من الذاكرة
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
يوم 2 أوت 1990
إنطلاقة الدمار العربي
تونس الصواب /02/08/2017
بعد أن ضاع مني أول أيام إجازتي
السنوية ، الأولى منذ 1988 التي منيت النفس بقضائها كاملة على شاطئ البحر ، فقد
اشتغلت شغل الجبابرة لوضع لمساتي على الصحيفة الأولى في تونس "الصباح "
من ذلك الأمل الذي حطمته السلطة القائمة بتحويل الصباح إلى جريدة دولية ، استيقظت
صباح 2 أوت الباكر على أمل أن أنزل للبحر قبل أن أجلس لتناول فطور الصباح على
الفيراندا المزهرة ،،،
فتحت الراديو على الـ ب ب س فهالتني
المفاجأة ،، اجتياح العراق للكويت ، وهرب العائلة الحاكمة وكبار المسؤولين
للسعودية واحتلال بالكامل لكل تراب الدولة الكويتية.
انقلبت البرامج تماما ، وبعد أكلة
سريعة واقفا ، أخذت سيارتي متجها إلى مكتبي في الجريدة ، وسؤال حائر هل هي بداية
مغامرة غير محسوبة العواقب ، أم إن حمارا سائبا عض قرعة على رأي مثلنا التونسي ،
بعد ثلاثة أرباع الساعة كنت في مكتبي ،، كان ذلك قبل الثامنة صباحا ،، ولم أعد إلا
بعد يومين إلى مسكني.
كنت أستذكر وكأن ذلك حدث بالأمس ما
حصل في مارس 1963 ، عندما بدا لعبد الكريم قاسم رئيس العراق آنذاك من تصميم على
غزو الكويت في أعقاب إعلان استقلالها ، غير أن موقف دولتين ورئيسين عربيين كان
رادعا ، فقد أعلن بورقيبة أنه لن يسمح باجتياح الكويت ، على اعتبار أن الكويت هي
كيان قائم الذات ومعترف به منذ بداية القرن الثامن عشر ، وأعلن عبد الناصر من القاهرة أن الكويت دولة ذات
سيادة ، وأنه لن يكون مسموحا لأحد بأن يمس منها ، وأنه كفيل بحمايتها ، وكانت مصر
وقتها قوة يقرأ لها كل حساب قبل أن تمنى بهزيمة 1967 المدوية ، وعقب ذلك موقف
مشابه من بريطانيا الدولة الحامية قبل إعلان استقلال الكويت في 28 فيفري 1963
والولايات المتحدة ، واتخذت الجامعة العربية قرارا اجماعيا إلى جانب دولة الكويت ،
ولم يقف إلى جانب عبد الكريم قاسم دوليا سوى الاتحاد السوفييتي والأقمار الدائرة
في فلكه ،
وإذ لم يكن لموقفها وزن يذكر فإن فيتو موسكو مع فيتو بيكين
عرقل لفترة حصول الكويت على عضوية الأمم المتحدة .
ذكرت هذا وبيدي الوثائق التي وفرها لي
قسم الدراسات والتوثيق الذي كنت بادرت بتركيزه والإشراف عليه ، منذ استلمت رئاسة التحرير
الأولى في الجريدة ، والذي تم التفريط فيه وفي الآلاف من كتبه ووثائقه بمجرد طردي
من دار الصباح في 4 سبتمبر 2000 ، كما استقدمت ما أمكن لي استقدامه من تاريخ
المنطقة والتي تثبت ما تثبت بشأن دولها وتاريخ قيام دولها.
في ذلك الصباح لم يكن يخطر في بالي
مطلقا ، أن هناك ، مَن سواء في الجريدة ، أو سواء خارجها ، من سيؤيد اجتياح دولة
لدولة أخرى في أواخر القرن العشرين ، فضلا على أن هذه الدولة المعتدى عليها عضو في
الأمم المتحدة ، وفي جامعة الدول العربية ، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي ، وتجمعها
مع العراق كما غيرها من الدول العربية معاهدة للدفاع المشترك ، تقتضي من كل دولة
عربية وجوب الدفاع على أي دولة أخرى تكون عرضة لمحاولة احتلال خارجي ، أو عدوان
مسلح .
و لقد استطعت أن أقنع أو أنهم كانوا
مقتنعين ذاتيا كل المجموعة ، باستثناء عبد السلم الحاج قاسم رئيس تحرير الصباح
الأسبوعي الذي قدرت أنه كان متأثرا بمواقف أصدقائه الفلسطينيين ، وسيظهر في ما بعد
أن الزعيم ياسر عرفات ، وهو الذي أطلق الثورة الفلسطينية المسلحة في عام 1965 من
الكويت هو و أو إياد وأبو جهاد ، بينما كان أبو مازن ( الرئيس الفلسطيني الحالي
مقيما في قطر ) كان إذن ياسر عرفات من أشد
مؤيدي صدام حسين ورفع يده متشابكة معه مع علامة النصر ، واعتقد جازما أن تحرير
القدس يمر عبر الكويت وهو ما لم يكن يشاطره فيه أبو إياد الذي عبر لي شخصيا عن
موقفه المناهض لموقف عرفات ، ولا أبو مازن الذي ضمن كتابا أصدره مباشرة بعد حرب
الخليج الثانية عبارة تفيد " كيف لشعب يسعى لتحرير أرضه أن يقبل باحتلال أرض
دولة أخرى .
أما الرقم الصعب فكان صالح الحاجة ،
الذي كان مؤمنا بأن الكويت مقتطعة من
العراق ، وما حصل هو عودة الفرع للأصل وفي كل الأحوال فإن ذلك هو خطوة نحو الوحدة
العربية.
وكان من الطبيعي من وجهة نظري ، أن
يكون الموقف الذي ستتخذه الدار هو موقف عدم الموافقة على عمل عدواني أتته دولة
عربية تجاه دولة عربية أخرى وبالتالي ، وإن تركت لرؤساء التحرير فرصة نشر مواقف
معاكسة لذلك ، ولكن ليس باسم الدار أو مقالات مسؤوليها وبدا لي
اليوم وبعد قرابة 30 سنة أن ذلك كان تعسفا
على حقهم في التعبير في صحفهم.
( يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق