بكل هدوء
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
مصطفى كمال النابلي رئيسا للحكومة
تونس/6/11/2013
بعد تصريحات السيد الشاذلي العياري
يوم أمس، من أن المؤسسات المالية الدولية قد أرسلت أو إنها سترسل بموفديها إلى
تونس، في مهمة تفقدية دورية، وأنها لن تجد ما معناه المخاطب الكفء، فالحكومة في
حكم المستقيلة، ووزراؤها يعتبرون في عداد المستقيلين لا يستطيعون الالتزام
للمستقبل وليس مقبولا التزامهم، فإن للمرء أن يستنتج دون كبير جهد أن تلك المؤسسات قد فقدت تماما
الثقة في الحكومة القائمة، فضلا على تلك الثقة المفقودة داخليا من قبل التونسيين
وخاصة منهم الطبقة المثقفة، التي لا تنبغي معاداتها، على الصفة التي تعاملت بها
معهم السلطة.
والسيد الشاذلي العياري لا يتحدث عن
الهوى ، فقد بلغ السيل القمم العالية ،ولم
يعد لتونس من مخرج سوى تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت، علها تحرز على رضا تلك
المؤسسات، كما المؤسسات المالية الإفريقية والأوروبية أوقفت تعاملها مع بلادنا، في وقت تحتاج فيه
البلاد إلى مدد عاجل، ما منه بد وليس هناك احتمال انتظار بشأنه، لتستطيع مواجهة
التزاماتها الداخلية ، ومنها الأجور وفواتير المؤسسات الخاصة والعامة التي تشكو من
الانتظار منذ أسابيع طويلة، ويهدد عدم سدادها، بإدخال اضطراب على الحركة المالية
والاقتصادية.
وقد بلغ الأمر حده الأقصى، عندما تم
تخفيض جديد في الترقيم السيادي، دون أن يكون لذلك رد فعل فمر مرور الكرام ، وإن كان زاد في صعوبات احتمالات
الاقتراض، وسيضطر وفقا لمصادر داخلية وخارجية
إلى أن تفوق نسبة الدين في العام المقبل 50 في المائة من الناتج ، لا 47.5 في المائة كما يقولون ، ما يعني تجاوز
النسبة المحتملة التي بعدها يدخل اقتصاد أي دولة منطقة الخطر والاهتزاز ويجتاز كل
الخطوط الحمراء.
ويتفق الخبراء تونسيون وأجانب، على أن
رجل المرحلة ، هو مصطفى كمال النابلي، الذي يوحي بالثقة، سواء بالنسبة للداخل أو
الخارج، ويمكن أن تتدفق بقدومه تمويلات أو حتى هبات وتتحرك عجلة الاستثمار الداخلي والخارجي، ما يمكن معه أن تخرج البلاد من عنق الزجاجة.
وكانت حكومة العريض، قد فقدت
مصداقيتها وحتى سيطرتها على الوضع منذ أواخر شهر جويلية الماضي، ومنذ ذلك الحين
فإن الإدارة التونسية التي كانت هي السند الرئيسي في كل المراحل للدولة، قد باتت
تدور بأقل السرعة الممكنة بلا بوصلة تحدد
لها الاتجاه، وأصابها ارتخاء مذهل لم تعرف له مثيلا منذ استقلال البلاد، وقد خصصت
جريدة لا بريس الحكومية مقالا طويلا في شهر سبتمبر للحديث عن تفاقم هذا الوضع، كما خصصنا على أعمدة هذه
المدونة وصفا مدققا ، لما آل إليه وضع من تحلل في البلاد.
ولم تنجح محاولات الحوار الوطني الملغومة بسوء النية واستبلاه
الناس واستغباء ذكائهم، وهو الذي انعقد
بشق الأنفس في الأسابيع الماضية، في تلمس طريق النجاة، وبدل التوجه نحو حلول من
شأنها بث الثقة ، اختارت النهضة أساسا أن تواصل في المعاندة لأسباب خاصة بها، كما
اختار حزب التكتل الذي لم يعد يمثل شيئا وأحمد نجيب الشابي لأسباب جهوية مقيتة
ولا تنبئ عن وعي ونضج سياسيين ،السيد أحمد
المستيري لتولي رئاسة الحكومة، وإقحامه في سباق مخسور
مسبقا، وهو على علو قدره والاعتراف بنضاليته، فليس بالرجل الذي يمكن أن يوحي
بالثقة في مجال اقتصادي داخليا وخارجيا هو
أول الأولويات،بعد المسافة الزمنية التي فصلته عن الواقع ، وقلة إلمامه بدواليب
المسار الذي يعتبر مع محاربة الإرهاب في مقدمة مشاغل حكومة ، يحتاج رئيسها إلى
سرعة الحركة داخليا وخارجيا ، والقدرة على الحسم السريع ، ويحسن التعامل مع
الملفات التي يكون خبرها وطنيا ودوليا.
و من هنا كان هناك اتفاق واضح سواء في
الأوساط الوطنية ، الأكثر التصاقا بمشاكل
البلاد المحتدة يوما بعد يوم والمهددة بالإفلاس ، وفي البنك المركزي ، أو في الأوساط
المالية الدولية، أن مصطفى كمال النابلي يمثل بين آخرين من جيله ومن مستواه العالي كاختصاصي مرموق في الاقتصاد الكلي، وإن كان
يزيد عنهم تجربة في إدارة الشأن الحكومي رجل المرحلة ، الرجل الأكثر ملاءمة
للمرحلة.
وإذا لم تكن الطبقة السياسية تسعى إلى جر البلاد
جرا، إلى واقع تتخلف فيه الدولة، عن سداد مرتبات موظفيها، ودفع مستحقات مزوديها،
فضلا عن توريد الاحتياجات الوطنية سواء من المواد الأساسية وخاصة الغذائية ، أو
التجهيزات والمواد نصف المصنعة التي تدير عجلة الفلاحة والصناعة والخدمات، وبالتالي ترمي بالمزيد من المواطنين
في أتون البطالة واليأس ، هذا فضلا عن التوقف عن سداد ديونها أصلا وفوائد، فإن
عليها أن تسارع تحت ضغط أحداث باتت حارقة ، غير قابلة للتأخير، لحزم أمورها
والتوجه نحو اتخاذ قرارات قد تكون مؤلمة
مرة، لم تكن منتظرة من طرفها، وإن كان الاخصائيون وكنا من بينهم نبهوا إلى احتمالاتها منذ عام
ونصفا تقريبا ، وما استقالة وزير المالية الديماسي إلا صيحة فزع أطلقها وأصمت
الحكومة آذانها عنها، ، عندما كان هناك متسع من الوقت، لاتخاذ الإجراءات التي كان لا مندوحة عن اتخاذها لو كانت هناك حوكمة رشيدة،
ولم يكن التكالب على السلطة هو الذي يقود
خطوات القوم.
إن المهمة صعبة ، والرهان كبير، وما ينتظر الشعب
التونسي من شد أحزمة، وتقشف والقبول بالتضحيات الجسيمة ، إنما تتحمل مسؤوليته
حكومات رفضت النظر لواقع متدهور، واستمرأت الحكم مدة عامين تقريبا بدون كفاءة ولا
معرفة بحقيقة الحكم، الذي يبحث كهدف،
تحقيق التنمية وبالتالي الارتفاع بالمستوى المعيشي للشعب اجتماعيا واقتصاديا
وصحيا وتعليميا.
كان الله في عون الرجال الذين سيمسكون
المقود، لأن ما ينتظرهم أعتى من كل تصور، باعتبار التركة الثقيلة جدا التي ورثوها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق