Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 21 ديسمبر 2019

بكل هدوء

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
صف الخاسرين
تونس / الصواب /22/12/2012
حرص بورقيبة دوما بإعلان أو بدون إعلان ، ليكون في صف الرابحين les gagnants  سواء عن قناعة أو لحسابات سياسية وحتى ماكييفيلية، وأورث الديبلوماسية التونسية هذا التوجه ، وأعطى انطباعا بأنه على حق دوما ، حتى عندما لم يكن على حق ، ونحن اليوم في تونس في مفترق طرق ، على بلادنا أن تختار لتكون في صف المنتصرين أو المهزومين. هذا إذا ما زال متاحا ذلك.
أقول هذا الكلام ونحن في قلب المعمعة ولم نعد خارجها ، كما أوهمنا أنفسنا على مدى سنوات ، بشأن ما يحدث في ليبيا ، وعندما كان على تونس أن تكون على الحياد في أدنى الأحوال ، فإن حكامها وجانب من شعبها ، اختارا أن يقفا إلى جانب الميليشيات الإسلاموية ، على حساب القوة الحقيقية التي كانت مستعدة لتسيطر على ليبيا .
 منذ 4 أفريل الماضي شن جيش حفتر عملية أسميت بالجراحية للسيطرة على طرابلس ، وحفتر هو عسكري ليبي عرف الهزائم على يد الجيش الفرنسي في تشاد في منتصف الثمانينيات ، عندما أراد العقيد القذافي أن يلحق نجامينا العاصمة بإمبراطوريته الأفرو عربية ، فهبت باريس لنجدة مستعمرتها السابقة ، واذاقت جيش معمر الويلات ، وأطردته بعد أن استولت على عدد كبير من الأسرى ، كان من بينهم الكولونيل ( وهي أعلى رتبة في الجيش الليبي حتى لا يكون أحد في صفوفه أعلى من القذافي نفسه ) .
 يبدو أن الولايات المتحدة استنجبت أسير فرنسا ، فانتدبته لمهام محتملة ، ونقلته إلى واشنطن ، وبعد ثورة مارس في ليبيا وجد نفسه على رأس طغمة قليلة ، تم تكليفها من طرف الغرب للسيطرة على المنطقة الشرقية في انتطر أيام أفضل ، غير أن الأسير السابق وجد نفسه في نفس المنطقة التي انتقل إليها البرلمان المنتخب  في سنة 2013 في كامل البلاد ، والذي أطردته ميليشيات الإخوان على اختلاف مشاربها  من العاصمة طرابلس ، لتفرض نفسها بقوة السلاح ، وخارج إطار شرعية الصندوق الانتخابي كسيدة في طرابلس .
من هنا وجد حفتر نفسه متمتعا بشرعية ، أضفاها عليه برلمان منتخب كان مفترضا أن يتسلم السلطة في طرابلس ، ويشكل جكومة مناوئة للإخوان ولكن حيل بينه وبين الواقع.
نظريا فإن حفتر لا قوة شرعية ولا يتمتع حتى بالمشروعية ، إلا عبر برلمان وسلطة منتصبة في الشرق الليبي ليس لها عليه لا دالة ولا سلطة.
ووجد العالم نفسه في بلد واحد أمام شرعيتين ، شرعية من الخارج أي من الأمم المتحدة ،  أضفتها على مجلس رئاسي عين على رأسه السراج في طرابلس بمهمة أساسية هي تصفية الميليشيات وإعادة قيام الدولة الليبية الموحدة ، وشرعية ثانية ممثلة في برلمان منتخب ولكنه مطرود من عاصمة بلاده ، بفعل تلك الميليشيات الاسلاموية، وعوض أن يقوم السراج بتصفية الميليشيات ، أصبح خاضعا لها وأصبحت تعتبر نفسها هي الدولة الليبية، ولم تكن الأمم المتحدة لتعطي السراج الوسائل التي تمكنه من أداء المهمة التي كلف بها ، أمميا فسقط بين براثن الميليشيات ، وبات أسيرا لها واستمرأ ذلك الوضع.
حفتر الذي تولى تصعيد نفسه من كولونيل إلى ماريشال ( أفضل من موبوتو في كينشاسا من سرجان إلى ماريشال ، وبوكاسا من أقل من سرجان إلى ماريشال ) وجد العون من الدول المضادة للاسلام السياسي ، مثل الامارات والسعودية ومصر وإلى حد ما فرنسا ، ما وضع السراج وميليشياته في حماية قطر وتركيا وإلى حد ما إيطاليا ، علما وأن لكل مصالحه الخفية ، ومنها استثمارات ب18 مليار دولار لتركيا ما قبل نهاية القذافي  ،الذي كان صديقها تريد أن تسترجعها أو تعيد وهجها ، وإيطاليا التي تغمز لبترولها وغازها في المنطقة الغربية ، وفرنسا التي تغمز من جهتها لشركاتها البترولية في الشرق الليبي ، وكلا الطرفين ، وحتى غيرها مثل مصر والإمارات ، ولكن خاصة الولايات المتحدة وروسيا ، كلها تنظر بعين الطمع باستغلال جانب من عائدات إعادة الإعمار، التي ستتكلف في أقل التقديرات بـ270 مليار دولار ، ستدفع من الأموال الليبية متى انتهى أتون الحرب المشتعلة.
تونس وحدها هي التي لم تبحث عن مصلحتها ، فيما الجزائر التي عاشت خلال أشهر عديدة على حافة بركان،  لم تعرف لا هي الأخرى مصلحتها  وانشغلت عنها بوضع داخلي متفجر لا يعرف أحد متى يسترجع توازنه ، ولذلك كان انخراط تونس بلا مواربة إلى جانب السراج وميليشياته الاسلاموية إرضاء للنهضة، فيما عدا سنة 2014 عندما تولى مهدي جمعة رئاسة الحكومة ،  ومنجي حمدي وزارة الخارجية ، حيث حاولا بأكثر أو أقل توفيقا ، الوقوف على حياد لم يكن ليرضي لا هذا الطرف ولا ذاك.
أين هو الوضع اليوم ؟
 وهل وقع حساب الربح والخسارة ، فيما عليه الموقف التونسي وهو ما يهم في المحصلة البلاد ، وشعب الجنوب الذي كان أكبر المتضررين من الحاصل في ليبيا.
غالب المراقبين عبر العالم يقولون إن حفتر يسيطر على ما بين 80 و85 في المائة من الرقعة الليبية ، وإذا تركنا أقوال هؤلاء وأولئك من المتواجهين ، واطلعنا على تقارير الصحافة والتلفزيونات المتسمة عادة بنقل أخبار موضوعية ، فإن الخناق قد ضاق ضيقا شديدا حول السراج وميليشياته ، يبرهن على ذلك جري السراج السريع وراء تحالف مع تركيا بقصد إنجاده ، وهو اتفاق في نظر شراح القانون غير قانوني ، لأنه ليس صادرا عن حكومة تتمتع بالسيادة على أرضها ، ولا يمكن اعتبارها دولة بالمفهوم القانوني والواقعي للدولة ، ومهمة السراج التي كلفته بها الأمم المتحدة لا تسمح له باتخاذ مثل هذه الخطوات.
غير أن التبادلات القانونية والسيادية لم تعد هي الفيصل اليوم ، وبعد التطورات على ساحة المعارك ، بل وكما قال هتلر وللأسف ، فإن الحق بات في أفوه المدافع.
وإذ يمكن للمرء أن يستنتج أمرا ، فهو أنه من المستحيل على حفتر ، أن يحتل قلب طرابلس ، إلا إذا لجأ لقوة كاسحة تؤدي لقتل المئات وحتى الآلاف لتشابك ما هو أهداف عسكرية بالمدنيين ،  في عاصمة مثل طرابلس ، ولكن ومن جهة أخري إن حكومة يضيق عليها الطوق لهذه الدرجة ، لا يمكن أن تستمر طويلا ، هذا إذا كانت لها شرعية شعبية علما ، وأن حتى المفتي الغرياني وهو من هو تأثيرا معنويا في ليبيا ،  قد انقلب وهو من أشد أنصار السراج ، إلى تأييد حفتر الذي يسميه  الآن سيدي المشير.
ولعل مؤتمر برلين في الأيام الأولى من جانفي ، سيفرض على ليبيا حلا ترعاه أوروبا الغربية والولايات المتحدة وروسيا ومصر والامارات ، لفائدة الذين يسيطرون على الأرض أو غالب الأرض ، ويقع "اقتصاد" مجزرة في طرابلس.
**
كلمة أخيرة ... لك الله يا تونس في اختياراتك الاستراتيجية الخاطئة ، فإذا بات حفتر على أبوابنا ، هل ما زالت تكون  ليبيا مفتوحة لعمالنا ، ولشركات مقاولاتنا ، وللتجارة البينية التي كانت مزدهرة في زمن سابق ؟ هذا فضلا عن عداء كامن قد لا يظهر للعلن ولكنه باق تحت السطح يؤثر تأثيرا كبيرا.
هذا عدا التداعيات السياسية المحتملة نتيجة التطورات الآتية ؟؟؟؟

بكل هدوء : الأيام الصعبة في علاقة بما يجري في ليبيا

بكل هدوء

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
صف الخاسرين
تونس / الصواب /22/12/2012
حرص بورقيبة دوما بإعلان أو بدون إعلان ، ليكون في صف الرابحين les gagnants  سواء عن قناعة أو لحسابات سياسية وحتى ماكييفيلية، وأورث الديبلوماسية التونسية هذا التوجه ، وأعطى انطباعا بأنه على حق دوما ، حتى عندما لم يكن على حق ، ونحن اليوم في تونس في مفترق طرق ، على بلادنا أن تختار لتكون في صف المنتصرين أو المهزومين. هذا إذا ما زال متاحا ذلك.
أقول هذا الكلام ونحن في قلب المعمعة ولم نعد خارجها ، كما أوهمنا أنفسنا على مدى سنوات ، بشأن ما يحدث في ليبيا ، وعندما كان على تونس أن تكون على الحياد في أدنى الأحوال ، فإن حكامها وجانب من شعبها ، اختارا أن يقفا إلى جانب الميليشيات الإسلاموية ، على حساب القوة الحقيقية التي كانت مستعدة لتسيطر على ليبيا .
 منذ 4 أفريل الماضي شن جيش حفتر عملية أسميت بالجراحية للسيطرة على طرابلس ، وحفتر هو عسكري ليبي عرف الهزائم على يد الجيش الفرنسي في تشاد في منتصف الثمانينيات ، عندما أراد العقيد القذافي أن يلحق نجامينا العاصمة بإمبراطوريته الأفرو عربية ، فهبت باريس لنجدة مستعمرتها السابقة ، واذاقت جيش معمر الويلات ، وأطردته بعد أن استولت على عدد كبير من الأسرى ، كان من بينهم الكولونيل ( وهي أعلى رتبة في الجيش الليبي حتى لا يكون أحد في صفوفه أعلى من القذافي نفسه ) .
 يبدو أن الولايات المتحدة استنجبت أسير فرنسا ، فانتدبته لمهام محتملة ، ونقلته إلى واشنطن ، وبعد ثورة مارس في ليبيا وجد نفسه على رأس طغمة قليلة ، تم تكليفها من طرف الغرب للسيطرة على المنطقة الشرقية في انتطر أيام أفضل ، غير أن الأسير السابق وجد نفسه في نفس المنطقة التي انتقل إليها البرلمان المنتخب  في سنة 2013 في كامل البلاد ، والذي أطردته ميليشيات الإخوان على اختلاف مشاربها  من العاصمة طرابلس ، لتفرض نفسها بقوة السلاح ، وخارج إطار شرعية الصندوق الانتخابي كسيدة في طرابلس .
من هنا وجد حفتر نفسه متمتعا بشرعية ، أضفاها عليه برلمان منتخب كان مفترضا أن يتسلم السلطة في طرابلس ، ويشكل جكومة مناوئة للإخوان ولكن حيل بينه وبين الواقع.
نظريا فإن حفتر لا قوة شرعية ولا يتمتع حتى بالمشروعية ، إلا عبر برلمان وسلطة منتصبة في الشرق الليبي ليس لها عليه لا دالة ولا سلطة.
ووجد العالم نفسه في بلد واحد أمام شرعيتين ، شرعية من الخارج أي من الأمم المتحدة ،  أضفتها على مجلس رئاسي عين على رأسه السراج في طرابلس بمهمة أساسية هي تصفية الميليشيات وإعادة قيام الدولة الليبية الموحدة ، وشرعية ثانية ممثلة في برلمان منتخب ولكنه مطرود من عاصمة بلاده ، بفعل تلك الميليشيات الاسلاموية، وعوض أن يقوم السراج بتصفية الميليشيات ، أصبح خاضعا لها وأصبحت تعتبر نفسها هي الدولة الليبية، ولم تكن الأمم المتحدة لتعطي السراج الوسائل التي تمكنه من أداء المهمة التي كلف بها ، أمميا فسقط بين براثن الميليشيات ، وبات أسيرا لها واستمرأ ذلك الوضع.
حفتر الذي تولى تصعيد نفسه من كولونيل إلى ماريشال ( أفضل من موبوتو في كينشاسا من سرجان إلى ماريشال ، وبوكاسا من أقل من سرجان إلى ماريشال ) وجد العون من الدول المضادة للاسلام السياسي ، مثل الامارات والسعودية ومصر وإلى حد ما فرنسا ، ما وضع السراج وميليشياته في حماية قطر وتركيا وإلى حد ما إيطاليا ، علما وأن لكل مصالحه الخفية ، ومنها استثمارات ب18 مليار دولار لتركيا ما قبل نهاية القذافي  ،الذي كان صديقها تريد أن تسترجعها أو تعيد وهجها ، وإيطاليا التي تغمز لبترولها وغازها في المنطقة الغربية ، وفرنسا التي تغمز من جهتها لشركاتها البترولية في الشرق الليبي ، وكلا الطرفين ، وحتى غيرها مثل مصر والإمارات ، ولكن خاصة الولايات المتحدة وروسيا ، كلها تنظر بعين الطمع باستغلال جانب من عائدات إعادة الإعمار، التي ستتكلف في أقل التقديرات بـ270 مليار دولار ، ستدفع من الأموال الليبية متى انتهى أتون الحرب المشتعلة.
تونس وحدها هي التي لم تبحث عن مصلحتها ، فيما الجزائر التي عاشت خلال أشهر عديدة على حافة بركان،  لم تعرف لا هي الأخرى مصلحتها  وانشغلت عنها بوضع داخلي متفجر لا يعرف أحد متى يسترجع توازنه ، ولذلك كان انخراط تونس بلا مواربة إلى جانب السراج وميليشياته الاسلاموية إرضاء للنهضة، فيما عدا سنة 2014 عندما تولى مهدي جمعة رئاسة الحكومة ،  ومنجي حمدي وزارة الخارجية ، حيث حاولا بأكثر أو أقل توفيقا ، الوقوف على حياد لم يكن ليرضي لا هذا الطرف ولا ذاك.
أين هو الوضع اليوم ؟
 وهل وقع حساب الربح والخسارة ، فيما عليه الموقف التونسي وهو ما يهم في المحصلة البلاد ، وشعب الجنوب الذي كان أكبر المتضررين من الحاصل في ليبيا.
غالب المراقبين عبر العالم يقولون إن حفتر يسيطر على ما بين 80 و85 في المائة من الرقعة الليبية ، وإذا تركنا أقوال هؤلاء وأولئك من المتواجهين ، واطلعنا على تقارير الصحافة والتلفزيونات المتسمة عادة بنقل أخبار موضوعية ، فإن الخناق قد ضاق ضيقا شديدا حول السراج وميليشياته ، يبرهن على ذلك جري السراج السريع وراء تحالف مع تركيا بقصد إنجاده ، وهو اتفاق في نظر شراح القانون غير قانوني ، لأنه ليس صادرا عن حكومة تتمتع بالسيادة على أرضها ، ولا يمكن اعتبارها دولة بالمفهوم القانوني والواقعي للدولة ، ومهمة السراج التي كلفته بها الأمم المتحدة لا تسمح له باتخاذ مثل هذه الخطوات.
غير أن التبادلات القانونية والسيادية لم تعد هي الفيصل اليوم ، وبعد التطورات على ساحة المعارك ، بل وكما قال هتلر وللأسف ، فإن الحق بات في أفوه المدافع.
وإذ يمكن للمرء أن يستنتج أمرا ، فهو أنه من المستحيل على حفتر ، أن يحتل قلب طرابلس ، إلا إذا لجأ لقوة كاسحة تؤدي لقتل المئات وحتى الآلاف لتشابك ما هو أهداف عسكرية بالمدنيين ،  في عاصمة مثل طرابلس ، ولكن ومن جهة أخري إن حكومة يضيق عليها الطوق لهذه الدرجة ، لا يمكن أن تستمر طويلا ، هذا إذا كانت لها شرعية شعبية علما ، وأن حتى المفتي الغرياني وهو من هو تأثيرا معنويا في ليبيا ،  قد انقلب وهو من أشد أنصار السراج ، إلى تأييد حفتر الذي يسميه  الآن سيدي المشير.
ولعل مؤتمر برلين في الأيام الأولى من جانفي ، سيفرض على ليبيا حلا ترعاه أوروبا الغربية والولايات المتحدة وروسيا ومصر والامارات ، لفائدة الذين يسيطرون على الأرض أو غالب الأرض ، ويقع "اقتصاد" مجزرة في طرابلس.
**
كلمة أخيرة ... لك الله يا تونس في اختياراتك الاستراتيجية الخاطئة ، فإذا بات حفتر على أبوابنا ، هل ما زالت تكون  ليبيا مفتوحة لعمالنا ، ولشركات مقاولاتنا ، وللتجارة البينية التي كانت مزدهرة في زمن سابق ؟ هذا فضلا عن عداء كامن قد لا يظهر للعلن ولكنه باق تحت السطح يؤثر تأثيرا كبيرا.
هذا عدا التداعيات السياسية المحتملة نتيجة التطورات الآتية ؟؟؟؟

الأحد، 15 ديسمبر 2019

الموقف السياسي : كل الأخطار محدقة

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
على أعتاب سنة جديدة
تونس تطل على كل الأخطار
ما عاد يفصلنا عن العام الجديد إلا أقل من نصف شهر أو يكاد، فكيف ستواجه تونس عام 2020 وماذا ينتظرها .
أخطار داخلية محفوفة بتحديات كبرى سواء على الجانب السياسي أو الجانب الاقتصادي الاجتماعي ، ففي المجال السياسي ليس من محلل اليوم يمكن له أن يجزم بما سيحصل بشأن تشكيل الحكومة ، خلال الأسابيع المقبلة وما هي أغلبية الـ 109 نواب الذين سيصوتون لها للمرور دون أن تكون لها الأدوات التي تمكنها من حقيقة الحكم ، الذي يتطلب ثلثي نواب المجلس البرلماني ، إزاء رجل اتضح أنه من النهضة وإن لم يكن قياديا فيها ، وكل الدلائل تشير إلى ذلك ، بما فيها وأهمها القائمة الرسمية لحكومة حمادي الجبالي سنة 2012 التي نشرتها تلك الحكومة ، والتي تضمنت انتماءات كل أعضائها بمن فيهم المستقل حسين الديماسي  المستقيل لاحقا وسريعا ، ومن انتمي للمؤتمر ، ومن انتمى للتكتل ومن انتمى للنهضة والتي تشير ورسميا ، إلى أن كلا من الحبيب الجملي والمنجي مرزوق ، هما كلاهما من النهضة ، وقد سوقت النهضة في مواقفها قبل اختيار مرشحها  في شهر نوفمبر لرئاسة الحكومة إلى أن كليهما مستقل ، وهو ما لم يصدقه أحد وإن تعاملت الطبقة السياسية بأكملها ، بعين مغمضة.
وإذ هناك مؤشرات توحي باحتمال ولو صغير بأن الأحزاب كلها إلا واحدا أو اثنين تفضل أن تتشكل حكومة ، ومستعدة للقبول بها والتصويت لها ، ولو لم تقبل الدخول فيها ، كما احتمال بأن يكون هناك عدد من النواب يهمهم نيل مناصب وزارية بما يعطيهم لمعان على الساحة السياسية يفتقدونها حاليا، إضافة  إلى أن أغلبية من النواب المنتخبين أخيرا يخشون من احتمالات فقدان مقاعد نالها أغلبهم بأعلى البقايا لا أصالة ، ويمكن في انتخابات سابقة لأوانها أن لا يحصلوا عليها ، فيجدون أنفسهم في التماس ، وتدل آخر استطلاعات الرأي أو ما تسرب عنها قبل استكمالها تشير إلى أن حزب عبير موسي هو الوحيد الذي قد يستفيد من انتخابات قادمة ، وهو أمر الاعتقاد السائد عامة لا يؤشر لأمر إيجابي ، فإن بقية الأحزاب بما فيها النهضة تخشى أن تفقد ما حصلت عليه أو بعض ما حصلت عليه ، وخاصة ما أعطتها الانتخابات الأخيرة  من مرتبة الأولى رغم أنها خسرت أكثر من مليون صوت بين 2011 و2019.
على أن في الطبقة السياسية  من يخشى من أمر آخر داخلي في انتظار المرور للأخطار الخارجية ، وهو تمركز السلطات كلها في يد النهضة ، وهي السلطة التشريعية الرقابية  بيد راشد الغنوشي  رئيس البرلمان ، والسلطة التنفيذية التي وإن ستكون على افتراض ذلك بين يدي الحبيب الجملي ، فإنها عائدة بطبيعة الرجل وانتماءاته غير المعلنة رسميا ، إلى نفس راشد الغنوشي ، كما إن السلطة القضائية العدلية بقيت وفق الكثير مما يقال بيد نورادين البحيري ،  إلا في الفترة القصيرة التي تولها  فيها محمد الصالح بن عيسى ، والذي سريعا ما أقيل وأشيع في حينه ، بأن للنهضة ضلع في إقالته زمن تقرب رئيس الحكومة  السابق الحبيب الصيد ، من الحركة الاسلامية على أمل البقاء في كرسيه  وإن لم يفده ذلك شيئا.
وإذ لم تعرف بعد شهرين ونصفا التوجهات التي ستكون لرئيس الجمهورية ، فإن  القرار الحكومي للسلط الثلاث الكبرى باقية بيد النهضة ، أكثر من أي وقت ، ولاحتى في سنتي 2012/2013 حيث كانت رئاسة الجمهورية بيد منصف المرزوقي ، ورئاسة البرلمان بيد مصطفى بن جعفر على الأقل اسميا، ورغم تقهر النهضة انتخابيا بصورة كبيرة حيث فقدت هي وأنصارها المقربين ،  أكثر من ثلثي مخزونها الانتخابي في 9 سنوات ، فإنها لم تحصل قط على هذا القدر من السلطات منذ الثورة التي لم تشارك فيها  وفي حراكها ـ  وإن كانت شاركت في إرهاصاتها بما نالها  من اضطهاد تماما مثل قوى اليسار ـ ولكنها ركبت  صهوتها ،  وجعلت راشد الغنوشي يجمع كل خيوط القرار بين يديه وحده.
ومن هنا فإن جانبا من النخبة المدنية الهوى ، لها خشية كبيرة اليوم ، من محاولات أخونة الدولة  والمجتمع  خاصة ،واستكمال التمكين ، الذي استمر طيلة السنوات التسع الأخيرة ، التي كانت فيها النهضة فاعلا أساسيا ، بالمشاركة في الحكم سواء مباشرة أو بالوكالة.
**
غير أن الأخطار المحدقة بتونس اليوم ليست داخلية فقط  ولكنها خارجية أيضا ، فليبيا والجزائر في مخاض شديد لا يعرف  أحد كيف سينتهي .
 وفي ليبيا فإن الحرب الكاسحة في الضواحي القريبة من طرابلس وسيطرة "الجيش الوطني " الليبي بقيادة الماريشال خليفة حفتر على 90 من التراب الليبي وفقا لتقارير محايدة ، والقوة الكاسحة التي يستعملها في محاولة غزو طرابلس ، بما يمكن أن يوقع خسائر فادحة في الأرواح ويؤدي إلى زحف قوي للهاربين من أتون الحرب نحو حدودنا بما ليس لنا قبل له ، لا من حيث الإيواء فقط ، ولكن خاصة التأكد من طبيعة اللاجئين الوافدين  وإن كانوا من إرهابيي الميليشيات المسيطرة على طرابلس ومصراتة حاليا ، أو من السكان العاديين الهاربين من وقع معارك ،  إنتقلت إلى استعمال أسلحة ثقيلة سواء من الجانب التركي -القطري – الايطالي  أو الجانب الاماراتي -المصري – الروسي – الفرنسي وغير هؤلاء ،
وفي كل الأحوال فإن تونس تواجه أخطارا كبيرة محدقة فإذا انتصر السراج وميلشياته المتأسلمة ، ومعه تركيا وقطر ، فإن خطر هذه الميليشيات سيمتد إلى تونس ، بمساعدة تركية  الراعية لحركة النهضة، ولا ننسى أن الحكم التركي الحالي يحلم باستعادة الخلافة ، التي كانت اسطنبول عاصمتها ، وربما كانت ليبيا وفي أعقابها تونس هي المجال الحيوي لتحرك في هذا الاتجاه.
وإذا انتصر حفتر وانتصب على حدودنا فإن ذلك يعني ، أن نجد مصر بكل قوة دفعها ، على حدودنا ، فيما الحكم النهضاوي يرى فيها العدو الأكبر اليوم بعد قضائه على حكم الإخوان في مصر ، فيما حفتر له بعض الموجدة حتى لا نقول العداء للحكم التونسي زمن النهضة ، وزمن السبسي – الغنوشي خلال السنوات الخمس الأخيرة التي تمت فيها مهادنة حكم السراج ، وغض النظر على الميليشيات الاسلاموية التي تسنده ، والتعامل باستعلاء  من جانب تونس ، مع حكم طبرق بما فيه من برلمان "شرعي " خرج من صناديق الاقتراع ، وتم طرده من العاصمة طرابلس .
غير أن الخطر الوافد من الشرق لا يضاهيه إلا خطر ربما يكون وافدا من الغرب، أي من الجزائر ، وإذ تم انتخاب "بتون " رئيسا للجمهورية بعد انتخابات يقول جانب من الجزائريين أنها لا تتمتع لا باشرعية ولا بالمشروعية، وبمشاركة 41 ونيف  في المائة من المسجلين في داخل الوطن الجزائري ، باستثناء جزائريي الخارج وأعدادهم بالملايين ، فإنه ينبغي انتظار يوم الجمعة المقبل لاستشفاف حقيقة الأمر ، وهل سيتواصل الحراك الشعبي أم لا ، وإذا تواصل فماذا تكون عليه مشروعية الرئيس الجديد ، الذي انتخب من الدورة الأولى بأكثر من 58 في المائة من الناخبين  ، فيما أن ولايات جزائرية كاملة من القبائل ( ليس بمفهوم القبيلة عندنا )  يسكنها  البربر  الأمازيغ ، قاطعت هذه الانتخابات ففي بجاية مثلا قارب عدد المصوتين الصفر بالنسبة للمسجلين ، وفي تيزي وزو  لم يكن الأمر أحسن من ذلك بكثير  ، ألا يؤدي هذا إلى شرخ في الجزائر الشقيقة ،  يهدد بكل الأخطار ، فيما ما زال الحرك حتى الجمعة الماضي ينادي باستبعاد الجيش من السلطة ، أي استبعاد قائد صالح رئيس الأركان وعراب الانتخابات ، وهو يحمل في نظر عدد كبير من الجزائريين ، وصمة اعتباره من حاشية الرئيس الأسبق المتخلي المعزول عبد العزيز بوتفليقة، وأن عليه أن يرحل هو وانتخاباته.
عدم استقرار الجزائر هو شوكة أخرى في جانب تونس ، تضاف إليها شوكة ليبيا ، واعطف عليها وضع تونس الداخلي الغامض.


الجمعة، 13 ديسمبر 2019

الموقف السياسي : هل تتشكل حكومة في تونس ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
هل تسير تونس
نحو انتخابات سابقة لأوانها؟
تونس / الصواب / 14/12/2019
تصفحت كتابا وجدته وأنا بصدد تنظيم مكتبتي الزاخرة بأكثر من 5000 كتاب ، من بينها 250 كتابا  إهداء ، من بينها 6 أو 7 كتب من إهداء رئيس الجمهورية الأسبق الدكتور منصف المرزوقي أيام صداقتنا الوثيقة ، استرعى الكتاب   انتباهي لأنه من تأليف كارلوس غصن ، والذين لا يعرفون كارلوس غصن فهو القابع حاليا في سجنه في اليابان ، بتهمة الفساد  بعد أن كان رئيسا مديرا عاما لرينو ونيسان ، وكان في اعتقادي أن الرجل كان مفترضا أن يتم تكريمه في طوكيو ، فلقد استنجدوا به قبل أكثر من عقد فأنقذ من إفلاس محقق شركة السيارات "نيسان " وجعل منها والتي كانت مهددة بالاختفاء واحدة من أكبر ثلاثة مصانع سيارات في العالم.
قرأت ما مفاده في هذا الكتاب أن الاقتصاد علم ، وأن هذا العلم له قواعده ، وأن معادلات تلك القواعد ، تؤدي إلى نتائج معلومة  بصورة مسبقة.
سألت نفسي : " لماذا نحن في تونس ، لا نتعلم مما يقول الناجحون ، ولماذا لا ندرس أسياب نجاحهم؟
في بدايات 2015 أصبت بخيبة أمل مرة عندما استدعى رئيس الجهورية الباجي قائد السبسي الحبيب الصيد  ليرأس الحكومة في بلد ينص دستوره على أن مرتكزه الأكبر هو رئاسة الحكومة ، أذكر أني كتبت أيامها في مثل هذا الباب وفي مثل هذه المدونة ، وهو ما تم نشره  لاحقا في عدد من الصحف في الداخل وفي الخارج :
"لقد اختار رئيس الجمهورية حذاء  على قدر مقاس رجله  يأتمر بأوامره ، وهو ما فعله مرة أخرى مع يوسف الشاهد ، وما حصل للمرة الثالثة عندما اختار راشد الغنوشي الحبيب الجملي ، ليكون رئيسا للحكومة ، في بلد يحتل فيه هذا المنصب المكانة المركزية في الحكم حيث ، تتجمع تفاعلات القرار بين يديه ، وبين يديه بالأساس".
وإذ لي تصور عن الملامح الرئيسية للحاكم الفعلي لأي بلد ، وخاصة إمساكه بتقنيات معينة ، تؤدي إلى نتائج إرادية ليست مصادفة ، فإني منذ اليوم الأول لتعيين راشد العنوشي للجبيب الجملي ، اقتنعت بأمر أساسي ، وهو أن من بيدهم القرار السياسي الأول ، سواء كان الباجي قائد السبسي أو اليوم راشد الغنوشي ، لم يكم من بين همومهم إخراج البلاد من محنتها ، وتدهور مقدراتها الاقتصادية وبالتالي وضعها الاجتماعي المهدد اليوم بكل الأخطار.
سؤال طرحته على نفسي منذ 5 سنوات ، وأعدت طرحه على نفسي قبل شهر ونيف ، وهو ما إذا كان القصد هو إنقاذ البلاد مما تردت إليه من حالة بلغت اليوم وضع اليأس إن لم يقع تدارك سريع.
وبعد قراءة كارلوس غصن ، وما أعرفه بكل تواضع ، فإني لم أر في اختيار لا الحبيب الصيد ولا يوسف الشاهد ولا الحبيب الجملي الاختيار الوفق ، واستنتجت وأرجو وبحرارة أن أكون مخطئا فخطئي وأنا من أنا تواضعا وزهدا في المسؤولية ، حتى عندما عرضت علي، ليس مهما ، بقدر أهمية من يتولى المسؤولية الأولى في البلاد ، ممن ينبغي أن يكون مسلحا بالمعارف التي تمكنه ، من تصورات الرؤى الكفيلة بالوصول إلى نتائج مبرمج لها ومعروفة واضحة في ذهنه ، ونحن في تونس لا ينقصنا الرجال و لا حتى النساء ،  من الحاملين لقدرات عالية من طاقات  استقراء الواقع ، واستنتاج أحواله ، وبالتالي تشخيص الأدواء ، ومنها وصف الدواء.
وعندما استقال زياد العذاري من كل مواقعه العالية في حزب النهضة ، رغم اختلافي المبدئي مع هذه الحركة ، التي دافعت عنها بشراسة عندما حق الدفاع و تحملت صاغرا ما نالني نتيجة ذلك الدفاع ودفعت الثمن راضيا ، شعرت أني أقف معه على نفس الموجة ، فهو بوطنيته المنغرسة في أعماق أعماقه كما قيل لي لاحقا ، لم يرض أن توكل مهمة القيادة الفعلية للبلاد بين أيد اعتقد وأعتقد معه أنها لن تكون في مستوى ، إدراك ما يجب أن يدرك والتحول إلى اتخاذ ما يلزم من قرارات ، لا بد أن تتخذ في أعلى مستوى ، باعتبار أن رئيس الحكومة هو أشبه بقائد الأوركسترا ، في غيابه يحضر النشاز .
وإذ أصابني ليلتها الأرق ، فلم يجد النوم طريقا إلى جفوني ، ولم أستطع ليلتها أن أطالع والمطالعة عي هوايتي المفضلة منذ الطفولة ، ولم أستسغ فيلما أشاهده ولا استطعت متابعة قطع موسيقية عربية أو غير عربية ، كلاسيكية أو خفيفة ، فإن خوفا أصابني بشأن مستقبل البلاد ، وليس مستقبلي فأنا في أرذل العمر ، ولكن أبنائي وأبناء الآخرين ، الذين أصابهم اليأس من البلاد ومستقبلها ، وبات أملهم الوحيد أن يتركوها ما استطاعوا لذلك سبيلا.
انقضى شهر من التكليف المتأخر ( كان ينبغي أن يعين  الجملي في 6 أكتوبر يوم ظهور النتائج الأولية للإنتخابات التشريعية لا في 8 نوفمبر أوما بعده وبعد ظهور النتئج النهائية)، وأعطيت للحبيب الجملي فرصة تشكيل الحكومة ، بلا رؤيا ولا بصيرة ولا أفق ، ولا حرية حركة ، وتم رميه في الماء وهو لا يحسن السباحة ،  فلا هو ذو تجربة ، ولن تسعفه مكتسبات سياسية واضحة  ولا اقتصاية  اجتماعية مركزة ، ولا يتمتع بأي كاريزما ، ففشل في تشكيل الحكومة ، وباستمرار الضبابية وعدم وضوح الرؤيا وتقييد يديه ورجليه من طرف النهضة ، فهل سيستطيع في شهر آخر تشكيل حكومة تفوز  بـ109 أصوات في البرلمان هي في حد ذاتها غير كافية.
وبالتركيبة الحالية لمجلس نيابي مشتت هل يستطيع بعد فشل مبرمج للجملي ، أن تتوفر فرصة أفضل لمن يحتمل أن يعينه رئيس الدولة ، وهل ستكون حظوظه أكبر ، وإلا هل سنذهب لانتخابات جديدة مكلفة  في شهر جوان أو  جويلية المقبل ، ولا من يقول بأن نتائجها ستكون أفضل أو أقل تشتتا ، وعندها نبقى تحت وطأة حكومة تصريف أعمال كانت رمزا للفشل حتى في زمن سطوتها واكتمالها بوزراء أصليين لا بالنيابة .

الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

الموقف السياسي : بدأ القطر يتساقط ولكن هل هو نافع ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
هل بقيت في تونس دولة ؟
هو عنوان لمقال كتبه المرحوم مصطفى الفيلالي في جريدة الصباح في غضون سنة 2013 إبان حكم الترويكا ، أو لنسم الأشياء بأسمائها حكم النهضة ، الذي تواصل منفردا أو بالشراكة وفي الخفاء على مدى السنوات الثمانية الأخيرة ، بالصورة التي جعلت حركة النهضة تحاول بدون جدوى ،  أن تتخلص من مسؤوليتها خلال كل السنوات التي حكمت فيها بالاشتراك مع نداء تونس وآخرين، أو من وراء ستار مثل وزراء العدل والداخلية في حكومات متعددة وخاصة في جكومة مهدي جمعة.
وفي الإعتقاد أن تدهور قيمة الدولة ، كفكرة عامة وكمؤسسات ، لم يكن مقصد النهضة ، ولكنه التصرف غير الواعي بجهل كامل بمعنى مقومات الدولة ، ومساراتها الضررية .
وإذ استرجع الباجي قائد السبسي المعاني الظاهرة والخفية لقيمة الدولة ، رغم الهنات الكبيرة التي اقتيد إليها ، ومنها تحطيمه لحزب كبير أسسه ، على مذبح رغبته الطاغية في تصعيد ابنه حافظ ربما لوراثته ، فإنه مات وترك مفهوم الدولة كما توصف به في العلوم السياسية غير راسخ في تونس ، وهو ما نجني ثماره المرة اليوم ، وسواء كان الباجي قائد السبسي قد أوصى فعلا للدكتور الزبيدي بالترشح للرئاسة بعد إحساسه بقرب  أجله أم لا.
ومن هنا نشهد اليوم تصرفات طفولية ، ورغم أن السياسة والأخلاق لا يتعايشان في غالب الأحيان،  فإن  الحد الأدنى لا بد أن يكون له حضور ، وسنتوقف عند أمرين ظاهرين ، ربما لا يقيم للغالب من الناس أهمية أو اهتماما لهما ، فهناك من لا يزال يعطيهما الأهمية :
أولهما أن للدولة نواميسها وأعرافها ، لا مجال فيها للكره أو المحبة ، ولا مجال فيها لاتفاق أو اختلاف ، وخاصة لا مجال فيها للحقد ،  وأنه لا بد من انتظار الوقت المناسب لاتخاذ قرارات الابعاد والإقالة.
ففي النظام الرئاسي تمكن المسارعة باتخاذ قرارات معينة ، لأن رئيس الدولة له القرار الأول والأخير ، أما في الأنظمة البرلمانية وحتى المعدلة وخاصة بالنسبة لبعض الواقع ، فالأمر يفترض طريقة مرنة وسلسة ، وموافقة ومراعية سواء للواقع الموجود أو لكرامة المسؤولين الحكوميين.
وثانيهما أنه لا بد من احترام أشكال معينة ، في القرارارات التي تهم رجالا أو نساء خدموا الدولة ، ولا بد من التعامل معهم بالصورة التي تقتضيها الأحوال.
وبدء بوزير الدفاع الذي هو رجل فوق الشبهات ، فقد كان وزيرا للدفاع في الحكومة التي كان يترأسها الوزير الأول الباجي قائد السبسي  سنة 2011، وقد تعهد مثل غيره من الوزراء في تلك الحكومة بعدم الترشح في أول انتخابات ستجري لمجلس تأسيسي منتظر ، وهو ما أوفى به فلم يترشح ، ولكن حمادي الجبالي رئيس الحكومة المنبثق عن انتخابات المجلس التأسيسي  ، وهو ابن بلد الزبيدي ، طلب من وزير الدفاع المغادر آنذاك أن يبقى في منصبه ، ولدينا معلومات مؤكدة أنه هو وحزبه النهضة كانا يرغبان بقوة في إبقائه في منصب وزارة الدفاع ، وسنرى أن النهضة كانت دوما  غير راغبة في هذه الوزارة على مدى الثماني سنوات الماضية ، وقد أحرج ( بضم الألف ) عبد الكريم الزبيدي أيما إحراج ، خاصة تجاه التزامه أمام الباجي قائد السبسي ،وهو رجل وفاء وعند احترام تعهداته ، ولكن معلومات أكيدة عندي منذ 2011 تفيد بأن الباجي قائد السبسي عندما علم بالأمر حله من التزامه دون غيره ، ربما لأمر في نفس يعقوب، وبغرض أن لا تسقط وزارة الدفاع في يد النهضة ، التي كانت تغمز بقوة تجاه وزارتين سيادتين مهمتين وقتها ، هما وزارة العدل ووزارة الداخلية، وقد نالتهما وادخلتهما منذ ذلك الحين في البوتقة في تقدير الكثيرين.
الذين يعرفون عبد الكريم الزبيدي يقولون عنه إنه رجل شديد الاستقامة ، مصاب بشيء من الزهد ، خصوصا وأنه فقد ابنه الوحيد وأمله في الحياة في حادث مرور، وهو ليس ممن يطلب لا جاها ولا مالا ، معروف عنه أنه من أهل الثقة والكفاءة يجمعهما بصورة طبيعية .
غير أنه على ما يبدو معروف عنه ، أنه رجل عنيد ، وغير قابل للإنحناء لأي كان.
 ولقد كانت وفق التقديرات التي كانت تبلغنا ، أن علاقاته لم تكن سيئة مع يوسف الشاهد ، رغم ما يراه فيه من عدم وفاء ، تجاه الرجل الذي صنعه من لاشيء أي الباجي قائد السبسي .
ولكن كان هناك سببان لتدهور هذه العلاقة ، فقد كان كل منهما يعتقد أن الآخر حرمه من أن يكون رئيسا للجمهورية في الانتخابات الرئاسية السابقة لأونها، ويعتقد الشاهد ، أن الزبيدي لم يكن في الوارد أن ينافسه بالمطلق على المنصب ، واعتقد وربما ما زال يعتقد أنه لولا ترشح الزبيدي للرئاسة لحصد أصواته وأصوات منافسه ، ولكان نجح منذ الدور الأول في الحصول على مرتبة أولى تؤهله للنجاح بكفاءة كبيرة في الدور الثاني ، أمام هذا " الوافد الغريب" قيس سعيد الذي لم يكن في الحسبان،  ولو نجح في الدور الاول في اقتلاع مركز متقدم يؤهله للمرتبة الأولى ، لكان حزبه " تحيا تونس " وهو ما يفكر الكثيرون في صحته ، قد زحف بقوة كبيرة في الانتخابات التشريعية  ولاقتلع بجدارة الموقع الأول إزاء النهضة ، وإزاء قلب تونس ، الذي ما كان له أن يترشح لا رئاسيا ولا تشريعيا ، بفضل القانون الاقصائي الذي سنه البرلمان ووافقت عليه في غفلة من الزمن  الهيئة الوقتية لدستورية القوانين، و" رفض" السبسي إمضاءه.
غير أن "حقد"  الشاهد على الزبيدي لم يتوقف عند ذلك الحد ، بل ازداد حدة ، بعد الدعوة التي وجهها لكل الوسطيين الحداثيين لرص الصفوف في الانتخابات التشريعية ، بعد "كارثة " الانتخابات الرئاسية ، فالزبيديين الذين لم يكونوا منضوين تحت لواء حزب ، ولكنهم تشكلوا في مجموعة ضمت قرابة 11 من الناخبين ، اعتقدو جازمين أن الشاهد ، الذي لم يتعود على " الوفاء " حتى أمام صاحب نعمته ، لا يمكن الاطمئنان على جانبه ، فرفضوا كما رفض هو علانية ، أن يضموا صفوفهم إلى صفوف " تحيا تونس " بصورة تمكنه من نيل ، المرتبة الأولى التي كان يطمح لها لا في الانتخابات التشريعية  ، وإذ إن الأصوات التي حصل عليها الزبيدي في الدورة الأولى للإنتخابات الرئيسية ليست ملكا له ، فلو إنه أعطى حتى مجرد تمنيات بأن تذهب لحزب " تحيا تونس " فإن المؤكد أنه يكون في موقع أفضل في البرلمان.
غير أن للزبيدي بدوره مآخذ كبيرة على الشاهد ، وهو وسواء كان ذلك صحيحا أم لا يعتبر نفسه مكلفا بمهمة من قبل الباجي قائد السبسي ، فهو آخر رجل عمومي تقابل مع الرئيس الذي بات  هو الآخر أسبقًا  ، ويقال إنه طلب منه الترشح لرئاسة الجمهورية باعتباره يثق فيه ، ربما معتقدا إن صحت هذه الرواية أن شتات  نداء تونس ، سيصوت للرجل محل ثقة الرئيس السابق ، وربما لم يكن هذا التحليل خاطئا ، فإن عددا من قيادات  التنسيقيات التابعة لتحيا تونس  طلبت من منظوريها أن يصوتوا للزبيدي ، لا للمرشح الطبيعي للحزب الذي ينتمون إليه ، ومن هنا قاربت النسبة التي حصل عليها الزبيدي قرابة 11 في المائة فيما كانت النسبة التي حصل عليها يوسف الشاهد حوالي 8 في المائة ، ويرى أنصار الشاهد ،  أنه لو لم يشوش عليه ترشيح الزبيدي ، لجاء أولا في سباق الدور الأول ، بينما يراها الزبيدي وأنصاره عكسا بعكس ، معتقدين أنه لوجرت انتخابات تمهيدية لمن يسمون أنفسهم بالحداثيين ، لجاء الزبيدي أولا ، ولحق له دون غيره أن يكون اليوم رئيسا للجمهورية ، ولكنه الغباء السياسي هو الذي حرمهم من تلك الإمكانية التي كانت في متناول اليد ، وأن الشاهد هو الذي فوت الفرصة ، فلا فاز ولا ترك من يفوز.
بعد البدء يمكن  للمرء أن يمر لأمر خميس الجهيناوي ، الذي يعتبره الكثير   من المهنيين ديبلوماسيا ناجحا ، ولكنه وصل إلى حدوده بتعيينه وزيرا للخارجية son seuil d’incompétence  . غير أنه خدم البلاد بكل إخلاص وفي حدود الإمكانيات التي يتمتع بها، وفي كل الأحوال فهو لا يستحق المعاملة التي عومل بها مع ما تحمله من احتقار ليس حقيقا به ، فهو إذا كان في حقبة من حياته قد مثل بلاده في إسرائيل ، فهو كالجندي الذي لا يحق له أن يهرب من المعركة ، عندما يعين لخوضها ، ولم يكن أيامها في التسعينيات بالديبلوماسي المرموق اللامع ، ليقدم على ما أقدم عليه من عين سفيرا لمصر في إسرائيل ، وهو يجر وراءه ماض ديبلوماسي حافل ، فيرفض المنصب ، ويقفز إلى منظمة دولية مرموقة ينهي فيها حياته العملية .
فالموظف عموما ومنذ دخوله الوظيفة العمومية يصبح في وضع المنفذ للتعليمات ، أو عليه الاستقالة وأحيانا القبول بالتشرد ، والتعيين مثل هذا ليس تطوعا ، هذا ليس دفاعا عن الرجل ، وأنا أعرف سواء عن طريق المرحوم ياسر عرفات أو الرئيس الحالي أبومازن والمفاوض الفعلي في أوسلو، وإذ نسيت اسمه قإن لقبه كان عصفور ،  أن السلطة الفلسطينية الوليدة كانت تبحث عن سند ، وأن سلطات أجنبية متعددة ومعينة كانت تدفع في ذلك الاتجاه ، لتبادل ممثلين ، منهم من جاء إلى تونس ، ورفض التونسيون تأجير بيت لإقامتهم ف، بقوا في الفنادق حتى انتهاء مدة ذلك الأمر، ونكوص إسرائيل عن اتفاقيات أسلو.
**
إن تسيير الدولة أي دولة لا يقوم على العواطف ولا على الكره والمحبة ، وخاصة لا على الحقد ، ألم يكن من الأجدر حتى إن لم تقدم استقالة ، أن يطلب من غير المرغوب فيهم أن يقدموا استقالتهم ، حفظا لما ءوجههم ، فلهم عائلات ولهم أصدقاء ينبغي الحفاظ على مشاعرهم ، كما هو الشأن في الدول التي تقوم على قيم.
وفوق هذا وذاك يبدو وأن لعبة أطفال تجري في أعلى مستويات الدولة ، وإلا ماذا كان  يضير لو تم الانتظار أسابيع ، فيوسف الشاهد ، وأمام استحالة تعيين وزراء بالأصالة ، لعدم وجود برلمان ، وحتى في حال وجوده لا يملك أغلبية 109 أصوات ، لا يمكن أن يحكم بالنيابات الوزارية وقد تكاثرت في عهده وفاض كأسها، وهي لا تعتبر بحال علامة صحة .
والحالة الوحيدة التي يذكرها لنا التاريخ المعاصر هو ما جرى لرجل الدولة الكبير إسماعيل خليل ، بعد الموقف الذي اتخذه في اجتماع الجامعة العربية ، على إثر الاجتياح العراقي للكويت ، حيث أبقي في بيته 26 يوما ،  قبل أن يعين خلفا  له في شخص عبد الرحيم الزواري دون أن يذكر اسمه ـ إسماعيل خليل ـ البتة ، فلم يدع للاستقالة ولا سمح له بالاستقالة ولم يقع إعفاؤه ، كل ذلك قبل أن يقع اللجوء إليه ليذهب سفيرا في واشنطن ،  لرأب الصدع في العلاقات مع الولايات المتحدة التي تضررت أي ضرر أيامها مع الرئيس الأسبق بن علي.

الجمعة، 25 أكتوبر 2019

من الذاكرة : الرئيس قيس سعيد ... مسكون بالثورة

من الذاكرة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
قيس سعيد المسكون بالثورة
تونس / الصواب / 25/10/2019
في انتظار بدء اجتماع لجمعية النهوض بالدراسات القانونية التي كان وما زال يرأسها العميد الأزهر القروي الشابي ، وكنت وما أزال مبدئيا كاتبها العام ، التقينا 4 أشخاص في مكتب الأساتذة في كلية العلوم القانونية ، عميد المحامين السابق ووزير العدل السابق ، وعضو لجنة تسوية إشكال رابطة حقوق الانسان في أواخر 2010 وأوائل 2011 ، والعميدة نائلة بن شعبان عميدة كلية العلوم القانونية ، والسيد قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري بالكلية ، والذي سيصبح لاحقا رئيسا للجمهورية ، وأنا كاتب عام الجمعية وعمدتها ككل كاتب عام، وفي انتظار اجتماع هيئة الجمعية دار حديث شيق ربما كان ذلك في غضون سنة 2013 إذا لم تخني الذاكرة ، حول ما إذا ما كان  ما  حدث  سنة 2010/2011 يمكن اعتباره ثورة ، أو هو مجرد انتفاضة ، ولا أريد أن أتحدث باسم أحد ولكن شعوري أو الباقي من شعوري عن تلك الفترة أن ثلاثتنا فيما عدا قيس سعيد كانت لنا وجهات نظر متباينة  ، وانبريت شخصيا للقول في ظل التحفظ السائد أن الثورات يسبقها فكر كما هو شأن الثورة الفرنسية وما اعتمدته من مبادئ فلسفها عدد من كبار المفكرين أمثال فولتير و مونتسكيو ، وحتى من الانجليز لوك وهوبس ، أو الثورة البلشفية التي فلسفها ماركس وأنجلز  ، وحتى الثورة الإيرانية أو ما سمي كذلك وقد سبقها فكر وإن كان متراجعا عن عصره يمكن تلخيصه في الإمام الخميني ،
ثم ومن جهة أخرى فإن للثورات دائما قيادات تتولاها وترعاها وتقــــودها إلى النصر ، ثم تتولى شأنها بعد انتصارها ، وثالثا فإن الثورات تهز عروش القائم وتسقطها أحيانا وفي الغالب بعنف شديد ودماء غزيرة.
وثلاثتها لم تتوفر للثورة التونسية ، فلم يسبقها فكر لا تقدمي ولا رجعي ،  ولا تولتها قيادة سترث نظاما يتهاوى بعد أن تكون قادت خطى الثورة ومراحلها ، كما إن النظام القائم قد أبقي عليه بعد أن هرب رأسه ، فتولت السلطة إلى حين  نفس المجموعة أو تكاد ممن كانوا يحكمون ،  حتى تفرض صناديق الإقتراع وجهة أخرى ودستورا آخر.
غير أن قيس سعيد استبعد كل هذه الاعتبارات التي تقوم عليها الثورة عادة ، معتبرا يومها أن الثورة التونسية ليست ثورة نمطية  فهي ثورة atypique يمكن القول أنها متفردة  ، ولكن ما يجعلها تتمتع بمقومات الثورة ، هو أنها هي التي فتحت الباب أمام ثورات كبيرة خاصة في الشقيقة مصر ، التي أظن أنها لم تشهد وقتها لا تمرد الشباب بالملايين ضد حكم الرئيس محمد مرسي ، ولا استيلاء العسكر على الحكم "الشرعي "ولا على نتائج تمرد الشباب l’insurrection وهو التمرد الذي نظرله  ( بتشديد الظاء) دستور الجمهورية المنبثقة عن الثورة الفرنسية،  والاعلان العالمي لحقوق الانسان .
فكان من رأي قيس سعيد أن ما حصل في تونس هو ثورة بأتم معنى الكلمة ، تندرج في عصرها ، أي عصر المواصلات بكل أشكالها ، ونهاية الحدود ، وسيادة الاتصالات الاجتماعية عبر الفايس بوك و تويتر ، وأصداء محطات التلفزيون التي لم تعد تقف أمامها حدود ولا حواجز.
وكان من رأي قيس سعيد وقتها إن كنت أمينا في نقل فكرته  وإن حف لي ،هو أن ما حصل في تونس وما حصل نقلا عنها في أصقاع عربية عديدة ، يستجيب لمفهوم الثورة في هذا العصر ، ومقوماتها التي لم تعد تحتاج لما كانت عليه في أزمان غابرة ، فالأفكار والنظريات تتنقل بسرعة الضوء وتفعل فعلها في الجماهير التي تحولت إلى فاعل أصلي ، فلم تعد لا ثورة البورجوازية على الاقطاع أو الكنيسة ، ولا ثورة البروليتاريا على الارستقراطية والملاك المستغلين ، ولا الملالي على نظام مجتمعي يرونه مبتعدا بالناس عن دينهم والنظام المجتمعي الذي ينبغي أن يسود.
وإذ أرجو ومن الذاكرة فقط أن لا أكون تعديت على ما كان يفكر فيه  آنذاك رئيس الجمهورية  اليوم  ، فإني خرجت يومها بأن قيس سعيد كان مسكونا بالثورة ، ولعله منذ ذلك الحين  وربما قبله كان  مقتنعا بأنه هو الأقدر على تحقيق أهدافها . فليفعل ولنرى.


الأحد، 20 أكتوبر 2019

الصواب ____ASSAWAB: الموفف السياسي : مستقبل يكتنفه الغموض ؟

الصواب ____ASSAWAB: الموفف السياسي : مستقبل يكتنفه الغموض ؟: الموقف السياسي يكتبه عبد اللطيف الفراتي رئيس جديد ..   حكومة جديدة .. ولكن البلاد إلى أين ؟ تونس/ الصواب/ 20/10/...

الموفف السياسي : مستقبل يكتنفه الغموض ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
رئيس جديد ..
 حكومة جديدة ..
ولكن البلاد إلى أين ؟
تونس/ الصواب/ 20/10/2019
تتجه النية إلى تشكيل حكومة برئاسة النهضة ، وغالبا  من غير  رئيس النهضة راشد الغنوشي، ذلك أن أغلبية برلمانية واضحة تبدو في متناول اليد ، ولولا ذلك لما غامر رئيس الحركة ، ودخل هو وحزبه  رهانا لا يمكن إلا أن يكون رابحا ، فقد أخذت تتضح أغلبية من النهضة 52 نائبا ، وائتلاف الكرامة  20 نائبا  ، وحزب الرحمة  4 نواب تحبا تونس أو جانب من تحيا تونس 13 نائبا  ، وعدد من المستقلين " المضمونين "  لا يعرف عددهم بما في ذلك احتمال ، التمكين من مناصب في الحكومة الجديدة ، في ما أن التيار الديمقراطي سيردف أصواته بالأغلبية الحكومية 20 صوتا  ( لعدم وضع العصا في العجلة ) دون أن يقبل أي عضوية فيها ، ما لم يقع منحه وزارات العدل والداخلية والاصلاح الإداري – لمقاومة الفساد-  ، وربما صوت نواب من قلب تونس لفائدة هذه الحكومة لعدم قطع شعرة معاوية  (رغم الفيتوالقطعي  من قبل القيادات النهضوية ؟).
وإذ يمكن تمرير هذه الحكومة بأغلبية قصيرة ، لا تجعلها في مأمن من المفاجآت ، ولكن بعد الستة أشهر التي نص عليها الدستور، لعدم إسقاطها أو التصويت على لائحة لوم ضدها، أو سحب الثقة منها.
 فبعد 180 يوما يمكن أن تصبح هذه الحكومة في مهب الرياح  ، التي يمكن أن تعصف بها في كل حين ووقت ، ما يذكر بمصير حكومات الجمهورية الفرنسية الرابعة ، التي كان  معدل عمر الحكومات فيها لا يفوق 6 أشهر ، مع حصول حالات لم يصل فيها عمر الحكومة إلى شهرين.
ولعله ومما يزيد في هشاشة الوضع أمران اثنان :
أولهما أن رئيس الجمهورية المنتخب ، والذي سيتم تنصيبه الأربعاء المقبل ، ليس مضمونا ، ولم تتبلور صورته ، وصورة مشروعه عند أحد لا لدى الأحزاب ولا عند الشعب ، وهو محل نقطة استفهام كبيرة ، وهو وإن ساندته النهضة بقوة في مرحلة الترشيح الثانية ، فقد فاجأها مفاجأة غير سارة بما بدا علـــيه من شعبية عالية ، تجعل مركزه  أكثر مما كانت تتمناه  له النهضة ، ويجعل عوده أصلب أمامها باعتبارها ، الحزب الأول في البلاد ولنقل تجاوزا الحزب الأغلبي ، ولنا عودة لاحقة حول الموضوع.
ثانيهما أن الحكومة مهما كانت ستكون في وضع هشاشة كبرى وعليها ، أن تعيش وعينها مفتوحة ليلا نهارا ، ولن يستطيع الحزب الحاكم وقد كان دائما حاكما منذ 2012 ولكن ليس دائما في الصدارة ، وحتى إن أمكنت صياغة برنامج مشترك ، فإن تباعد المواقف الذي سيظهر في التصرف اليومي ، والاختلافات والفوارق تجعل الحكومة على كف عفريت ، ويكفي أن يستقيل عضو أو أكثر منها لتصبح في وضع أقلي ، لا يمكنها معه أن تعوضه بدون توفر 109 أصوات على الأقل.
وإذ لا يمكن لأحد أن يشكك في شرعية ومشروعية البرلمان ، رغم تشكيك في النزاهة من جهتين لا يرقى لهما الشك وهما الهيئة العليا للاعلام السمعي البصري والتي تتحدث بوثوق عن ارتكاب عدد من الجرائم الانتخابية التي كان ينبغي أن تفضي لسقوط أفراد وقائمات خاصة من مرشحي النهضة وقلب تونس ، ولكن الايزي لم تكن من الشجاعة لمجابهة الحزبين الكبيرين ، وأيضا هيئة شوقي الطبيب التي تشير بأصبع غير مرتعش لدور المال.
إذن رغم هذه الهنات فإنه يبقى على الأقل من الجهة الشكلية ، أمر الشرعية والمشروعية غير مطعون فيهما ، ولكن هناك أمر آخر ، يعود إلى طبيعة طريقة الاقتراع بالنسبية على القائمات مع أعلى البقايا ، فقد أظهرت النتائج بعد تحليلها أن 25 في المائة فقط من النواب المنتخبين تم انتخابهم مباشرة  وأصالة (54 نائبا من 217) وأن البقية كلهم منتخبون بأعلى البقايا أي 163 نائبا ، من بينهم من حاز فقط على 380 صوتا ، فيما الأول تميز بـ24 ألف صوت ، وهذا وإن طرح مسألة قلة عدالة هذه الطريقة الانتخابية ، فإنه لا يقلل من شرعية ومشروعية المنتخبين.
وفي ما يلي قائمة توضيحية للكيفية التي تم بها انتخاب النواب:
**
إن النسبة الكبيرة جدا التي فاز بها الرئيس قيس سعيد في الدورة الثانية هي نسبة غير معهودة في الدول الديمثراطية ، وإن كانت هناك سابقة في فرنسا في أوائل هذا القرن ، عندما فاز الرئيس شيراك اليميني على منافسه لوبان اليميني المتطرف بـ80 في المائة من الأصوات ، ولكنه اغترف أصوات كل العائلات السياسية وقوفا في وجه أقصى اليمين الموصوف بالعنصري.
ولعل هذه النسبة أخافت كل الأطراف السياسية ، وفي مقدمتها الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في التشريعيات أي حزب النهضة ، الذي لم يخف أمام فرحته الظاهرة بخشية حقيقية أو فعلية من أن يعتبر قيس سعيد هذا الفوز استفتاء plébiscite  يعطيه وزنا يسمح له بكل شيء.
ففي بلد ديمقراطي وعندما يفوز شخص ولو رئيس جمهورية بـ 72.71 قي المائة من الأصوات أي 2.777 مليون صوت فإنه يعطيه وزنا ، قد يفوق الصلاحيات التي يمنحها له الدستور.
وفي نظر عدد من أنصاره ، فإنه إن لم يستطع فرض وجهات نظره خاصة بالنسبة لتنظيم مؤسسات الدولة  بواسطة استعمال الادوات الدستورية ،  فإن بإمكانه أن يشهد " شعبه " أي الذين صوتوا له ، ويطلب خروجهم للشارع طلبا لتحقيق مشاريعه ، وهو ما فعله الجنرال ديغول سنة 1958 ، وفرض بواسطته قيام الجمهورية الخامسة في بلاده.
ومن شأن هذا السيناريو أن يخيف طبقة سياسية هي في غالبها لا تريد أن تعاكس نص وروح الدستور ، خوفا من أن ينقلب عليها.
غير أن جهات أخرى لا ترى هذا الرأي ، وتعتقد أن " شعب " قيس سعيد لا يفوق بأي شكل عدد الذين صوتوا له في الدورة الأولى ، وأن الآخرين من الوافدين ، قد خاقوا خوفا شديدا مما أحاط بسمعة منافسه نبيل القروي من سيء الصيت خصوصا بعد الحملة الكبيرة التي نظمتها له النهضة ، على إثر ما نشر من وثائق اتهمته فيها بالتمويل الخارجي والتعامل مع إسرائيل ، وهي حملة شملت كذلك عيش تونسي وامتدت حتى إلى النهضة ، ولكنها فعلت فعلها الكبير مع القروي وحزبه ، وبعد أن كان في التشريعيات ووفقا لاستطلاعات الرأي تونسية وأجنبية  يحتل مرتبة أولى مريحة ، تدحرج إلى مرتبة ثانية بعيدة بحوالي 14 مقعدا ، بحيث لم يعد  جزبه مدعوا لتشكيل الحكومة ، وانهار في الانتخابات الرئاسية.
وبين هذا الرأي وذاك عن القدرات الفعلية لقيس سعيد ، لتعبئة الشارع بحيث يفرض أجندته الخاصة ، حتى على النهضة ،  والرأي الآخر ، الذي يقلل من تلك القدرات ، لا بد من انتظار العلاقة بين ذراعي السلطة التنفيذية ، هل ستكون متوترة أم ستكون هادئة ؟