Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

سانحة - رسالة مفتوحة إلى السيد أحمد المستيري

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
رسالة مفتوحة إلى السيد أحمد المستيري
تونس / الصواب/05/10/2013
..بعد تحية التقدير والمحبة اللائقة بالمقام المستمرة الدائمة أمس اليوم وغدا
فإني أقول لكم بالصراحة التي عهدتموها في شخصي منذ حوالي 4 عقود عندما  كانت لكم الجرأة ، لقطع الحبل السري ، الذي كان يربطكم بالزعيم العظيم الحبيب بورقيبة، والذي لم تكن ترد (بضم التاء) له كلمة، حتى قبل أن تقوم مجموعة الأحرار، أقول لكم إني لم أفهم البتة ، ذلك الإصرار منكم للقبول بترشيحكم لرئاسة حكومة، هي بطبيعتها ستكون على المحك، والمحكومة هي نفسها بمقتضيات المرحلة الصعبة التي تجتازها بلادنا، حتى لا أقول المرحلة الكارثية التي يمر بها بلدنا المفدى.
لعلكم تدركون مدى الحب الجم، والتقدير الكبير الذي حملته لشخصكم، للشجاعة التي تحليتم بها دوما وللنزاهة ونظافة اليد التي عرفكم الناس بها، بداية من استقالتكم من وزارة الدفاع منذ 45 سنة واضعين بذلك حدا لمسيرة سياسية شديدة النجاح، كانت تؤهلكم  لأعلى المراتب، ولمجرى حياة  عامة كانت مليئة بالانجازات، لعل أهمها وأكبرها تأثيرا على تشكل المجتمع التونسي خارج الأنماط المعروفة عند الدول العربية والإسلامية ، وفي موديل مجتمعي منفتح على العصر والتقدم ، أي إشرافكم الفعلي على تحرير وصياغة مجلة الأحوال الشخصية، بكل رصيدكم  بوصفكم سليل بيت علم، ورصيدكم المعرفي القانوني المتأثر بكل سخاء الثورة الفرنسية، وتقدمية الفكر الإنساني في أجلى مظاهره.
ولقد كان هذا الإنجاز من وجهة نظري كافيا لأن يجعلكم تدخلون التاريخ من بابه الواسع، ولكنكم أضفتم إليه إنجازات أخرى باعتماد التحدي الدائم  الذي قاد خطواتكم، فقد كنتم سباقين لاعتبار حكم هذه البلاد، لما تراكم لديها من قاعدة علمية وسلوكية متقدمة على مدى القرنين الماضيين، لا يمكن أن يقوم إلا على ديمقراطية مستنيرة، تعيد حقيقة القرار لسيادة الشعب، ومن هنا جاء السعي الذي قدتم خطاه مع رجال  ونساء كبار من أمثال حسيب بن عمار والباجي قائد السبسي والحبيب بوالأعراس وراضية الحداد والصادق بن جمعة وغيرهم ممن رفعوا رؤوسهم على أكفهم وهم يتحدون بورقيبة، وإني لأذكر مساهمة لي متواضعة في ذلك الجهد بتولي تغطية مؤتمر الحزب الدستوري، في المنستير الأول في جريدة الصباح التي كانت صوتا صداحا لكم ولرفاقكم في ذلك الحين، كما إني أذكر في ما أذكر ذلك التردد الذي أصابني كما لم يصبني لا من قبل ولا من بعد في صائفة 1976 ، عندما كان علي( صيفا والقرار لي شخصيا) لنشر مقال ، يدعو للتعددية الحزبية في البلاد كتبه وحبره مناضل جنوبي هو عبد العزيز بن الطيب. و لا ينبغي ف الاستهانة بالإقدام على نشر ذلك المقال بمنظار اليوم، بل باعتبار طبيعة ظرف ذلك التاريخ.
وأخلص إلى القول ، أن أكبر شرف نالني  في  حياتي - زيادة على تكرار استقبالي والإنصات لي - سواء في مكتبكم  بنهج عنابة أو في مقر حزبكم بشارع جمال عبد الناصر   - إذن أكبر شرف نالني في حياتي – هو عندما   دعوتم خلال مداخلتكم عشية انتخابات 1981 المهدورة فرصتها والمزيفة نتائجها، إلى قيام مناظرة في التلفزيون  بينكم وبين الوزير الأول محمد مزالي وقتها، أتولى إدارتها وتنشيطها باعتبار "حياديتي ونزاهتي".
كان  ذلك فوق  طاقة احتمالي من رجل يختزن كل هذه النضالية، مضحيا بكل شيء من أجل أن يعلي كلمة الديمقراطية في هذه البلاد.
ليس لسبب ذاتي أحترم وأحمل تقديرا بلا حدود لهذا الرجل، الذي نذر حياته منذ شبابه الأول لخدمة هذا الشعب وفي مواقع مختلفة، لعله كان أصغر الوزراء سنا في حكومة بورقيبة  في أفريل سنة 1956، وإنما لما تراكم له من مواقف التضحية ونكران الذات.
ولكن دعني أقول لكم أيتها القمة الكبيرة ، أنني بقدر هذا الرصيد من الحب والتقدير الذي أحمله و سأظل أحمله تجاهكم السيد أحمد المستيري، فإني قد أصبت بخيبة أمل تحمل مرارة أكثر مما يحتمل صدري، نتيجة موقفكم الأخير من ترشيحكم لرئاسة الحكومة التي جرى اتفاق أو وفاق على تشكيلها ، ولقد كنت لآخر لحظة متمسكا في قرارة نفسي باقتناع ، بأنكم ستفضلون الانسحاب على انهيار الحوار الوطني، وما كان يخلفه هذا الانهيار  للبلاد والعباد من إمكانيات الأزمة الخانقة ، فضلا عن احتمالات سوداء بمستقبل قد يسوده الاضطراب، ومزيد التمزق المجتمعي.
وإذ أعرف مواقفكم المشرفة من حركة النهضة، بعد سنتين من الحكم المنفرد، (فالحزبان المتحالفان معها وقياداتهما من وجهة نظري قد باعا كل مبادئهما على مذبح مناصب بدون تأثير على مجرى السياسات والتعيينات ولو للحد الأدنى)، والمتسم بكارثية أعلن السيد حمادي   أثناءها عن الفشل المسجل، فإني أدرك أيضا حرصكم على عمل شيء ما لإنقاذ البلاد من هوة سحيقة، لخصها صديقكم الحميم مصطفى الفيلالي في مقال يكتب بماء الذهب: "هل بقيت في تونس دولة" ، فإنه لا يسعني إلا الوقوف عند النقاط التالية:
1/ كيف تسمحون لأنفسكم، وأنتم من أنتم، ورصيدكم النضالي والديمقراطي يقوم شاهدا على علو هامتكم وطول قامتكم، أن تدخلوا في سباق مع من يقلون عنكم ـ مهما كان لي من احترام لهم ولكفاءاتهم العالية – نضالية ومكانة، فتخرجوا خاسرين، فلا يختاركم من 18 حزبا سوى 4 فيما يصوت 14 ضدكم أي للمنافس.
لقد كان عليكم أن تجنبوا أنفسكم ، هذا الوضع، وأنتم الذين كنتم سباقين ، قبلا ولا يمكنني إلا أن أذكركم، بما كانت عليه مكانتكم في تصويت مؤتمر المنستير الأول، الذي أزاحكم الرئيس بورقيبة بعده.
2/ ألا يعني عامل السن بالنسبة لكم شيئا ، فأنتم جديرون بعد شقاء سنوات طويلة في السياسة تطلبت جهدا بدنيا ولكن خاصة ذهنيا بالراحة ، إن لأبداننا علينا حقا، والمهمة الموكولة للحكومة المقترحة، ولرئيسها تتطلب جهدا كبيرا ومعرفة بالملفات، وخاصة شبكة معارف عربية ودولية واسعة وقدرة على التأثير فيها.
وهذه ليست مهمة وزراء فنيين، بل بالأساس مهمة رجل دولة يكون ماسكا بكل الخيوط، ومحل ثقة الممولين العرب والأجانب، والمستثمرين العرب والجانب.
والسيد منصور معلى الذي يمسك بخيوط هذا الشأن اعتذر عن تولي هذه المسؤولية ، بسبب سنه العالية، وهي سن تقل عن سنكم بحوالي 5 سنوات.
3/ ما لا أجرؤ على قوله ، ولكن لا بد أن أصدع به هو أن السيد أحمد المستيري يبقى في نظر النخبة المثقفة ، وفي رأيي لها من الوزن ما لا ينبغي إهماله، الرجل الذي أفشل الحوار الوطني، بتحالف غير طبيعي مع حركة النهضة.
وأنا شخصيا لست ضد حركة النهضة وأراها عنصرا لا غنى عنه في المشهد السياسي، ولكني وإن كنت على ذلك الرأي سابقا وحاليا، فإني عبرت عن حقها في الوجود، عندما كان الآخرون ينكرون عليها ذلك، والنهضة نفسها تدرك ما بذلته من جهد للاعتراف بها منذ سنة 1988 "بتواطىء"  مع السيد منصر الرويسيي الذي كان آنذاك مستشارا سياسيا لرئيس الجمهورية زين العابدين بن علي، كما يعرف الدكتور راشد الغنوشي الجهد الذي بذلناه معا  من أجل نشر حديث معه صدر في جريدة الصباح ليوم 17 جويلية 1988 وما زال يعتبره مرجعا وكان معتقدا أنه سيفتح الباب للاعتراف، ورغم ذلك، فإني دعوت صراحة في ربيع 1989 وبمناسبة الانتخابات إلى عدم التصويت للقائمات التي كانت تسندها النهضة قبل قيام حزبها. ولا أرى في ذلك تناقضا البتة.
وهذا التحالف المخالف لطبيعة الأشياء  بين رجل الدولة (وليس كل السياسيين رجال دولة) وحركة النهضة، هو الذي لا يعرف أحد إلى أين سيقود البلاد، ولكنه من المؤكد أنه لا للاستقرار، ولا الهدوء ولا السكينة، ولا حتى لرؤية بصيص من النور بشأن الشأن الاقتصادي والاجتماعي، ولا معالجة قضية الإرهاب في تونس.
السيد أحمد المستيري:
هنيئا لبقاء السيد علي العريض في منصبه إلى حين، مع مزيد الخراب
ومسكينة تونس التي ستواجه ما تواجه قريبا
ولعلكم لا تشعرون، ولكن لا بد من مصارحتكم بأن لكم ضلعا من المسؤولية.
حبي وتقديري دوما .
عبداللطيف الفراتي

هناك تعليقان (2):

  1. Chokran Ustath Abdellatif ala hathihi arrisalat
    anchourouha fi mawkiii
    ahmed manai,

    ردحذف
  2. شكرا على ثقتكم
    لا مانع من استعمال المقال
    أيضا أود الحصول على عنوان مدونتكم
    عنواني الاليكتروني : fouratiab@gmail.com

    ردحذف