Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 30 أغسطس 2017

بكل هدوء : الفخ ؟


بكل هدوء                                  

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
لمن الأسبقية للدستور أم للشريعة ؟
الصواب/ 28/08/2017
في بدايات اجتماعات المجلس التأسيسي  في مستهل 2012  كانت النهضة تعتقد أن الفصل الأول من الدستور ستتم صياغته على أساس ، أن تكون الدولة إسلامية تستمد تشريعاتها من الشريعة ، غير أن الحليف الرئيسي للنهضة أي حزب مصطفى بن جعفر ، وقف موقفا حاسما ، قائلا إن الفصل بهذه الطريقة لن يمر إلا على جثتي ، وتحرك المجتمع المدني ما اضطر النهضة إلى التراجع في غير انتظام ، وبعد أخذ ورد  تمت العودة إلى نص الفصل الأول من دستور 1959 بدون زيادة أو نقصان ، وهو فصل في حد ذاته اضطر إليه الرئيس بورقيبة ، بعد أن كان يطمح لإعلإن تونس دولة لائكية ، ورأت فيه النخبة الحداثية آنذاك مضطرة أنه لا يعلن إسلامية الدولة .
إن الفضل في عدم سيطرة النهضة على المجلس التأسيسي بصفة كاملة يعود إلى طبيعة طريقة الاقتراع بالنسبية وأعلى البقايا  ، ولو تم اعتماد الطريقة التي استعملت منذ الاستقلال أي التصويت على القائمات بالأغلبية ، لنالت النهضة في انتخابات 2011  أغلبية مريحة ، كما إن نداء تونس كان يمكنه في انتخابات 2014 أن ينال أغلبية مريحة وإن لم تكن مطلقة بثلثي المقاعد.
في سنة 2012 وصل الأمر إلى مأزق ، فالنهضة تحت لواء متطرفيها ، ومن لم يكن متطرفا وقتها  في صفوفها ، كانت تعتقد أنها ستتمكن من فرض قيام الدولة الاسلامية التي تحتكم في قوانينها  للشريعة ، غير أن أصواتا عالية تمكنت من كبح جماحها ، فتم الوصول إلى حل وسط بالحفاظ على الفصل الأول كما تمت صياغته سنة 1959 ، وهو كالحلول الوسطى لا يرضي أحدا كما إنه يتسم كما هو شأن كل الحلول الوسطى بأنه حمال أوجه ،  وتأويلات مختلفة.
فقد نص هذا الفصل : "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها. "
غير أن التوطئة  وهي تعتبر لدى  البعض في نفس مقام ما جاء في جسم الدستور  فيما لا يرى ذلك غيرهم أبرزت ما يلي :  "تعبيرا عن تمسك شعبنا بتعاليم الاسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال وبالقيم الانسانية وحقوق الانسان الكونية السامية .."
وككل عمل يراد له أن يكون حلا وسطا  لا بد أن يحمل تناقضاته الداخلية ، ذلك أن التوطئة في مكان آخر تضيف " وتأسيسا لنظام جمهوري ديمقراطي تشاركي في إطار دولة مدنية ...... تضمن علوية القانون واحترام الحريات وحقوق الانسان......والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين والمواطنات ...
ويأتي الفصل الثاني من الدستور معلنا بدون مواربة وبالوضوح الكامل " تونس دولة مدنية " والدولة المدنية لها مقوماتها وخصائصها في الأعراف والنصوص
الدولية المعتمدة .
وفي تقديري فإن هذا الفصل يعتبر نصا مركزيا في الدستور كله ، ومدنية الدولة لا تعني لا أكثر ولا أقل أنها خاضعة للقوانين الوضعية التي يقررها النواب نيابة عن الشعب ، خاصة وأن الفصل الثاني نفسه يركز القرار في يد "إرادة الشعب "  لا أي إرادة أخرى (؟؟؟؟) ، وإذ ينص الفصل السادس "الدولة راعية للدين ، كافلة لحرية الضمير والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية ، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي " ، فإنه لم يحدد طبيعة الدين المقصود خصوصا عندما يضيف المساجد ودور العبادة .
وإذ "تلتزم الدولة .. بحماية المقدسات ومنع النيل منها ، فإنها ـ واستمرارا لحرية الضمير ـ تلتزم كذلك بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف والتصدي لها " وهو ما يبرز بشكل أكثر جلاء طبعة مدنية الدولة ، وهو ما جاءت به الوثائق العالمية والكونية الضامنة لحقوق الانسان.
وبالوصول إلى الفصل 46 من دستور 2014 نجد نصه صريحا جدا من حيث القول :" تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها "
ما هو المعنى العميق لهذا الدعم وخاصة التطوير ، وما هي حدوده إن كانت له حدود ومن يحددها.؟
**
في إيران يحد من الدستور صراحة النص القرآني والشريعة ، كما تحد من صلاحياته وأوامره ونواهيه مجالس ، حارسة ، تكون قراراتها فوق النص الدستوري ، كما إن " رهبانية  " المذهب الشيعي المتمثلة في الإمام والملالي  وتراتيبية  يرى الكثيرون أنها تتناقض والقول لا رهبانية في الاسلام ، وما يملكون من سلطة خارجة عن سلطة الدولة  ـ أو هذا ما يتم الايحاء به ـ متمثلة في الحرس الثوري ، حيث نظريا لا تتمتع الدولة باحتكار القوة المسلحة ،
وفي تونس وخلال صياغة الدستور تم عرض  ـ ولو باستحياء ـ فكرة قيام مجلس من بين المؤسسات الدستورية تكون مهمته ، حراسة قرارات الدولة من أي تجاوز للشريعة ، ولكن سرعان ما تراجع أصحاب الفكرة ، باعتبار انخرام توازن في القوى على حساب حركة النهضة.
ففي الأثناء ،  حصل ما حصل من اعتصام باردو ، وبدا أن المجلس التأسيسي لن يستطيع فرض ما لا يقبله للشعب ، المتشبع بحركة التنوير التي  تدرجت في البلاد منذ 150 إلى 200 سنة ، والحريص في غالبه على الحفاظ على نمطه المجتمعي الحداثي منذ بداياته في مصر عبر الخديوي محمد علي ثم الطهطاوي  وأحمد باي و المصري قاسم أمين أول الداعين لتحرير المرأة  في العالم العربي  وحتى الاسلامي وما تلاه من الطاهر الحداد والمصلحين وفي مقدمتهم بورقيبة وغيرهم من الرواد.
وفي الأثناء تعلم قادة النهضة ( كان درج استعمال الاخوان المسلمين بحقهم ) من أخطاء القيادة الإخوانية المصرية والتي عصف بها تمرد جماهيري كبير ـ قوامه عدة ملايين ( ما بين 10 و20 مليونا حسب التقديرات ـقبل أن يعصف بهم وبقيادات التمرد الشعبي ـ انقلاب عسكري دموي.
أمام المأزق الذي كان يمكن أن يدخل بالبلاد إلى حرب أهلية ، تفطنت قيادات النهضة ، بذكاء كبير ، إن لم يكن بدهاء كبير يتمتع به الاستاذ راشد الغنوشي إلى أن عليها ، أن تجد طريقا للخروج الاسلم فجاء لقاء باريس ، وتلك قصة أخرى، وإذ تم عرض الناحية النظرية ممثلة في الدستور ، والتجاذبات التي حصلت لتتم صياغته على الصورة التي خرج بها ، فقد بقي الحديث في مستقبل الأيام عن قضية الارث وزواج المسلمة بغير المسلم ، وتلك مسألة أخرى.
يبقى السؤال قائما هل انجرت النهضة إلى ما لا تريد عند كتابة الدستور ، ووقعت في فخ يجعلها أسيرة تنازلات لا تعرف اليوم كيف تخرج منها بسلام إلا إذا تنكرت لنصوص دستور تفتخر بأنها صاحبة الفضل فيه.
fouratiab@gmail.com


دستور 2014 : الفخ الذي وقعت فيه النهضة

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
لمن الأسبقية للدستور أم للشريعة ؟
الصواب/ 28/08/2017
في بدايات اجتماعات المجلس التأسيسي  في مستهل 2012  كانت النهضة تعتقد أن الفصل الأول من الدستور ستتم صياغته على أساس ، أن تكون الدولة إسلامية تستمد تشريعاتها من الشريعة ، غير أن الحليف الرئيسي للنهضة أي حزب مصطفى بن جعفر ، وقف موقفا حاسما ، قائلا إن الفصل بهذه الطريقة لن يمر إلا على جثتي ، وتحرك المجتمع المدني ما اضطر النهضة إلى التراجع في غير انتظام ، وبعد أخذ ورد  تمت العودة إلى نص الفصل الأول من دستور 1959 بدون زيادة أو نقصان ، وهو فصل في حد ذاته اضطر إليه الرئيس بورقيبة ، بعد أن كان يطمح لإعلإن تونس دولة لائكية ، ورأت فيه النخبة الحداثية آنذاك مضطرة أنه لا يعلن إسلامية الدولة .
إن الفضل في عدم سيطرة النهضة على المجلس التأسيسي بصفة كاملة يعود إلى طبيعة طريقة الاقتراع بالنسبية وأعلى البقايا  ، ولو تم اعتماد الطريقة التي استعملت منذ الاستقلال أي التصويت على القائمات بالأغلبية ، لنالت النهضة في انتخابات 2011  أغلبية مريحة ، كما إن نداء تونس كان يمكنه في انتخابات 2014 أن ينال أغلبية مريحة وإن لم تكن مطلقة بثلثي المقاعد.
في سنة 2012 وصل الأمر إلى مأزق ، فالنهضة تحت لواء متطرفيها ، ومن لم يكن متطرفا وقتها  في صفوفها ، كانت تعتقد أنها ستتمكن من فرض قيام الدولة الاسلامية التي تحتكم في قوانينها  للشريعة ، غير أن أصواتا عالية تمكنت من كبح جماحها ، فتم الوصول إلى حل وسط بالحفاظ على الفصل الأول كما تمت صياغته سنة 1959 ، وهو كالحلول الوسطى لا يرضي أحدا كما إنه يتسم كما هو شأن كل الحلول الوسطى بأنه حمال أوجه ،  وتأويلات مختلفة.
فقد نص هذا الفصل : "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها. "
غير أن التوطئة  وهي تعتبر لدى  البعض في نفس مقام ما جاء في جسم الدستور  فيما لا يرى ذلك غيرهم أبرزت ما يلي :  "تعبيرا عن تمسك شعبنا بتعاليم الاسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال وبالقيم الانسانية وحقوق الانسان الكونية السامية .."
وككل عمل يراد له أن يكون حلا وسطا  لا بد أن يحمل تناقضاته الداخلية ، ذلك أن التوطئة في مكان آخر تضيف " وتأسيسا لنظام جمهوري ديمقراطي تشاركي في إطار دولة مدنية ...... تضمن علوية القانون واحترام الحريات وحقوق الانسان......والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين والمواطنات ...
ويأتي الفصل الثاني من الدستور معلنا بدون مواربة وبالوضوح الكامل " تونس دولة مدنية " والدولة المدنية لها مقوماتها وخصائصها في الأعراف والنصوص
الدولية المعتمدة .
وفي تقديري فإن هذا الفصل يعتبر نصا مركزيا في الدستور كله ، ومدنية الدولة لا تعني لا أكثر ولا أقل أنها خاضعة للقوانين الوضعية التي يقررها النواب نيابة عن الشعب ، خاصة وأن الفصل الثاني نفسه يركز القرار في يد "إرادة الشعب "  لا أي إرادة أخرى (؟؟؟؟) ، وإذ ينص الفصل السادس "الدولة راعية للدين ، كافلة لحرية الضمير والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية ، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي " ، فإنه لم يحدد طبيعة الدين المقصود خصوصا عندما يضيف المساجد ودور العبادة .
وإذ "تلتزم الدولة .. بحماية المقدسات ومنع النيل منها ، فإنها ـ واستمرارا لحرية الضمير ـ تلتزم كذلك بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف والتصدي لها " وهو ما يبرز بشكل أكثر جلاء طبعة مدنية الدولة ، وهو ما جاءت به الوثائق العالمية والكونية الضامنة لحقوق الانسان.
وبالوصول إلى الفصل 46 من دستور 2014 نجد نصه صريحا جدا من حيث القول :" تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها "
ما هو المعنى العميق لهذا الدعم وخاصة التطوير ، وما هي حدوده إن كانت له حدود ومن يحددها.؟
**
في إيران يحد من الدستور صراحة النص القرآني والشريعة ، كما تحد من صلاحياته وأوامره ونواهيه مجالس ، حارسة ، تكون قراراتها فوق النص الدستوري ، كما إن " رهبانية  " المذهب الشيعي المتمثلة في الإمام والملالي  وتراتيبية  يرى الكثيرون أنها تتناقض والقول لا رهبانية في الاسلام ، وما يملكون من سلطة خارجة عن سلطة الدولة  ـ أو هذا ما يتم الايحاء به ـ متمثلة في الحرس الثوري ، حيث نظريا لا تتمتع الدولة باحتكار القوة المسلحة ،
وفي تونس وخلال صياغة الدستور تم عرض  ـ ولو باستحياء ـ فكرة قيام مجلس من بين المؤسسات الدستورية تكون مهمته ، حراسة قرارات الدولة من أي تجاوز للشريعة ، ولكن سرعان ما تراجع أصحاب الفكرة ، باعتبار انخرام توازن في القوى على حساب حركة النهضة.
ففي الأثناء ،  حصل ما حصل من اعتصام باردو ، وبدا أن المجلس التأسيسي لن يستطيع فرض ما لا يقبله للشعب ، المتشبع بحركة التنوير التي  تدرجت في البلاد منذ 150 إلى 200 سنة ، والحريص في غالبه على الحفاظ على نمطه المجتمعي الحداثي منذ بداياته في مصر عبر الخديوي محمد علي ثم الطهطاوي  وأحمد باي و المصري قاسم أمين أول الداعين لتحرير المرأة  في العالم العربي  وحتى الاسلامي وما تلاه من الطاهر الحداد والمصلحين وفي مقدمتهم بورقيبة وغيرهم من الرواد.
وفي الأثناء تعلم قادة النهضة ( كان درج استعمال الاخوان المسلمين بحقهم ) من أخطاء القيادة الإخوانية المصرية والتي عصف بها تمرد جماهيري كبير ـ قوامه عدة ملايين ( ما بين 10 و20 مليونا حسب التقديرات ـقبل أن يعصف بهم وبقيادات التمرد الشعبي ـ انقلاب عسكري دموي.
أمام المأزق الذي كان يمكن أن يدخل بالبلاد إلى حرب أهلية ، تفطنت قيادات النهضة ، بذكاء كبير ، إن لم يكن بدهاء كبير يتمتع به الاستاذ راشد الغنوشي إلى أن عليها ، أن تجد طريقا للخروج الاسلم فجاء لقاء باريس ، وتلك قصة أخرى، وإذ تم عرض الناحية النظرية ممثلة في الدستور ، والتجاذبات التي حصلت لتتم صياغته على الصورة التي خرج بها ، فقد بقي الحديث في مستقبل الأيام عن قضية الارث وزواج المسلمة بغير المسلم ، وتلك مسألة أخرى.
يبقى السؤال قائما هل انجرت النهضة إلى ما لا تريد عند كتابة الدستور ، ووقعت في فخ يجعلها أسيرة تنازلات لا تعرف اليوم كيف تخرج منها بسلام إلا إذا تنكرت لنصوص دستور تفتخر بأنها صاحبة الفضل فيه.
fouratiab@gmail.com

الأحد، 27 أغسطس 2017

بكل هدوء : في انتظار مسألة المساواة في الإرث ، ماذا بشأن زواج المسلمة بغير المسلم

بكل هدوء
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
التحدي

دخل علي وهو أكثر من قريب كان صديقا ، ومعه فتاة في غاية الجمال والأناقة ، تجر فتى أشقر لا يقل عنها جمالا ، وبدون مقدمات قال صديقي  وهو في غاية الحرج : " لقد جئنا للتو من حضرة سماحة المفتي ، وأعلن فلان إسلامه حتى يتزوج من ابنتي فلانة" ، مباشرة شرع الشاب في تلاوة الفاتحة ، كما لو كان يريد أن يثبت لي إسلامه ، تولى بسرعة وفي لكنة انقليزية تلاوة الفلق  الشهادتين ، ثم كأنه في سباق تلاوة قل هو الله أحد ثم سورة الفلق  مرة أخرى ، أوقفته عن المواصلة في صعوبة " ، سألت / وما هو المطلوب مني أ جابني والد الفتاة : جئنا نريد إشهار إسلام الفتى ، قبل أن نعقد له ، واستظهر بشهادة إسلام ، لم أكن أيامها من سنة  1974 سوى سكرتير تحرير ، واحترت في أمري ، ولم يكن لا رئيس التحرير الهادي العبيدي ولا رئيس التحرير عبد الجليل دمق موجودان ، وكان علي أن أتخذ قرارا ، كان مفهوما لدي أن الأمر يخص إعلانا مدفوع الثمن ، سألت الصادق الزواوي المدير الاداري والمالي ، أفادني بأنه لم يسبق ، ولكن بما أن الأمر سليم من الناحية القانونية فإنه لا ماتع ، أفهمته بأن الشخص المعلن صديق دراسة ، فتكرم وأرسل لي ، عونا من قسم الاعلانات قام بالواجب ، وتم نشر بلاغ في الأمر لأول مرة في جريدة الصباح ، ولقد تكرر الأمر بعد ذلك عديد عديد المرات ، وحتى تكرر الأمر أسبوعيا ،  وأصبح الأمر  يمر  مباشرة إلى قسم الاعلانات الذي يشترط شهادة مؤسسة الافتاء وبطاقة تعريف الأب والفتاة والفتى المعني.
ولقد كنت أشعر باصطناعية الأمر، واعتبرته نفاقا لا غير.
كان الوزير الأول الهادي نويرة أصدر في سنة 1973 منشورا يقضي  بعدم إمكانية كتابة عقود الزواج بالنسبة للمسلمات  إذا لم يكن الأزواج  قد أعلنوا إسلامهم ، وكان وراء ذلك رغبة لحماية الفتيات وخاصة بعد بدء قيام مصانع قوانين 1972  التصديرية ، بعد أن كثر التغرير بالعاملات التونسيات من طرف رؤسائهن بزواج أبيض ينتهي بنهاية فترة عمل أعوان التسيير خاصة الايطاليين في تلك المصانع.
**
تاريخيا ماذا كان يحدث بين إصدار مجلة الأحوال الشخصية وسنة 1973.
مجلة الأحوال الشخصية لا يبدو أنها مانعت في زواج المسلمات بغير المسلمين ، ولذلك وطيلة تلك الفترة  كان الأمر متروكا لضباط الحالة المدنية  سواء من رؤساء البلديات أو عدول الاشهاد ، غير أن جدلا  قام بين عدول الاشهاد حول تأويل الموانع الشرعية الذي نصت عليه المجلة ، وهناك من اعتبرها ممثلة في زوجة ثانية أو زواج تحت عتبة السن القانونية وغيرها من الموانع التي نصت عليها مجلة الأحوال الشخصية وهناك من قام بتأويلها بالموانع الدينية فيما رأى البعض أن الموانع الشرعية هي تلك القانونية ، légales   وبالتالي فكتابة صداق فتاة مسلمة على غير مسلم مسموح به ، ووصل الأمر إلى ساحات المحاكم ، وقضت بصور مختلفة.
غير أن كثيرا من عقود الزواج بين المسلمة وغير المسلم كتبت وأصبحت أمرا واقعا ، وانفتح القوسان بصدور المنشور 73 الذي اعتبره عدد من رجال القانون المختصين في القانون الخاص غير موفق ولا قانوني ، لأنه يحد من أمر لم تأت به مجلة الأحوال الشخصية ، فيما يرى آخرون أن للحاكم الحق في أن يقوم بهذا التحديد.
**
من هنا فإن ما أعلنه رئيس الجمهورية بمناسبة عيد المرأة في 13 أوت الماضي اعتبره الكثيرون عودة بالأمر إلى نصابه ، ورفع قوسين ما كان ينبغي وضعهما سنة 1973 من طرف السيد الهادي نويرة بمنشور يأتي في الترتيب بعد الدستور والمعاهدات الدولية والقوانين الأساسية والأوامر وحتى القرارات الصادرة عن رئاسة الحكومة.
فيما اعتبره آخرون تحديا لما جاء في القرآن ، وهات يا تأويلات وتأويلات معاكسة ، ولقد أدلى الدكتور الصادق بلعيد وهو من هو علما قانونيا وتشريعيا أدلى     بدلوه معتبرا بتلخيص شديد أن القرآن لم يمنع زواج المسلمة بالكتابي لأنه ليس مشركا ، ما يوحي أن زواجها برجل من ديانة غير سماوية لا يصح ، وهو تأويل يرفضه آخرون اعتمادا من جهة على نص الدستور ، وتأكيدا للحرية الشخصية للمرأة كما الرجل في شأن أخص ما يخصها .

الخميس، 17 أغسطس 2017

من الذاكرة : الزلزال المدمر ،، آخر الكلام بعد الدمار العربي

من الذاكرة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
زلزال 2 أوت 1990 (8)
النتائج المدمرة
الصواب / 02/08/2017
في 28 فيفري 1991 انتهت الحرب ، حرب الخليج الثانية للبعض ، أم المعارك للبعض الآخر ، وحرب تحرير الكويت للبعض الثالث ، انتهت إلى ما توقعناه وما كتبناه منذ 2 أوت 1990 ، وتحت خيمة في مدينة صفوان  العراقية وقع الجنرالات العراقيون مع نظرائهم من ممثلي التحالف وثيقة استسلام مهينة ، عندها انسحبت القوات المتحالفة التي لم تكتف باسترجاع الكويت ، فقضمت جزء من العراق ، لمزيد الضغط ، تحرر الكويت ، ولكن كل آبار نفطه كانت  مشتعلة ، بعد أن أضرم فيها الجيش العراقي النار بأمر من الرئيس صدام حسين ، وإذ أعلن الرئيس بوش الأب عن هزيمة العراق ، فقد أعلن الرئيس صدام حسين عن انتصار العراق متمثلا في بقاء نظام  الحكم قائما وبقائه رئيسا للعراق.
فرضت على  حكومة العراق ( هكذا ..)  بقرارات متلاحقة من مجلس الأمن عديد الشروط الملزمة لا يمكن أن لا يخضع إليها ، وعلى ارتفاع عددها ، وتنوع أغراضها  لا بد من التوقف عند قرارين في قمة الأهمية :
أولهما قرار ، يقضي بوضع مقدرات العراق المتمثلة أساسا في صادراته تحت سيطرة لجنة مشكلة من مجلس الأمن تضع يدها على مردودها ، وتخضع نسبة منها مهمة لاقتطاع يستهدف التعويض للكويت والأربعة وثلاثين دولة التي شاركت في الحرب ، بحسب خسائرها البشرية ومن العتاد ، كما أخضعت الواردات العراقية إلى حراسة لجنة توافق أو ترفض قبول دخولها ، ومما أذكر أنه تم منع توريد أقلام الرصاص  لشبهة احتمال استعمالها في صنع القنابل.
وثانيهما يقضي بتدمير أسلحة الدمار الشامل ومنها الصواريخ العراقية ، وأذكر أني في صائفة 1991 وكنت في مهمة في باريس  بكيت بحرقة ، وأنا أشاهد  على كل القنوات صواريخ عراقية مصففة ، وقد تم سحقها بواسطة عربات بيلدوزير ثقيلة عليها ما يشير إلى أنها تابعة للجيش العراقي وبأيد عراقية تنفيذا لقرارات مجلس الأمن .
لكن الحرقة كانت أكبر عندما زرت الكويت في سبتمبر 1992 وأخذونا إلى ما يسمى وادي الموت ، حيث شاهدت صفوفا من الشاحنات ( تقول ويكيبيديا 1500) وقد احترقت  تماما و بها جلوسا أعداد غير محددة من الجثث المتفحمة للجنود العراقيين المغدورين ، حيث تم سحبهم من الكويت ،  وفق ما كتب  الفريق نزار الخزرجي رئيس الأركان العامة السابق  في مذكراته ، و الذي هرب إلى لندن في نوفمبر 1990 قبل اندلاع الحرب ، بعد أن حاول النصح بضرورة تجنب حرب مخسورة مسبقا ، حيث تم سحبهم دون تنسيق مع القوات المقابلة كما تقتضي العلوم الحربية ، ولقد ذكرتني تلك الجثث المتفحمة وقدر عدده بالــــــــمئات الــــكثيرة لا 200 كما قالت " ويكيبيديا " ، ذكرتني بما شاهدته في "بومبيي " في ضواحي نابولي من جثث متفحمة قبل ألفي سنة بمناسبة سيلان حمم بركان فيزوف سنة 79 للميلاد والذي سبب وفاة 6 آلاف شخص .
وإذ بقي النظام العراقي قائما حتى 9 أفريل 2003 وسقط في حرب ظالمة وغير مبررة أطلقت المارد من عقاله ، ولم تدمر العراق بل المنظومة العربية كاملة ، فإن الرئيس صدام حسين بقي إلى آخر يوم يؤكد انتصاره في حرب 1991 ، باعتباره بقي قائما ، وكأن وجود النظام واستمراره هو الدليل على الانتصار أو الهزيمة.
وخلال فترة الاثنتي عشرة سنة التي مرت بين  نهاية حرب تحرير الكويت ، وسقوط النظام العراقي واختفاء الرئيس صدام حسين ، فقد الحكم العراقي استقلال قراره ، وبات مرتهنا للأمم المتحدة أو على الأصح الولايات المتحدة ، فقد فقد السيطرة  على حرية التصرف في صادراته البترولية ، وبات يرى مقتطعا منها نسبة مهمة تذهب لتعويض أضرار الحرب للكويت وغيرها ، فضلا عن دفع ديون العراق للكويت والسعودية ، وقد تردت الأحوال الاقتصادية العراقية بشكل كبير ، أكثر من ترديها في سنوات الحرب مع إيران بين 1980 و1988 ، ولم تعد الحكومة العراقية سيدة نفسها في شأن مبيعاتها البترولية وغيرها ، كما لم تعد سيدة نفسها في ما يخص وارداتها ، وباتت تلك الواردات خاضعة لقرارات متواصلة من المؤسسات التي أنشأها مجلس الأمن والتي تسيطر عليها فعليا الولايات المتحدة.
ولحق الدمار العام النظام العربي ، وأصبح مهددا في كياناته ووحدة أراضي تلك الكيانات  ، وتدخلت أمريكا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا ، في الشأن  العربي الخاص ، وصنعت الثورات وتحكمت في المقدرات كما لم يحصل من قبل مطلقا.
آخر الكلام
** أولا إني لا أصدق البتة ما تم بثه عن واقعة استسلام الرئيس صدام حسين في حفرة في محافظة صلاح الدين مسقط رأسه ، وإن كنت أميل لتصديق ما قالته أمريكا من أن أحد العارفين بمخبئه من المقربين إليه هو الذي أوشى به مقابل 50 مليون دولار ، فإن اعتقادي راسخ بأن الصور المبثوثة غي صحيحة ، وهي إما أنها كانت تحت مخدر أو إنه واقع فبركتها والتكنولوجيا الحديثة تسمح بذلك
** ثانيا فالرجل على أخطائه السياسية الكبيرة وأخطائه العسكرية وهو ليس عسكريا ولم يذهب قط لأكاديمية عسكرية  وهو مجاز في القانون من جامعة المستنصرية أيام كان نائبا للرئيس أحمد حسن البكر وهو خاله ،  ولكنه يتسم بشجاعة أدبية وبدنية كبيرة تدل على ذلك الصور المسربة عن حادثة إعدامه وما تسرب حتى من جهات أمريكية، وهو في نظرنا ما يدحض الصور المسربة أمريكيا عن عملية أسره ، ولعل السؤال الوحيد هنا هو لماذا لم يدافع عن نفسه حتى الموت كما فعل أبناؤه في الموصل ، وأيضا لماذا لم ينتحر قبل أن يسقط في أيدي الأمريكان؟
**أن التاريخ العربي الحديث والمعاصر مليء بما يوحي بأن إرادة قوية لكسر شوكة العالم العربي لأنه يمثل القوة الوحيدة التي يمكن أن تقف في وجه الغرب حضاريا وماديا ، ومنذ قيام الخلافة العثمانية وسيطرتها على غالب أنحاء العالم العربي ، فإنها لم تضف شيئا للحضارة الانسانية ، بل ردعت منذ منتصف القرن الخامس مظاهر الحضارة المزدهرة التي قدمها العالم العربي من مختلف أنحائه للحضارة الانسانية ، بل قادته إلى التردي ، وإذ لا يعني ذلك تحميل تركيا وحدها المسؤولية ، فإن لنا نحن كعرب نصيبنا من مسؤولية عدم ركوبنا مظاهر التقدم وبقائنا على هامش العلم والاختراع ، وحتى عندما جاءت الفرصة في القرن التاسع عشر مع عصر التنوير العربي مع الخديوي محمد علي في مصر وأحمد باي في تونس وقادة الرأي في الشام خاصة من المسيحيين ، فإن العرب لم ينتهزوا الفرصة كما انتهزها اليابانيون لبناء حضارة جديدة .
** أن ذلك لا يمنع من القول بل يؤكد أن 2 أوت هو بداية العد العكسي لانخرام النظام العربي وسقوطه والدمار العربي الذي نشهده حتى اليوم وسنظل نشهده إلى ما يعلم أحد.
فالعراق اليوم تحت السيطرة الشيعية الايرانية ، وسوريا المنتصر فيها بشار الأسد  المحكومة بالشيعة العلوية هي الأخرى محكومة بالشيعة الإيرانية – اللبنانية لحزب الله ، المسيطرين على القرار السوري ، وباقي العالم العربي يشكو ضياعا منذ 1990 لا مخرج منه.
انتهى


الأربعاء، 16 أغسطس 2017

من الذاكرة : الزلزال : الهزيمة ومغادرة الكويت

من الذاكرة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
زلزال 2 أوت 1990 (7)
تلك هي الحرب ؟؟؟
الصواب / 02/08/2017
ليلتان بعد نهاية المهلة التي حددها مجلس الأمن في 29 نوفمبر 1990 ، و في ليل يوم 17 جانفي 1991 ، وبعد اختناق اقتصادي ومواصلاتي كامل للعراق ، وفصله عن بقية العالم ، بدأ هجوم اتخذ عدة تسميات ، فلدى العراق وأنصاره اعتبر عدوانا ، وبالنسبة للحلف الثلاثيني اعتبر حرب تحرير الكويت أو درع الصحراء ، 34 بلدا شارك في هذه الحرب ، بأنساق مختلفة ، من بضعة أفراد من المشاة ، إلى طيران في قمة التطور التكنولوجي ، إلى منظومة صواريخ من الدقة بحيث لم تشهدها حرب حتى ذلك الوقت .
كنت جلست ليلتها في  ليل شتاء  بارد في انتظار اندلاع المعارك ، وعلى الرغم من أني كنت واثقا من أن القوات العراقية ستصمد ، فإني لم أكن لأشك لحظة في مصير تلك الحرب ، 900 ألف يزيدون من مختلف أصقاع العالم منهم 500 أمريكي ، يجربون أسلحة لم يسبق استعمالها  إلا في المناورات ، وكنت على عزم هذه المرة أن لا يكون الأداء الصحفي مثلما حصل في 5 جوان 1967 ، عندما كانت صحفنا العربية تبشر بدخول العرب إلى تل أبيب ، بينما كان غطاء الطيران العربي قد تم تدميره من اليوم الأول.
غادرت البيت مسرعا إلى مقر الجريدة غير بعيد ، وبقيت ثلاثة أيام بلياليها ، أصدرنا خلالها 7 أو 8 طبعات ، وبعكس صحف تونسية كانت تتبجح بانتصار عراقي مؤزر قوامه صواريخ أطلقت على إسرائيل لم  يكن لها إلا تأثير نفسي صغير ، فيما دعت أمريكا تل أبيب لضبط النفس ، وعدم الدخول في الحرب حتى لا يكون لذلك رد فعل عربي إجماعي كان يبحث عنه الرئيس صدام حسين ، اعتبر عدد كبير من القراء تلك الحقائق عن حقيقة ما يجري صادمة ، ولم تبدأ استفاقة الناس إلا بعد أن تأكدت الهزيمة المرعبة في أواخر فيفري 1991 ، متمثلة في الوثيقة التي وقعها الجنرالات العراقيون تحت خيمة في قرية  " صفوان "  العراقية  التي احتلها الأمريكان ، وسوف يعلن صدام حسين بأنه لن يعترف بوثيقة الاستسلام ، وإن كان سيعمل بكل شروطها التي لا نرغب في أن نطلق عليها وصفا  ، لأنه موجع ولو بعد قرابة ثلاثين سنة على توقيعها.
كان الرئيس صدام حسين قد أودع ما بين 200 و250 طائرة حربية تملكها بلاده إلى إيران خوفا عليها من التدمير ، كما جرى في مصر سنة 1967 ، غير أن هذه الطائرات لم تعد قط للعراق ، بل استولت عليها طهران على أساس أنها مقدمة لتعويض ما دمرته حرب السنوات الثمانية بين 1980 و1988 والتي بادر بها العراق ، كما إن الرئيس صدام حسين قرر ونفذ فورا قرارا باقتسام مياه شط العرب مع إيران ، بعد أن كانت الجيوش العراقية قد حررتها بالكامل خلال معارك الفاو ، التي أبرزت تفوق العسكرية العراقية ، وهزيمة إيرانية منكرة.
فيما عدا وثيقة خيمة صفوان ، تم أسر  ما بين 30 و50 ألف من العسكريين العراقيين في الكويت ، عدد منهم من الجنرالات و كبار الأطباء والمهندسين العراقيين ، اقتيدوا إلى مدينة الوفرة  في المملكة العربية السعودية  ، حيث أنشئ لهم معسكر ،  تسنى لنا أن نزوره  الزملاء صلاح الجورشي وسليم الكراي وأنا بعد ذلك بحوالي سنة ، وحيث قالت لنا القيادة السعودية للمعسكر ، إن من تواجدوا فيه في أقصى فترة امتلائه   50 ألف من الأسرى ، ووجدنا كبار الكوادر فيه من جنرالات وأطباء ومهندسين على أهبة المغادرة ،  لدول الاستقبال للاستفادة من خبراتهم العالية ، وكانت تلك البلدان المقصد  هي الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والبلدان السكاندينافية  وفق ما قيل لنا وقتها.
وقد تم ترحيل كبار المرضى والجرحى لتلقي العلاج في عدة دول أوروبية  مشهورة بتحركاتها الانسانية فيما عاد من أراد العودة لبلادهم العراق.
**
الحرب (1) 
**
الاشتباكات الجوية في حرب الخليج الثانية
في مطلع فجر 16 جانفي  من سنة 1991، أي بعد يوم واحد من انتهاء المهلة النهائية التي منحها مجلس الأمن للعراق لسحب قواته من الكويت ، شنت طائرات قوات الائتلاف ( التي وصفت بالمعتدية )  حملة جوية مكثفة وواسعة النطاق شملت العراق كله من الشمال إلى الجنوب حيث قامت بقرابة 109,867 غارة جوية خلال 43 يوم بمعدل 2,555 غارة ( طلعة بالتعبير العسكري )  يومياً ، أستخدم خلالها 60,624 طن من القنابل، الأمر الذي أدى إلى تدمير الكثير من البنى التحتية
. وفي 17 جانفي  من نفس السنة ، قام الرئيس صدام حسين بإصدار بيان معلنا فيه أن "أم المعارك قد بدأت".
و في هذه الحملة الجوية   تم استعمال كميات ضخمة  من القنابل الذكية والقنابل العنقودية وصواريخ كروز
. قام العراق بالرد على هذه الحملات الجوية بتوجيه 7 من صواريخ سكود (أرض أرض) إلى أهداف داخل إسرائيل في 17  جانفي 1991 في محاولة لجر إسرائيل إلى الحرب ،  بالإضافة إلى إطلاق صواريخ سكود على كل من مدينتي الظهران والرياض السعودية ، ومن ضمن أبرز الأهداف التي اصابتها الصواريخ العراقية داخل الأراضي السعودية إصابة منطقة عسكرية أمريكية في الظهران أدت إلى مقتل 28 جندي أمريكي مما أدى إلى عملية انتقامية بعد انسحاب القوات العراقية وقصف القوات المنسحبة في عملية سميت بطريق الموت.
https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/2/27/Tomcats_DS_tanking_DN-ST-91-07919.jpg/160px-Tomcats_DS_tanking_DN-ST-91-07919.jpg
طائرات إف - 14 توم كاتتتزود بالوقود من طائرة كي سي 10 فوق العراق.

كانت المضادات الجوية العراقية فعالة بشكل مفاجئ في مواجهة قوات الائتلاف ، حيث أسقط العراقيون 75 طائرة معادية باستخدام صواريخ أرض جو.  وفي الرياض أصابت الصواريخ العراقية مبنى الأحوال المدنية ومبنى مدارس نجد الأهلية الذي كان خاليا وقتها.
 كان الهدف الأول لقوات الائتلاف هو تدمير قوات الدفاع الجوي العراقي ، لتتمكن بعد ذلك من القيام بغاراتها بسهولة ، وقد تم تحقيق هذا الهدف بسرعة.
كانت معظم الطائرات تنطلق من الأراضي السعودية وحاملات الطائرات الستة المتمركزة في الخليج العربي.
**
شكلت القوة الجوية العراقية في بداية الحملة الجوية خطرا على قوات التحالف.  فقد كانت القوة الجوية العراقية مكونة من 750 طائرة قتالية و 200 طائرة مساندة موزعة على 24 مطار عسكري رئيسي، إضافة إلى دفاعات جوية متطورة و 9000 مدفعية مضادة للطائرات.
بعد تدمير معظم قوات الدفاع الجوي العراقي ، أصبحت مراكز الاتصال القيادية الهدف الثاني للغارات الجوية ، وتم إلحاق أضرار كبيرة بمراكز الاتصال مما جعل الاتصال يكاد يكون معدوما بين القيادة العسكرية العراقية وقطعات الجيش .
قامت الطائرات الحربية العراقية بطلعات جوية متفرقة أدت إلى إسقاط 38 طائرة ميج منها من قبل الدفاعات الجوية لقوات الائتلاف ، وأدرك العراق أن طائراته السوفيتية الصنع ليس بإمكانها اختراق الدفاعات الجوية لقوات التحالف فقامت بإرسال المتبقي من طائراتها ، والبالغ عددها 122 طائرة ( مصادر إيرانية تقول إن عددها 250 طائرة حربية) ، إلى إيران ، كما تم تدمير 141 طائرة في ثكناتها العسكرية.
بعد تدمير الدفاعات الجوية ومراكز الاتصال العراقية ، بدأت الغارات تستهدف قواعد إطلاق صواريخ سكود العراقية ، ومراكز الأبحاث العسكرية والسفن الحربية  ، والقطاعات العسكرية المتواجدة في الكويت ، ومراكز توليد الطاقة الكهربائية ومراكز الاتصال الهاتفي ، ومراكز تكرير وتوزيع النفط والموانئ العراقية والجسور وسكك الحديد ومراكز تصفية المياه.
 وقد أدى هذا الاستهداف الشامل للبنية التحتية العراقية إلى عواقب ، لا تزال آثارها شاخصة إلى حد هذا اليوم
 وتدعي القوات المتحالفة أنها حاولت أثناء حملتها الجوية ، تفادي وقوع أضرار في صفوف المدنيين ، ولكن في 13  فيفري  سنة1991  دمر "صاروخان ذكيانملجأ العامرية الذي أثير حوله جدل كثير، الأمر الذي أدى إلى مقتل أكثر من 315 عراقي معظمهم من النساء والأطفال .
بدأ العراق باستهداف قواعد قوات التحالف في السعودية بالإضافة إلى استهداف إسرائيل ،
 في 29  جانفي  عام 1991 تمكنت وحدات من القوات العراقية من السيطرة على مدينة الخفجي السعودية ، ولكن قوات الحرس الوطني السعودي بالإضافة إلى قوة قطرية تمكنتا من السيطرة على المدينة ، ويرى المحللون العسكريون أنه لو كانت القوة العراقية المسيطرة على الخفجي أكبر حجما ، لأدى ذلك إلى تغيير كبير في موازين الحرب إذ كانت مدينة الخفجي ذات أهمية إستراتيجية ، كونها معبرا لحقول النفط الشرقية للسعودية ،  ولم تكن الخفجي محمية بقوة كبيرة الأمر الذي استغلته القيادة العسكرية العراقية.
وسُميت هذه المعركة باسم معركة الخفجي .
الحملة البرية
https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/5/5d/Operation_Desert_Storm_ar.png/250px-Operation_Desert_Storm_ar.png
خارطة الحملة البرية.
شكل الهجوم البري لتحرير الكويت نهاية حرب الخليج الثانية.
فقد اعتمدت إستراتيجية التحالف على حرب الاستنزاف ، حيث تم اضعاف الجيش العراقي بالحرب الجوية على مدى 43 يوماً.
و تعتبر هذه المواجهة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية ، حيث تواجه نحو مليون جندي ، تصاحبهم الآليات المدرعة وقطع المدفعية مسنودةً بالقوة الجوية.
 حاول العراق في اللحظات الأخيرة تجنب الحرب ، ففي فيفري  سنة 1991 وافق العراق ، على مقترح سوفيتي بوقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي الكويتية خلال فترة قدرها 3 أسابيع ، على أن يتم الإشراف على الانسحاب من قبل مجلس الأمن.
لم توافق الولايات المتحدة على هذا المقترح،  ولكنها "تعهدت" أنها لن تقوم بمهاجمة القطاعات العراقية المنسحبة ، وأعطت مهلة 24 ساعة فقط للقوات العراقية بإكمال انسحابها من الكويت بالكامل.
https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/5/51/IrakDesertStorm1991.jpg/200px-IrakDesertStorm1991.jpg
في الرابعة فجراً من 24  فيفري  من نفس العام  ، بدأت قوات التحالف توغلها في الأراضي الكويتية والعراقية.
فيفري  سنة 1991 بدأ الجيش العراقي بالانسحاب بعد أن أشعل النار في حقول النفط الكويتية ،  وتشكل خط طويل من الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود على طول المعبر الحدودي الرئيسي بين العراق والكويت ، وقصفت قوات التحالف القطعات العسكرية المنسحبة من الكويت إلى العراق مما أدى إلى تدمير ما يزيد عن 1500 عربة عسكرية عراقية ، وبالرغم من ضخامة عدد الآليات المدمرة إلا أن عدد الجنود العراقيين الذين قتلوا على هذا الطريق لم يزد عن 200 قتيل،(؟) لأن معظمهم تركوا عرباتهم العسكرية ولاذوا بالفرار،  سُمي هذا الطريق فيما بعد بطريق الموت أو ممر الموت.
وفي اليوم التالي ، أي 27  فيفري  ، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عن تحرير الكويت بعد 100 ساعة من الحملة البرية ، فقال:
«الكويت أصبحت محررة ، وإن الجيش العراقي قد هزم»
( يتبع )
(1)               هذا القسم من المقال عن الحرب الجوية والصاروخية والبرية منقول عن موسوعة ويكيبيديا