Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 20 أكتوبر 2019

الموفف السياسي : مستقبل يكتنفه الغموض ؟

الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي
رئيس جديد ..
 حكومة جديدة ..
ولكن البلاد إلى أين ؟
تونس/ الصواب/ 20/10/2019
تتجه النية إلى تشكيل حكومة برئاسة النهضة ، وغالبا  من غير  رئيس النهضة راشد الغنوشي، ذلك أن أغلبية برلمانية واضحة تبدو في متناول اليد ، ولولا ذلك لما غامر رئيس الحركة ، ودخل هو وحزبه  رهانا لا يمكن إلا أن يكون رابحا ، فقد أخذت تتضح أغلبية من النهضة 52 نائبا ، وائتلاف الكرامة  20 نائبا  ، وحزب الرحمة  4 نواب تحبا تونس أو جانب من تحيا تونس 13 نائبا  ، وعدد من المستقلين " المضمونين "  لا يعرف عددهم بما في ذلك احتمال ، التمكين من مناصب في الحكومة الجديدة ، في ما أن التيار الديمقراطي سيردف أصواته بالأغلبية الحكومية 20 صوتا  ( لعدم وضع العصا في العجلة ) دون أن يقبل أي عضوية فيها ، ما لم يقع منحه وزارات العدل والداخلية والاصلاح الإداري – لمقاومة الفساد-  ، وربما صوت نواب من قلب تونس لفائدة هذه الحكومة لعدم قطع شعرة معاوية  (رغم الفيتوالقطعي  من قبل القيادات النهضوية ؟).
وإذ يمكن تمرير هذه الحكومة بأغلبية قصيرة ، لا تجعلها في مأمن من المفاجآت ، ولكن بعد الستة أشهر التي نص عليها الدستور، لعدم إسقاطها أو التصويت على لائحة لوم ضدها، أو سحب الثقة منها.
 فبعد 180 يوما يمكن أن تصبح هذه الحكومة في مهب الرياح  ، التي يمكن أن تعصف بها في كل حين ووقت ، ما يذكر بمصير حكومات الجمهورية الفرنسية الرابعة ، التي كان  معدل عمر الحكومات فيها لا يفوق 6 أشهر ، مع حصول حالات لم يصل فيها عمر الحكومة إلى شهرين.
ولعله ومما يزيد في هشاشة الوضع أمران اثنان :
أولهما أن رئيس الجمهورية المنتخب ، والذي سيتم تنصيبه الأربعاء المقبل ، ليس مضمونا ، ولم تتبلور صورته ، وصورة مشروعه عند أحد لا لدى الأحزاب ولا عند الشعب ، وهو محل نقطة استفهام كبيرة ، وهو وإن ساندته النهضة بقوة في مرحلة الترشيح الثانية ، فقد فاجأها مفاجأة غير سارة بما بدا علـــيه من شعبية عالية ، تجعل مركزه  أكثر مما كانت تتمناه  له النهضة ، ويجعل عوده أصلب أمامها باعتبارها ، الحزب الأول في البلاد ولنقل تجاوزا الحزب الأغلبي ، ولنا عودة لاحقة حول الموضوع.
ثانيهما أن الحكومة مهما كانت ستكون في وضع هشاشة كبرى وعليها ، أن تعيش وعينها مفتوحة ليلا نهارا ، ولن يستطيع الحزب الحاكم وقد كان دائما حاكما منذ 2012 ولكن ليس دائما في الصدارة ، وحتى إن أمكنت صياغة برنامج مشترك ، فإن تباعد المواقف الذي سيظهر في التصرف اليومي ، والاختلافات والفوارق تجعل الحكومة على كف عفريت ، ويكفي أن يستقيل عضو أو أكثر منها لتصبح في وضع أقلي ، لا يمكنها معه أن تعوضه بدون توفر 109 أصوات على الأقل.
وإذ لا يمكن لأحد أن يشكك في شرعية ومشروعية البرلمان ، رغم تشكيك في النزاهة من جهتين لا يرقى لهما الشك وهما الهيئة العليا للاعلام السمعي البصري والتي تتحدث بوثوق عن ارتكاب عدد من الجرائم الانتخابية التي كان ينبغي أن تفضي لسقوط أفراد وقائمات خاصة من مرشحي النهضة وقلب تونس ، ولكن الايزي لم تكن من الشجاعة لمجابهة الحزبين الكبيرين ، وأيضا هيئة شوقي الطبيب التي تشير بأصبع غير مرتعش لدور المال.
إذن رغم هذه الهنات فإنه يبقى على الأقل من الجهة الشكلية ، أمر الشرعية والمشروعية غير مطعون فيهما ، ولكن هناك أمر آخر ، يعود إلى طبيعة طريقة الاقتراع بالنسبية على القائمات مع أعلى البقايا ، فقد أظهرت النتائج بعد تحليلها أن 25 في المائة فقط من النواب المنتخبين تم انتخابهم مباشرة  وأصالة (54 نائبا من 217) وأن البقية كلهم منتخبون بأعلى البقايا أي 163 نائبا ، من بينهم من حاز فقط على 380 صوتا ، فيما الأول تميز بـ24 ألف صوت ، وهذا وإن طرح مسألة قلة عدالة هذه الطريقة الانتخابية ، فإنه لا يقلل من شرعية ومشروعية المنتخبين.
وفي ما يلي قائمة توضيحية للكيفية التي تم بها انتخاب النواب:
**
إن النسبة الكبيرة جدا التي فاز بها الرئيس قيس سعيد في الدورة الثانية هي نسبة غير معهودة في الدول الديمثراطية ، وإن كانت هناك سابقة في فرنسا في أوائل هذا القرن ، عندما فاز الرئيس شيراك اليميني على منافسه لوبان اليميني المتطرف بـ80 في المائة من الأصوات ، ولكنه اغترف أصوات كل العائلات السياسية وقوفا في وجه أقصى اليمين الموصوف بالعنصري.
ولعل هذه النسبة أخافت كل الأطراف السياسية ، وفي مقدمتها الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في التشريعيات أي حزب النهضة ، الذي لم يخف أمام فرحته الظاهرة بخشية حقيقية أو فعلية من أن يعتبر قيس سعيد هذا الفوز استفتاء plébiscite  يعطيه وزنا يسمح له بكل شيء.
ففي بلد ديمقراطي وعندما يفوز شخص ولو رئيس جمهورية بـ 72.71 قي المائة من الأصوات أي 2.777 مليون صوت فإنه يعطيه وزنا ، قد يفوق الصلاحيات التي يمنحها له الدستور.
وفي نظر عدد من أنصاره ، فإنه إن لم يستطع فرض وجهات نظره خاصة بالنسبة لتنظيم مؤسسات الدولة  بواسطة استعمال الادوات الدستورية ،  فإن بإمكانه أن يشهد " شعبه " أي الذين صوتوا له ، ويطلب خروجهم للشارع طلبا لتحقيق مشاريعه ، وهو ما فعله الجنرال ديغول سنة 1958 ، وفرض بواسطته قيام الجمهورية الخامسة في بلاده.
ومن شأن هذا السيناريو أن يخيف طبقة سياسية هي في غالبها لا تريد أن تعاكس نص وروح الدستور ، خوفا من أن ينقلب عليها.
غير أن جهات أخرى لا ترى هذا الرأي ، وتعتقد أن " شعب " قيس سعيد لا يفوق بأي شكل عدد الذين صوتوا له في الدورة الأولى ، وأن الآخرين من الوافدين ، قد خاقوا خوفا شديدا مما أحاط بسمعة منافسه نبيل القروي من سيء الصيت خصوصا بعد الحملة الكبيرة التي نظمتها له النهضة ، على إثر ما نشر من وثائق اتهمته فيها بالتمويل الخارجي والتعامل مع إسرائيل ، وهي حملة شملت كذلك عيش تونسي وامتدت حتى إلى النهضة ، ولكنها فعلت فعلها الكبير مع القروي وحزبه ، وبعد أن كان في التشريعيات ووفقا لاستطلاعات الرأي تونسية وأجنبية  يحتل مرتبة أولى مريحة ، تدحرج إلى مرتبة ثانية بعيدة بحوالي 14 مقعدا ، بحيث لم يعد  جزبه مدعوا لتشكيل الحكومة ، وانهار في الانتخابات الرئاسية.
وبين هذا الرأي وذاك عن القدرات الفعلية لقيس سعيد ، لتعبئة الشارع بحيث يفرض أجندته الخاصة ، حتى على النهضة ،  والرأي الآخر ، الذي يقلل من تلك القدرات ، لا بد من انتظار العلاقة بين ذراعي السلطة التنفيذية ، هل ستكون متوترة أم ستكون هادئة ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق