من الذاكرة
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
زلزال 2 أوت 1990 (2)
بيسمارك
وغاريبالدي
والوزير التونسي الذي أبقي
أكثر من 20
يوما في بيته
الصواب /2
أوت /2017
تولى
كل من بيسمارك وغاريبادي توحيد بلديهما ألمانيا وإيطاليا في القرن التاسع عشر بحد
السيف ، هل يكون صدام حسين اعتقد أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه ، فيتمكن من تحقيق
حلم الوحدة العربية بحد السلاح ، ويصبح بيسمارك العرب أو غاريبالدي العرب ، وكانت
خطوته الأولى هي الكويت ، التي اعتقد جازما مثل سلفه عبد الكريم قاسم رئيس العراق
بين 1958 و1964 الذي أطاح به انقلاب بعثي ، فجر فوق رأسه مقر القيادة العامة للجيش
التي التجأ إليها في تلك الأيام من شتاء 1964 ، عبد الكريم قاسم لم يضع خطته موضع
تنفيذ لأنه حسب حساب الربح والخسارة ، واعتقد أنه سيؤدي بالعراق إلى دمار شامل ،
فتراجع عن مقصده ، صدام حسين كان أكثر جرأة فوضع مخططه موضع تنفيذ ، واجتاح في
ساعات الكويت وأطرد عائلة الحكم فيها وظن أن الأمر استقر له ، لعل الغريب أن رئيس
أركان حرب الجيش العراقي ، الذي كان يشرف على وضع الجيش العراقي في حالة طوارئ على
الحدود مع الكويت ، قد قال في مذكراته أنه كان معارضا لاجتياح الكويت وأنه نقل لمسؤولية أخرى ،
وتعقيبا على ذلك كتب أحد المعلقين ما يلي :
وكان الخزرجي يد صدام الضاربة
في الجبهة ولم يكن له رأي سياسي في مسألة عادية فضلاً عن مسألة كبرى مثل احتلال
الكويت الذي جرى بقرار شخصي من صدام حسين نفسه لكنه في مذكراته التي نشرها مركز
أبحاث مرتبط بالديوان الأميري بقطر يقول انه كان من المعترضين على غزو الكويت وان
صدام أقصاه لاحقاً بسبب موقفه هذا ، وهو أمر لا يصدقه عاقل يعرف شيئاً بسيطاً عن
طبيعة نظام صدام لاسيما في التعامل مع قيادات عسكرية تعترض على قراراته.
ومهما يكن من
أمر فالمؤكد أن رئيس أركان الحرب في الجيش العراقي نزار الخزرجي ، لم يكن موافقا
على اجتياح الكويت ، ومن هنا جاء هربه عبر المنطقة الكردية واستقر في دانمارك كما
يذكر في مذكراته.
ولعل صدام
حسين لم يكن يثق بقادة جيشه ، فقد عين ابناه وابن عمه على قيادة القطاعات الشمالية
والوسطى والجنوبية.
**
هل فكر صدام حسين بأن بإمكانه أن يكرر ما فعله
بيسمارك أو غاريبالدي ، ولم يدرك أن الوقت غير الوقت ، وأن التوازنات الدولية أصبح
لها تأثير وأي تأثير ، وأنه لم يعد مسموحا القيام بمغامرة خارج إرادة الكبار.
ولعل الجيش
لم يكن راغبا في دخول حرب يدرك أنها ليست نزهة ، وأن مقدمتها هي اجتياح دولة أخرى.
من بين الحكم
التي يمكن للمرء أن ينقلها عن بورقيبة ، ما قاله وكتبه خلال الحرب العالمية
الثانية ،" أنه لا يجب للقائد أن يقف إلى جانب من يتوقع هزيمته مثل
هتلر."
شخصيا يوم 2 أوت كنت مؤمنا بأمر واحد وهو أن الخطوة
التي أقدم عليها صدام حسين ، باجتياح الكويت لن تمر بسلام ، وأنه إن لم يتراجع
عنها فإنه سيقود بلاده وربما كل العرب إلى واقع مدمر شديد الدمار.
واليوم ومن
هذا الموقع فإني أؤكد أنني أعرف عددا من
الوزراء التونسيين كانوا وعلية القوم في
تونس ، كانوا يصارحونني وقتها بأن الموقف
الرسمي التونسي كان خاطئا .
**
يوم 2 أوت
1990 كان وزير الخارجية التونسي إسماعيل خليل متواجدا في القاهرة ، لحضور اجتماع
لوزراء خارجية دول المؤتمر الإسلامي ، يومها تنادى وزراء خارجية الدول العربية
للاجتماع في ظل الجامعة العربية التي كانت انتقلت حديثا وقبل أسابيع من تونس إلى
مصر ، وأذكر كيف خرج علينا طارق عزيز لعله وزير خارجية العراق وصباح الأحمد الجابر الصباح
وزير خارجية الكويت أيامها وأمير الكويت الحالي ، في بهو البيت الذي يملكه الوزير الكويتي بتونس
حيث تم عقد الاجتماع ، وقد تشابكت منهما الأيدي ، رافعين علامة النصر ، معلنين
والأسف باد على التونسيين وعدد من الوفود العربية الأخرى عن قرار نقل الجامعة من
تونس لمصر.
كانت تبدو
العلاقات العراقية الكويتية في الأوج ، وعند استقبال الرئيس العراقي صدام حسين
لأمير الكويت جابر الأحمد في بغداد في ربيع 1990 ، وصفه بأشرف العرب للموقف الذي
وقفه الكويت مع العراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية وما صرفه من مال وفير لدعم العراق في حرب الثماني سنوات.
واعتمادا على
تقاليد الديبلوماسية التونسية منذ العهد البورقيبي ، فإن إسماعيل خليل الذي لم
يتلق تعليمات من حكومته بادر بالموقف الذي بدا له متماشيا مع طبيعة المواقف
التونسية السائدة ، وقد توليت شخصيا نشر ذلك الموقف في جريدة الصباح ليوم 3 أوت.
ثارت ثائرة
الرئاسة ، وخاطبني محتجا مسؤول فيها ، أعلمني بأن الموقف الرسمي التونسي سيأتيني بعد حين ، وفعلا تقدم
مني بعد دقائق أمني جاء على موتوسيكلات مخصصة بزيه الرسمي ، ورفض أن يسلم الظرف لأي كان
غيري.. أوصلوه إلى مكتبي ولم أستلم الظرف إلا بعد أن اسظهرت ببطاقة التعريف
وأمضيت.
كان الموقف
على عكس الموقف الذي اتخذته الصحيفة ، والموقف الذي اتخذه وزير الخارجية في القاهرة ، وإذ
قيل إنه موقف وسط ، فمن رأيي أنه كان موقفا مواليا لصدام حسين ، وأنه يسير عكس
تيار طبيعة حكمة السياسة الخارجية التونسية كما بناها بورقيبة، إضافة إلى أنه ليس
هناك موقف وسط بالنسبة للعدوان وفقا لكل أعراف العلوم السياسية.
كانت آخر مرة
قابلت فيها الرئيس بن علي يوم 25 جويلية
1990 ، وقد تولى توسيمي شخصيا
بالصنف الثالث من وسام الجمهورية صحبة ثلة
من إطارات الدولة والصحفيين ، وقال لي كلاما في غاية اللطف والمجاملة .
بعدها مرت
عدة سنوات قبل أن يستقبلني مرة أخرى مع ثلة من مديري الصحف ، بشأن المستوى الهابط
للصحافة التونسية ، مؤكدا أن كل شيء في البلاد تطور سوى الصحافة ، وأذكر أنه كان
بين الحاضرين عبد الجليل دمق مدير صحيفة الرأي العام التي استحدثت لتعويض الصباح
المتنطعة ، وكان يشتغل مدير التحرير لصحف دار الصباح ، ومصطفى الخماري مدير تحرير صحف دار الصباح وامحمد بن يوسف عن
تونس هبدو ، وصلاح العامري عن الشروق التي
احتلت المرتبة الأولى بين الصحف التونسية ، وربما اثنين أو ثلاثة آخرين ، وكان هذا
اللقاء مخيبا للآمال من وجهة نظري ، وهو اللقاء الذي كان بداية النهاية لجريدة
الرأي العام التي أنشأها عبد الجليل دمق لامتصاص قراء الصباح ، فقد كتب ما لم يعجب
عبد الوهاب عبد الله والعهدة على صالح الحاجة رئيس تحرير الرأي العام آنذاك ،
فحجبت عنها إعلانات الدولة ، وأعداد وفيرة من الصحيفة التي كانت تشتريها السلطة
لمصالحها وموظفيها.
**
بعد يومين أو
ثلاثة حل إسماعيل خليل وزير الخارجية بتونس ، وصدرت الأوامر بأن لا يستقبله أحد ،
وكنت ضمن أفراد قلائل في استقباله ، وطلب منه أن يلزم بيته في ضاحية سيدي بوسعيد ،
وكنت أتردد عليه ، ولم يعد لمكاتب وزارته
ولا مرة واحدة حسب اعتقادي وقبع في بيته
منتظرا ، حتى جاء يوم 28 أوت 1990 حيث صدر
بلاغ بتعيين الحبيب بوالاعراس وزيرا للخارجية دون ذكر إسماعيل ، خليل ولا إن كان
أقيل أو استقال ، ذاب رجل بقيمة إسماعيل خليل كملح في الماء دون حتى ذكر اسمه
مقالا ، ولعياذ بالله.
ولكن سيلجأ
له بن علي سريعا هو وقاسم بوسنينة لإصلاح ما فسد من علاقات مع الولايات المتحدة و السعودية
..
وتلك قصة
أخرى.
( يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق