بكل هدوء
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
التحدي
دخل علي وهو
أكثر من قريب كان صديقا ، ومعه فتاة في غاية الجمال والأناقة ، تجر فتى أشقر لا
يقل عنها جمالا ، وبدون مقدمات قال صديقي
وهو في غاية الحرج : " لقد جئنا للتو من حضرة سماحة المفتي ، وأعلن
فلان إسلامه حتى يتزوج من ابنتي فلانة" ، مباشرة شرع الشاب في تلاوة الفاتحة
، كما لو كان يريد أن يثبت لي إسلامه ، تولى بسرعة وفي لكنة انقليزية تلاوة
الفلق الشهادتين ، ثم كأنه في سباق تلاوة
قل هو الله أحد ثم سورة الفلق مرة أخرى ،
أوقفته عن المواصلة في صعوبة " ، سألت / وما هو المطلوب مني أ جابني والد
الفتاة : جئنا نريد إشهار إسلام الفتى ، قبل أن نعقد له ، واستظهر بشهادة إسلام ،
لم أكن أيامها من سنة 1974 سوى سكرتير
تحرير ، واحترت في أمري ، ولم يكن لا رئيس التحرير الهادي العبيدي ولا رئيس
التحرير عبد الجليل دمق موجودان ، وكان علي أن أتخذ قرارا ، كان مفهوما لدي أن
الأمر يخص إعلانا مدفوع الثمن ، سألت الصادق الزواوي المدير الاداري والمالي ،
أفادني بأنه لم يسبق ، ولكن بما أن الأمر سليم من الناحية القانونية فإنه لا ماتع
، أفهمته بأن الشخص المعلن صديق دراسة ، فتكرم وأرسل لي ، عونا من قسم الاعلانات
قام بالواجب ، وتم نشر بلاغ في الأمر لأول مرة في جريدة الصباح ، ولقد تكرر الأمر
بعد ذلك عديد عديد المرات ، وحتى تكرر الأمر أسبوعيا ، وأصبح الأمر
يمر مباشرة إلى قسم الاعلانات الذي
يشترط شهادة مؤسسة الافتاء وبطاقة تعريف الأب والفتاة والفتى المعني.
ولقد كنت
أشعر باصطناعية الأمر، واعتبرته نفاقا لا غير.
كان الوزير
الأول الهادي نويرة أصدر في سنة 1973 منشورا يقضي
بعدم إمكانية كتابة عقود الزواج بالنسبة للمسلمات إذا لم يكن الأزواج قد أعلنوا إسلامهم ، وكان وراء ذلك رغبة لحماية
الفتيات وخاصة بعد بدء قيام مصانع قوانين 1972 التصديرية ، بعد أن كثر التغرير بالعاملات
التونسيات من طرف رؤسائهن بزواج أبيض ينتهي بنهاية فترة عمل أعوان التسيير خاصة
الايطاليين في تلك المصانع.
**
تاريخيا ماذا
كان يحدث بين إصدار مجلة الأحوال الشخصية وسنة 1973.
مجلة الأحوال
الشخصية لا يبدو أنها مانعت في زواج المسلمات بغير المسلمين ، ولذلك وطيلة تلك
الفترة كان الأمر متروكا لضباط الحالة
المدنية سواء من رؤساء البلديات أو عدول
الاشهاد ، غير أن جدلا قام بين عدول
الاشهاد حول تأويل الموانع الشرعية الذي نصت عليه المجلة ، وهناك من اعتبرها ممثلة
في زوجة ثانية أو زواج تحت عتبة السن القانونية وغيرها من الموانع التي نصت عليها
مجلة الأحوال الشخصية وهناك من قام بتأويلها بالموانع الدينية فيما رأى البعض أن
الموانع الشرعية هي تلك القانونية ، légales وبالتالي
فكتابة صداق فتاة مسلمة على غير مسلم مسموح به ، ووصل الأمر إلى ساحات المحاكم ،
وقضت بصور مختلفة.
غير أن كثيرا
من عقود الزواج بين المسلمة وغير المسلم كتبت وأصبحت أمرا واقعا ، وانفتح القوسان
بصدور المنشور 73 الذي اعتبره عدد من رجال القانون المختصين في القانون الخاص غير
موفق ولا قانوني ، لأنه يحد من أمر لم تأت به مجلة الأحوال الشخصية ، فيما يرى
آخرون أن للحاكم الحق في أن يقوم بهذا التحديد.
**
من هنا فإن
ما أعلنه رئيس الجمهورية بمناسبة عيد المرأة في 13 أوت الماضي اعتبره الكثيرون
عودة بالأمر إلى نصابه ، ورفع قوسين ما كان ينبغي وضعهما سنة 1973 من طرف السيد
الهادي نويرة بمنشور يأتي في الترتيب بعد الدستور والمعاهدات الدولية والقوانين
الأساسية والأوامر وحتى القرارات الصادرة عن رئاسة الحكومة.
فيما اعتبره
آخرون تحديا لما جاء في القرآن ، وهات يا تأويلات وتأويلات معاكسة ، ولقد أدلى
الدكتور الصادق بلعيد وهو من هو علما قانونيا وتشريعيا أدلى بدلوه معتبرا بتلخيص شديد أن القرآن لم يمنع زواج
المسلمة بالكتابي لأنه ليس مشركا ، ما يوحي أن زواجها برجل من ديانة غير سماوية لا
يصح ، وهو تأويل يرفضه آخرون اعتمادا من جهة على نص الدستور ، وتأكيدا للحرية
الشخصية للمرأة كما الرجل في شأن أخص ما يخصها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق