Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 12 أغسطس 2017

من الذاكرة : الزلزال :نتائج التفرد بالرأي

من الذاكرة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
زلزال 2 أوت 1990 (5)
مغامرة غير محسوبة العواقب
الصواب / 02/08/2017
في 18 أكتوبر 2016 أجرت صحيفة "القدس العربي " حديثا مع عزت الدوري أحد أقرب الشخصيات للرئيس العراقي الراحل صدام حسين ، وهو حديث مسجل بالفيديو وقد جرى تأكيده autentification   اعتذر فيه للكويتيين عن اجتياح بلادهم وإن حاول إيجاد تبريرات لذلك.
وفي ما يلي السؤال والإجابة :
٭ كمشارك في قرار دخول الكويت، العديد من المراقبين يرون أن هذه الخطوة كانت سببا فيما آل إليه العراق. ما هو تعليقكم؟ وماذا تقول للكويتيين؟
٭ أقول لك باختصار وبصراحة البعث وبوضوح عقيدته ومبادئه إن دخول الكويت يمثل جوهر المؤامرة على العراق والأمة، اشتركت في صناعته كل القوى المعادية للأمة وعلى رأسها إسرائيل وأمريكا وإيران الصفوية والنظام العربي برمته وفي مقدمة العرب المتآمرين (حسني مبارك وحكومة الكويت وحافظ الأسد)، أستدرجت قيادة العراق إليها استدراجاً وإنها تمثل بالنسبة لقيادتنا، وأنا منهم، خطيئة كبيرة ومبدئية واستراتيجية وأخلاقية سوف لن تمحى من تاريخ الأمة إلا بقيام وحدتها الكبرى. وأما تفاصيل هذه الخطأ والخطيئة ستظهر إن شاء الله قريبا في دراسة وتقييم التجربة لمسيرة الخمس والثلاثين عاما بعد المصادقة عليها في أول مؤتمر قطري وأسأل الله أن يكون قريباً. واعلم أننا في القيادة وفي كادر الحزب المتقدم وأنا في مقدمتهم نكنُ كل الحب والتقدير لشعبنا العربي الكويتي وأننا نعتذر لهذا الشعب العربي الأصيل ألف مرة عن ما أصابه من ضرر. وأقول هذا رغم أن الامور، وخاصة الكبيرة والتاريخية، يتم تقييمها وفق ظروفها ومرحلتها وليس خارجها، ولكن التقييم سيظهر، ويظهر معه حجم المسؤولية التي تتحملها الأطراف الأخرى التي أشرنا لها وهم الحكومات العربية المتآمرة، وستجد أن القيادة العراقية أُجبرت ودُفعت دفعاً لدخول الكويت ولكن هذا لا يعفيها من المسؤولية اطلاقاً
**
للواقع أن هناك أسبابا موضوعية قد تكون دفعت صدام حسين على دخول هذه المغامرة ، وهي مغامرة غير محسوبة العواقب وتدل في أفضل الأحوال عن مراهقة سياسية ، كما إنها النتيجة الطبيعية لغياب الديمقراطية والتفرد بالقرار.
وللواقع فإن بغداد وبعد انتصار الفاو وهزيمة إيران في حرب الثماني سنوات ، ما دفع الإمام الخميني للقول بأنه " يوقف الحرب ومرارة السم في فمه " ، وجدت نفسها في حالة اختناق كامل ، فقد انهار سعر البترول إلى 10 أو 12 دولارا ، بعد أن كان يتراوح بين 40 و50 دولارا ، ووجد الرئيس صدام حسين نفسه في حالة عجز عن سداد ديون الحرب ، ومواجهة احتياجات شعبه ، وخاصة عائلات شهداء تلك الحرب وجرحاها الذين يبلغ تعدادهم مئات الآلاف ممن أصبحوا معاقين امتلأت بهم شوارع بغداد والمدن الكبرى يبحثون عن مورد رزق لم تستطع أن توفره لهم دولة ، كانت في بحبوحة من العيش ورغده قبل أن تدخل في مغامرة الحرب الخليجية الأولى ، والتي كان الرئيس صدام حسين يعتقد أنها ستكون مجرد نزهة تدوم أياما ، فإذا بها تدوم ثماني سنوات وتأتي على مقدرات الشعب العراقي وثرواته ، وتدفعه بعد الثراء المفرط إلى ما تحت عتبة الفقر.
ويتهم الرئيس صدام حسين الدول البترولية بعد أن كان متحالفا معها بخنقه ، فأطلق كلمته الشهيرة قطع الأرزاق يساوي القتل ، واتجهت اتهاماته بالذات للكويت والإمارات والسعودية التي رجاها أن تقلل من إنتاجها البترولي لعل ذلك ينتج ارتفاعا في الأسعار يعطيه فرصة زيادة موارده ، ولكن تلك الدول وغيرها مثل إيران وليبيا والجزائر ونيجيريا وإندونيسيا وفنزويلا امتنعت عن تقليص إنتاجها ، لأن احتياجاتها من المال كبيرة وهي تعوض انخفاض سعر البترول بزيادة الكميات المنتجة  ، فضلا عن أنها تتعلل كلها بأن سقف الانتاج تحدده منظمة الأوبيك وكل خفض في كميات الانتاج بالسعر المعمول به آنذاك يعني نقصا فادحا في مواردها، ولم يكن للعراق وقتها قدرة مرونة على زيادة إنتاجه ، فقد تضررت منابع نفطه كثيرا أيام حرب الثماني سنوات ، ونال منها ومن قدرتها الانتاجية  تلك الصواريخ الإيرانية التي قدمها العقيد القذافي للملالي في إيران ، حيث كان هو ونظام حافظ الأسد السوري يؤيدان إيران ضد العراق، القذافي من منطلق خالف تعرف وسوريا من منطلق مساندة النظام الشيعي ، على اعتبار أن سوريا كانت تحكمها وما زالت طغمة من العلويين الشيعة بكل ما أتته من فضائع .
وجد الرئيس صدام حسين  نفسه مرتهنا ، و مما زاد الأمر سوء  أن حكومة الكويت أكبر ممول له أيام الحرب ضد إيران ، طالبته لا بكل ما دفعته ، ولكن بجزء يسير منه وفورا ،  وهي التي كانت نفسها في ورطة مالية ، بسبب انهيار أسعار البترول ، وقد اعتقد الرئيس العراقي أن احتلال الكويت سيمكنه من فائض انتاجي بترولي يخفف عليه العبء ، أضف إلى ذلك ما قالته له السفيرة الأمريكية "قروسبي " ما اعتبره في قراءة سطحية غير معمقة إطلاق يده لاحتلال  الكويت ، ولما كان هو صاحب القرار الأوحد ، فقد أقدم  على خطوة من المؤكد أنه لم يقرأ عواقبها ، وما كان هناك من يردعه عنها ، لأن لا أحد في محيطه وخارج محيطه كان يجرؤ على معارضة قراره أو حتى تخفيفه .
**
اندفع على طريق منزلق خطير ، كان واضحا أنه سيؤدي به وبالعراق ، والعرب جميعا إلى التهلكة ، وكل من كان له إدراك سياسي كان يعرف ويدرك العاقبة ، وهو ما تنبهنا إليه ونبهنا إليه من اليوم الأول على أعمدة جريدة الصباح .
دفع بقوة ضخمة إلى الكويت فاحتلها بالكامل في 48  ساعة ، وبدا له أن أمرها قد استقر له ، وأنه سيبدأ في استغلال نفطها الذي كان يقارب في حجمه ما ينتجه العراق.
واعتقد الرئيس صدام حسين أن الخطة التي رسمها ستمكنه من السيطرة السريعة معتمدا خطة عسكرية دقيقة وناجعة ، ولكن ما لم يقرأ له حسابا هو أن العمل العسكري ، إنما هو ممارسة للسياسة بشكل عنيف ، ولذلك فلا بد أن يضمن القائد لا فقط نجاح الهجوم العسكري ، بل وخاصة نجاح ما يحيط به من عمل سياسي ، لا يفسد نتائج العمل العسكري.
قامت خطة صدام حسين على النحو التالي كما وصفتها مختلف المصادر التي رجعنا إليها ، استلهاما منها ، فنحن لا نحسن لا الإستراتيجيا العسكرية ولا التكتيك العسكري ولا ما يحيط بهما من تحركات سياسية:
**
تقوم خطة الغزو العراقية على مهاجمة الأراضي الكويتية عبر 4 محاور رئيسية بواسطة 7 فرق عسكرية من قوات الحرس الجمهوري وهي الأفضل تسليحا وتدريبا ضمن القوات المسلحة العراقية.

**
في الساعة 02:30 من فجر يوم 2 أغسطس هاجمت كتيبة مشاة بحرية عراقية مدعمة بالدبابات جزيرة بوبيان من الجنوب وكان بالجزيرة حامية عسكرية كويتية وهاجمت أيضاً القوات العراقية جزيرة فيلكا و اشتبكت مع حاميتها.
في العاصمة أنزلت قوات جوية وبحرية في ساعات الغزو الأولى ودارت اشتباكات حول قصر دسمان مع قوات الحرس الأميري ، في الجهراء (29 كم غرب العاصمة) اشتبكت ألوية الجيش مع القوات المتقدمة في معارك غير متكافئة مثل معركة جال اللياح ومعركة جال المطلاع  ومعركة الجسور وجال الأطراف وبحلول نهاية يوم الثاني من أغسطس كانت القوات العراقية قد سيطرت على غالب الأراضي الكويتية عدا جزيرة فيلكا التي ظلت حاميتها العسكرية تدافع عنها حتى فجر اليوم الثالث من شهر أوت .
(يتبع )





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق