل الذريع الذي أغرق البلاد والعباد في وضع بات ميئوسا منه.
فشل لعل ما يبرزه لحد الوجيعة، زيادة
في الموازنة بمبلغ 53 في المائة في ثلاث سنوات، مقابل نسبة نمو لا تفوق 5.5 في
المائة في ثلاث سنوات أيضا.
الطبيعي هو أن تغطي الزيادة في الثروة
(المسجلة في نسبة النمو) احتياجات الزيادة في الميزانية.
ولكن ونسبة النمو معطلة، ومداخيل الدولة قاصرة، فإن الحكومات العاجزة والفاشلة،
لا مخرج لها إلا زيادات الضرائب حجما ونوعا مما يتفتق به ذهنها من إيجاد ضرائب
جديدة، تضاف إلى سلسلة الموجود، تثقل به كاهل القلة التي تدفع أداءاتها و ضرائبها،
ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تهرب ضريبي لا تستطيع أي حكومة ملاحقته، مما يزيد العجز
عجزا.
وأستطيع أن أراهن من اليوم ، على أن
موارد الميزانية للعام الجديد لن ترقى إلى ما تم رسمه، وأن نسبة النمو لن تكون كما
تم تقديره بل أقل بكثير، وأن الأداءات القديمة والجديدة، ستؤدي بطبيعتها إلى
امتصاص سيولة من السوق بحيث تردع الطلب، لتذهب تلك السيولة إلى أجور 700 ألف موظف
قالت جهات دولية إن معدل عمل الفرد منها لا يتجاوز 30 إلى 40 دقيقة في اليوم، وتلك
الأجور للموظفين تحسب على أنها كاملة جزء من الناتج، بما يضخم حجمه زورا وبهتانا
وكذبا صراحا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق